أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحسْن - قراءة نقديّة لقصة قصيرة جدًا (اغراس) للقاصّ العراقي عبد المنعم الجبوري















المزيد.....

قراءة نقديّة لقصة قصيرة جدًا (اغراس) للقاصّ العراقي عبد المنعم الجبوري


رائد الحسْن

الحوار المتمدن-العدد: 7877 - 2024 / 2 / 4 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


اغراس
تصفحنا ألف عصرٍ من تاريخٍ ولى، حَمَلَ البورَ والعقمَ والخريف، تاهَ في زحمةِ الأسى، شَحَذنا الانجازاتِ اندحاراً، عندما هبَّ ربيعُ صحوتنا !!!، بنينا الفِ جسر من الجماجمِ.

أَغراس جمع لأسم غَرْسُ
الغَرْسُ: المغروسُ من الشجر
هَذَا غَرْسُ يَدِكَ: هَذَا مِنْ ثِمَارِكَ
وأغراس أيضًا جمع لأسم غِرْس
والغِرْسُ: كل ما يُغرَس
أَغْرَسَ: (فعل)
أغرسَ يُغرِس، إغراسًا، فهو مُغرِس، والمفعول مُغرَس
أغرسَ الشَّجرَ ونحوَه: غرَسه، أثبته في الأرض وزرعه
إذن العنوان يرتبط بعملية الزراعة وغرس شجر...
العنوان، لا يشي إلينا بأي فكرة عن النص، ولمعرفة المزيد عنه علينا أن نلج إلى كلمات المتن.
تصفّحنا ألف عصر، كلمة التصفّح أتت بصيغة الفعل الماضي مع ضمير المُتكلم للجماعة، والعصر هنا أصبح مثل كتابٍ طيّع بين أياديهم ووضع ذاته مُستسلمًا لمتصفحيه، ورقم ألف هو رقم مجازي يعني حقبة طويلة من الزمن.
أي زمنٍ؟ يردف الكاتب بجملةِ تاريخ ولّى، زمنٍ مَضى، وأمسى بعيدًا عن حاضرِنا بكلِّ ما يحمله مِن فصولٍ وسنوات وأعمار وأحداث.
ففي عصرٍ أصبح مِن الماضي، قال التاريخ كلمته وكتبها، بل حفرَها في ذاكرةِ المتصفّحين له، المتألّمين مِن أحداثه والذي حَمل لهم معه (البور والعقم والخريف) ثلاث كلمات، كلٌ منها له دلالة خاصة ومعنى مُتميّز، لكن كلها تُجْمِع على أن ما حمَله لهم ذلك العصر مِن - مظاهر ثلاثة - وهي:
الجفافُ، والجفاف يصيب الأرض التي لا تُزرَع؛ فتصبح قاحلة، وعدم زرعها هو لأسباب عديدة، أهمها تعاجز وتكاسل العاملين فيها والقائمين عليها ومَن يملكها، أو لصعوبة الظروف وخاصة المناخية والجوية لزراعتها، أو لأي سببٍ قاهر آخر، خارج عن إرادة الناس.
العقم، والعقم هو عدم الإنجاب وعدم الإثمار، فكما الرحم عند المرأة يموت ويجفّ ويصبح غير قادر على احتواء وحمل جنين حي، هكذا التاريخ توقّف عن كتابةِ أحداثٍ جليلة، تُعانِق الذُرى وأخبار مُشَرِّفة تُصاحِب العُلا وأفعال عظيمة تُبهِج الأجيال وتؤسّس لِمُستقبلٍ مُشرِق ينطلق مِن ماضٍ خالد يُعتزّ به، يفوحُ منه عبق الأصالة وعطر الشموخ والأنَفة.
الخريفُ، هو الفصل المُخالف لفصلِ الربيع، يرمز الى اصفرار الورق وتساقطه، موسم تتوقف فيه الأشجار والنباتات عن العطاء، ونهاية عمر إثمارها وخاتمة زمن عطائها، فصل الشيخوخة والوهن.
ومع كل ما حملته صفحات ذاك الكتاب مِن جفافٍ وبؤسٍ؛ ضاع بين كتبٍ، ازدحمتْ فيها لوعة الحزن وطعم المرارة وشدّة الكرب؛ وانغمست فيها وصارت جزءًا منها.
وبعد التصفّح ووصف حالة التاريخ وما حمله، والتيه الذي نال منه، أكملَ الكاتب كلماته ووصل إلى مرحلة الشحذ، والشحذ (فعل) شحَذَ، شحَذَ من يَشحَذ، شِحاذةً، فهو شحّاذ، والمفعول مَشْحوذ منه
شحَذ النَّاسَ، شحَذ من النَّاس: تسوَّل، سألهم الصدقةَ والإحسانَ، استعطاهم.
شحذوا ماذا؟ شحذوا الإنجازات.
بأي حال؟ حال الاندحار!
هل الانجازات تُشحّذ؟
وأي نوع منها يُشحّذ؟
وكيف يتم الوصول إليها وتحقيقها بالاندحار؟
انه الصعود إلى الهاوية تسوّلًا وتقهقرًا!
وهل الوصول الى الهاوية يعتبر إنجازًا؟
هل التدحرج نحو الحضيض إنجازًا، ويُستجدى؟
كلمات تتفجّر بمعانٍ عميقة، تتشظى لدلالاتٍ قَصِيّة ومفاهيم بعيدة، تُشَمُّ منها عفونة الاحداث وفساد الوقائع.
