أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - في هوجة -سورة الكورونا - : ين تقف حرية الفكر ؟ والى أين تمتد تهمة ازدراء المقدس ؟















المزيد.....

في هوجة -سورة الكورونا - : ين تقف حرية الفكر ؟ والى أين تمتد تهمة ازدراء المقدس ؟


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 20:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أين تقف حرية الفكر ؟ والى أين تمتد تهمة ازدراء المقدس ؟

قضايا الحريات العامة والفردية ، وخاصة حرية التفكير والتعبير والابداع ، ليست قضايا هامشية أو ترفا فكريا ، بقدر ما هي قضايا نضالية أساسية وركيزة من ركائز برنامج النضال الديمقراطي الاجتماعي وقد كانت كذلك في كل أزمنة التاريخ ، و رغم تهرب دعاة الاكتفاء بالنضال الاقتصادي منها فقد كانت مَعركة الحريات تُفرض غصبا على المجتمع من قبل أجهزة التسلط الرسمية السياسية والدينية كُلّما تاق الإنسان للانعتاق ورسم طريق تحرره من الاغتراب والاستيلاب عبر النبش في كينونته وفي تاريخه و تنقيبه في المسلمات الرسمية التسلطية التي تُؤبّدُ إستكانته وخنوعه وتعمل على إبقائه تابعا حبيس حُكّامه لا قدرة له على إدارة حياته خارج إرادتهم التسلطية المطلقة ، منذ صراع الكنيسة المسيحية مع العلم والتنوير ومحاكم التفتيش الأوروبية الى الأنظمة التسلطية المؤنسنة القامعة للحرية عبر محاكم امن الدولة مرورا بمجامع الإفتاء الإسلامية من خلال التكالب على التكفير و الرمي بالتجديف وازدراء الأديان !! .
لا خلاف كبير لكل مُدَقِّقٍ أن "سورة الكورونا" ( كوفيد ، والفيروس المبيد ، بل عجبوا اذا جاءهم من الصين البعيد ..." والتي أعادت نشرها فتاة تونسية ، لا تعدو كونها نص هزلي بسيط الكلمات والمعاني من وحي ما نعيشه هذه الايام ورد بعبارات دارجة لا صورة فيها ولا رواية أو إيحاء مُستمدّ مباشرة أو بشكل غير مباشر من نص القرآن أو سوره و لا تتضمن أي دعوة دينية أو إزدراء أو إعتداء على المقدس أو تحريض على التباغض ...الخ مثلما ذهبت في ذلك النيابة العمومية على اساس ( الفصلين 50 و 53 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 و الفصل 161 من م.ج ) ، ومهما يكن من هزالة نص التدوينة المذكور و من أمر الجدال القانوني ، حيث سارعت أجهزة النيابة في زمن الحجر الكوروني ، في إعجاز صريح ، إلى القيام بالمعاينات و تكييف التهمة و استدعاء المعنية وإستنطاقها وتحويلها لانظار المحكمة الجناحية بتهمة " إزدراء الاديان" في زمن قياسي ، مع إغفال حملة التحريض والدعوة للقتل الصريح التي طالت ناشرة التدوينة حتى وصل الأمر ببعض الشخصيات السياسية العامة المحسوبين على الحركة الديمقراطية إلى المنادات المُبطّنة لاستتابتها ( دعوة أمين عام الحزب الجمهوري لمعاقبتها قضائيا حتى "تثوب الى رشدها " !! ) فقد فتحت هذه الحادثة الباب الموارب دوما للنقاش حول حدود حرية الإبداع والنقد ومجالات تدخل المقدس في النشاط المشترك للمواطنين في دولة مدنية .
لإن تخلّصت أوروبا من سطوة الكنيسة وكهنتها على الحياة العامة و على الفكر والعلوم والفلسفة وأطلقت العنان للعقل البشري كي يشتغل ويُبدِع ، فخلّص الإنسان من كثرة من قيوده وخلّص الدين من مُعضم شوائبه ، فإن مجتمعاتنا لم تتمكن من كسر ذلك القيد وظلت حياتنا رهينة مشائخ الدين ومؤسسات الفتاوى رسمية وغير رسمية تفعل ما تشاء بالبشر والحجر ، تطارد العقل و تحبسه ضمن أطر مُقدّس لا سلطان ولا إدراك لأحد له غيرهم ، يُشيعون باسمه الصالح والطالح على حد السواء بلا حسيب أو رقيب من إكرام اليتيم و وبر الوالدين إلى خراب الدول وإقتتال المسلمين بدعوى الجهاد مرورا بإباحة تعدد الزوجات وكله إستنادا للنص المُقدّس!!
اقتيد مارسال خليفة سنة 1999 أمام القضاء اللبناني بدعوى أقامها عليه مشائخ الإسلام على غنائه لقصيدة " انا يوسف يا أبي " ( أبتي! هل جنَيْتُ على أَحد عندما قُلْتُ إنِّي:
رأَيتُ أَحدَ عشرَ كوكبًا، والشَّمس والقمرَ، رأيتُهُم لي ساجدين؟ ) .
حوكم ناهض حتر بالاردن سنة 2016 بتهمة الاعتداء على الذات الالاهية بدعوى من جماعات إسلامية منها الإخوان المسلمين وشُنت ضدّه حملة تحريض واسعة حتى تم إغتياله بالرصاص نفس السنة على أيدي أحد المتطرفين أمام المحكمة وهو متجه لإحدى جلسات محاكمته .
حوكم سيد القمني في مصر سنة 2016 بتهمة " إزدراء الأديان " وشُنّت ضده حملة تحريض واسعة من مجموعات ومشائخ إسلامية ، وكان قد تعرض لحملة تكفير وتحريض واسعة وتهديدات بالقتل سنة 2008 ، وصلت بالأزهر للدعوة إلى سحب كتبه ومنعه من النشر وهذا ما تم مع العديد من كتبه .
أغتيل فرج فودة في مصر سنة 1992 إثر حملة تحريض واسعة ضدّه من مشائخ جبهة علماء الأزهر وجماعة الاخوان المسلمين على خلفية مناظرة علمية بينه وبين اسلاميين منهم الامام الازهري محمد الغزالي ، قال فيها فودة بكل وضوح "الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم؛ لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها" ، بعد حملة التجييش ضده صدر بيان ممضى باسم جبهة علماء الأزهر يعتبر فرج فوده مرتدا فتم اغتياله رميا بالرصاص خمسة أيام إثر البيان .
