أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثائر أبوصالح - آفة التطرف















المزيد.....

آفة التطرف


ثائر أبوصالح

الحوار المتمدن-العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 17:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التطرف هو الغلو في الشيء سلباً أو ايجاباً؛ وقد يكون التطرف حسياً أي في الغرائز كالمأكل والمشرب والجنس، أو فكرياً في الأيدولوجيا أو الدين أو المذهب، أو عاطفياً في الحب والكراهية والحسد والحقد، أو حتى روحياً في التقشف والزهد، عملياً التطرف قد يكون حاضراً في كل مجالات الحياة. وقد عُّرف التطرف في الموسوعة السياسية: على أنه: حالة مرضية تتسم بالغلو، وضيق الأفق، والتعصب الأعمى للفكرة، ومحاولة الانتصار لها بكل السبل، بما في ذلك العنف، ويعتقد بعض الباحثين أنها حالة من التزمت، والغلو في الحماس، والتمسك الضيق الأفق بعقيدة أو فكرة دينية؛ مما يؤدي إلى الاستخفاف بآراء ومعتقدات الآخرين، ومحاربتها والصراع ضدها وضد الذين يحملونها، وهي حالة مرضية على المستوى الفردي والجماعي، تدفع إلى سلوكيات تتصف بالرعونة والتطرف والبعد عن العقل والاستهانة بالآخرين ومعتقداتهم.

ويعرف التطرف أبضاً على أنه: اتخاذ الفرد موقفاً يتسم بالتشدد والخروج عن الاعتدال، والبعد عن المألوف، وتجاوز المعايير الفكرية والسلوكية والقيم الأخلاقية التي حددها وارتضاها أفراد المجتمع. وكذلك يُنظر الى التطرف على أنه عدم الثبات في الأمر، والابتعاد عن الوسطية، والخروج عن المألوف، ومن خلال ذلك وصل البعض الى القول: إن التطرف هو الغلو في الشيء كما ذكرنا سابقاً، وتجاوز حد الاعتدال، سواء أكان في العقيدة، أم في الفكر، أم في السلو ك.

كل التعريفات السابقة، والتي وردت على لسان باحثين في هذا المضمار، ترتكز على فكرة واحدة أساسية، وهي افتراض وجود الشيء ونقيضه في آن واحد، فيصبح مفهوم التطرف هو التمسك بأحد النقيضين ورفض النقيض الآخر، فلا يوجد شيء الا وله نقيض، ولا يعرف أحد النقيضين الا بالآخر، فهما من نفس المصدر، وأحدهما ينفي الآخر؛ فالخير ينفي الشر وأصلهما واحد وهو النور، فكلما اضاء النور قلب الإنسان ارتفع منسوب الخير فيه ونقص الشر والعكس صحيح، والليل ينفي النهار واصلهما أيضاً واحد وهو الضوء، كلما ازداد سطوع الضوء بزغ النهار واختفى الليل والعكس صحيح، والعلم ينفي الجهل، وأصلهما واحد يعود الى المعرفة، فكلما زادت المعرفة أظهر الإنسان العلم وكلما نقصت المعرفة أظهر الجهل، والحرب ينفي السلام ويعود اساسهما الى العنف، والألم ينفي اللذة ويعود أصلهما الى الإحساس بالراحة وهكذا. ونلاحظ أنه لا يمكن لعقولنا الجزئية أن تفهم معنى النهار لولا وجود الليل، ولا تفهم الخير الا بوجود الشر، وهكذا...

اذاً التطرف هو أن ننحاز كلياً لأحد الأطراف ونبتعد عن نقطة الوسط والتي نسميها عادة نقطة الاعتدال، وهذه النقطة في الوسط يطلق عليها ارسطو الوسط الذهبي، حيث أن الفضيلة وفقاً لأرسطو تكمن في الوسط بين رذيلتين، فمثلاً الكرم هو فضيلة، لأنه يتوسط البخل والتبذير، والشجاعة فضيلة، لأنها تتوسط الجبن والتهور. ولكن نقطة الوسط لا تقع على نفس المستقيم بين الضدين، وانما في نقطة مرتفعة تشكل رأس مثلث لقاعدة يقع المتناقضان عل طرفيها، فتصبح نقطة الاعتدال هي النظرة التجاوزية من علِ على النقيضين دون تبنِ لأحدهما وبنفس الوقت دون رفضهما، وانما تعيدهما الى أصلهما. أي أن موقف الاعتدال، هو موقف الشاهد يرى النور في الصراع بين الخير والشر، ويرى المعرفة في الصراع بين العلم والجهل.