كل هذا الحديث هو عن أيامٍ خلَت وتاريخٍ مضى وخريفٍ أصفرَ، لكن أتت الفرصة لربيعِ الصحوة، ربيعٌ أخضر، أتى مع نسماتٍ عليلة، ربيع صحوة، أتى بقوةٍ وابتلعَ كلّ الفصول وأولهم الخريف، مُعلنًا عن حضورٍ قوي؛ ليغيّر كلّ تلك الصفحات، وليجعَلها مُلْكًا للماضي فقط دون أن تمتدّ لتؤثّر على الحاضرِ وتلوّث البقية أيضًا، أتى الربيعُ بكلِّ جبروته ليضع حدًا لكلّ ذاك التقهقر والانحدار والتسوّل على أبواب التاريخ الذي لا يرحم الضعفاء، ليقول كلمته ويمنح الحقوق للذين غدرت بهم الأيام، ويَهِب مَن - هُم أيضا - تركوا شعلة الظفر ونكّسوا لواء النصر، ليكتب القلم – حينها - بمدادٍ استقى لونه مِن سواد ظلام الليل ومِن احمرارِ حمّامات الدَم.
سؤال نلمَحه يمرُّ سريعًا أمامنا، دون أن نقراه! وهو: هل تمَّ استغلال هبوب ربيع صحوتهم، لينتعِشوا بنسماته؟ أم تحوّلت تلك النسمات إلى أعاصير ورياح عاتية قضت على كل أمل بتغيير صفحات الماضي وتمزيق آثارها واستبدالها بأخرى تليق بتطلّعات أناس ملّوا وسئموا مِن ماضيهم المأساوي ليصلوا إلى شطآن حاضرٍ مُشرق آمن مزدهر؟
الكاتب يهمس لنا بكلماتٍ قليلة لكنها عميقة، أن القوم بدلَ ان يمدُّوا جسورَ المحبة والسلام والحياة والجمال والأمان، مدّوا ألف جسر مِن الجماجم، دلالة على كمّية وعظم وحجم الموت والهلاك والحرب والدمار... خسروا الفرصة التاريخية ألتي سُنِحت لهم، لتنطفئ بارقة أملهم ويغرق حلم عمرهم، ليعودوا إلى المربع الأول.
بعد أن تصفَّحوا تاريخًا مضى حمل معه كل معاني البؤس والجفاف والألم، وضاعوا في ازقة الاحزان الطويلة المَنسية، وبعد رقادٍ طويل، صحوا على ربيعٍ قادم؛ فتأملوا خيرًا في أملٍ غرسوه ونما، أمانٍ نضجت ورياح تغيير هبّت لتفتح البراعم، وتعطي الخير والنماء لمنتظريها... لكن للأسف، بدل أن يتنعّم القوم بعطر الورود، اشتمَّوا رائحة الموت، ولسان حالهم يقول: وما أشبه الليلة بالبارحة.
وكأنَّ العجلة توقفت، بل وعادت بهم إلى حيث كانوا في بداياتهم.
غرسوا أماني الحياة، لكنهم – للأسف – حصدوا قنوط الموت.
عنوان النص أتى بصيغة النكرة، يلمّح ولا يفصح، انه العتبة الذي من خلاله، ندخل إلى تفاصيل المتن.
المتن، يبدأ بجملة فعلية، وحدث يتصاعد، من الماضي ويستمر في الحاضر وينبئ عن المستقبل، وينتهي بقفلة صادمة.
نص يحمل فكرة تتحدث عن واقع مجتمعاتنا وأوطاننا التي عانت من ويلات الماضي وآلامه، وبدل أن تستفاد من فرص تغيير عصفت رياحها في بلدانٍ قريبة، لإحداث تغيير إيجابي ومحمود لصالح الشعوب، لكن سارت الرياح بما لا تشتهي السَفَنُ، ودخلت على الخطِّ أحداث ومُعطيات وتدخّلات وتداعيات، وتمَّ استِغلال الأوضاع لتحويل دفَّة سفينة التغيير الى اتّجاهات لا تصبّ في صالحِ الشعوب، بل لمَنفعةِ أهدافِ المنتفعين الطارئين وحتى الدائمين.
لكن وعي الناس، وبالرغم مِن كل الأجواء المُلبَّدة بالغيوم، سيُغيّر المُعادلة لصالحِهم، عاجلًا أم آجلًا، وهذا الوعي ليس تكَهُنًا أو تفاؤلًا، بل هو حقيقة بيّنة كتبها القاص الذي يتحدّث على لسانهم، وكتبها بصيغة الضمير المتكلم للجماعة، دلالة تأكيدية على انه يمثّلهم.
قصة قصيرة جدًا، قوية بمبناها ومعناها، توخَّى القاص في تقديمها، وفق أسس وشروط
هذا الفن الأدبي المتميّز، نص مكثّف، تمّ استخدام كلمات قليلة، لكنها تهب للقارئ معاني واضحة وعميقة، بفكرةٍ تتحدّث عن واقعٍ مرير وظروف صعبة تحياها الشعوب، التي تجتهد وتناضل وتتعب مِن أجل التغيير، لكن للأسف، تدخل على الخط، عوامل لم تكُن بالحسبان، ومؤثرات ليس مِن السهل صَدّها! وفي الطريقِ إلى الهدف المنشود، هناك معوقات وعراقيل ومَطبّات، منها مُفاجِئة مُصطَنعة وأخرى دائمة حقيقية.
فالوصول إلى المُبتغى لا يكون بالعواطفِ والرغبات، بل بإرادة قوية وعقول ناضجة وقلوب مؤمِنة وتغليب مصلحة الوطن والمواطنة على أي اعتبار آخر.
تحياتي للقاصّ المُبدع الأستاذ عبد المنعم الجبوري على نصّه المتميّز هذا، وأمنياتي له بدوام التألّق والنجاح وله كل الخير والتوفيق.



