أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - أزميل الشعر للتحريض على فجاجة الواقع















المزيد.....

أزميل الشعر للتحريض على فجاجة الواقع


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 7765 - 2023 / 10 / 15 - 09:17
المحور: الادب والفن
    


فعل الكمون الشعري ومجرى جاذبيته:


واضح أنَّ كلَّ لهجة مواكبة للعصر تنبثق من ظواهر جمالية لسانية بنيوية، والشعر في حقيقته منتجٌ بنيوي أو قضيّةٌ جوهرية أو كينونة وجودية، وليس هناك شاعرٌ أكثر بنيويةً ودُربةً لتوليد الحروف من اللهجة العامية المنطوقة لإغناء اللغة الفصحى مثل الشاعر سامي عبد المنعم في تجسيده المضمون الجمالي المشحون بالرموز والدلالات والايحاءات، وهو يخوض تجربتَهُ منذ بواكيرها مكافحاً صنديداً في سبيل استبطان الفكر الثوري في إطاره العميق لاتّساع دلالته وديمومته:

"يبرحيّة البصرة وخلگ هندال
صوتك جان عالي ابعلو الجبال"

وإذا كان الشعرُ يسعى إلى استنباط الخصائص البنيوية، فإنَّ أشعار سامي عبد المنعم تقوم على كياناتٍ تستشفُّ تقنياتها من البنى الايقاعية الداخلية الزاخرة بالاستعارات والمجازات والدلالات، هكذا إذاً تتجلّى القيم الجمالية البنيوية بوجود مكوّناتها الدلالية يمدّها الشاعر برؤاه وخيالاته وفلسفته لاقتناص معاني أوسع عمقاً وبلاغةً مما يتصوّره عقل القارئ مهما كان متمرّساً في قضية التلقّي.
ربما يمكننا أن نستقري عاطفةَ الشاعر من ركام الواقع وتناقضاته الجدلية، وذلك ما دمنا نستطيع أن نثبت بالدلالة انحيازاً واضحاً يسوقنا إلى التجديد وهو وليد الرؤية الحداثية في حقل توظيف القضايا الفكرية المولّدة للسمات الشعرية، فالشاعرُ يحيلنا على أنساقٍ إيقاعية من مخزون ريفي يستند إلى حدث جوهري يعتمد في استدلاله على رؤيةٍ دلالية وخصوصية شعبية ووجدان صوفي بحت يحملُ شجناً:

"إنتِ عشگچ عشگ خرسه
احبیبه یا بغداد یمته ایرد عشگنه
ريته مسگوم ابحیاته الباگ ضحكات الزغار
وريته لاعاش الذبح فرحة أهلنه"


ولكن قد تصبحُ الرؤيةُ استاتيكيةَ المنحى إذا لم تخضع تماماً إلى صيرورة التطوّر، وقد يتعذّر انعتاقها من ربقَة التنميط وأغلاله كمسخ يستدعي تنويع مستوياته اللغوية، ولا يمكن التنبّؤ بالصيرورة الثورية ما لم يخاطر الشاعر بنشر بذور التطوّر ويعزّزها بالجمال الانساني المرهف ليسقي مداميك القصائد ببنيةٍ حداثية محوّلاً تلك الجدلية إلى طاقة للبوح العاطفي والانسراب من أسار التقليد والجمود الفكري والتنكّر له نهائياً للإنتقال إلى فضاء القصيدة المتحرّرة من سلطتها المعيارية كنهج للتحريض على كلّ أدب فـجّ مثبط في الثقافة التقليدية وفي الآداب والفنون، والمأثورات الشعبية والتراث (الفلكلور المبتذل) والغزل السوقي البورنوغرافي pornography)) لضخِّ الدم في كوكبه الشعري وفي مجرى جاذبيته وطبيعته الشاملة وحواره المستبطن داخل فعل الكمون الشعري في سياق حركةٍ جدليةٍ عميقة الدلالة:

"عبد يلمض اسنين السجن رمشة عين
او من شدة اعناده ايخاف سجّانه
عبد يعبر سواجي الخوف
وايدوس الانذال ابحافر احصانه"


وعي اللغة ومفهوم الثورة:


لو نحن تقصّينا تجربة الشاعر سامي عبد المنعم لمعاينتها لوجدنا أنفسنا في عالمٍ مرئيٍّ انمازَ شكلاً وجوهراً ورؤيةً وانفصل عن أنساق الشعر ومحمولاتها الطبيعية، ولأنَّ التصنيف ضرورةٌ حتميةٌ فاكتسبت تجربته صلابةً وتحدّياً وجرأةً ليبلغ قمّة تطوّره في التعبير توازياً لظاهرة شعرية أعمق دلالةً وتركيباً وتمثّلاً وتأصيلاً، ومن أبرز التجسيمات الفنية تلك النغمة الجمالية التي قادته إلى فتوحاته في مرحلةٍ مبكرةٍ أحالته على عائلة الشعراء الأوائل ليكون أكثرهم فنّاً وفراسةً في تجسيم الصورة الشعرية اللاذعة حيناً والساخرة طوراً من منظور يحيلُ على رؤيةٍ شاملةٍ مناهضةٍ وثوريّة تعلن عصيانها على واقع مزرٍ، مثلما كافح من قبله في سياق هذه الرؤية كبارُ الشعراء مثل: مظفر النواب، وذياب كزار، وعزيز السماوي، وعلي الشباني، وعبد السادة العلي، وكاظم لالة، وريسان الخزعلي.