ان أخطر مظاهر التطرف هو التطرف الديني، لأن مصادره مقدسة بالنسبة للمتطرف، ويقوم على نفي الآخر بشكل كامل، فكل من لا يؤمن من الآخرين، بما يعتبره هو حقيقة، فهو كافر، وهذه الحقيقة من عند الله، وغير قابلة للتغيير او التبديل او التهذيب، فكلام الله مقدس. أي أنه غير قابل للنقاش وغير قابل للتغيير، ولنا بالفكر الداعشي مثال واضح؛ فهؤلاء يكّفرون كل من لا يقبل أفكارهم ويعتبرون أن مصدرهم هو القرآن الكريم، والقرآن كلام الله، فلا تبديل ولا تغيير ولا نقاش، فإما أن تقبل بما يقولون أو يكون حكمك الموت.

يمكن أن نسمي التطرف الداعشي تطرفاً "خشناً" واضحاً للعيان يستنكره كل ذي عقل وبصيرة، لكن التطرف الأخطر والذي يمكن أن نسميه بالتطرف " الناعم" الموجود داخل كل الأديان بلا استثناء، ويتجسد من خلال مقولات مثل: " شعب الله المختار" أو " خير أمة أُخرجت للناس" أو "أشرف الأمم وخير من وطئ الأرض بقدم" والى آخره من المقولات التي تعبر عن حالة متطرفة تعتبر أن الأحقية لها بالوجود وتنفي الآخر وتعتبره خارج عن جادة الحق والصواب، وينتج عن ذلك إعطاء الحق لأنفسهم بحكم الآخرين المختلفين عنهم واستعبادهم ان استطاعوا، لأنهم يمسكون بناصية الحق، وغيرهم يتوه في ضلال مبين.

الحروب الدينية عبر التاريخ، كان سببها هذا الفهم. حيث أُزهقت ارواح الملايين في صراعات دينية، كان يظن اتباعها انهم يدافعون عن الله، وسيكون مأواهم جنة النعيم. فقد فتح المسلمون العالم بالسيف تحت عنوان نشر الإسلام السمح، وخاضوا حروباً ضارية ووصلوا الى حدود الصين في الشرق، واحتلوا اسبانيا في الغرب. كذلك المسيحيين؛ خاضوا حروباً ضارية تحت شعارات الدين، ولنا في الغزوات الصليبية على منطقتنا خير دليل على ما نقول. واليهود دخلوا فلسطين باسم الدين وخاضوا صراعاً كانت نتيجته ترحيل غالبية الفلسطينيين من ديارهم، مستمدين هذا الشرعية من الدين والحق التاريخي. وتناحرت المذاهب في الدين الواحد ايضاً على نفس الفهم كالصراع السني الشيعي، والكاثوليكي البروتستانتي، وغيرها. فأين يكمن موقف الاعتدال في الدين ونظرة الشاهد من علِ على صراع الأضداد؟

إذا أمعنا النظر في كل الأديان والمذاهب الموجودة نرى أنها تقسم الى قسمين: القسم الأول؛ يتعلق بالأيمان بالله، والقسم الثاني؛ يتعلق بالطقوس التي يمارسها كل دين للتقرب من الله. فالإيمان بإله واحد خلق هذا الكون يجمعهم، والطقوس التي يمارسونها تفرقهم، فإذا استثنينا فكرة التوحيد من الأديان يختفي الدين، لأن هدف الدين هو التعرف على الخالق، ولا يبق منه الا الطقوس والتي يختلف عليها البشر ويخوضون المعارك والحروب من أجلها، وهذا يشبه تماماً فرضية سحب الضوء من متلازمة الليل والنهار فلا يبقى فارق بين الليل والنهار ويفقدا كل مضمون، وبنفس الطريقة، لو سحبنا النور من متلازمة الخير والشر، لن يبق لهما معنى، وكذلك لو سحبنا المعرفة من متلازمة العلم والجهل لأصبحا بلا معنى.