اتهمت الكنيسة الكاثوليكية في أواخر القرن السادس عشر "جوردانو برونو" بالهرطقة وحكمت عليه بالاعدام العلني حرقا ومنع افكاره ، نتيجة آرائه وبحوثه الفلكية القائلة بحركة الاجرام و الارض حول الشمس.
تم في بداية القرن السابع عشر مصادرة وإعدام مؤلفات غاليلو غاليلي و الحكم عليه بالسجن من قبل الكنيسة الكاثوليكية ، إثر حملة تجييش ضخمة من رجال الدين ضدّ نظريته المخالفة للطرح الكنسي و التي تُبين أن الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور مثل مختلف الإجرام الأخرى حول الشمس .
في بداية القرن الثاني عشر ، إتّهم رجال الدين ومشائخ البلاط " إبن رشد " بالزندقة و الارتداد وشنت ضده حملة تكفير واسعة انتهت بأن قام " المنصور الموحدي" بنفيه ومنع نشر فكره وإعدام مؤلفاته ، لأن منهجه كان يعتمد العقل و يقول بأن كلا من الفلسفة والدين طريقٌ للحقيقة ، لم تسلم افكار إبن رشد حتى من تكفير الكنيسة الكاثوليكية التي اعتبرته مُهرطقا .
ولم يكن مصير الفارابي و ابن سينا وغيرهم بأفضل من مصير إبن رشد في فقه وانظار مشائخ الإسلام حيث إتّهموا بالزندقة والكفر من قبل المشائخ الرسميين وحوربت أفكارهم ومُنِعت بدعوى إعتدائها على المُقدّس وزعزعت الثوابت الإسلامية ، وكذلك الأمر مع الكثير من الشعراء و الأدباء في مختلف مراحل الحكم الإسلامي ، حَيثُ كُلّما اختلط الدين بالسياسة والاقتصاد و الاجتماع وانصهروا حتى صاروا واحدا يُسيّرُ الدول و يحكم الناس وحياتهم ، كُلّما عاشت الامم عصور إنحطاط ينزل فيها الدين المُقدّس من علياء الروحانيات إلى مستوى أداة من أدوات الحكم و القمع والطغيان ، لتشريع مصادرة حق الناس في الحياة والتفكير والاختلاف خارج الأنماط السائدة التي يُسطِّرُها الحاكم ويؤبّدها بالقوة ليضمن استمرار حكمه واستقرار سيادته .
ورغم هذا لم يخلوا تاريخ البشرية و لا حتى تاريخ العرب والمسلمين ، من مُحاولات عِدّة لكسر هذا الحصار الفكري المفروض زورا وكذبا تحت التِعِلّة الواهية والممجوجة لحماية المقدّس و لم يتوَقّف التنقيب و النقد والحفريات التاريخية في النصوص الدينية و إستجلاء حقائقها وكشفها من تحت أطنان من كتابات وفتاوى التزييف و التحريف البشري التسلّطي المدفوع بولاءات سياسية و نزاعات الحكم ، كما لم تتوقف النصوص الشعرية و الأدبية التي تستعير صورها وروايتها ولغتها و اسلوبها في كليته أو في أجزاء منها من التراث الإسلامي و من القرآن تحديدا .
ومثال ذلك استعارة ايات من سورة يوسف في قصيد لابي تمام :
أيّها العزيز قد مسّنا الضّرّ وأهلـنا أشـتات
ولنا في الرّحال شيخ كبير ولدينا بضاعة مزجاة
قلّ طلاّبها فأضحت خسارا فتجاراتنا بــها ترّهات
فاحتسب لنا الأجر وأوف لنا الكيل وصدّق فإنّنا أمـوات
و مجاراة محمود بيرم التونسي لاسلوب القرآن شكلا في نقده الهزلي لقضايا عصره :
"سورة الستات " ( يا أيّها المحافظ إذا أبصرتم النّساء يقصّرن ملابسهنّ، ويبدين صدورهنّ، فأصدروا لهنّ منشورا، ألاّ يتخطّطن ويتحكّكن ويقوّرن الثّوب تقويرا ...الخ )
أو " سورة اربعين سعد زغلول " ( يس، والدّستور العظيم ذكر ما أنزل على مصطفى وفريد، وما أوحي إلى الزّعماء من لدن عزيز عليم ....الخ )
ومثله قال الصحفي التونسي محمد قلبي في نقده للحزب الواحد سنة 1978 :
" إقرأ ... إقرأ باسم حزبك الذي خنق ، خنق الناس بالورق "
و محمود المسعدي : في إنجيل صاهباء في مسرحية السد
" ثم إن أثرنا في العالمين نقعا ، وصفعناها صفعا ، وهيجنا الاكوان تهييجا وهززناها هزا "
او لما جارى الإمام جلال الدين السيوطي سورة الرحمان في تمثل ايروتي" لمّا تجلّى العيان، وحصل غاية التّبيان، بدا… مرج البـحرين فيهما يلتقيان …وبطن ذات سرّة وأعكان، وردف كأنّه جبل الرّيّان "
ولم يتردد محمود درويش في الاستعارة من القرآن لاضافة جمالية على رائعته "مديح الظل العالي "
"( ...) هذه آياتنا، فاقرأُ
باسم الفدائيَّ الذي خَلَقَا
مِن جُرْحِهِ شَفَقا
(...)
وسواءا كانت التدوينة التي نشرتها الفتاة في محاكاة شكلية لسور القرآن ، عملا ذا قيمة أو مجرّد هزل خاوي فإنها تظل اقل خطورة باشواط من حملات مصادرة حرية الرأي والتعبير ومحاكمة الضمائر سواءا عبر القانون الوضعي أو الدعوات المُبطّنة للقتل و إهدار الدم المغلّفة بفتاوى التكفير و نشر الاحقاد والبغضاء بين الناس بدعوى حماية المُقدّس من الإزدراء أو حماية هيبة الحاكم ، وهي تدفعنا لسؤال جدي حول حدود الإبداع و حدود تدخل المُقدّس في إدارة الدولة والمجتمع ، ومن يُقرّرُ اين وكيف تُضبط هذه الحدود، وطالما لم تُحسم هذه المعركة القديمة المُتجدّدة فسيظل العقل البشري حبيسا مُعاقا ولن يقدر على المضي قُدما في حل بقية مسائل عصره .



