أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الفلسفة بين الشرق والغرب














المزيد.....

الفلسفة بين الشرق والغرب


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7924 - 2024 / 3 / 22 - 17:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٦٩ - الفلسفة بين الشرق والغرب

في نهاية الأمر، يبدو أن مغامرة بارمينيدس ليست أكثر من مغامرة لغوية لم يكن الهدف منها البحث عن الحقيقة المطلقة أو الوجودية، وإنما الحقيقة العلمية الفيزيائية المادية، وذلك بدراسة ما هو كائن وعدم الإهتمام بما لايكون، أو هذا على الأقل ما يمكن إستنتاجه من دراسة موريس ساشو التي ذكرناها سابقا. وبالتالي يصبح بارمينيدس من أوائل الذين لا حظوا "العدم" أواللاشيء، تحدثوا عنه وأعلنوا دخوله عالم الفكر الفلسفي، قبل أن يقرروا نفيه خارج حدود الفلسفة والنصح بعدم الإقتراب منه أو الإهتمام به لأنه طريق مسدود. ومع ذلك منذ هذا الوقت أصبح العدم فصلا من فصول الفلسفة وجزءا لا يتجزأ من الكينونة عموما ومن الوجود الإنساني خصوصا. وإذا سلمنا بأن فكرة العدم، وبالتالي مفهوم العدمية تغوص عميقا في جذور الحضارة الغربية لكونها نابعة أساسا من المغامرة الفلسفية الإغريقية، فإنه ينبغي بالضرورة معاينة هذه المفاهيم مثل الكينونة والعدم والذي يكون ولا يكون من زاوية معاصرة ومعالجتها في ضوء الأوضاع الفكرية والإجتماعية والسياسية على المستوى الإنساني العام وليس فقط كمفاهيم تنتمي للتراث اليوناني أو لميراث الغرب. والفلسفة والفكر عموما في الوقت الحاضر لم يعد محصورا أو محددا ببقعة جغرافية معينة أو مجتمع بعينه. رغم أن فيلسوفا في قامة هايدغر يرفض أن تكون الفلسفة ملكا عاما لجميع الشعوب والمجتمعات واللغات، بل يعتبر الفلسفة نتاج حصري لعبقرية اللغة اليونانية وبالتالي للحضارة الأوروبية، ويعتبر أن الفلسفة اليونانية بداية من سقراط، هي ماهية وجوهر هذه الحضارة. ويذهب إلى حد إعتبار كل المراحل الأولية للفلسفة، وكل الفلاسفة ما قبل سقراط ليسوا فلاسفة في حقيقة الأمر ولم يمارسوا الفلسفة بمعنى الكلمة. لأن الفلسفة في نظر هايدغر ليس التساؤل "لماذا"، وهو السؤال الذي طرحه العلماء الطبيعيون الأيونيون، وإنما السؤال الرئيسي الذي يمكن أن يشكل فعلا بداية الفكر الفلسفي هو السؤال "ما هذا"، أي أن الفلسفة لا تهتم بالآسباب والعلل وإنما بماهية الأشياء وجوهر الكائنات. وهايدغر في تاريخه الشخصي للفلسفة، إن صح هذا التعبير، لا يعتبر الإرهاصات الأولى للفكر اليوناني فلسفة أو حتى بداية الفلسفة، لأنها لم تطرح سؤال الكينونة، وحتى هيراقليطس وبارمينيدس يعتبرون مجرد مفكرين أو حكماء، ورغم إعترافه بقامتهم العملاقة، إلا أنهم ليسوا فلاسفة. الفلسفة الحقيقية في نظر صاحب الكينونة والزمان، بدأت فعليا مع سقراط وأفلاطون، وإن كان السوفسطائيون قد مهدوا الأرضية لهذه البداية. أي أن الفلسفة لا يمكن أن تظهر أو تبدا مسيرتها الطويلة قبل التساؤل عن ماهية الكائن ككائن. ومع ذلك فإن هايدغر لم يهمل هذا الفكر اليوناني الأولي، بل أولى إهتماما كبيرا ببعض أقطاب هذه الفترة بالذات نحو بارمينيدس وكرس له العديد من الدراسات في كتاباته ومحاضراته، وحاول التعمق في ما وصل إلينا أو ما تبقى من نصوصه القليلة، وعاين نظرته للكون والكينونة، وأعتبره أول من قام بمحاولة جادة لوضع الأسس المتينة للتفكير المبني على العقل، ولكنه لم يتوصل بعد لما يسميه هايدغر بالفلسفة.
بطبيعة الحال نحن لا نتفق مع هذه النظرة الإقصائية والضيقة والتي ترفض للمجتمعات الغير أوروبية، بالأحرى التي لا تنطق باليونانية أو الألمانية، الحق في تسمية ممارساتها الفكرية بالفلسفة. ونعتبر هذا الموقف وهذه النظرة الإقصائية، حتى لا نقول العنصرية، ليست موقفا فلسفيا ولا يقع داخل الحقل الفلسفي، وإنما هو موقف أيديولوجي لتفسير تاريخ الفكر من زاوية أوروبية غير موضوعية. فهو يرى أن الفلسفة تنحصر في التساؤل عن الكينونة، والفلسفة الأوروبية ذاتها قد تناست هذا التساؤل الجوهري مما يمكن أن يكون السبب المباشر في أزماتها المتكررة. وسقوط هذا التساؤل في النسيان مستمر منذ الفلسفة اليونانية، حتى مجيء هايدغر نفسه لينقذ الفلسفة والحضارة الأوروبية برمتها بإعادة وضع هذا التساؤل على الساحة الفكرية والفلسفية. ولكن المنطق العلمي والدراسات الحديثة في مجال الفكر تشير بوضوح بأن للفلسفة مداخل وأبواب متعددة، وأن الكينونة هي إحدى البوابات للدخول إلى عالم الفلسفة وممارسة رياضة التفلسف ولكنها ليست المدخل الوحيد. والفلسفة اليونانية لم تسقط من السماء ذات يوم على طاليس في خلوة غار حراء، إنما هي نتاج تطور طويل متعرج ومرهق، ساهمت فيه بطريقة أو بأخرى كل الشعوب والمجتمعات التي كانت تعيش وتتحرك في تلك المنطقة في ذلك الزمان. بالإضافة إلى أنه من المستحيل علميا أن تحدد نقطة زمانية ومكانية لنشوء أو ميلاد "فكرة" ما، فمسار تاريخ الأفكار ليس خطا أفقيا مستقيما، بل هو تاريخ متذبذب مليء بالمغامرات والنتوءات والفراغات، وهو تاريخ متعدد البدايات والنهايات والموت والميلاد، فقد أعلن عن موت الفلسفة مرات ومرات، ثم ولدت من رمادها مرة أخرى مثل الفينيق أو طائر النار phénix. فقد ساهمت ثقافات مختلفة ومتعددة في تطور وتغيير وإضافات وتحرير القضايا الأساسية المطروحة على العقل البشري قبل أن تتبلور في نهاية الأمر في ما يسمى بالفلسفة. وإذا كان هيراقليطس هو أول من أستعمل هذا المصطلح "الفلسفة" فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الفكر كان محصورا في ذلك الوقت في المدن والمستعمرات اليونانية، ولا يعني وجود قطيعة حضارية بين بلاد اليونان وبلاد الفرس ومصر والصين والهند وبقية الشعوب التي كانت بدورها قد شيدت ثقافات غنية بالإبداعات الفكرية المتنوعة، في الطب والأدب والقانون والدين والمعمار والرياضيات .. إلخ



