أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - ألم الهجرة في ديوان -بكيتُ العراق- ساجدة الموسوي















المزيد.....

ألم الهجرة في ديوان -بكيتُ العراق- ساجدة الموسوي


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7844 - 2024 / 1 / 2 - 10:26
المحور: الادب والفن
    


بعد تهجير الفلسطيني من وطنه عام 1948 أخذ الأدب يتجه نحو الحنين للوطن وألم الفقدان، وهذا الأمر نجده عند العديد من الأدباء والشعراء الفلسطينيين، لكن بعد الخراب العربي وتحديدا بعد احتلال العراق من قبل الأمريكان عام 2003، تدحرجت كرة الثلج وأصبح هناك أكثر من قطر عربي يعاني من التهجير ومن فقدان الوطن، ليبيا، سورية، اليمن، فأمسى هناك خمسة أقطار عربية يعاني شعوبها من الهجرة والابتعاد عن الوطن، وهذا الأمر انعكس على ما ينتجونه من أدب.
في الديوان "بكي العراق" نجد الحنين/الألم الذي بدأ منذ عام 1948، لكنه متعلق بالعراق ومعالمه ورمزيته، النخيل، فالمأساة واحدة من هنا سنجد فاتحة الديوان "أفول الطوفان" جاءت على شكل صدمة، حتى أن الشاعرة لم تصدق ما حل بها وبوطنها:
"كان العيش رغيدا
وكلام الناس بوقت الشاي كطعم السكر
في رمشة عين هبت ريح فارتجفت أبواب البيت
حط غراب فانكسر المصباح..
الضوء تبعثر
ماذا حل بنا؟
من أي جهات الأرض تجيء الريح
تهدأ حينا ثم تصبح
غبراء وهوجاء
غريب مسارها.
...
طاف الطوفان علينا فتجبر
والريح المجنونة ما زالت تعصف
وتدمر
أما الطاعون فقد أودى بملايين الأكباد
لكن الأرض هي الأرض
ما زالت.. ما زلنا
نورس دجلة ما زال ترتاح إذا تعبت عند نوافذها
ما زلنا فوق هدير الموج وعصف الريح نغني
نحن هنا
مزروعون بطين الماء
ما زالت غابات النخيل وأشذاء الحناء
ما زال العهد وأشرعة الشهداء
ما زلنا
بابل تشرق ثانية بين منازلنا
ما زلنا نمخر والموج يصارعنا
غيض الماء وبان النخيل
نوشك أن نصل البر
ما شاء الله
تلك منازلنا
...
سنعانق بغداد قريبا ونزف البشرى" ص13-16.
إذن هناك صدمة حدثت بعد احتلال العراق، لم يصدقها العراقي الذي دفعه الاحتلال الأمريكي للهجرة ومغادرة وطنه بعد ما أحدثه من خراب وتدمير وقتل وفوضى، من هنا تناولت فاتحة القصيدة الوقت بسرعة خاطفة/"رمشة عين" فنجد الألفاظ المستخدمة تخدم فكرة الصدمة: "فارتجف، حط، فانكسر، تبعثر" فجاء حرف الفاء في " فارتجف، فانكسر" ليؤكدا سرعة الحدث.
ونلاحظ بعد "فارتجف" جاء فعل (قصير)/"حط" وكأن هول الحدث وما فيه من رجفة التي أصابت العراق والعراقي جعله ساكن/مندهش بلا حركة.
ونلاحظ وجود فعل "فانكسر" تبعه "تبعثر" الذي يحمل شيئا من الحركة، وهذا (يتناقض شكليا) مع حالة السكون/الجمود التي جاءت بعد فارتجف، لكنه في جوهره يعطي مدلولا لتبعات "فارتجف" فبعد الذهول/الجمود أخذ في الانكسار والتشظي/التبعثر، من هنا جاء لفظ "تبعثر" المكون من خمسة حروف ليشير إلى المساحة الكبيرة التي لجأ إليها العراقي، وما السؤال: "ماذا حل بنا" إلا نتيجة الصدمة والدهشة التي أصابت العراق والعراقي.
تأخذنا الشاعرة إلى رحلة اللجوء/الطوفان: "ما زلنا فوق هدير الموج وعصف الريح نغني/ ما زلنا نمخر والموج يصارعنا" بهاذين المقطعين استطاعت الشاعرة أن توصل فكرة مقاومة الاحتلال والطوفان معا، بحيث يصل القارئ إلى أن ثنائية المقاومة، للطبيعة المتمثلة بالطوفان، وللاحتلال الأمريكي من هنا جاء الأمل من خلال:
"سنعانق بغداد قريبا ونزف البشرى"
وإذا ما توقفنا عند القصيدة سنجد أن الشاعرة ركزت على المكان بأكثر من طريقة وشكل، منها ما هو مباشر: "بابل، بغداد، البيت، الأرض (مكررة)، منازلنا، البر" ومن خلال إعطاء فكرة الثبات والبقاء في المكان "ما زال، ما زلنا" وهذا يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى التماهي بين العراقي وأرض العراق، ومن خلال رمز العراق/النخيل: "وبان النخيل" وبهذا تكون الشاعرة قد قدمت كل الصور والأشكال التي يمكن أن تستخدم لتأكيد ارتباطها بالعراق.
