أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سالم روضان الموسوي - الاجتهاد المتطور تجاه مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه، تعليق على قرار محكم التمييز الاتحادية















المزيد.....


الاجتهاد المتطور تجاه مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه، تعليق على قرار محكم التمييز الاتحادية


سالم روضان الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 7830 - 2023 / 12 / 19 - 16:18
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


الاجتهاد المتطور تجاه مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه

تعليق على قرار محكم التمييز الاتحادية



اولاً: الواقعة كما عرضها القرار التمييزي

جاء في ديباجة قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 3607/هيئة استئنافية منقول/2023 في 15/10/2023 عرض مختصر للواقعة محل النزاع والتي تصدت لها محكمة البداءة، وجاء فيها ان امرأة حصلت لها عملية ولادة في احدى المستشفيات الحكومية، وأبلغ الابوين من إدارة المستشفى بان الام انجبت انثى وتم تزويدهما بوثيقة ميلاد رسمية بنسبة تلك الطفلة الى هذين الابوين، وسار الحال على ان تلك البنت هي بنتهم الصلبية، الا انها كانت مصابة بمرض عضال لا يرجى شفائه، وتمت مراجعة الأطباء، ومن خلال المعاينة الطبية وجد المختصون ان هذا المرض وراثي، فذهب الأطباء الى اجراء فحص ال (DAN) للتحقق من كون الوالدين لهم جينات تحمل هذا المرض، الا ان النتيجة كانت تعاكس جميع العلامات الوراثية بين الطفلة وبين ابويها،

بمعنى انها ليست بنتهم التي انجبتها الزوجة من فراش الزوجية، وان نسبها يعود الى اشخاص غيرهم، واستدل الابوين من خلال هذا التقرير الفني الى ان مولودهم الأصل (ذكر كان ام انثى)، قد استبدل بهذه البنت، وتم تسليمه الى غيرهم، ونسبته الى غيرهم، واعتبروا هذا الفعل قد اضرهم ضرراً كبيراً نتيجة لفقدانهم مولودهم الحقيقي، وابتلائهم بمولودة تعاني من مرض عضال ارهقهم علاجها وتكاليفه الباهظة مع انعدام فرصة الشفاء، ولحقهم ضرر مادي ومعنوي، واقاموا الدعوى امام محكمة البداءة المختصة للمطالبة بالزام دائرة الصحة التي يعود اليها المستشفى، الذي حصلت فيه الولادة، بالتعويض عن الاضرار المادية والمعنويةـ وأصدرت محكمة البداءة قرارها برد الدعوى ثم ايدته محكمة الاستئناف، ولم نطلع على تلك الاحكام لمعرفة أسباب الرد، وبعد الطعن به تمييزاً أصدرت محكمة التمييز الاتحادية قرارها أعلاه، والذي قضت فيه نقض قرار محكمة الاستئناف، لإنها ترى بان مسؤولية دائرة الصحة متحققة تجاه الضرر الذي لحق بالمدعين، وعليها تحمل مسؤولية التعويض المادي والادبي ، وعلى وفق التفصيل الوارد فيه.



ثانياً: أهمية المبدأ

ان هذا الاتجاه من محكمة التمييز الاتحادية هو محل تقدير كبير جداً، لإنه تطور في فهم مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه، وتجسيد لمبدأ المسؤولية التضامنية تجاه الاضرار التي يحدثها التابع، فضلاً عن تلبسه في فكرة العدالة، التي اعتنقها التشريع الإسلامي تجاه التعويض على أساس وقوع الضرر وليس التعويض على أساس وقوع الخطأ وجسامته، وهذه فكرة نالت حضها من الاختلاف الفقهي، حتى الوقت الحاضر، لكن اتجاه محكمة التمييز الاتحادية نأمل ان يكون مبدأ راسخ، يوضح خط السير في هذا الاتجاه لسائر الحالات المماثلة.

