|
العرب والدين
ثائر أبوصالح
الحوار المتمدن-العدد: 7285 - 2022 / 6 / 20 - 12:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اعتقد أنني لا ابالغ إذا ادعيت، أن أهم أسباب تخلفنا كعرب تتعلق برؤيتنا الدينية وطريقة تعاطينا مع الدين، خصوصاً أن غالبية عاداتنا وتقاليدنا مرتبطة أو مشتقة بشكل مباشر أو غير مباشر منه. فالدين يشكل أحد أهم الروافد الثقافية التي تعمل في اللاوعي الجمعي والفردي، ويساهم مساهمة كبرى في تحديد تعريفنا لأنفسنا ولذواتنا، وبالمقابل يحدد أيضاً موقع الأخرين بالنسبة لنا وطريقة تعاطينا معهم، فالعرب على اختلاف اديانهم ومذاهبهم يرددون مقولات تعكس بشكل أو بآخر طريقة التفكير الفردي والجمعي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك منا من يقول: نحن خير أمة أخرجت للناس، وهناك من يقول: إننا أفضل الأمم وخير من وطئ الأرض بقدم، فكل دين أو مذهب يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة والآخرين ضلوا الطريق. وعلى أساس هذه الرؤيا نصنف الناس، ونسميهم بتسميات تتناسب مع معتقداتنا، نكفر الآخرين ونعتبر أن مقعدنا الجنة ومقعدهم النار. اليهود أيضا يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، أقاموا دولة على حسابنا واسموها دولة اليهود، لكنهم على الأقل ينحازون ويساعدون كل يهودي أينما وجد في هذا العالم، ويسعون لتجميع كل يهود العالم في دولتهم، ويعتبرون كل من ليس بيهودي هو "غوي" أو غريب. صحيح أن هذه النظرة هي استعلائية، عنصرية ومدانة، ولكنهم يمارسوها ضد الغير الغريب ولا يمارسوها على اليهود. أما نحن العرب من مسلمين بكل مذاهبنا ومسيحيين بكل مذاهبنا نكفر بعضنا البعض، ونقتل بعضنا البعض. المسلمون يكفرون المسيحيون، والمسيحيون لا يعترفون بالمسلمين، والسنة بمذاهبهم يكفرون الشيعة، والشيعة بمذاهبهم يكفرون السنة، ثم نتكلم عن العيش المشترك، والأمة الواحدة، ووحدة اللغة والتاريخ، والى ما هنالك من الألفاظ، حتى تحولنا الى شعب منافق بكل ما في الكلمة من معنى، كل منا يتقوقع في دينه أو مذهبه ويرمي الآخر بالكفر، وكل منا يعتبر أنه يمتلك الحقيقة المطلقة التي لا نقاش فيها. والآخرين ضالين. باختصار نستطيع القول إن الدَّ اعدائنا هي معتقداتنا، خصوصا الدينية منها، والتي تأخذ شكل القداسة والصالحة لكل زمان ومكان. ان من يمعن النظر، يستنتج بسهولة ان الدين ليس هدف الله في خلقه، وانما هو وسيلة للتعرف على الخالق ولتوحيده. وإذا كان الله يريدنا أن نتعرف عليه ونوحده، فهل يمكن أن يرسل لنا أدياناً متناقضة؟ وهل يمكن أن ينحاز لشعب أو لفئة دون الأخرى؟ فمن البديهيات المنطقية أنه لا يمكن لله أن ينحاز لأحد، وكل التناقضات بين الأديان هي من صنع البشر، والأديان ما هي الا رسائل للوعي الجمعي تحثنا في فترات زمانية مختلفة على ان نبحث عن الله. فلو سحبنا فكرة التوحيد من الأديان لم يبق منها الا الطقوس التي تحاول أن تستولي على الوعي الجمعي لتحول الدين الى سلطة قهرية لا علاقة لله بها على الإطلاق، وانما هي طقوس افتعلها البشر من أجل السلطة. لذلك كانت الرسالات السماوية رسالات توحيدية ونحن حولناها الى معتقدات وتمترسنا وراءها. فالمنطق البسيط يقول: انه إذا كان هناك إله واحد خالق لهذا الكون، وكل الأديان تقر بذلك، وجميعها تسعى للتعرف على هذا الاله وعلى توحيده، فلماذا نختلف؟ وعلى ماذا نختلف؟ وإذا أمعنا النظر، وتعمقنا قليلاً، نجد أننا لا نجتهد للتعرف على الله، وانما جهدنا يُبذل فقط في سبيل اثبات صحة عقيدتنا وخطأ الآخرين. فلو حاولنا الاجتهاد قليلا" بعيداً عن المعتقدات، كنا قد استشرفنا بعض الحقائق التوحيدية للتعرف على الله دون الحاجة للتمترس في دين او معتقد. فمعرفة الله فوق الأديان والمعتقدات، وكانت قد تأتت لبعض الناس دون الحاجة للدين، فهرمس وفيتاغورس واخناتون، على سبيل المثال لا الحصر، وحدوا الله وتعرفوا عليه قبل الأديان، من خلال ما منحنا الله من قدرة على التفكير والاستدلال العقلي. الملحد هو شخص يؤمن أن ليس هنالك خالق لهذا الكون، أما المؤمن فهو شخص مؤمن أن هناك خالق لهذا الكون، أي كلاهما مؤمنان ولا يمتلكان اليقين، الأول يعتقد أن العلم سيتقدم وسيكتشف مع الزمن ما نجهله اليوم، أما المؤمن فيعتمد القاعدة التي تقول: "بالتوحيد تعرف الأشياء ولا يعرف التوحيد بالأشياء". وإذا أردنا ان نجتهد قليلاً في الإلهيات، فبالنسبة للمؤمن الموحد هناك ثلاثة احتمالات لوجود الله، الاحتمال الأول يقول: أنه لو كان الله موجوداً ومتجسداً أمامنا ويظهر لنا قدراته لكانت البشرية كلها حتماً امنت به، ولكانت عبادته ستصبح قهرية، ولتساوى السيئ والجيد في توحيده ، وهكذا يسقط التفاوت والمفاضلة بين الناس، وهذا محال لأننا في الحقيقة متفاوتين في صفاتنا وامكانياتنا. الاحتمال الثاني يقول: أنه لو كان الله غائباً عنا، ولا تدركه العقول، ولا تحده الأبصار، وليس لنا قبلاً في ادراكه، لتساوى العالم والجاهل والجيد والسيئ والبشر بكل أنواعهم بعدم قدرتهم على ادراكه، وهكذا يبطل التفاوت والمفاضلة مجدداً بين الناس بعدم قدرتهم على الإدراك وهذا ايضاً محال، أما الإحتمال الثالث فيقول: ان الحقيقة التوحيدية تكمن في جمع المتناقضات، أي في الجمع بين الوجود واللاوجود، من خلال الإقرار بوجود الخالق، ثم تنزيهه عن الصفات البشرية، وهذا ما يسمى بتجريد التوحيد. فالله المتجسد المدروك هو اله عاجز، والله الغائب الذي لا تدركه العقول هو اله معدوم، فقد صح في جوهر العقول، أن العدل يقتضي أن يكون الله موجوداً ومدروكاً وفقاً للعقول، وعلى الناس الجهاد في تسلق السلم العرفاني من خلال الانضباط في السلوك، والاعتدال في الغرائز، ليصل الشخص الى السعادة الروحية، فالتعرف على الله ليس عقيدة، وليس ديناً، وليس مذهباً، وليس فكراً وعلماً، وانما تجربة عرفانية شخصية يخوضها المؤمن في حياته حتى يتجلى الله له في كل ذرة من ذرات الكون، ويراه وراء الخير الشر، عندها تنتفي أمامه الأديان والمعتقدات، ويعلم علم اليقين انه لا يوجد الا دين واحد هو دين الإنسانية، ولا يوجد الا اله واحد كلي القدرة موجود ومنزه عن الوجود في آن واحد . وأمثال هؤلاء موجودون