أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - نافورة ... ( دورة الحياة الرتيبة )














المزيد.....

نافورة ... ( دورة الحياة الرتيبة )


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 19:59
المحور: الادب والفن
    


نافورة ....
( دورة الحياة الرتيبة )
سحب نفسا طويلا من سيجارته فضية حزام المبسم و الوافدة علينا من خارج حدود إقتصادنا الرسمي ، نفث دخانها في نفخة اشَدّ التهابا من نار ولعتها التي تُشبه لهيب ارتفاع الأسعار الذي تتآكل معه أعمارنا ورغباتنا لتصير رمادًا في منفضة الحياة مثلما مثلما تتآكل السيجارة بولعتها أكانت وطنية او مهرّبة ...
جلس على حافّة درج مقابل نافورة المستشفى ، كانت الساعة تشير الى الثالثة فجرا وقد أخبرته الممرضة أن إعداد زوجته للدخول الى قسم التوليد يستغرق وقتا ...
هو في انتظار مولوده الاوّل الذي كان مُقَرّرا قدومه بعد ثلاثة أسابيع مثلما حدّد الطبيب بحساباته العلمية ، كان يَغِطُّ في أحلامه عندما تعالى نحيب زوجته و صراخها منذ ساعة ، آفاق مفزوعًا لفزعها وهي تُخبره آزّة على اسنانها أن الموعد قد حان وأنَّ الآلام مُبرّحة ، إعترض مُحاولا تهدئتها بانّه طَلْقٌ كاذبٌ فالموعد الذي حدّده الطبيب لا يزال بعيدًا والحمل ما كاد يفوق الثمانية أشهر ببضعة أيام ...
ولكِنّ ماء الولادة كان قد بدأ بالسيلان ، تملّكه رُعْبٌ أكثر من خوفها ، قفز طيرانا ، جمع حقائب الولادة وهي معدة سلفا ، لبس والبسها على عجل ، وضع الحمولة في السيارة وانطلق الى المصحّ الذي عيّنه الطبيب المباشر بعد أن هاتفه ...
سحب نفسا ثانيا من السيجارة و حرّره في زفرة أطلقت كل توتّره الحبيس في في صدره فانطلق الدخان راقصا وكأنه ماردٌٌ حُرّر للتو من قُمقه ، ثم استوى سحابة من خيال صارت معها الرؤيا ضبابية ...
تَرْشُدُ المرأة عندما تُغادر بيت ابيها لبيتِ لزوجها ولا يْرْشُدُ الرّجُلُ الا متى صار له ذُرّيةٌ ، هكذا اخبره والده عن حكمته في الحياة ، غيمرته سعادة حقيقية لمّا عَلِمَ أن زوجته حامِلٌ و صاحبه توتّر فَرِحٌ طيلة فترة حملها ، تغيّر سلوكه كثيرا ، لم يعد يتأخّر خارج البيت ، قاطع او كاد جلسات المقهى ، ولكنَّ شعورا بعدم الرضا عن نفسه ظل يُلازمه طويلا ، لكأنّ سعادته غير حقيقية او كأنه في نصف حلم بنصف قيدٍ ، احاسيسه متضاربة رغم أن العلم لم يقل يوما بوجود عدوى هرمونات !!
كانت النافورة أمامه متوسّطة الحجم من ثلاث طوابق على شكل صحون مقعّرة صغيرة مختلفة القياسات من الأصغر الى الاكبر تدرّجا الى الاسفل ، تحملها فروع ما يبدو أنه مقطع جذع شجرة بنيّة تميل الى السّواد ، قاعها مستطيل تحيطه حافة رخامية بيضاء ملساء و يعلوها مجسّم ملاك فِضي بأجنحة مفتوحة الى السماء ...
يتدفّق الماء من الملاك لامِعًا رائقا لانعكاس الاضواء على لونه الفضي بخرير بطيئ ليملأ الصحن الاوّل فيتغيّر لونه و ينساب الى الصّحن الذي يليه ليملأه فيكتسب كثافة وقتامة أكثر ، فيمرّرها بدوره بعد الاكتفاء الى الصحن الموالي للتسارع الحركة أكثر وتزداد الكثافة و معها قتامة المياه ،ربما هي تلك قوانين الطبيعة كما تكتبها الفيزياء يزداد التسارع كلما اقتربنا من سطح الأرض و ترتفع القتامة كُلّما ابتعدنا عن مصدر الضوء ، او ربّما فقط هي سحابة دخان سجائره و انتظاره المتوتّر هي من رسمت هذه الصّورة ، تندلق المياه في النهاية بصوت مرتفع في الحوض الرخامي فتسحبها محرّكات النافورة الى الاعلى مرّة أخرى لتقذفها من الملاك الفضي متألّقة رائقة من جديد ، في رتابة وتكرار مرّة تلو الاخرى فأخرى ، لم يكن يقطع صفاء هذه الدورة بصوت خرير المياه المنتظم رغم إختلاف درجات صوته من مرحلة الى أخرى و تالّقها اول كل دورة سوى الادران التي تعلق بها في رحلتها حتّى يأسَنَ في القاع و يتغيّر صفاءه الكُلّي رغم كل المصافي ...
أنهى سيجارته وصَعِد الى قسم الولادة ، أخبرته الممرضة أن المولود و أمه بخير وأنه يمكنه رؤية زوجته في غرفتها و المولود في حجرة المراقبة و المرافقة ما بعد الولادة تحسّبا حتى تستردّ امه كامل وعيها فالولادة مُبكّرة ، القى نظرة سريعة على زوجته نظر اليها كثيرًا بعينيها نصفي المغمضتين وابتسامتها الملائكية ، قبّلها وهرع الى غرفة الحضّانات ...
الولد كان مُتألّقًا ، بلونه الوردي و سكينته وقد بدا له وكأنّهُ يبتسم ، حملته اليه الممرّضة فقفز قلبه بين ضلوعه طربا و ترقرق الدمع في عينيه لينساب الى أعمق خلجاته رائقا ، تنهّد فرحًا ، صدقت يا أبي لن أكون صَبِيًا بعد الآن والى الأبد ، أعاد ولده و عاد الى النافورة ...
لِما استعجلت يا ولدي القدوم الى هذه الدنيا التي قذفتك الى دورتها الرتيبة في انسيابها التراتبي اللانهائي المتسارع من مرحلة الى أخرى من التألّق و البهجة الى الركود في القاع و التسليم لدورة جديدة مُثقلة بمآسي الحياة وبؤسها من دورة الى أخرى نُغالبها فلا نغلبها ، نبيعُ فيها يومنا لِنكسب ثمن غدَنا الذي نبيعه مُقابل ثمن الذي يليه حتى تصير كلفة المُقبل أعلى من قيمة الذي مضى ويتسارع الفرق مع كل بؤس الحياة العالق بين أكفّنا وداخل ضمائرنا ، لتتقلّص قُدرتنا على ابتياع الأيام ، فيدنو معها رحيلٌ مع بشائر كل وافِدٍ ...
أطفأ سيجارته بعد أن اطلق آخر أنفاسها الفرحة و اطلق قهقهة " مرحبا يا ولدي لقد صار ابوك رَجُلا وهذا يكفي "
هاتف أمه و حماته وبشّرهما فقد نسيهما لبعض الوقت ، تهاطلت عليه التبريكات و التهاني و عجّ المصحّ بأفراد العائلة ...
رُبّما ضحك ملاك النافورة ، رُبّما صفا ماءها ، رُبّما بدا على وجه ملاكها بسمة خاطفة لم يدرك هل بها مسحة من تهكّم او بهجة او إزدراء أو تحدٍّ ، رُبّما هي تهيّئات الفرح بعد شِدّة التوتّر و عِظَمِ المسؤولية او هي خيالات من بين سُحب دخان السيجارة ، فدورة مياه النافورة على رتابتها ثابتة صوتا ولونا ورائحة وأدرانا ...
-------
28/03/2024