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصوير أثناء الحرب
- الذي يكون والذي لا يكون
- الرصاصة ورقصة الغجرية
- أوليس وقوة الخداع
- أليس وأوليس
- عودة إلى ظاهرة الإرهاب
- الشعر وفلسفة التكوين
- الفكر والخيال واللغة
- المقص يأكله الصدأ
- تجار الحشيش وشيوخ النفط
- إنتحار الكلمات
- محمود درويش والحصار
- آخر أبطال الأوديسة
- طاعون الهزيمة
- مربعات الكآبة
- رحلة بارمينيدس
- الجرح الأنطولوجي
- فلسفة التكوين
- إشكالية نص بارمينيدس
- بقية الإحتمالات


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية ترفض دعوى نيكاراغوا لاتخاذ تدابير ضد تصد ...
- نتنياهو لعائلات الرهائن: قواتنا ستدخل رفح بـ-صفقة أو دونها- ...
- -دون إعلان رسمي-.. هل غيّرت قيادة -حماس- مكان إقامتها من قطر ...
- تعليق الشرطة الإسرائيلية على تصفية السائح التركي الذي طعن عن ...
- محامون يوجهون رسالة إلى بايدن لحثه على وقف توريد الأسلحة لإس ...
- -هل تؤمن بالله-.. مشاهد من عملية الطعن في لندن واستبعاد علاق ...
- مدرعة M88A1 الأمريكية ??في معرض غنائم الجيش الروسي في موسكو ...
- كمائن القسام المفخخة تثير إعجاب المغردين
- شاهد.. شرطة لندن تعتقل رجلا نفذ هجوما بسيف
- انتقادات أممية لتوعد جامعة كولومبيا بفصل طلابها المناصرين لف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الفلسفة بين الشرق والغرب