العراق و أمريكا ... العراق وإيران

محمد رياض حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7857 - 2024 / 1 / 15 - 00:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعلم واشنطن حق العلم أن الشعب العراقي بأطيافه كافة يقف نصيرا للشعب الفلسطيني الشقيق في كفاحه لإنهاء أحتلال أرضه بكل ما أتيح لقواه السياسية من الوسائل. ومنذ حملة الردع والدفاع عن النفس الفلسطينية ( طوفان الأقصى ) في غزّة تصاعد التوتر في العراق بإستهداف المواقع العسكرية الأمريكية في العراق بعدد من الهجمات نفذّتها تنظيمات مسلحة غير خاضعة للحكومة العراقية . ردت القوات الأمريكية يوم 5 كانون الثاني 2024 بقصف موقع لأحدى تلك الفصائل حيث أسفرعن مقتل عراقيين إثنين . تقول وزارة الدفاع الأمريكية إن أحدهما قيادي شارك في استهداف أفراد امريكيين.
ـــــــ منذ غزو العراق و إلى الان .... لم يعد خافيا على أحد أن أهداف الوجود العسكري الأمريكي في العراق و ألاصرار على ديمومته ، بما في ذلك وجود أكبرسفارة أمريكية في العالم في بغداد ، أهدافُ ستراتيجية للسياسة الأمريكية ومصالحها في العراق و المنطقة العربية . أبرز وأهم تلك الأهداف الوجود العسكري في العراق ومن ثم في سورية حماية الكيان الصهيوني (إسرائيل" ) لردع أي هجوم إيراني سواء من داخل العراق أو من إيران ذاتها. الهدف الآخر تأمين بقاء العراق منتجا مصدرا للنفط على السوق العالمية ، بل أن واشنطن تحث على زيادة إنتاج نفط العراق لأقصى ما يمكن ضمانا لتدفقه على الأسواق.هدف آخر .. طمأنة النظم العربية المتحالفة بحمايتها من أي تطورات تهدد أمن أنظمتها سياسيا واقتصاديا. أهداف مضافة .. الحد من إنتشار النفوذ الصيني و الروسي في المنطقة العربية.
ــــــــ يمكن إعتبار استباحة أرض العراق مسرحا لتناقضات سياستي حكومتي واشنطن وطهران عدوانا ، مع سبق الإصرار ، على العراق وشعبه. الجمهورية الإسلامية الإيرانية ( إيران ) صادقة في نهجها الصريح المُعلن بنصرة كفاح الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني ، و إسنادها للمقاومة اللبنانية بالوسائل كافة ، ومساعدة الشعب اليمني على تعزيز وحدته الوطنية والأستقرار والعيش الآمن . غير أن الأمن القومي الإيراني يتقدم على أي نهج آخر . إيران مدركة لحدود تعاملها عسكريا مع إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية. فبالرغم من الإعتداءات الإسرائلية بإستهداف مواطنيها إغتييالاً وضرب عدد من منشآتها الحيوية .. وأخيرا وليس آخرا المجازر التي يرتكبها المحتل الصهوني في غزة و كل فلسطين ، إلّا ان إيران لم تقم بأي عمل عسكري مباشر على إسرائيل أو إستهداف الوجود العسكري الأمريكي الضخم في الخليج العربي و البحر الأحمر ، وما دأبت علية إيران .. قيام من ينوب عنها في المنطقة العربية بإستهداف مواقع الوجود العسكري الأمريكي بضربات محدودة .
ـــــ العراق و الولايات المتحدة الأمريكية : بيان وزارة الخارجية العراقية الصادر في 7 نيسان / إبريل 2023 جاء فيه : "وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 الخاصة بعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية، ترأس وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، ووزير الخارجية الامريكي، أنطوني بلينكن، وفدي جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية في اجتماع لجنة التنسيق العليا عبر المهاتفة المرئية يوم الاربعاء الموافق 7/4/2021. جدد الجانبان تأكيدهما على أهمية العلاقات الثنائية القوية التي تعود بالنفع على الشعبين العراقي والأمريكي. وتناولت النقاشات قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية. كما شارك في الحوار ممثلون عن حكومة إقليم كردستان" . يُفهم من البيان أن الخارجيتين العراقية و الأمريكية متفقتان على بقاء إتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 سارية المفعول . لعلّ أهم ما وجب مناقشته ما ورد نصاً في تلك الإتفاقية بشأن سيادة العراق وأمنه و إقتصاده . لنستعرض المحورين تلخيصاً:
ــــ 1 ــ الوجود العسكري الأمريكي : "تعترف الولايات المتحدة بالحق السيادي لحكومة العراق في أن تطلب خروج قوات الولايات المتحدة من العراق في أي وقت. وتعترف حكومة العراق بالحق السيادي للولايات المتحدة في سحب قواتها من العراق في أي وقت".