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بداية ب ( لا) نهاية
- كيان ... ( انعكاس ام حقيقة )
- رؤيا
- 2 مارس 2024 موعد جديد من أجل إنقاذ تونس
- فقّإعة الاقتصاد التونسي تُبشّر بكارثة
- طابور خامس لا يعلم ... اكثر خطرا من طوابير الخبز الطويلة على ...
- حكومة الحاكم بامره وحده لا شريك له !! تعتدي على الحق النقابي ...
- مائوية الحركة الشيوعية في تونس .. ماركسي مُعترفٌ ومنضبطُ
- لا -ثورة- دون تنظيم ثوري : تونس بعد 25 جويلية
- عذرا رئيسنا لا احب لك غياهب النسيان ... فلا تزجّوا بي في غيا ...
- دردشة حول فلسطين ( مُتشنِّجة بهدوء ) ...
- صندوق الدعم مكسب اجتماعي وطني لا يجب التفريط فيه!!
- برلمان بائس لكنه حقيقي وضروري
- تونس : رئيس الجمهورية لا يؤمن بقيم الجمهورية
- دون ضمان حياد القاضي لا معنى لاستقلالية القضاء
- الانتخابات الامريكية : انهزم ترامب فهل انتصرت امريكا مع فايد ...
- في المقاطعة الاقتصادية ، جدواها وأهدافها ( مثال فرنسا )
- كورونا والدولة السفيهة !!
- لبنان - الطائفية- جرح عفن لا تداويه الا ثورة شعبية
- هل تكون أمريكا بوابة الثورة العالمية ؟


المزيد.....




- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - نافورة ... ( دورة الحياة الرتيبة )