أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - آن الأوان لاستبدال العمامة برأس حقيقي ..















المزيد.....


آن الأوان لاستبدال العمامة برأس حقيقي ..


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7812 - 2023 / 12 / 1 - 18:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التأمل في واقع الشبيبة المغربية اليوم ، يثير لدينا العديد من التساؤلات ، تتفاوت في حجمها وشموليتها ، نُثبّت بعضا منها في ما يلي :
على امتداد تاريخ بلادنا الحديث ، سجل النضال الشبابي العام ، صفحات كفاحية خالدة على طريق استقلال القرار الوطني ، من خلال استقلال الوطن ، وتحرر كادحيه . نعم كانت مسيرة كفاحية طويلة ومعقدة ، قدم خلالها الشباب المغربي ، رموزا في الشهادة والفداء ، ومعالم بارزة في التضحية والشجاعة ، وفي كل ذلك ، مثّل الشباب قوة استقواء الحركة التقدمية الديمقراطية المغربية ، وعصب قواها اليسارية ، ونبضها المتواصل طيلة الستينات والسبعينات ، وحتى الثمانينات من القرن الماضي .
ولعل رصدا موجزا لهذا الكفاح الوطني ، سواء في مقاومة الاستعمار الكلونيالي ، او في مناهضة الاستعمار الجديد الأخطر من الاستعمار الفرنسي ، الذي منحه السلطان العلوي المغرب بمقتضى معاهدة الخيانة ( الحماية ) ، لحمايته من الثورات التي قادها البرابرة الاحرار ، الذين كانوا ينشدون الجمهورية التي تمثل بعضها في الجمهورية الريفية ، ويرفضون نهب الاستعمار العلوي لخيرات البرابرة ، وتأدية الضرائب للسلطان ، حتى يعيش هو واسرته ، وعائلته ، وحاشيته بهذه الثروات ، وتفقير أصحابها البرابرة الاحرار .
ويكفي بالرجوع الى هذا الرفض الشعبي ضد السلطنة ، الرجوع الى مظاهرات الثلاثينات ، وعمليات المقاومة في الخمسينات ، فنضالات الستينات والسبعينات ، حيث امتزجت الشعارات الثورية الراديكالية من اجل لقمة العيش ، التي حرمهم منها النظام المخزني السلطاني البوليسي ، حين افقرهم ... ، والديمقراطية ، بشعارات مُناصِرةً لحركات التحرر الوطني وعلى رأسها كفاح الشعب الجزائري ، مرورا ب 23 مارس 1965 ، الى اندفاعة الشارع المغربي في بداية السبعينات ، التي احتضنت القضية القومية ، الى جانب مشاغل الشعب المغربي الوطنية والديمقراطية ، والتي وصلت حدودها القصوية في مظاهرات يونيو 1981 ، في يناير 1984 ، وفي دجنبر 1990 .. دون ان ننسى حركة 3 مارس 1973 ، وقبلها حركة 16 يوليوز 1963 .. بل حتى الضباط الوطنيين الاحرار ، قالوا كلمتهم عندما انتفضوا ضد النظام المخزني البوليسي ، في انقلاب 1971 ، وفي انقلاب 1972 ..خاصة وان بيان الجيش نطق باسم الثورة لصالح الشعب ... وطبعا سيعدمون من دون محاكمات ..
انه سجل حافل بالمآثر الكبرى ، عُمدته الشبيبة المغربية بدمائها وعرقها ، وتحدث من اجل صوغ ملامحه ودقائقه الرفيعة ، ضد أعداء الشعب الطبقيين ، رغم زخات الرصاص ، واقبية المعتقلات ، ومآسي المنافي ..