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق
- غروب ....
- حُبّ
- حكايا رتيبة
- أضن الله يعلم
- حلم ..
- اضن ان الله يعلم
- سكارى
- نحو إعادة تركيب العلاقات الاجتماعية
- المجتمع المدني التونسي : خصائصه وآفاق تطوره ( محاولة للتفكير ...
- ماكرون -الطائي- سيذبح أفريقيا مرة أخرى إحتفاءا بضيفه الكورون ...
- متى نضع حدا لجشع الانسان -الراسمالي- حتى نُنقِذ الإنسانية جم ...
- الانسان في دولة الكورونا و-القتل الرحيم-
- الكورونا ، الحرية ، الفلسفة ووهم الصين الشيوعية
- الكورونا مقابل الحرية ، او تصدير الخوف -المعلّب- مقابل انسان ...
- استسقاء !! او استخارة !!
- خطاب تولي الرئاسة : رئيسنا السعيد يرفرف دون أجنحة!!!
- رجة الانتخابات الرئاسية التونسية ، الصندوق يضرب كل التنظيمات ...
- قيس سعيد مرة أخرى : جملوكية أو داعشية !!!!
- رئاسية تونس 2019 ، ماهي الشخصية المفترضة في رئيس الجمهورية ا ...


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - في هوجة -سورة الكورونا - : ين تقف حرية الفكر ؟ والى أين تمتد تهمة ازدراء المقدس ؟