في تاريخنا، كالشيخ محي الدين ابن عربي، وأبو يزيد البسطامي، والسهروردي، وغيرهم.. وهؤلاء لم يكونوا بحاجة الى دين ليصلوا الى الحقائق التوحيدية. ان أولئك الذين يتعرفون على الله من خلال تجربة عرفانية روحية بعيداً عن الأديان والمذاهب، هم خير امة أخرجت للناس، وهم خير من وطئ الأرض بقدم، وهم شعب الله المختار. وهؤلاء لا يكفرون أحداً، ولا يكرهون أحداً، ولا يحسدون، ولا يخافون من المستقبل، ولا يخشون نائبات الدهر، لا ينتظرون الموعود لإنقاذهم، فقد أنقذوا أنفسهم بأنفسهم، يعيشون برضى وتسليم في جنة النعيم التي صنعوها بأيديهم على الأرض، وهي الجنة العرفانية الحقيقية ولا ينتظرون الجنة الموعودة، وهؤلاء هم الموحدون الحقيقيون الذين تجاوزوا كل المذاهب والأديان. فيجب علينا نحن العرب ان نستفيق من سباتنا ونعلم أن كل هذا الأديان والعقائد تحولت الى اليات للسيطرة، وإذا أردنا ان نبني وطناً مشرفاً لنا ولأجيالنا القادمة وننهض بأنفسنا من جديد علينا وضع الدين في المكان الذي يليق به وهو العلاقة الخاصة بين الفرد وربه.
#ثائر_أبوصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليس دفاعاً عن ابليس ولكن ...
-
إسرائيل ومستقبل الصراع في المنطقة
-
مفهوم الشهادة
-
تطور الحركة الوطنية في الجولان
-
إسرائيل ومشروع -الدويلة الدرزية-
-
سكان الجولان السوريين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الج
...
-
دروس مستخلصة من الثورة السورية
-
الحرب الروسية على اوكرانيا
-
موجز قصة الثورة السورية الكبرى في الجولان- اقليم البلان
-
مهزلة صفقة التبادل بين سوريا واسرائيل: الدوافع والأهداف
-
تغريبة حاتم علي
-
اللاجئون السوريون وصحوة الضمير الروسي
-
الحلف العلني الجديد
-
ثورات الشعوب العربية وأزمة اليسار العربي
-
المثقف ودوره الاجتماعي: مقاربة نظرية المثقف العربي وتحديات ا
...
-
سيكولوجيا الشر بين النظرية والتطبيق
-
الثورة السورية بين الواقع الموجود والواقع المنشود
-
إسرائيل وافاق التسوية السياسية مع سوريا
-
الأنظمة العربية السياسية بين الدوافع للثورات وسوء إدارة الأز
...
-
الديمقراطية وأهم معوقاتها في العالم العربي
المزيد.....
-
تفاصيل الجلسة المغلقة لمجلس الشورى الاسلامي بحضور اللواء سلا
...
-
حميدو الولد الشقي.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
من بينهم باسم يوسف وإليسا وفضل شاكر.. هكذا علّق نجوم عرب على
...
-
أردوغان بعد سقوط نظام بشار الأسد: نقف إلى جانب السوريين بكل
...
-
اسلامي: إيران تحظى بقدرات متكاملة في صناعة الطاقة النووية
-
ما هو موقف حركتي الجهاد الاسلامي وحماس من تطورات سوريا؟
-
القيادة العامة للفصائل السورية تعلن القبض على أشخاص ينشرون ا
...
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الان على القمر الصناعي وفرجي أطفالك
...
-
سلاف فواخرجي: -لن أتنكر لما كنت عليه سابقا- وأتمنى -سوريا ال
...
-
-يهود مصر-.. إسرائيل تنشئ مشروعا ضخما وسط تل أبيب
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|