#رائد_الحسْن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية لنص – نبوءة - للقاص العراقي محمد الميالي.
- إضاءات على رواية أوتو للقاص العراقي خلدون السراي
- قراءة نقدية لنص - نزاع - للقاص فاضل حمود... بقلم / رائد الحس ...
- قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( شجرةٌ ) للقاصة الفلسطينية فاطم ...
- قراءة نقديّة لقصة قصيرة جدًا ( دمية ) للقاصّ العراقي علي غاز ...
- قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( عودةٌ ) للقاصة الفلسطينية نجاح ...
- قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( تعديلات ) للقاصة غفران كوسا ، ...
- قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( استفاقةٌ ) للقاصة السورية رغدا ...
- قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا (سلاسل) للقاصة العراقية سمر العب ...
- الفيس بوك ومدى أهميته للأديب أو المثقف
- الغموض والإبهام في القصة القصيرة جدًا
- الكاتب بين الواقع والأدب
- قراءة نقدية للقصة القصيرة جدًا - ندم متأخر - للقاص مجيد الكف ...
- أصدقاء في العالم الأزرق
- قصص قصيرة جدًا/ زهرة
- قصص قصيرة جدًا/ طريقٌ آخرُ
- قصص قصيرة جدًا/ تَصريحٌ
- قصص قصيرة جدًا/ قلبان
- قراءة نقدية لومضة(فساد) للكاتب مفيد وسوف
- قراءة نقدية لقصة(صمت) للقاص علي غازي، بقلم الناقد: رائد الحس ...


المزيد.....




- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحسْن - قراءة نقديّة لقصة قصيرة جدًا (اغراس) للقاصّ العراقي عبد المنعم الجبوري