اذاً؛ أصل الأديان وأساسها هو التوحيد، وهو نقطة الاعتدال، ونظرة الشاهد من علِ، على صراع الأديان. فالتوحيد هو أن يتوحد الإنسان مع خالقه بعلاقة خاصة ينسجها مع الله بعيداً عن الصراعات الضدية، وهو مسلك عرفاني فرداني يسلكه الشخص للتعرف على الإله القاطن بداخله، أي أن النظرة التجاوزية لصراع الأديان هي النظرة التوحيدية التي تجمع كل الأديان والمذاهب في مكان واحد بعيداً عن الصراعات، فالمتدين المعتدل هو صاحب النظرة التوحيدية التجاوزية التي تنظر لكل الأديان كوسيلة الى توحيد الخالق عندها تتوحد المتناقضات وتنتهي الصراعات.
من هنا نستطيع أن نقول إن الفضيلة تكمن في الإنسان إذا اعتدل في مأكله ومشربه وفكره وعقيدته ودينه، فقد جعل الله الإنسان خليفته على الأرض لأنه الوسط الذهبي بين فكرة الملاك وفكرة ابليس؛ فالملاك لا يملك الا خيار الخير لذلك فهو مُسّير، وابليس لا يملك الا خيار الشر لذلك فهو ايضاً مُسّير، اما الإنسان فهو قادر على أن يرى ما وراء الخير والشر ولذلك تكمن الفضيلة فيه عندما يحسن الاختيار ويمتلك القدرة على أن يكون الشاهد على الحدث من علِ ، وهؤلاء الذين يحسنون الاختيار من كل مذهب أو دين، هم "شعب الله المختار"، وهم "خير أمة أخرجت للناس" وهم "أفضل الأمم وخير من وطئ الأرض بقدم"، وقد يكون أفضل تلخيص لرحلة الإنسان في حياته ما جاء على لسان كلكامش ملك أوروك:

الموت حق - يا أورشنابي - ولكن الحياة أيضا حق
فأن لم تقبل الموت لا تستطيع أن تقبل الحياة
هل تعلم، يا أورشنابي، أن الانسان مفضل على الآلهة
مفضل لأنه يموت
لان عليه أن يفعل الكثير قبل أن يمضي
لقد حكم علية بالامتحان الكبير
وعلية أن يتعلم كيف يعيش
كذلك علية أن يتعلم كيف يموت



#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناق الدب
- ثورة جبل العرب في سوريا
- من نحن؟
- التداعيات المحتملة للتقارب السعودي الإيراني
- مفهوم اللانهاية في الرياضيات وفكرة الألوهة
- قراءة في المستجدات على الساحة السورية
- قراءة سريعة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة
- بين إدراك الألم وفلسفة المعاناة
- المجتمعات العربية المراهقة وأزمة التطور
- قوانين هرمس السبعة
- علاقة الوعي بالزمكان
- ويسألونك عن الروح
- العرب والدين
- ليس دفاعاً عن ابليس ولكن ...
- إسرائيل ومستقبل الصراع في المنطقة
- مفهوم الشهادة
- تطور الحركة الوطنية في الجولان
- إسرائيل ومشروع -الدويلة الدرزية-
- سكان الجولان السوريين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الج ...
- دروس مستخلصة من الثورة السورية


المزيد.....




- الدبلوماسية الأمريكية هالة هاريت توضح لـCNN دوافعها للاستقال ...
- الصحة السعودية تصدر بيانا بشأن آخر مستجدات واقعة التسمم في ا ...
- وثائقي مرتقب يدفع كيفين سبيسي للظهور ونفي -اعتداءات جنسية مز ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيا وتهدم منزلا في بلدة دير الغ ...
- الاتحاد الأوربي يدين -بشدة- اعتداء مستوطنين على قافلة أردنية ...
- -كلما طال الانتظار كبرت وصمة العار-.. الملكة رانيا تستذكر نص ...
- فوتشيتش يصف شي جين بينغ بالشريك الأفضل لصربيا
- لماذا تستعجل قيادة الجيش السوداني تحديد مرحلة ما بعد الحرب؟ ...
- شهيد في عملية مستمرة للاحتلال ضد مقاومين بطولكرم
- سحبت الميكروفون من يدها.. جامعة أميركية تفتح تحقيقا بعد مواج ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثائر أبوصالح - آفة التطرف