ومعنى هذا أنَّ الوعي باللغة الشعرية وقضايا الانسان والوطن يضعُ الشاعر حيئنذ في إطار يمكّنه من الرصد والتغلغل في قضايا جوهرية، نظراً إلى شعوره الأصيل وتوقه إلى فكرة التحرّر من وهدة الديكتاتورية الفاشية وتجسّداتها الاستبدادية، وذلك لاستعادة كرامته في مناهضتها:

"الشهم ما توجعه الصدمات
يكبت جمرة احزانه
وينچ يم حسن
كل الشلب گام اعله حيله امتاني نيسانه
واجت سعده ابخشلها او ليلة الدخله
اتناطر دفگة حصانه"

ومثل هذا الحضور الصريح ما فتئ يوسّع التراكيب الشعرية المتداولة بين الناس بكيفية تمكّنه من التصدّي لظاهرةٍ دمويةٍ عمّقت في شعره لغة درامية لاذعة أضفت على مضمونه مزيّةً نضالية، وكأنّه يفجّرُ طاقةً شديدةً لإشاعة مفهومات استعارَ مفرداتها من مجسّاته الفكرية ومن لغته الثرّة لكسر الصورة الاستعادية، وكبح الغنائية الغزلية لتأصيل أشكالها لتعالج قضايا الانسان والوطن والتحرّر بمقاييس الحداثة لأنّها ظواهر يمكن الافصاح عنها لاستنطاقها لاستشرافها لانبعاث الحياة في الطبيعة وتوالدها، وكأنّها تستحثّه على البوح عنها لتشخيصها بوعي من إيمانه الكامل بقضيته، أو لتحقيق ما يرمي إليه في تمثيل الانسان والحياة والطبيعة من منطلق رؤيوي يستمدّ كينوناته من رؤية ذاتية تكون أحياناً وجدانيةً صوفيةً تفصحُ عن عواطف مكنونةٍ لا يسلّم قيادها كليّاً إلّا إلى سلطان عقله:

"بيَّ شي مثل الحزن ساكن ابروحي
مدري فد واحد ايودّع
مدري سولة حب قديم
حرت ياحسبه أسولفها لوحشتي
وآنه حته ابسر مفاتيحك غشيم"


إستعذاب التراجيديا وجماليات الكلمة:


قد تمثّلُ الكلمة قيمةً إنسانيةً قبل أن تكون رصاصةً، وانطلاقاً من هذا المعنى لا يمكن دراسة أعمال سامي عبد المنعم لاستقرائها ورصدها بمعزلٍ عن الاشارة إلى تاريخه العريق ومعجمه الذي يعتمدُ السخريةَ والتندّر في إطلاقها استناداً إلى قواعد خرق انتقائية، فلا يولدُ الاسلوب عموماً بناء على ظواهر مجرّدة من مظاهر الفكر إلّا للمراوغة والمغامرة والتعرية والاستنكار وهذا ما زاد قوى الشعر صلابةً في مناهضة الفكر الشوفيني والانتصار لقيم الانسان وقضيته الجوهرية..
ولم يجرؤ أحدٌ على إنكار هذا التوهّج الشعري الذي لا يعدو إلّا أن يكون صورةً مكثّفةً من محمولات الإبداع والتطوّر ومولّدات القصيدة الوطنية ومستواها التركيبي:

"خيال مهرة عرب ما يوم هدّ الرسن
إنت مسيح العصر شايل صليب الوطن"

ويمكن أن ينطبق مضمونُ هذه المقاربة على أشعار كلّ من عريان السيد خلف، وكاظم اسماعيل الكاطع، وزهير الدجيلي، وسفاح عبد الكريم، وشاكر السماوي، وناظم السماوي، وعلى العضب.

ولأنَّ موضوع الطبيعة الرومانسية الغنائية في شعر سامي عبد المنعم غائمٌ وجنيني، فإنَّ دليله في البحث عن كوّةِ نورٍ يرجع إلى كفاحه المرير لتوليد طاقة شعرية قويّة، لكي يصبح المفهومُ الثوريُّ إطاراً فكرياً ينطوي على جوهر رؤيته ويغطّي مساحات الحلم من منظور يقوّض الانفعالَ الشعريَّ، والوعيَ السطحيَّ الذاتي كبديل يحملُ في ثناياه نبراً إيقاعياً مجافياً للمقتضيات السائدة:

"دمنه ايحرّك الآله
يكتب للعصر تاريخ عماله".



#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن ماركيز وأنساقه المتباينة في دائرة الواقعية السحرية
- كأنَّ نهراً ينام بيننا
- إستطيقا الشعر ونشاط الحواسّ -شاهداً أردت أن أكون- ليقظان الح ...
- الإستعارات الجسدية في نصوص العراقي عبد الرحمن الماجدي
- محفّزات الإدمان الثقافي والمغامرة الخاسرة
- جياكومو جيرولامو كازانوفا
- الصيف البارد
- طائر يلتقط السلاحف
- سجالات في التحليل الأدبي: مأزق الثقافة وانحطاط القيم
- كم حرسنا الذهب
- سجائر لا يعرفها العزيز بودلير: شعرية التمرّد والأهليّة الجما ...
- حروب أبجديّة: الأسلوبية اللغوية تجسيد عميق للشعر
- الصيادون لا يعرفون الغناء
- شجرة الغروب
- الرسام
- لعلّك لا تحب السمندل
- أظنّ أنَّ المرأة ريح
- ليت قلب السمكة ورقة
- لن أطويَ عمري على مغزل
- تمثال ينهبه إعصار


المزيد.....




- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...
- بقضية الممثلة الإباحية.. -تفاصيل فنية- قد تنهي محاكمة ترامب ...
- مصر.. القبض على فنان شهير بالشيخ زايد بتهمة دهس سيدتين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - أزميل الشعر للتحريض على فجاجة الواقع