ولغرض دراسة هذا المبدأ المهم والمحترم جداً، ولأنه جاء باجتهاد القضائي عن محكمة عليا، فلابد من التصدي له عبر التعليق عليه، مسايرة لما يسعى اليه المختصون في علم القانون وفن القضاء بين الحين والأخر الى تحليل الاحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العليا بمختلف درجاتها في سلم التقاضي، لان أهميتها تكمن في ترسيخ المبادئ القضائية التي تقدم فائدة ثمينة وعظيمة للفقه القانوني، وتسمح بادراك كيفية تطور العلاقات القانونية، كما ندرك من خلالها خطورة أي جهاز قانوني والموقع الذي يشغله في سوح المعاملات القانونية، وبواسطة القضاء يمكن ادراك وظائف هذه الأجهزة القانونية،

لذلك لا يستطيع احد ان يفهم القاعدة القانونية فهماً جيداً ولا ان يعرف مدى خطورتها ما لم يتحقق من القرارات التي تصدر بمناسبة تطبيقها، وهذا لا يكون الا من خلال تحليلها وابداء الملاحظة تجاه الفقرة الحكمية واسبابها، وهذا ما أشار اليه الفقيه الفرنسي الكبير هنري كابيتان "Henri Capitant"، الذي يرى بان الواجب الملقى على رجال القانون من الفقهاء يتجلى في مهمة تحليل الاحكام القضائية، وعليه ان لا يقف عند ابداء الملاحظة، وانما يتعدى الى نقد الحكم ويلزم ذلك الفقيه بان يبين وجهة النظر الفقهية تجاه الحكم سواء بالقبول او الرفض، لان الفقيه لا يستطيع ان يفخر بمعرفة القانون، الا اذا اكمل وأحيا دراسة النصوص من خلال دراسة احكام القضاء، وهذه الدراسات النقدية المستندة الى حكم العقل، تعد قطاعاً جوهرياً من قطاعات التربية القانونية[1]،

ثالثاً: قرار الحكم والتعليق

ومن خلال ما تقدم كان لابد من الوقوف على اتجاهات القضاء الحديثة، برؤيا فقهية ومنها هذا التطور المهم تجاه المسؤولية المدنية، وسأعرض له بالتعليق على وفق الاتي:

1. نص القرار:

قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 3607/الهيئة الاستئنافية منقول/2023 في 15/10/2023

تشكلت الهيئة الاستئنافية منقول في محكمة التمييز الاتحادية بتاريخ 15-10-2023 برئاسة نائب الرئيس السيد حسن فؤاد وعضوية القضاة السادة مثنى أحمد عبد علي وصباح أعريبي وشهاب أحمد المأذونين بالقضاء باسم الشعب وأصدرت القرار الاتي: -

المميزان / 1-أ،و،ع 2- أ،س،هـ ـ وكيلهما المحامي (ع، ن،ع)

المميز عليه / مدير عام دائرة صحة ذي قار ـ أضافة لوظيفته

ادعى وكيل المدعيين ( المميزين ) لدى محكمة بداءة الناصرية انه سبق وان تم اجراء عملية ولادة لموكلته المدعية الثانية في مستشفى بنت الهدى القسم العام وانجبت الطفلة (م) وبعد مرور فترة من الزمن اتضح ان الطفلة تعاني من مرض وراثي الثلاسيميا وعند مراجعة موكلته الى العديد من الأطباء داخل محافظة ذي قار وخارجها ابدى جميع الأطباء استغرابهم من إصابة الطفلة بهذا المرض لعدم وجود أي نوع من هذا المرض في عائلتها، وبعد اجراء الفحوصات الطبية DNA لموكليه والطفلة اتضح تعاكس جميع العلامات الوراثية بين موكليه والطفلة مما أدى الى قيامهما بطلب شكوى جزائية بحق الكادر الطبي الذي اجرى العملية وبعد اجراء التحقيق الإداري انتج خطأ طبي دون تحديد من هو المسؤول عن الخطأ والمتمثل باستبدال الطفلة الحقيقية بالطفلة مريم وتم اللجوء الى محكمة الأحوال الشخصية في الناصرية بالعدد 2296/ش/2019 والمؤرخ في 18/2/2019 ولأصابة موكليه بأضرار مادية ونفسية جسيمة، لذا طلب دعوة المدعى عليه للمرافعة و الحكم بالتعويض المادي مقداره مائة مليون دينار وتعويض ادبي مائة مليون دينار وتحميله المصاريف وأصدرت محكمة البداءة بالعدد 4110/ب/2023في 10//2023 حكماً حضورياً بحق المدعين وغيابياً بحق المدعى عليه برد دعوى المدعيين وتحميلهما المصاريف طعن وكيل المدعيين بالحكم استئنافاً بلائحته المؤرخة 20/7/2023 ورد العريضة والطعون الاستئنافية وتحميل المستأنف المصاريف طعن وكيل المستأنفين بالحكم تمييزاً طلباً نقضه للأسباب الواردة بلائحته المؤرخة 21/9/2023