ونحن الآن ، إذ نجلو الستار عن الماضي البعيد – القريب ، وفي زمن ما احوجنا فيه استعادة ذاكرة شعبنا الحية ، لا نروم بسبب ذلك ، بل ومن اجله ، سوى مقايسة ماض متحفز بحاضر منكسر .. ومن ثمة ، طرْحُ تساؤلنا حول العوامل الجوهرية المنتصبة ، خلف خفوت زخم النضال الشبابي ، في شوطه الراهن ، وتفكك حلقاته ، الى ان صار على ما هو عليه اليوم من ركود وتخلف ملحوظين ، وهي حالة نجد مبعثها المباشر ، في الضربة العميقة المبكرة التي اصابت جماهير شعبنا ، في صميم فكرها ونفسها في أواخر النصف الأول من الستينات ، ثم فاقمت من غورها الأخطاء التي تراكمت منذ وقتئذ ، انْ على صعيد الكفاح الشعبي ، او على صعيد القوى الديمقراطية .
ان معاينة بسيطة لطبيعة اشكال النضال ، وأساليب العمل التي اعتمدت في كفاح الشبيبة عامة ، والشبيبة التعليمية خاصة ، تكشف عن فقر الانسجام المضبوط ، وعن غياب قدر كاف من العقلانية في الارتباط بالشروط العينية ، لمجريات الصراع الاجتماعي ، وفي التقدير البارد لموازين القوى الفعلية . من هنا مثلا ، البوْن الشاسع القائم بين نسبة المعارك المُخاضة ، وبين حجم المردودية المترتبة عنها في غالبية الحالات ، وما يستتبعها من احباط وانحسار .
ليست هذه مرثية او جردة في أحوال جزء من الشعب ، بقدر ما هي محاولة للوقوف على مكامن الداء ، إنها بالأحرى ، بوادر الإمساك بالوعي النقدي الصارم والشامل في آن .
فإذا كانت القوى الديمقراطية ببلادنا ، ما فتئت تعطي اجتهادات تهم الشباب ، في الحقلين البرنامجي والتنظيمي ، ساعية الى تنمية قدراته ، ودمج فئاته الواسعة ، في معمعان الصراع الوطني الديمقراطي الإجمالي ، فان ما يجلب الانتباه ، هو استعصاء هذا القسم الحيوي من المجتمع ، الذي تتجاوب مصالحه ومطامحه ، مع النقاط العامة للنضال الديمقراطي ، والمتعلقة به على وجه الخصوص ، عن الارتقاء بتحركاته المتقطعة والمحدودة ، الى مرتبة التشكل في حركة شبيبية فاعلة ، ودائمة الديناميكية ، لا ينضب معينها .. فهل صدق الدكتور محمد گسوس عندما قال . ان نمط التعليم الذي يشرف عليه النظام المغربي ، سيفرخ لنا اجيالا من الضباع ، الأكثر انحطاطا من الرعايا الخاضعة المتناغمة مع حياة المسكنة والدروشة حيث إهانة النظام لها على طول الخط ..
يقينا ان لبنيات مجتمعنا المتخلفة ، ولعنصر الاضطهاد السياسي ما يبرر ، في جانب أساسي منه ، واقعا هذه سماته ، وصحيح كذلك ، ان واقع الركود ، يتجاوز الشبيبة ، ليطال باقي قطاعات جماهير شعبنا .. على الرغم من مميزات شبيبتنا . ففي ظروف تراجعات عامة سابقة ، غمرت الشعب ، بقيت الشبيبة ، وفي مقدمتها الحركة الطلابية ممثلة في اطارها الديمقراطي " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " Unem ، محتفظة بتقاليدها النضالية العريقة ، ويقظتها الدائمة ، خاصة في قلعة مدينة فاس المناضلة .
لكن ألم تتحدى وتخترق شبيبة كوبا ، ونكارگوا ، وشبيبات عدة دول ... اسوار القمع ، والتخلف ، والقهر ، لترفع على الدوام عاليا ، راية المقاومة والحرية ... حتى النصر ؟
وإذن . اين مواطن الخلل ؟ . أهي في مفهوم برنامج الشباب ، او في اشكال كفاحه ، او في أساليب عمله ، او في مفهوم التنظيم الشبابي ، أم ان المسألة تفوق هذا المستوى او ذاك ، لتستقر في الإشكالية العامة للشباب المغربي ، المجتمعية ، والأيديولوجية ، والسياسية ، والتنظيمية ؟ .