وإذا ما توقفنا عند بنية القصيدة "الطوفان" سنجد أن هناك صراع بين المياه واليابسة من هنا تم تكرار "الأرض" وذكر مكانين "بابل وبغداد" والمكان الخاص "البيت، منازلنا، يقابله الطوفان وما فيه من "ريح (مكررة أربع مرات) وبحالات قاسية: "هبت، غبراء، وهوجاء، المجنونة، وعصف" وهذا يأخذنا إلى الطوفان وما فيه من اشتداد الريح وما تحدثه من ارتفاع للموج/وهيجان المياه: "هدير الموج، نمخر والموج يصارعنا، فالثابت، الأصيل هي الأرض/المكان، والمتغير/العابر/الطارئ هو الريح/الطوفان، لهذا تم ذكر المكان بأكثر من شكل وصورة وحالة كإشارة إلى أنه موجود بأكثر من شكل.
في قصيدة "تساؤلات عراقية" نجد البعد الأسطوري لفكرة انبعاث الحياة من الموت:
"لماذا العراق حزين؟
ـ لتبك السماء عليه
ومن دمعها
تولد الأنهر الصافيات
ومن دمعها
تدور النواعير، تسقي الزروع فيربو النبات
ومن دمعها
يشرب الناس
ماء الحياة" ص36.
نلاحظ أن هناك توازن بين الحزن/"دمعها" (مكرر ثلاثة مرات) وهذا يشير إلى ديمومة واستمرار الحزن، وبين الخصب/الماء، الذي ذكر مرتين "الماء، الأنهر" وجاء بأكثر من صفة: "الصافيات، تدور، تسقي، يشرب" متعلقة بالنباتات وبالإنسان، وهذا يأخذنا إلى العراقي القديم وكيف أنه أقام طقوسا لموت "تموزي" وأيضا احتفل بعودته للحياة،.
المهاجر تفرض عليه قيود تحول دون تواصله مع أهله وأقربائه، فيمسى منعزلا في (سجن) يمنعه من لقاء من يحب، هذا الأمر عاني ويعاني منه الفلسطيني منذ عام 1948، وها وهو العراقي يتماثل معه بهذا الهم والوجع.
في قصيدة "سراب التمني" تحدثنا الشاعرة عن حجم الظلم والقسوة التي يتعامل بها النظام الرسمي العربي مع المهاجر، حيث منعتها السلطات المصرية من دخول مصر للقاء شقيقها:
"إلى مصر منيت روحي
فقلت أراها تسري عن النفس هما ولا مثل همي
طواني سبعا عجافا
فجرح قلبي وقرح جفني
ولي من رؤى أمسها هدهدات
تناغي الفؤاد بأعذب لحن
ولي عندها بعض روحي
أخي نور عيني
لعلي بعد الفراق الطويل أراه.. أشم على منكبيه العراق
أشم أبي .. وجه أمي
وأدربه يطوي الحنين بصمت
عن البوح يغني
وكنت أظن دخولي الكنانة سهلا
ولا مستحيل أمام التمني
ولكنني .. يا لهول الجواب!
منعت وضاعت مسافات شوقي
ولهفة ظني
...مصر سدت طريق الدخول
أغلقت بابها منذ عهد طويل
ولا تفتح الآن إلا بأمر المليك" ص69و70.
نجد حنين الشاعرة ولهفتها للقاء شقيقها من خلال: "روحي (مكررة)، قلبي، جفني، الفؤاد، نور عيني، أراه، أشم أبي .. وجه أمي، الحنين" فهذه الألفاظ بمضمونها المجرد تُوصل للقارئ فكرة الحنين لأخيها.
كما أن ألفاظ: "هما/همي، فجرح، قرح، الحنين" تشير إلى الحالة النفسية التي تمر بها الشاعرة، فهي موجوعة بسبب الابتعاد عن أخيها، ما تماثل حروف الهاء والميم والراء والحاء إلا إشارة/دلالة على أن الشاعرة تعاني من ألم الفراق لهذا بدت (أسيرة) لأفلاظ بعينها .
ويستوقفنا لفظ: "هدهدات" التي يتكرر فيه حرفي الهاء والدال والذي يحمل مضمون الحنين والعاطفة، ويلفظ بطريق تحمل اللهفة من خلال تكرار حرف الهاء الذي يحمل لفظه معنى الألم (آه)، وفيها الصدى والدوي من خلال تكرار حرف الدال، فمن خلال "هدهدات" استطاعت الشاعرة أن تبين ما فيها من مشاعر تجاه شقيقها (البعيد) عنها.
ونلاحظ أنها استخدمت ألفاظا تشير إلى اللقاء الروحي/العاطفي بينهما: " ولي عندها بعض روحي
أخي نور عيني" وألفاظ تشير إلى اللقاء المادي الحسي:
"لعلي أراه" وهذا يأخذنا إلى صدق مشاعر الشاعرة، فهي تتناوله كإنسان كامل له أثر حسي/مادي، وأثر روحي/عاطفي، من هنا جعلته يأخذها إلى: " أشم على منكبيه العراق
أشم أبي .. وجه أمي"
أما فكرة المنع التي تمارسها الأنظمة العربية تجاه المواطنين العرب، فهي أصيلة في نهجهم وفي سلوكهم وفي طريقة تعاملهم من (الأجنبي)، فقد استخدمت الشاعرة لفظ "منعت (مكرر)، سدت، أغلقت" وهذه كافية لإيصال فكرة السد المتعلقة بالطريق وأقفلت المتعلقة بالأبواب، بحيث لا طرق ولا أبواب يمكنها أن توصلها إلى لقاء شقيقها.
وها هي مصر الآن وفي ظل العدوان الصهيوني الغربي على فلسطين تقوم بدورها (التاريخي) في منع أهلنا في غزة من العبور للعلاج، فكيف لها أن تسمح لهم بلقاء إخوتهم وأهليهم!؟.
الشاعر/ة الأصيل هو الذي يكتب قصائد تتجاوز عصرها/زمانها، بحيث يمكن أخذها إلى المستقبل، في قصيدة "عاش البحر وعاش البحار" التي تتحدث فيها الشاعرة عن حصار غزة عام 2009، لكنها الآن في ظل العدوان الحصل على فلسطين وعلى غزة تحديدا تجاوز ذلك الزمن:
" عند النوم يغيب الوعي ولكن
يبقى ظل الخوف يراود أفئدة الأطفال
في الرؤيا قالوا:
ستجيء لغزة بضع مراكب تحمل أطنان دواء وغذاء
سنأكل حتى نشبع
سيموت الجوع من القهر..
... يا أمي هل قتلوا البحر أم البحار
وهل الموت سيحيا
ماذا يجري ما الأخبار"
لا تحزن يا ولدي، لم يمت البحر ولا البحار
بل مات ظلام وانهد جدار
غزة تحيا
رغم ذئاب الموت وكيد الفجار
لا تحزن يا ولدي، فالدنيا تسمع ما يجري
قيود الظلم مهما طالت
ستظل قصار
سوف ننام بلا خوف وأغنيك جميل الأشعار" ص147-49.
اللافت في القصيدة لغة الحوار بين الأطفال وأمهم، فهناك منطق الأطفال البسيط، ومنطق الأم الحنون الذي يمدهم بالقوة والصبر، فهم يعيشون حالة من الخوف والجوع، تماما كأطفال اليوم في غزة، والأم تمدهم بالأمل والخلاص مما هم فيه من خوف وجوع، مؤكدة أن الخلاص آت، وما استخدامها حرفي النفي "لا، لم" إلا من باب رؤيتها المشرقة للمستقبل الجميل، وما قولها:
"قيود الظلم مهما طالت
ستظل قصار
سوف ننام بلا خوف وأغنيك جميل الأشعار"
إلا من باب الأمل/النصر القادم لغزة ولفلسطين.
الديوان من منشورات فضاءات لنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2021.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكثير/التعظيم والقليل في قصيدة بوح- عبد النصر صالح
- رحلة الزيت إلى الأردن
- الأصوات في قصيدة -أختهم- مأمون حسن السعد
- الشاعر والوطن في قصيدة -قمر الجليل- منذر يحيى عيسى
- الغربة والاغتراب في -أغنيات لنهار آخر- يونس عطاري
- الأفكار في رواية -لست وحدك- يوسف السباعي
- البشر وتداخلاتهم في رواية -لست وحدك- يوسف السباعي
- الملحمة والواقع في قصيدة -قالت غزة ، حوارية- عمر أبو الهيجا
- الاغتراب وطريقة تقديمه في كتاب -أرخبيل المسرات الميتة- محمد ...
- الألم وقلب المفاهيم وقت الشدائد: في -في بلادي- عبد السلام عط ...
- الثقافة الدينية والثورة في قصيدة -الطوفان- صلاح أبو لاوي
- طبيعة المجتمع الصهيوني في رواية رجل المرآة يوسف حطيني
- الخليج والموت والمرأة في رواية -الطريق إلى بلحارث- جمال ناجي
- العلاقة بين الكاتبة والساردة في رواية -إلى أن يزهر الصبار- ر ...
- السرعة وتساع الزمن والجغرافيا في -أي صديقي- جميل طرايرة
- فلسطين، دور العقل والخلق في معركة التحرير- وصفي التل
- الغضب في -إلى أصحاب النذالة- جميل حمادة
- التجريب الشعري في كتاب -سرّ الجملة الاسمية-
- الجغرافيا والسياسية والمنطقة العربية
- الواقعية والحرب في رواية -آه يا بيروت- رشاد أبو شاور


المزيد.....




- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - ألم الهجرة في ديوان -بكيتُ العراق- ساجدة الموسوي