القرار //// لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية ومشتمل على أسبابه قرر قبوله شكلاً ولدى امعان النظر في الحكم المميز تبين انه غير صحيح لمخالفته أحكام القانون. ذلك لأنه وأن لم يثبت قيام احد توابع المميز عليه بفعل استبدال الطفلة والافراج عنهم لعدم كفاية الأدلة ألا انه يلاحظ أن اللجنة التحقيقية وفي فقرة توصياتها الواردة في البند (خامساً) أشارت لإجراءات على المستشفيات اتخاذها لتلاقي حسب تعبيرهم (الإشكالات مستقبلاً) ومنها توفير ممرضة الخدج وحاضنة في كل صالة عمليات ويتم وضع السوار في داخل الصالة وبتوجيه كافة أطباء اختصاص الأطفال في ردهة أنعاش الطفل لمتابعة كادر التمريض اثناء عملهم وقد اقترنت التوصيات بمصادقة الوزير وبالتالي ولعدم تحقق ما تقدم في وقائع هذه الدعوى فيعد بذاته خطأ ينسب الى أدارة المستشفى يتعين معه تحميل المسؤولية التقصيرية والزامه بالتعويض لما لحق المدعيين من ضرر مادي تمثل بما تكبده من مصاريف عند مراجعتهم للتحقق من الموضوع وما أصابهم من ضرر معنوي عليه تقرر نقضه وأعاده الدعوى الى محكمتها لأتباع ما تقدم على أن يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق 15/10/2023م .

2. التعليق:

‌أ. مسؤولية المتبوع:

تضمن الحكم أعلاه استعراض لمسؤولية التابع والمتبوع، حيث أشار الى ان المسؤولية تتحقق حتى في حال عدم معرفة الفاعل المتسبب بالخطأ من المنتمين او المنتسبين للمتبوع، وتأسس الحكم على ان مسؤولية المتبوع ثابتة لوجود تقصير وإقرار بالخطأ، واساس التأثيم وفرض الجزاء المدني المتمثل بالتعويض هو تحقق المسؤولية التقصيرية، وتسمى بالمسؤولية المدنية لتمييزها عن المسؤولية الجزائية، والتعويض يعتبر جزاء وعقوبة على من يخرق القانون ويأتي بعمل غير قانوني ومرفوض اخلاقياً، كما يعتبر اصلاح للضرر الذي لحق بالمتضرر[2]، وتشير المادة (219) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 الى تحقق مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه[3]، وتعد من اكثر صور المسؤولية عن فعل الغير وضوحاً،

اما مسألة تحديد أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع أحاطت بها اختلافات فقهية، حيث يرى بعض الفقهاء، بالنسبة للأساس الذي تقوم عليه النظرية التقليدية (الخطأ المفترض)، الذي أظهر قصوره وعدم دقته، مما يتحتم معه البحث على نظريات جديدة لتؤسس هذه المسؤولية على أفكارها. كان أهمهما نظرية تحمل التبعة، ونظرية المسؤولية عن الغير[4]، ويرى أحد المختصين بان المسؤولية المدنية هي الالتزام الذي يقع على الانسان بتعويض الضرر الذي لحق بالأخرين سواء كان بسببه الشخصية او بسبب من يعمل بمعيته وتبعاً له[5],