ـــــ 2 ــ الاقتصاد و إعادة الإعمار : " لتمكين العراق من الاستمرار في تنمية نظامه الاقتصادي الوطني عن طريق إعادة تأهيل البنى التحتية الاقتصادية العراقية، وكذلك توفير الخدمات الحيوية الأساسية للشعب العراقي، وللاستمرار في الحفاظ على موارد العراق من النفط والغاز والحفاظ كذلك على اصوله المالية والاقتصادية في الخارج، بما في ذلك صندوق التنمية للعراق".
إضافة إلى ما تقدم كتبت وزارة الخارجية الأمريكية في موقعها على شبة الإنترنيت عن العلاقات الأمريكية ــ العراقية ما نصه : "إن بعثة الولايات المتحدة في العراق ملتزمة بشراكتنا الإستراتيجية الدائمة مع حكومة العراق والشعب العراقي. وبالتنسيق مع التحالف الدولي لهزيمة داعش، ساعدت الولايات المتحدة جهود العراق لتحقيق الهدف المتمثل في تحرير البلاد من داعش. بعد الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش في العراق، زادت الولايات المتحدة جهودها لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة مع استمرار العراق في التطور كدولة ذات سيادة ومستقرة ومعتمدة على نفسها. لقد أصبح العراق الآن شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة، فضلاً عن كونه صوتاً للاعتدال والديمقراطية في الشرق الأوسط. ويستفيد العراق من المؤسسات الحكومية العاملة، بما في ذلك السلطة التشريعية النشطة، ويلعب دوراً بناء على نحو متزايد في المنطقة. تحافظ الولايات المتحدة على مشاركة قوية وواسعة النطاق مع العراق في القضايا الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والأمنية وفقًا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق ، والتي توفر الأساس للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق"
ــــــــ وأيضا ومنذ 2003 لم ينقطع توافد المسؤولين الأمريكان على العراق ، من مدنيين وعسكرين كبار. وكلُّ منهم يتقوّل عن " إسناد العراق وشعبه أمنا وسيادة و إقتصاداً." ولعلَّ احدثها تقولات "بلينكن" في لقائه مع فؤاد حسين.غير أن الواقع و مجريات الأحداث تُفنِّد الإدعاءات الأمريكية . فأمن العراق رهين بخطر غير منتهي من تنظيم ( داعش) كما توحي به التلميحات الأمريكية . ياتي مسؤول أمريكي كبير أو مؤسسة أمريكية أو أوروبية حليفة أو صحفي ليذكّروا حكومة العراق بأن ( داعش ) ينظم صفوفه وأن أعداده بعشرات الآلاف يشكلون خطرا وشيكا . هذا ملخص تقرير بثته وكالة ( فرانس 24) في 6 كانون الثاني /يناير 2024 جاء فيه: " اعتبر مسؤولون أمريكيون أن المعلومات التفصيلية حول الخطر الذي يمكن أن تشكله "الدولة الإسلامية في العراق والشام" لم تكتمل بعد، مستبعدين توجيه ضربات جوية لهذا التنظيم في وقت وشيك . وقال المسؤولون إن جمع صورة تفصيلية عن حجم قوات "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المنتشرة على الأرض ونواياها ومخزوناتها من الأسلحة سيستغرق وقتا. وأشار التقرير إلى أن المخزونات قد تضخمت بشكل ملحوظ حين اقتحمت قواتها التي ترتدي زياً أسوداً ترسانات القوات الحكومية العراقية خلال الأسابيع القليلة الماضية" .