قلنا منذ البداية ، من سُوقِنا لهذه التساؤلات ، هو سعي منّا لمقاربة أحوال شبيبتنا ، وهو مدخل حرصنا على الانطلاق منه ، حتى تستقيم معالجتنا لقضايا الشبيبة المغربية في بلادنا ، هاجسنا التخلص من شرنقة التحاليل التبسيطية الساذجة ، او النظرات الوردية الواهمة .
من هنا ، ومن موقع الانتماء الأيديولوجي المناهض لأسلمة الشبيبة ، لان في اسلامويتها خطر يهدد المجتمع ككل ، سواء بالارتماء في المجهول ، او بالتعايش مع المسكنة والدروشة ، فإننا لن نألوا جهدا في سبيل المساهمة النظرية ، والسياسية ، والتنظيمية الهادفة الى استنهاض عزائم شبيبتنا ، وهي عزائم ما تزال تعاند الانكفاء ، بغية بلورة منظمة شبيبية جماهيرية وتقدمية ، عند حصول الفراغ الكبير في الحكم ، والمتوقع في كل وقت وحين . ان تعزيز الصف الديمقراطي ، لمواجهة المفاجئات التي قد تسقط بغتة ، خاصة مع الفراغ المنتظر في الحكم ، مترافقا مع النهاية التي ستكون صدمة لنزاع الصحراء الغربية ، وتخندق المجتمع الدولي الى جانب المشروعية الدولية ، يعطي لبحثنا اهميته الخاصة . بل تزداد هذه الاهمية ، اي اهمية هذا العمل ، بالنظر الى ما تواجهه الشبيبة المغربية منذ سنوات ، من تحديات ، سواء على مستوى اوضاعها المعاشية ، شأنها في ذلك شأن كادحي الشعب ، او على مستوى احتمالات تبخيسها وطمس هويتها النضالية .. ومن هناك ، تدجينها وجرها الى مستنقعات فلول الرجعية ..
وعليه ، لا مندوحة من تحويل دروس الازمة ، الى نقاط قوة تدفع بالعملية الكفاحية ، خطوات الى الامام ، خصوصا وانّ انتظارات خطيرة تنتظر المستقبل المكفهر ، سواء بحصول الازمة الكبرى ، التي ستسبب في الصدمة الكبرى ، وهذا عند حصول فراغ في الحكم ، ويعجز الحسن في الوصول الى الحسن الثالث ، او عندما سيتخذ مجلس الامن ، والأمم المتحدة ، وبتشجيع من الدول الكبرى ، خاصة الممثلة بحق الطعن الفيتو ، القرار الخطير ، بتنزيل حل الاستفتاء وتقرير المصير ، باللجوء الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .. هناك مخططات تحضر ، وقد تم تحضيرها من خارج المغرب ، خاصة وان موقفهم السياسي ، هو ضد شخص محمد السادس ، الذي يعتبرونه انتهى ، وامامه بعض الوقت ، لتوضيح نوع ومستقبل النظام السياسي المنتظر ، وهو موقف يدلل عليه العزل الذي يتعرض له محمد السادس على المستوى الدولي ، والعزل الملاحظ على مستوى الداخل ، بحيث ان الواقفين وراء العزل الداخلي ، سيستعملون من طرف زعماء العزل الخارجي ، في النفخ في أي تحرك لسخط الداخل ، لرسم حدود النظام المقبل ، أكان مع الحسن الثالث ، ام كان مع هشام بن عبدالله العلوي ، الذي ترى فيه الدوائر الغربية ، البديل المستحق لفرملة أي ميل او توجه نحو الشدة ونحو التطرف ، سيما اذا سيطرت على الجموع ، الجماعات التي تتقضى من الإسلام .. شعارات الإسلام السياسي ..
