أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - غاستون باشلار في بيتنا














المزيد.....

غاستون باشلار في بيتنا


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7773 - 2023 / 10 / 23 - 15:31
المحور: الادب والفن
    


بعد أيام من وصولي إلى لندن قبل عقود، تلقيت نصيحة ثمينة من مديري في العمل آنذاك، مفادها أن لا قيمة للعيش في بريطانيا من دون امتلاك عقار! بينما من مثلي يتلقى النصائح الأدبية مما تنشره الصحف البريطانية بأن من يعيش في هذه البلاد المعقدة وهي بمثابة متحف كبير عليه أن يمتلك “الميمات الثلاثة” ميم المحامي والمعطف والمظلة.
فقدت نصيحة الصحف قيمتها وزاد ثمن نصيحة مديري مع مرور الوقت، وبالفعل هو اليوم يحسب على الأثرياء ليس بما يمتلكه من مال في حسابه المصرفي، بل في ثمن العقارات التي بحوزته.
ولأن مفهوم البيت رسخ في ذهني مما قرأته بشغف في كتاب غاستون باشلار “جماليات المكان” الذي كان أول إصدارات مجلة الأقلام العراقية عام 1980 بترجمة الراحل غالب هلسا، فإن امتلاك عقار في لندن يستحق أكثر من الحلم للاحتفاء به.
غير أن تلك الحلاوة لها طعم مر أيضا عندما يتعلق الأمر ببيوت لندن الصغيرة كالأقفاص ومقارنتها ببيوتنا في الدول العربية.
يزاد منسوب المرارة كلما طالعت صفحة العقارات في الصحف، فهي تساعد على تضخيم مفعول الحلم وإبعاد منسوب الأمل.
كان باشلار في كتابه الرائع يفند الفكرة التاريخية السائدة عن المكان بشموليته وأصغر منه البيت، وعلى عكس الفلسفات التي تعتبر العالم مكانا عدائيا، وأن الإنسان منذ لحظات وجوده الأولى منفي في العالم، متروك للوحدة.
بينما البيت بالنسبة إليه ركننا في العالم، إنه كوننا الأول الحقيقي. ففي حديثه عن بيت الطفولة لا يفرق باشلار بين بيت غني وفقير.
إلا أن الأطباء النفسيين وموظفي القرض العقاري ببدلاتهم الأنيقة التي لا تفرط بربطة العنق وهم يقدمون العلاج والإغراءات على التوالي لمشتري البيوت، لا يبالون كثيرا بكلام باشلار الجميل وإن كان عميقا، فليس بالفلسفة تشتري عقارا في لندن، إنما بالأموال وحدها، لكن أين هي الأموال إن لم يكن الحصول عليها عبر القرض العقاري، لتتحول بعدها إلى “عبد مطيع للعمل” من أجل عيون البيت، فأين تذهب بعدها حلاوة شراء المنزل؟
في عيادة عالم النفس الإكلينيكي الدكتور ستيفن بلومنتال وسط لندن يرى الطبيبُ الكثيرَ من الناس، كثير منهم ناجحون جدا في الأعمال التجارية، ممن ذاقوا ندم شراء منزل.
ويعزو سبب ذلك إلى العقلية التنافسية، “إنه جزء من الوهم بأن السلع أو الأشياء ستعزز سعادتنا. إن جرعة المتعة من امتلاك الشيء الذي نطمح إليه تستمر برهة، قبل أن يساورك القلق بأنك أفنيت مالك”، هل قرأ الدكتور ستيفن كتاب باشلار وهو يدافع عن تشخيصه الطبي؟
يفسر لنا أحد محللي أسواق العقارات ما يحدث في الأزمات النفسية عند الطبقة الوسطى بعد الحصول على قرض لشراء منزل للعائلة، بسؤال مفاده “هل نمر جميعا بندم مشتري المنزل؟”.
ويعتقد أن التضارب الإدراكي بعد الشراء ينشأ من فكرتين غير متسقتين نفسيا في الوقت نفسه: ظننت أن هذا الشيء سيسعدني، لكني لست سعيدا. يمكن أن يثير شعورا بالندم والذنب وحتى فكرة أن البائع أو مندوب المبيعات خدعك.
وهنا تتصاعد الأسئلة بعدها عما إذا كان المشتري قد اتخذ القرار الصحيح، أو بقي يشعر بحسرة بعد شراء المنزل.
ما يحدث أن هناك من أقدم على الانتحار للتخلص من هواجس القرض العقاري، وهو قلق لا يقل أذى في تأثيره النفسي عما يعيشه الملايين في بلداننا العربية تحت وطأة العيش في بيوت الصفيح والأحياء العشوائية. ذلك إحساس أمَرّ وأقسى من العيش في بيت مستأجر.
فهم سعادة ومأزق مفهوم البيت يعيدني دائما إلى مطالعة كتاب باشلار مثل الحاجة إلى عصير رمان منعش. ويا لحسن الحظ وأنا أمتلك نسخة إلكترونية منه على كمبيوتري الصغير.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل تعيش تحت وطأة الحطام الوجودي
- همايون ناظم الغزالي
- انكسار “الغطرسة الإسرائيلية”
- معادلة شاذة لعدد الصحافيين في العراق
- احتفاء غير مسبوق بالفشل
- نجاح سلام العراقية
- لا دروس نتعلمها على طاولة الديمقراطية
- الغناء الليبي كان وظل مشرقيًّا
- تعريف عراقي للذيول
- المعضلة الوجودية في العراق المزيف
- كيف مرَّ آب اللهاب؟
- الجانب الأروع من كريم العراقي
- نسختان من إيران ومن خامنئي
- المعضلة المعرفية أكبر من شارع المتنبي
- رسالة فاروق هلال بأصابع مرتعشة
- كن قذرا!
- صورة عتيقة لكنها معبرة عن السياسة البريطانية
- الحقيقة القبيحة تنمو وتتصاعد
- أطباء فائضون عن الحاجة
- أسهل وصفة لتدمير بلد


المزيد.....




- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - غاستون باشلار في بيتنا