ومن خلال ما تقدم فان الإدارة الصحية المسؤولة عن إدارة المستشفى الذي حصلت فيه الولادة مسؤوليتها متحققة، وهو ما تنادي به نظرية تحمل التبعة، وابعاد فكرة الخطأ، بمعنى ان المتبوع يتحمل تبعة افعاله وافعال تابعيه حتى لو لم يكن فعله يشكل خطأ وانما العبرة بتحقق الضرر[6]، الا ان القانون العراقي تمسك بالنظرية التي تنادي باعتبار وجود الخطأ وتحققه سبباً لتحمل المسؤولية الموجبة للتعويض وعلى وفق احكام المادة (204) من القانون المدني[7]، وهذا ما قررته محكمة التمييز الاتحادية في قرارها محل التعليق، فإنها اعتمدت على نظرية الخطأ تطبيقاً للأحكام العامة للمسؤولية المدنية التي اعتنقها القانون المدني العراقي، حيث جاء في حيثيات القرار الاتي (فيعد بذاته خطأ ينسب الى أدارة المستشفى يتعين معه تحميل المسؤولية التقصيرية)، وانها ربطت بين الخطأ وتبعات اثاره في تحمل المسؤولية.

‌ب. هل كان الخطأ طبياً ام ادارياً؟

ان الواقعة محل البحث حصلت بعد اجراء عملية ولادة، أي بعد تمام العمل الطبي المتعلق بالولادة، وحيث ان الفعل كان استبدال المولود بمولود اخر، فهو يخرج عن التمريض الذي يكون بعد اجراء العملية ويقوم به الكادر التمريضي المتخصص ويشمل الرعاية الطبية والصحية للمريض، لذلك لابد من الوقوف على نوع الخطأ لأنه مؤثر في تحديد المسؤولية واليات معالجة اثارها،

ان العمل الطبي تم على اكمل وجه وكذلك الرعاية الصحية، والخطأ الذي حصل لاحقاً هو سوء الإدارة في حفظ المولود وتسجيله باسم ابويه، وهذا لا يدخل في مجال العمل الطبي او الرعاية الصحية (التمريض)، لذلك لا يمكن اعتباره خطأ طبي، لان بعض الأفكار قد تنصرف الى ان هذا يندرج ضمن الخطأ الطبي، ومن ثم لابد من الذهاب الى مسؤولية الطبية عن الأخطاء الفنية التي يقع فيها من جراء عمله، وبالتالي نحتاج الى تقييم فني من مختصين في الطب، ونبحث في مدى العناية التي بذلها الطبيب في اتقان صنعته[8]، ويميز الفقه وحتى الاجتهاد القضائي بين الخطأ المهني للطبيب والخطأ العادي ـ حيث ان تحديد الخطأ الفني يعتمد على تقرير خبراء مختصين، وليس للقاضي سلطة في تقدير ذلك[9]، وهذا الامر لو اعتبر في الواقعة محل البحث قد يؤدي الى تحلل الإدارة من مسؤوليتها تجداه الضرر الذي لحق بالمدعين.

اما ما حصل في ضوء الواقعة محل الحكم، هو خلل في الإجراءات الإدارية المتعلقة بحفظ المولود في مكانه ومن ثم تسجيله باسم ابويه، وهذا نشاط اداري وليس طبي او تمريضي، ومن ثم يكون خطأ إداريا يخضع للقواعد العامة، ويكون للقضاء سلطة تقديرية في تحديد الخطأ والمسؤولية الناجمة عنه، وهو ما سارت عليه محكمة التميز الاتحادية، حيث اعتبرت ان الخطأ كان ادارياً وليس طبياً، وتتحمل الإدارة مسؤوليته، لان هذه مسألة قانونية تقع على عاتق القضاء وليس امراً فنياً يحدده الخبراء، ويدخل ضمن سلطة القاضي التقديرية في اثبات المسؤولية فضلا عن سلطته في تكييف الواقعة هل انها مسؤولية تقصيرية مدنية ام جزائية او انها مسؤولية عقدية، لان هذه من اهم واجبات القاضي، وتخضع هذه السلطة التقديرية لرقابة محكمة التمييز الاتحادية لانها من المسائل القانونية[10].