هنا سيتم ترتيب العمل لبناء نظام المستقبل بعد غياب محمد السادس ، مبينا على ضوء ودرجة الخطورة المستخلصة من الشعارات التي سيتم ترديها . فإذا كانت تزعج زعماء العزل الخارجي ، فلا مناص من التنسيق مع الجيش ، الذي سيكون متحكما فيه ، لفرملة المشاريع السياسية المناهضة للغرب ولإسرائيل .. والجيش الذي سيأخذ بعين الاعتبار ، الاخطار الملوح بها ، سينزل بدوره الى الشارع ، بدعوى الدفاع عن الديمقراطية ، التي يجهلها محمد السادس ونظامه ، اكثر من درجة كره الحسن الثاني ، لأي نظام يراقبه باسم الديمقراطية التي سماها الحسن الثاني ب " الديمقراطية الحسنية " ، الغير معروفة في العالم ، شأن اقتراحه لحل الاستفتاء وتقرير المصير ، وبعد مدة وجيزة ، تنكر للحل الاممي الذي التزم به ، وليفاجئ العالم ب " اجتهاد " في القانون الدولي العام ، عندما فسر للعالم الداعي الى الاستفتاء وتقرير المصير ، بديله الأقوى الذي هو " الاستفتاء التأكيدي " الغير معروف من القانون الدولي ، والغير معروف من قبل الأمم المتحدة . ومثلها ماتت ( الديمقراطية الحسنية ) مع موت الحسن الثاني ، مات " الاستفتاء التأكيدي ) ، عندما وافق الملك على اتفاق الاطار ل James Becker ، وتراجع عنه ، ماتت جميع الحلول المقترحة لفض نزاع الصحراء الغربية ، عندما اعترف محمد السادس بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 . الجريدة الرسمية 6539 ..
فعلى ضوء كل هذه الانتظارات التي هي مفصلية ، يتوقف دور الشباب لمجابهة كل الاخطار التي تنتظر المغرب ، وليس فقط النظام ، وحده المسؤول عن التسبب في هذه الانتظارات الخطيرة ..
قد يفهم البعض عند قراءته هذه الدراسة ، عن الشبيبة المغربية ، اننا من دعاة اعتبار الشباب ضمن النضال الذي يقوم به الشعب المغربي ، بمثابة " طليعة تكتيكية " . اننا عندما نتحدث عن الشباب ، واعتبرناه بحق " طليعة تكتيكية " سنسقط في الخطأ الكبير الذي سقط فيه الجزء الأساسي من اليسار المعارض ، خاصة الماركسي ، خاصة منظمة " الى الامام " . لكن نحن نعتبر تحرك الشباب ، ونضاله اليومي من اجل الحقوق الديمقراطية ، ومن لقمة العيش ، والتركيز على الكرامة ، ان نضال الشباب لا يجب ان يتجاوز نضال القطاعات المفصلية ، وعلى رأسها المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " . فنضال الشبيبة المغربية ، يجب ان يكون في أساسه ، جزءا من نضال كافة الطبقات الشعبية ، وبحكم تمدرسه ، اكيد سيخلق اشعاعا سياسيا وتعبويا لدا كافة الطبقات الشعبية الأخرى ، لكن مع احتراس شديد ، لان كل من الطبقات الشعبية ، لها أيضا تناقضاتها الخاصة التي تدفع بها الى الحركة او الجمود .
ان النضال الديمقراطي ليس نضالا جديدا في الساحة المغربية . فالحركة التقدمية المغربية منذ انطلاقتها في نهاية الخمسينات ، عندما تم تأسيس " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " في سنة 1959 ، بعد تطليقه للجناح المحافظ بزعامة علال الفاسي ، وحزب الاستقلال ، وهي تطرح الديمقراطية السياسية ، وبتفاوت فيما بعد على صعيد الديمقراطية الاجتماعية . لكن الجديد في الامر الملاحظ من قبل المهتمين بالشأن السياسي ، ومن قبل المحللين السياسيين ، ان النضال الديمقراطي ارتقى الى مثابة اختيار ثابت ، وخط سياسي ، وتنظيمي ، ونظري له معالمه الخاصة .
كانت اول منظمة سياسية خرجت من جب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، هي منظمة 23 مارس في سنة 1970 ، وبعد المشاكل الداخلية التي عجلت بالفرز التنظيمي ، وبالفرز الأيديولوجي ، كان ظهور جماعة " أنوال " التي ستصبح فيما بعد ب " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " OADP .. وهي اول منظمة رفعت شعارها الديمقراطي " دمقرطة الدولة ، دمقرطة المجتمع " ..
ان هذا الشعار الذي غزى في حينه الثقافة السياسية الجذرية ، قد ساهم مساهمة فعالة في تفتح فكر جزء من شبيبة اليسار في المجال السياسي والمجال التنظيمي يتعارض بالمطلق مع مطلب الديمقراطية بالشكل التقليدي الذي كانت تطرح به طيلة الستينات والسبعينات والثمانينات . واذا كان خط النضال الديمقراطي يفترض سياسيا ، سواء في التكتيكات او على صعيد الاستراتيجي ، ان لا تغيير الا بالحركة الجماهيرية ، وهذا يضع ، بالتالي ، حساب قدرتها وامكانياتها ، وتركيز الاهتمام على تنظيمها وبلورة مبادراتها ، فإن دمقرطة المجتمع ، هي مفهوم اكثر شمولية واتساعا ، اذ تستدعي التفكير في تغيير مجموع بُنى المجتمع المختلفة ، من اجل ان تشمل الديمقراطية كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .. وفي الحقيقة ، انه في هذا المجال لا زال مطروحا ابداع الكثير من أساليب العمل والتنظيم ، التي تسمح بابتكار علاقات مجتمعية جديدة ، تشجع روح المبادرة ، وتؤسس شروط المشاركة الجماهيرية في ميادين العلائق المجتمعية . وفي هذا الاطار تحتل طبعا الشبيبة المغربية ، والشباب المغربي مكانا مرموقا ، ولا نعتقد اننا بحاجة الى التأكيد على ان القاعدة السكانية الواسعة لهرم المجتمع المغربي ، يتكون من الشباب أساسا . وبعبارة أخرى ، فان مجتمعنا هو مجتمع الشباب . ومن هذه الزاوية ، لا يعقل ان تتجاهل الدولة المخزنية البوليسية ، او المنظمات الجماهيرية دور الشباب في المجتمع المغربي .
واذا كان الشباب لا يحظون بالاهتمام اللازم من طرف الدولة المخزنية البوليسية لاعتبارات عديدة ، منها سيادة أيديولوجية تقليدية تتناقض مع طموح الشباب ، غير قادرة على تعبئتهم ، وتوظيف طاقاتهم الإنسانية والابداعية ، ومنها ضيق الطاقة الاقتصادية الاستيعابية ، بحكم الاختيارات التبعية المفروضة في هذا المجال ، ومنها أساسا ، توجس الدولة السياسي من انخراط الشباب وديناميكيتهم ، وآفاقهم التقدمية في العمل السياسي . وباختصار ، ليس للدولة البوليسية ما تعطيه للشباب ، ولهذا يمكن القول انها تفتقد الى استراتيجية ثابتة إيجابية محددة اتجاه الشبيبة . ولذلك فهي تكتفي كاتجاه عام بسياسة بتريركية ، تهميشية ، وقمعية .
ويزداد عجز الدولة البوليسية خطورة بعدما انسدت العديد من الأبواب ومنافد التشغيل امام الجماهير الواسعة من الشباب .
اذا كان هذا واقع الدولة حيال الشبيبة ، فان الامر لدا القوى التقدمية والثورية يختلف ، ويجب ان يختلف ، إذ كما قلنا ، لا يمكن ان نتصور تغييرا ديمقراطيا وثوريا ، يفتح المجال امام التقدم الاجتماعي والسياسي والثقافي ، الاّ اذا احتل الشباب المكانة الأساسية في اهتمامات القوى التقدمية سواء على صعيد التأطير او التوجيه .