ـــــــ مضمون تقرير الوكالة الفرنسية أو تصريح مسؤول أمريكي كان يتكرر نشره كلما تصاعدت الأصوات النيابية العراقية ومعظم القوى السياسية المطالبة بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق. فترد واشنطن بالتلويح بالسماح لتنظيم داعش بمواصلة تهديد أمن العراق و إستقراره ... والهدف إسكات المطالبين بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي والقبول ببقائه. مجريات الاحداث تؤكد أن واشنطن حريصة على الحفاظ على بقاء تنظيم داعش تحت سيطرتها كورقة ضغط أمريكية يهدد أمن العراق ليعزز وجودها العسكري التي تريد ديمومته .
ـــــــ العراق و الجمهورية الإسلامية الإيرانية: كما هو حرص واشنطن على بقاء و ديمومة " وجودها " العسكري في العراق ، فإن طهران أكثر حرصا على بقاء نفوذها في العراق عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً. وجود إيران العسكري في العراق بدأ تكرّس وتعاظم منذ مبادرتها بمساعدة العراق في ردع تنظيم داعش عام 2014. وبقيت طهران تُذكِّر الحكومات العراقية المتعاقبة بما قدمته من دعم عسكري ، اسلحة وأفرادا ، في هزيمة داعش. وتمكنت طهران ، بوسيلة مذهبية عقائدية ، من تعبئة فصائل من الحشد الشعبي لتدين لها بالولاء و تأتمر بأمرها . المجازر التي إرتكبتها تلك الفصائل في بغداد و معظم محافظات وسط وجنوب العراق إبّان إنتفاضة 2019 التي تعالت فيها أصوات مطالبة بالحد من النفوذ الإيراني تصدت هذه الفصائل للإحتجاجات فإستشهد وخّطف وجُرح وهُدد بالقتل وروّع عشرات ألآلاف من الشباب . وبفعل النفوذ الإيراني في السلطات كافة تم التستر على تلك الجرائم و لم يُجرَ إي تحقيق محايد وإلى اليوم. غير ناسين تلك " الإستعراضات" المسلحة التي خرجت بها تلك الفصائل محتلة المنطقة الخضراء مهددة الأمن والإستقرار متحدية الحكومة في تطبيقها للقانون الذي يطال إفرداً من تلك الفصائل الخارجين عن القانون . قيادات تلك الفصائل تعلن صراحة ولائها العقائدي لطهران .
ـــــــ نفوذ إيران السياسي في العراق يتمثل بعدد من قادة الأحزاب و التنظيمات السياسية ، ومعظمهم يحتل المواقع المهمة في السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضائية، عاشوا في ايران خلال معارضتهم للنظام الحكم السابق . فهم موالون ولاءً وفاءً وربما عقائديا .
ــــــــ نفوذ إيران الإقتصادي: إصطف الغرب بقيادة الولايات المتحدة معاديا إيران منذ قيام الجمهورية عام 1979 . بعد عام واحد وإلى ثماني سنوات ضاعفت الحرب مع العراق مشاكل الإقتصاد الإيراني الذي بقي يكافح مثقلا بنتائج الحرب و بسلسلة من العقوبات التي توسعت على خلفية البرنامج النووي الإيراني ..... وبعد غزو العراق عام 2003 وإلى الآن، وبسبب ضعف حكومات المحاصصة وحالة عدم الإستقرار ، أصبحت إيران المُورِّد التجاري الأهم للعراق ، ومصدرا لتحويل المليارات من الدولار من المال العام العراقي إلى إيران سنويا بكافة الوسائل المعلن منها و غير المعلن.
ـــــــ أمريكا و العراق : ـــــ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد : العراق ليس روسيا وليس الصين . السفارة الأمريكية تُعد الأكبر في العالم رابضة على أنفاس بغداد . فهل العراق بحاجة لسفارة بهذا الحجم . هذه السفارة يمكن تصنيفها دبلوماسيا وعسكريا ، فبحجم القوات المسلحة لحمايتها ، أقرب لأن تصنف قاعدة عسكرية . بالأعراف الدبلوماسية فإن نفوذها يتجاوز البروتوكولات التقليدية.
ــــــــ إيران والعراق : فصائل من الحشد الشعبي بمختلف التسميات تدين بالولاء إلى إيران و تأخذ رواتبها من المال العام العراقي . وبحكم نهج المحاصصة الطائفي فإن لإيران نفوذاً فاعلاً في السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية في العراق.

#محمد_رياض_حمزة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات