أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - بداية ب ( لا) نهاية















المزيد.....

بداية ب ( لا) نهاية


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 7929 - 2024 / 3 / 27 - 22:43
المحور: الادب والفن
    


بداية ب ( لا) نهاية ...
( طِرت الى غزّة)
وضع حقيبة الحاسوب على الكرسي بجانبه وتمطى باستحياء ولكن بفرح كبير على كرسيه داخل مَشرب المطار ، لا تزال أمامه ساعة تقريبا قبل إنطلاق طائرته الى الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة بناء مستقبله الجديد .
طلب قارورة "بيرة" وطنية يُقصّرُ بها دقائق الانتظار و يُنَشِّطّ بها نفسه من النعاس الذي يُغالبه فقد أطال السهر ليلة البارحة حتى الفجر بل رُبّما لم تُغمض له جفنان الى الآن .
ثمن البيرة في المطار مرتفع بشكل مُجحف عن خارجه من بقية تُراب الوطن، تبّا لهم من فاسدين يسرقون كل شيئ ويحتكرون كل شيئ ويُضاربون في الحلال والحرام حتى في الانسان بائسًا وسعيدًا ، ولكن لا يَهُمّ إنّه في طريقه لسفرته الاولى خارج الحدود لبناء مستقبل جديد ..
كان قد ودّع أمّه وخطيبته وأخته على عجل رافضا قطعيًّا أن يُرافقوه الى المطار فهو لا يمقُتُ في الدنيا اكثر من لحظات الفُراق ولوحات الوداع .
فاجأته أمّه منذ شهر بموافقتها على سفره ، عندما أخبرها يائسا وبشكل شبه روتيني انه تحصّل على عقد عمل في شركة برمجيات محترمة في أمريكا لمدّة خمس سنوات باجر شهري أولي يُساوي خمسة عشر ضِعْفًا مما يتقاضاه الان ، هو شاب ثلاثيني خِريج هندسة برمجيات بتفوّق وهو خبير في مجاله ، من أسرة ميسورة الحال نسبيا يتيم الاب الذي كان موظّفا حكوميا وأمّه مُدرّسة فيزياء ، يَكْبَرُ أخته بسنتين ، يقطنون شقة بالطابق الثالث في حي شِبه راقي ، كان قليل الاصدقاء دون إنعزال او إنطواء ، مُتميّزٌ في الدراسة ، مَرِحًا دون إفراط مُحبًّا للحياة دون إسراف .
يعمل بشركة برمجيات متوسّطة بدخل مُتوسّط لا يرتقي لطموحه ولنظرائه في بقية دول العالم و لَكِنّه على كل افضل من بقية الشباب " المعطّل عن العمل " و المُصادر الأحلام و المُغرق في البؤس والشقاء .
طلب قارورة وطنية ثانية فالاكيد أنّه سيفتقدها ويشتاق اليها حيث ما هو طائر ، سوف يُحَسّن وضعيته المادية في السنتين الأولتين ثم يطير عائدًا ليعقد قرانه على حبيبته و يحملها معه هي خرّيجة لغة أنجليزية عاطلة ، فقد طالت بهما فترة الخطوبة غصبًا أمام إكراهات الحياة ، لطالما وجد عروض شغل مُغرية في الخارج منذ تخرّجه ولطالما حاول إقناع أمّه بضرورة هجرته حتى يلحق قطار الحياة حيثُ لا تُغتال الأحلام بسياسات رسمية مع سابقية الاضمار والتصميم .
وافقت امّه مرغمة أخيرا فقد ساءت أحواله النفسية كثيرا منذ وفاة والده بعد صراع مرير مع المرض الخبيث الذي كان تَعِلّتها الاولى في منعه من السفر طيلة السنوات الماضية ...
قارورة ثالثة ، هي إحدى المرّات القلائل التي يشرب فيها وحده تعوّد الجلوس للاحتساء والتسامر لمرّة او مرّتين أسبوعيا مع صديقي الصّبا ، يُشاهدون مباراة يتخفّفون من بعض أعباء ضغط الحياة يغيّرون زيوت محرّكات قلوبهم الصدأة لاستقبال بؤس الغد بابتسامة " سكرانة" ...
لم يَهتمّ كثيرا بالسياسة والقضايا الكبرى و لَكِنَّ الارق و التوتّر خرّب أعماق اعماقه المستقرّة منذ سِتّة أشهر ، صدمة، فرحٌ ، ترقّب ، حزن ، بؤس ، مشاعرٌ عِدّة متضاربة تتقاتل داخله وتمزّق تلافيف مُخّه وكأنها حربٌ عالمية تدور رحاها بينه وبين نفسه ، كُل جلساتهم وكوابيسه واحلامه في الصحو والنوم ، ملأتها مشاهد التقتيل والاغتيال الجماعي و القصف العشوائي لكلّ ما يتحرّك ولا يتحرّك على الارض أشلاء أطفال، جثث محروقة، قنابل فسفورية ، طائرات وذخيرة بمليارات الدولارات تنزلُ وبالا على الأبرياء العُزّل المحاصرين في مخيّمات التهجير والتجويع في أكبر مجزرة إنسانية و إبادة مُبرمجة في العصر الحديث ، امام مرأى ومسمع من العالم المتحضّر !! الذي لا يُحرّكُ ساكنا ، بل وبدعم رسمي من اباطرة الغرب ...
بعد بضع زجاجات او كؤوس ، يقذفون الانظمة المتخاذلة باقذع النعوت و يلعنون الغرب بكل اللعنات الموجودة في القواميس و غير المدرجة و يسبون الشعوب الخانعة المسكينة وينشرون تدوينات لنصرة المقاومة او باكية على الشهداء وعوائلهم .
راودته مرّة فكرة أن يستغل عبقريته في أن يشنّ حملة قرصنة مقاومة ومنتقمة ولَكِنّها طرد الفكرة سريعا وخيّر عليها الغرق في ابشع كوابيسه لان النظام عنده كان سيطارده حتى يقطع نسله لو جرأ على فعلته .
أمريكا والغرب و اليهود هم الشياطين ، هكذا كان أصدقائه يقولون وكان يخوض معهم نقاشات عدّة فعقله المرتّب مثل مصفوفة ثنائيات رقمية منظمة ومتعدّدة الاحتمالات كان يُفرِّق جَيّدًا بين مصالح الحُكّام ولوبيات المال و صناعات الاسلحة في العالم وبين الشعوب المغلوبة على امرها والميالة للسلم والتثاقف والتعايش كما أن تربيته المتوازنة مكّنته من أن يُخرج الدين والاختلاف العقائدي من دائرة الصراع السياسي وصراع المصالح ، لا يخلط بين الصهيونية واليهودية ولا بين المسيحية وقوى الامبريالية والاستعمار ..
كان يؤمن بأن الحلّ يكمن في إطلاق طاقات الإبداع في أوطاننا المبوءة بالفساد و الرشوة و تقزيم العلوم والعلماء وقتل احلام الشباب في مهدها ، غياب المخابر ، غياب التحفيز ، تحقير منظومة التعليم ...
كان يؤمن أنه بالعلم والتطور وحده تُقاوم الشعوب وتنتصر وتستقل وتلحق ركب الحضارة والرقي ...
نشر تدوينة أخيرة عن فُراق الوطن و ركب الطائرة لِيُحلّق الى مستقبل افضل يُخلٍصُه من بؤسه وكوابيسه و يُقرّبه من الحياة السعيدة له ولحبيبته ...
وصل وجهته ، نسي الوطن بسرعة وانغمس في حياته الجديدة يكتشفها ويسبر اغوار محيطه الجديد ، تسَلّم شغله واندمج بسرعة وجد سكنا منفردًا و اكتشف حانة بدت أليفة . إنقضى الاسبوع الاول بشكل سريع ، أنهى مكالمات فيديو مع الاحبة والاصدقاء في أرض الوطن دعت له أمه بالخير والاستقرار .
قصد الحانة ليألف موطنه الجديد و ليجرّب بعض المنتجات الأمريكية ويزيح أعباء الرحلة إستعدادا للقادم من الايام ، انتحى ركنا ، طلب مشروبا ، تناول هاتفه المحمول ، هاجمته مع كل تدوينة صور الجثث بالمآت ، أوصال مقطّعة ، أحشاء منشورة أشلاء منثورة ، دماء ، نيران خراب ، دمار ...
وفي نفس اللحظة تعرض قناة أخبار محلية المجزرة بصورة عادية مُحمٍلة المسؤولية للقتيل الذي إعترض ترسانة الاسلحة التي تطلب خيره ورقيّه وطالبة مزيدًا من الدعم للقاتل حتى يُنجز مهمته التاريخية في تطهير المنطقة !!! بكى قلبه قهرا وهو وحيد ، صرخ بصمت لعن في سِرّه سبّ شتم ولكِنّه لم يبرد ، اراد أن يكتب شيئا أن ينشر صورة ولكنه عجز ، طلقات فسفورية تحرق كل خلاياه من الداخل الى الخارج ، انشطارات نووية دوّت فرقعته في اعماقه وغيّرت تضاريسها دفعة واحدة ...
عاودته كل كوابيسه دفعة واحدة لم يستطع النوم ليلتها ، فتح حاسوبه واعمل في لوحة المفاتيح اصابعه بسرعة مستغلا كل خبرته في الولوج الى أعمق أعماق " الدارك ويب" وصل إلى مبتغاه بسرعة فقد كان يُدركُ جيدًا ما يطلب ، قرر وعقد العزم ...
كان هناك تجمع لمناصري القتل والدمار والاستيطان في منطقة قريبة منه ، حمل حقيبته التحق بهم ، اخرج الكوفية والعلم رفعهم عاليا وسط الجموع ، علا اللغط والصراخ في وجهه ، ابتسم لهم ، ضغط الزر فدوّى الانفجار خارجه هذه المرّة لِريحه من عذاباته وكوابيسه ...
نشرت الاخبار أن إرهابيا مختلّا من اصولٍ عربية فجّر نفسه في مجموعة من المدنيين مسببا قتلى وجرحى ...
كان قد برمج نشر تدوينة في توقيت مُعيّن بُعيد رحيله بشكل اوتوماتيكي "ازعجتني الاصوات في داخلي فطِرْتُ الى غزّة في رحلة تخترق كل حِصار وأي حِصار عسى أن تغتال قنابل الفسفور كوابيسي وتترك أحلام الاطفال البسطاء ... الدم واحد و الانسان واحد " ...
----
27/03/2024