-- هل من آفاق تنتظر ومنتظرة للشبيبة وللشباب ؟ :
من خلال تحليل المعطيات المتراكمة ، يبدو لي انه قبل الحديث عن الآفاق ، يجدر بنا ان نشخص ظاهرة الارتداد وسط الشباب ، الذي قد يجسد دور الدولة من خلال نمط التعليم ، في تفريخ أجيال من الضباع التي تتراءى امام اعينا عند خروجنا الى الشارع .. فشباب الامس كان حقا في مستوى المرحلة والظرفية السياسية للشبيبة المغربية . وهنا نشير الى ان بزوغ اليسار الماركسي كان من قلب الشباب ومن قلب الشبيبة الشعبية المدرسية ، التي شكلت حركة اجتماعية سياسية ، كان لها وزنها في وقتها . ولعل اهم مظهر من مظاهر ازمة الشبيبة ، هي ما نلاحظه اليوم من تخبط الحركة الطلابية ، وعجزها الى حد الآن على حل ازمتها التنظيمية منذ اخر مؤتمر فشل في غشت 1982 . لقد مضى ما يقارب أربعون سنة ، دون ان نلاحظ بعد وقوف الحركة الطلابية ومنظمتها " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " على رجليها ، ودون ان نشاهد حضورها المعتاد النشيط في المجال النقابي والسياسي . ان تعفن الازمة أدى بالتالي ، الى انخفاض كبير في دور الحركة الطلابية التي غزتها الجحافل الاسلاموية ، على الصعيد الوطني ، خاصة ومن قبل الجامعة المغربية تم تبني الشعار الوحدوي في النضال " لكل نضال جماهيري صداه في الجامعة " . وهذا فرق له أهمية سياسية بالغة ، وهو الوجه البارز في الازمة .
وطبعا اذا نظرنا الى الحركة الشبيبية ككل ، فإننا ، ودون مبالغة ، سنسجل روح اليأس واللامبالاة سائدة ومنتشرة في صفوفها . فالتعاطي مع الازمة ، يجري بأساليب صوفية وهروبية بمختلف تلاوينها . بل يمكن القول بان حركة الشبيبة ، اذا جاز الآن تسميتها بحركة ، تشهد انخفاضا مريعا في روح المواطنة . وهذا اخطر مظهر من مظاهر التدهور المجتمعي . ولعل روح معاداة الأحزاب القائمة في ميدان الشباب ، هي احدى تعبيرات هذه الظاهرة ، حتى ولو اتخذت لنفسها أحيانا اشكالا تعبيرية سياسية وايديولوجية ، وفي هذا الجانب ، على وجه الخصوص ، فان للقوى التقدمية نصيبا من المسؤولية ، وهو يشخص بشكل عام ، ازمة اليسار بوجه هام ، وهنا نعني " الاتحاد الاشتراكي " و " حزب التقدم والاشتراكية " .. ان ظاهرة التفاوت بين الأجيال ، بل وداخل الجيل الواحد ، ظاهرة واقعية شئنا ام ابينا ذلك . ذلك ان مجتمعنا المتخلف والتبعي يشهد نموا ثقافيا متنوعا ، ومشوها وغير متجانس ، وقد لا يطابق بصفاء تطور التناقضات الموضوعية في المجتمع المغربي . ولهذا السبب تبرز تلك الظاهرة ، ظاهرة الانقطاع بين الأجيال ، وهي تعكس من جانب آخر العجز الأيديولوجي للقوى التقدمية ، وعدم قدرتها على التطور النظري السريع والديناميكي حتى تكون قادرة على سد الثغرات النظرية والفكرية ، التي تنميها ظروف الازمة . ولذلك تقع حركة الشبيبة فريسة لمختلف الثقافات الفكرية والسياسية غير الاصيلة . أي انها تكون مقطوعة الجذور عن التراث الفكري والسياسي والنضالي الوطني . ان انسداد الآفاق الاجتماعية ( منافد التشغيل وأزمة التعليم ) لا يفسر كل شيء . بل ان انسداد الآفاق الثورية وهي مهمة نظرية وسياسية ، فضلا عن انها من مسؤولية القوى التقدمية ، هي الجانب الثاني في هذا الوضع السلبي لحركة الشبيبة المغربية ، إنْ لم يكن هو الجانب الأساسي ..
وقبل الحديث عن الآفاق ، يجب ان نشير الى الكيفية التي تعاملت بها القوى التقدمية مع مسألة الشبيبة . فبدل ان تنظر الحركة التقدمية في واقع الشبيبة اليوم ، أصبحت دليلا على وجه من أوجه ازمتها ، تصرفت إمّا بالاستخفاف بحجم واهية الموضوع ، والقت بكامل المسؤولية على عفوية الشباب ، وإمّا بتفسيرات تبسيطية طمست جذر المشكل الحقيقي ، ودخلت في حر أيديولوجية دنكشوطية اراحتها من عناء البحث والمجهود النظري والعملي المطلوبين . وفي الاتجاه العام ، اغفلت الحركة التقدمية المغربية الى حد الآن ، ضرورة انشاء حركة شبيبية مستقلة ، واهتمت بإنشاء منظمات شبيبية موازية تابعة لها على حساب الضرورة الموضوعية لحركة الشبيبة المنظمة والمستقلة . وكانت النتيجة ان حركة الشبيبة ظلت عفوية وبدون تنظيم ، كما ان تلك التنظيمات الموازية ، لم تستطع ان تحقق ولو نجاحا نسبيا في ميدان الشبيبة . وهنا يجدر ان ننبه الى ان حدة الازمة الاجتماعية ، وثقل مشاكل الشبيبة ، يجعل جانب الأنشطة الترفيهية جانبا ثانويا في حركة الشبيبة .
فالشاب المغربي الذي يعاين من مشاكل العمل والتعليم والصحة .. ومن مركزه المعنوي كمواطن ، يحتاج الى حركة تهتم بهذه المشاكل قبل غيرها . وهذا لن يتأتى اذا توفرت للشبيبة حركة جماهيرية ديمقراطية ومستقلة . عدا هذا ، فإننا سنظل ننشأ تنظيمات حزبية ، لها أهميتها الضرورية في كل الأحوال ، لكنها ستظل عاجزة ، برنامجيا عن الاستجابة لواقع الشبيبة ولضروراتها وآمالها ، وعاجزة بالتالي ، عن توظيفها في مجال النضال الديمقراطي العام .اذن . فهذه هي المهمة الأساسية والمركزية والآفاق التي يجب طرحها لانها هي عين الصواب ..........



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناس على دين ملوكها
- دور الطقوس والتقليدانية في استمرارية النظام المخزني البوليسي ...
- ما العمل في وضع كالذي نحن فيه عربيا وجغرافيا محليا ودوليا ؟
- هل هاجمت جبهة البوليساريو الجنوب الشرقي للمغرب
- الموقف الديمقراطي من المسألة الديمقراطية
- هل اتفاقية مدريد ، اتفاقية قانونية ؟ 14 نونبر 1975 / 14 نونب ...
- هل ما يجري اليوم بالسمارة ، حرب تحرير ام إرهابا ؟
- تم الترويج لأفكار من قبيل إقامة الدولة الصحراوية بثلث الأراض ...
- التطبيع مع دولة إسرائيل
- هل تأجيل أم الغاء المملكة العربية السعودية للقاء القمة العرب ...
- الدولة الجبرية الاقطاعية الاستبدادية البوليسية
- مدينة السمارة تتعرض لهجوم بمقذوفتين
- هل - الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب - منظ ...
- بعد ضربة مدينة - سمارة - هل يلجأ النظام المخزني البوليسي الى ...
- ماذا ينتظر المنطقة المغاربية ؟
- تحليل قرار مجلس الامن 2703 بشأن نزاع الصحراء الغربية .
- جمهورية بلا جمهوريين ، وجمهوريون بلا جمهورية
- هل تعرضت مدينة سمارة لضربة ؟
- ماذا يجري بمحكمة العدل الاوربية
- إسقاط النظام ، أم إصلاحه ؟


المزيد.....




- طائرة شحن من طراز بوينغ تهبط بدون عجلات أمامية في اسطنبول.. ...
- يساهم في الأمن الغذائي.. لماذا أنشأت السعودية وحدة مختصة للا ...
- الإمارات تعلن وفاة الشيخ هزاع بن سلطان آل نهيان
- داخلية العراق توضح سبب قتل أب لعائلته بالكامل 12 فردا ثم انت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن بدء عملية في حي الزيتون وسط غزة (فيديو ...
- روبرت كينيدي: دودة طفيلية أكلت جزءا من دماغي
- وفاة شيخ إماراتي من آل نهيان
- انطلاق العرض العسكري.. روسيا تحيي الذكرى الـ79 للنصر على الن ...
- إسرائيل تستهدف أحد الأبنية في ريف دمشق الليلة الماضية
- السلطات السعودية تعلن عقوبة من يضبط دون تصريح للحج


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - آن الأوان لاستبدال العمامة برأس حقيقي ..