‌ج. التعويض

من خلال استعراض المسؤولية وتبعاتها واثارها وجدنا، بان اعتبارها فعلاً ضار يلحق بالآخرين، يؤدي الى ان تعتبر من مصادر الالتزام، فضلاً عن القانون المدني الذي اعتبرها من بين مصادر الالتزام التي نظمها القانون في الباب الأول من الكتاب الأول، حيث افرد للفعل الضار باعتباره احد مصادر الالتزام الفصل الثالث من الباب الأول في المواد (186-232)،

لذلك فان الالتزام بالتعويض هو جزاء يفرضه القانون على محدث الضرر بما يجبر الضرر واصلاحه[11]، وعلى وفق ما اشارت اليه المادة (204) مدني، لكن التعويض لم يكن في صورة واحدة وانما تعددت صوره، منها التعويض العيني بان يلزم محدث الضرر بتعويض المتضرر شيء من جنس وعين الشيء الذي لحقه الضرر، وقد يكون الزام محدث الضرر بأداء عمل معين وعلى وفق ما ورد في المادة (209/2) مدني[12]، وفي قرار الحكم محل التعليق قد الزم محكمة الموضوع بان يلزم محدث الضرر بالتعويض المادي، ورسمت لها ملامحه وخطوطه العامة وعلى وفق النص في القرار على الاتي (والزامه بالتعويض لما لحق المدعيين من ضرر مادي تمثل بما تكبده من مصاريف عند مراجعتهم للتحقق من الموضوع وما أصابهم من ضرر معنوي)،

لكن هذا التعويض هو ما لحق بالمدعين من ضرر، ولا يتعلق بما اصب المولودة من ضرر، من جراء حرمانها من ابويها الحقيقين، وعلى فرض بان عثر على ابويها، فانهم سوف ينالون حظهم من التعويض ايضاً، كذلك لم يكن هذا التعويض عن المرض الذي أصابها لان المحكمة لم تبحث به ومن هو المسؤول عنه وهل تتوفر عناصر المسؤولية واركانها، لذلك فان التعويض اقتصر على تعويض المدعين فقط،

والتعويض كما استقر عليه الفقه والاجتهاد القضائي يكون بمقدار الضرر وان لا يكون وسيلة اثراء غير مبرر، لكن في ذات الوقت يجب ان لا يكون اقل من الضرر الذي لحق بالمتضرر مع مراعاة الظروف المحيطة بالواقعة، وان يتناول الضرر المباشر سواء كان متوقع او غير متوقع[13]،

الا ان الواقعة محل البحث، نجد ان الضرر الذي أصاب المدعين فيها لم يقتصر فقط على دفع نفقات البحث عن الحقيقة، حيث جاء في القرار الاتي (والزامه بالتعويض لما لحق المدعيين من ضرر مادي تمثل بما تكبده من مصاريف عند مراجعتهم للتحقق من الموضوع)، وانما لابد من مراعاة كون هؤلاء المدعين سوف يبقون على رعايتهم لتلك المولودة المصابة بهذا المرض العضال، وقد لا يرجى شفائه، وهذا ضرر مضاف الى أنواع الضرر الذي لحق بهما، لان مسؤوليتهم تبقى قائمة تجاه رعاية تلك المولودة بحكم القانون، وملزمون بها ويخضعون للمساءلة القانونية الجزائية والمدنية، ان اهملوها او تسببوا في تركها ووفاتها او تعاظم شدة مرضها، وهذه الالزام سبب حدوثه هو الخطأ الإداري، حينما اقرن رعاية تلك المولودة المعتلة صحياً بالمدعين المسجلة بأسمائهم في الدوائر الرسمية، وحيث ان الضرر مستمر لحين شفاء المولودة او وفاتها، وبما ان ذلك غير قابل للتحديد لان الشفاء والاعمار بيد الله، ولأنه من عناصر الضرر الذي لحق بالمدعين، وحيث ان التعويض يكون مناسباً لها، فلابد من تفعيل الصورة التي وردت في المادة (209/1) من القانون المدني التي اجازت ان يكون التعويض على شكل مرتب يقدر بمبلغ معين[14]، وهذا التعويض لا يتقاطع مع ما يحصل عليه المدعين من مكافاة او رواتب من دوائر الرعاية الاجتماعية، لان هذا ليس بتعويض عن ضرر وانما رعاية من الدولة تجاه شريحة معينة من مواطنيها سواء حصل عوقهم واعتلالهم الصحي بخطأ او بأمر طبيعي من لحظة الولادة، والفقه والقانون يجيز هذا الجمع[15]

الخلاصة:

ان ما ورد في قرار الحكم محل التعليق هو مبدأ ناجم عن اجتهاد قضائي استوعب ظروف الواقعة، وكيفها بما يتفق وروح القانون وقواعد العدالة والانصاف، وهو اجتهاد متطور نرفع له القبعة احتراما وتقديرا، لنمتنى ان يستمر هذا النهج المتطور تجاه قراءة النصوص القانونية بروح العصر، وبموجب قواعد الانصاف والعدالة، التي تندرج ضمن مبدأ المساواة بين الجميع سواء كان الطرف الضعيف في المعادلة القضائية وهو المواطن وبين الطرف القوي فيها وهي الدولة ومؤسساتها، كما نتمنى على محكمة الموضوع ان تلتفت الى تفعيل صور التعويض التي وردت في المادة (209/1) من القانون المدني، المتعلقة بفرض ايراداُ على شكل راتب مستمر طالما الضرر قائم، وان يستفيق هذا النص من سباته، وتجميده الذي كان للقضاء دوراً في ذلك من خلال تعطيل الحكم الوارد فيه تطبيقاً، ونرى ان هذا المبدأ الجديد قد يكون من اهم عناصر يقظة النص عبر استنطاقه بأحكام قضائية، تحقق الغاية من تشريعه، ولا نقف عند الأفكار السلبية والافتراضات المعوقة لتفعيله، ومنها، ما يفترضه البعض، بان المدعى عليه قد يمتنع عن فرض هذا الايراد المستمر (الراتب)، فما العمل ، أقول واعيد القول الذي قاله المرحوم العلامة السنهوري عند مناقشة كتابة القانون المدنية وجوابا على ما طرحه المرحوم القاضي حسن التتار في قوله وما الحكم اذا لم يقدم المدين تامينا كافيا لإدامة الراتب المحكوم به فكان جواب السنهوري الاتي ( أرى من الواجب في هذه الحالة ان يقضي الحاكم على المدين بدفع التعويض جملة واحدة)[16]

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد
الهوامش=======================================

[1] نقلا عن الدكتور عباس حسن الصراف ـ ترجمة مقدمة كتاب الاحكام الكبرى في القضاء المدني للفقيه الفرنسي هنري كابيتان “Henri Capitant” ـ مقال منشور في مجلة القضاء العدد الثاني في اذار عام 1957 ـ السنة الخامسة عشر ـ ص 214

[2] الدكتور جنفييف فيني ـ المطول في القانون المدني ـ مدخل الى المسؤولية ـ أشراف جاك غستان ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ـ طبعة بيروت الاولى عام 2011 ـ ص 32

[3] نص المادة (219) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل (1- الحكومة والبلديات والمؤسسات الاخرى التي تقوم بخدمة عامة وكل شخص يستغل احد المؤسسات الصناعية او التجارية مسؤولون عن الضرر الذي يحدثه مستخدموهم، اذا كان الضرر ناشئا عن تعد وقع منهم اثناء قيامهم بخدماتهم.2- ويستطيع المخدوم ان يتخلص من المسؤولية اذا اثبت انه بذل ما ينبغي من العناية لمنع وقوع الضرر او ان الضرر كان لا بد واقعا حتى لو بذل هذه العناية.)

[4] للمزيد انظر الدكتور حسن علي الذنون ـ المبسوط في المسؤولية المدنية (الضرر) – منشورات شركة التاميس للطباعة في بغداد ـ طبعة عام 1991ـ ص 31

[5] الدكتور حسن علي الذنون ـ مرجع سابق ـ ص 12

[6] الدكتور حسن علي الذنون ـ مرجع سابق ـ ص 36

[7] نص المادة (204) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل (كل تعد يصيب الغير باي ضرر اخر غير ما ذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض)

[8] الدكتور القاضي عبداللطيف الحسيني ـ المسؤولية المدنية عن الأخطاء المهنية ـ منشورات العالمية للكتاب ـ طبعة بيروت عام 1987 ـ ص 118

[9] الطبيب جواد باقر البياتي ـ المسؤولية عن الضرر بسبب الخطأ في العمل الطبي ـ طبع مطبعة شفيق في بغداد عام 2018ـ ص32

[10] الدكتور سليمان مرقس ـ الوافي في شرح القانون المدني ، في الالتزامات وفي الفعل الضار والمسؤولية المدنية ـ المجلد الأول ـ الطبعة الخامسة عام 1992 دون جهة طبع ـ ص451

[11] الدكتور سليمان مرقس ـ مرجع سابق ـ ص 507

[12] نص المادة (209/2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل (ويقدر التعويض بالنقد على انه يجوز للمحكمة تبعا للظروف وبناء على طلب المتضرر ان تامر بإعادة الحالة الى ما كانت عليه او ان تحكم بأداء امر معين او برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض.)