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيان ... ( انعكاس ام حقيقة )
- رؤيا
- 2 مارس 2024 موعد جديد من أجل إنقاذ تونس
- فقّإعة الاقتصاد التونسي تُبشّر بكارثة
- طابور خامس لا يعلم ... اكثر خطرا من طوابير الخبز الطويلة على ...
- حكومة الحاكم بامره وحده لا شريك له !! تعتدي على الحق النقابي ...
- مائوية الحركة الشيوعية في تونس .. ماركسي مُعترفٌ ومنضبطُ
- لا -ثورة- دون تنظيم ثوري : تونس بعد 25 جويلية
- عذرا رئيسنا لا احب لك غياهب النسيان ... فلا تزجّوا بي في غيا ...
- دردشة حول فلسطين ( مُتشنِّجة بهدوء ) ...
- صندوق الدعم مكسب اجتماعي وطني لا يجب التفريط فيه!!
- برلمان بائس لكنه حقيقي وضروري
- تونس : رئيس الجمهورية لا يؤمن بقيم الجمهورية
- دون ضمان حياد القاضي لا معنى لاستقلالية القضاء
- الانتخابات الامريكية : انهزم ترامب فهل انتصرت امريكا مع فايد ...
- في المقاطعة الاقتصادية ، جدواها وأهدافها ( مثال فرنسا )
- كورونا والدولة السفيهة !!
- لبنان - الطائفية- جرح عفن لا تداويه الا ثورة شعبية
- هل تكون أمريكا بوابة الثورة العالمية ؟
- في هوجة -سورة الكورونا - : ين تقف حرية الفكر ؟ والى أين تمتد ...


المزيد.....




- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - بداية ب ( لا) نهاية