[13] الدكتور سليمان مرقس ـ مرجع سابق ـ ص 537

[14] نص المادة (209/2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل (تعين المحكمة طريقا التعويض تبعا للظروف ويصح ان يكون التعويض اقساطا او ايرادا مرتبا ويجوز في هذه الحالة الزام المدين بان يقدم تاميناً)

[15] الدكتور سليمان مرقس ـ مرجع سابق ـ ص 663

[16] نقلاً عن الاعمال التحضيرية للقانون المدني العراقي ـ اعداد كل من (ضياء شيت خطاب – إبراهيم المشاهدي – عبدالمجيد الجنابي – عبدالعزيز الحساني – غازي إبراهيم الجنابي) ـ توزيع مكتبة السنهوري طبعة بيروت عام 2022 ـ الأجزاء (1-2) ـ ص 249



#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرق الوظيفي وشهوة السلطة
- رؤية محمد الغزالي تجاه جبابرة العصر الراهن
- رؤية محمد الغزالي تجاه جبابرة العصر الراهن
- هل يجوز اصدار قرار التحكيم باسم الشعب
- ما مصير الاحكام التي تصدر من محكمة غير مختصة نوعياً؟ محكمة ا ...
- لا تصح خصومة الواقف في متعلقات الوقف، قراءة في اتجاهات القضا ...
- التحكيم الالكتروني ام التحكيم بالوسائل الالكترونية؟
- (لماذا استخدام المشرع العراقي في المادة (٤٠£ ...
- لماذا استخدام المشرع العراقي في المادة ٤٠٥ عق ...
- ميراث أبناء المقر له بالنسب، تعليق على قرار محكمة التمييز ال ...
- قراءة في قرار المحكمة الاتحادية العيا حول تفسير المادة (110) ...
- هل يجوز للمحكوم بعقوبة السجن ان يقيم دعوى الطعن بعدم الدستور ...
- هل اتباع الإجراءات القانونية السليمة تكفي لحماية الحقوق؟ (بي ...
- كيف يرفع التناقض الذي يحصل في قرار المحكمة الاتحادية العليا؟ ...
- الفساد المالي والإداري والحديث النبوي الشريف (هدايا الامراء ...
- هل يؤثر تأييد الحضانة على حجية الحكم القضائي بضم الحضانة، قر ...
- هل رد الطعن التمييزي شكلا بسبب عدم ذكر اسم الخصوم، بمثابة ال ...
- خفايا النص واضاءات المجتهد في الطعن بطريق إعادة المحاكمة
- التحكيم المحلي والتحكيم الدولي في ضوء احكام القضاء العراقي
- ان النقص الأول فينا هو ضعف الضمير القانوني


المزيد.....




- إسرائيل تحذر أمريكا: سنعاقب السلطة الفلسطينية حال أصدرت الجن ...
- السعودية.. حكم بسجن مناهل العتيبي 11 عامًا ومنظمات حقوقية تط ...
- اعتقال 300 محتج بجامعة كولومبيا وأنصار الاحتلال يهاجمون اعتص ...
- الأمم المتحدة: حجم الدمار في غزة هائل وأكبر من أوكرانيا
- من حرب غزة لأوكرانيا.. حرية التعبير في فرنسا تحت مقصلة العقو ...
- مسؤولان إسرائيليان: تل أبيب تنازلت عن مطلبها بفرض قيود على ع ...
- بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين لترحيلهم إلى رواندا
- تمكين «ذوي الهمم» الأوراق المطلوبة للتقديم على شقق ذوي الاحت ...
- اليونيسيف: مقابر جديدة تمتلئ بالأطفال في مدينة رفح
- الأمم المتحدة: حجم الدمار في غزة أكبر من أوكرانيا


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سالم روضان الموسوي - الاجتهاد المتطور تجاه مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه، تعليق على قرار محكم التمييز الاتحادية