أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - آنا كارنينا.. بين نزعة الموت والحب المتطرف ..















المزيد.....



آنا كارنينا.. بين نزعة الموت والحب المتطرف ..


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 7732 - 2023 / 9 / 12 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


شغف تولستوي بهوس الموت، وقدرته على التفنن في هذه النزعة، والموهبة التي يمتلكها بالغوص في دواخل النفس البشرية، والكشف عن إنفعالاتها ومشاعرها المتناقضة بحذاقة قل نظيرها، تكاد تبتز أعتى تحليلات المحللين النفسانيين، وموقفه الحيادي تجاه شخصياته؛ علاوة على توظيفه لنزعتي الخطأ والشك، أستطاع هذا الروائي القديس، عبر هذه النزعات الخمسة، تصوير معظم مشاهد الرواية بشكل درامي، لتنال الشهرة التي لم تنلها أي رواية أخرى في العالم، حيث قال عنها غريمه الأقوى دويستوفيسكي: (إن آنا كارنينا هي الكمال الروسي كإنتاج أدبي ولا يمكن مقارنته بأي عمل آخر في الأدب الأوروبي. أنها رواية لم يسمع بمثلها من قبل، أنها الأولى، ولا يمكن لأي كاتب من كتاب الروس أن يكتب عملا يساويها)1. تتكون هذه الرواية التي قام بترجمتها الأستاذ علي شيري، من جزأين، يقع الجزء الأول في (487) صفحة والجزء الثاني في (433) صفحة، أي تبلغ مجموع صفحاتها الكلي (920) صفحة من الحجم الكبير، موزعا الجزء الأول على أثنتين وعشرين وحدة رقمية، والثاني على تسع عشرة وحدة رقمية، ومتصدرا الجزء الأول منها بمقدمة كتبها المترجم، تطرق فيها الى حياة مؤلفها وأعماله.
تدور أحداث هذه الرواية في محورين متوازيين لأسرتين روسيتين، هما أسرة آنا كارنينا وزوجها (كارنين ألكسي)، ونجلهما الطفل (سيرج)، وفي لقاء آنا مع الضابط الوسيم (فرونسكي) في القطار الذاهب الى فرنسا، تقع في حبه، وتنفصل مع زوجها، تاركة أبنها الوحيد مع والده، والأسرة الثانية هي أسرة (ليفين) وزوجته (كيتي) التي تميل في البداية الى فرونسكي، مع أنها تشعر بالسعادة مع (ليفين)؛ لكونه من أثرياء المجتمع، وينتمي الى الطبقة الإرستقراطية، ولكنه لا يتزوجها ويقيم علاقة مع آنا، ويرغب الزواج منها في حالة طلاقها من زوجها كارنين. ولتحرر ليفين من الشكوك التي كانت تراوده في كل المحيطين به، وعودته الى الإيمان المسيحي، يغفر لكيتي رفضها له في المرة الأولى التي صارحها بحبه، ويتم زواجهما.
معظم شخصيات الرواية، إن لم تكن كلها، تعاني من الأمراض الإجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، حيث كانت روسيا تمر بفترة الإنتقال من مهنة الزراعة البدائية أو المتخلفة الى الثورة الصناعية، شروعا من الأمراض الطبقية، مرورا بالتشبث بتراكمات الغابر، وانتهاء بمرض التناقض المتمثل بالصراع بين العقل والقلب. كما أن كلا الأسرتين، إضافة الى إسرة فرونسكي، تمثل كل واحدة منهما طبقة معينة وتختلف عن الأخرى، من حيث مستواها الإقتصادي والإجتماعي. فآنا كارنينا تعرف في المجتمع الروسي بوصفها كونتيسة وإمرأة نبيلة، وكذلك زوجها الكونت ألكسي (كارنين). أما فرونسكي الضابط في الجيش الروسي المدلل، ينتمي الى الطبفة الأرستقراطية، وليفين رجل ثري ويمتلك أراضي شاسعة، وزوجته كيتي شقيقة الأميرة (دوللي) التي يخونها زوجها (أستيبان) مع مربية المنزل. ولكن أسرة فرونسكي تجد نفسها أكبر منزلة من أسرة ليفين. وقد يكون هذا هو الدافع الأساس لرفض كيتي لليفين، ومؤاثرة فرونسكي عليه.
البناء الفني للرواية:
تعتمد على النزعات الخمس: الموت والتناقض وحيادية المؤلف والخطأ والشك.
*الموت:
تتكرر هذه النزعة في الرواية سبع عشرة مرة، موزعة بين الشخصيات الثلاث (آنا) ونجلها الطفل (سيرج) وبين الشقيقين (ليفين ونيقولاي)، بنصيب أربع مرات لآنا وثلاث لليفين، وثلاث لسيرج، وسبع لنيقولاي.
في معظم الأحيان تأتي نزعة الموت لوحدها، لتعبر عن معنى معين، واحيانا أخرى تأتي مقرونة بتناقض الشخصية مع نفسها، أي تحولها من حالة تعيسة الى أخرى سعيدة ومتفائلة، وبالعكس. وسواء جاءت هذه النزعة لوحدها، أو مع النزعات الأخرى، فإن تولستوي كما يقول المترجم: (كان مولعا بالموت، مبهورا به، ومن هنا ينبع إحساسه العميق بالعدم كحقيقة أخيرة.).2
وربما قد يكون توزيع أراضيه وأملاكه على الفلاحين، والخلاف القائم والمستمر مع زوجته، ومن ثم هروبه من البيت، وموته في محطة القطار، نابعا من إحساسه هذا. أي مادامت نهاية البشر هي الموت، فلتتوزع الثروات والأملاك بالتساوي والعدالة على أفراد الشعب.
وشخصية (ليفين) القريبة الى الفكر النيّر، تحمل بين طياتها البعض من أفكار تولستوي، ليس بوصفه يمتهن الفلاحة مثله فحسب، ويملك أراضي شاسعة، يعمل فيها عدد كبير من الفلاحين، وإنما لقناعته بوجوب فحص قوة العمل من وجهة نظر التأريخ الطبيعي والإعتراف بخصائصها ودراستها، بالرغم من إتهام شقيقه نيقولا له في إستغلال الفلاحين لصالحه.
مع أن مفردة الموت تأتي لأول مرة في الرواية في الصفحة (70) للجزء الثاني منها، عبر تفكير ليفين بإقتراب الموت من شقيقه نيقولا، وتتكرر على التوالي في الصفحة 74 و 75 و 76 و 77 و 78 و 79، وفي المرة الثانية في الصفحة (103) و (105) على لسان (سيرج) الطفل، نجل آنا، بحثا عن أمه؛ إلاّ أن أهمية تكرار هذه المفردة، من حيث البناء الدرامي وتصاعد وتيرته، وتأثيره على أحداث الرواية وشخصياتها، لا تتضح إلآ في الصفحة (341)، على لسان آنا، أي قبل نهاية الرواية بقليل، وهي تقول: (أنه يحل القضية ويريحني. .كل العار الذي ألحقته بنفسي وبألكسي سيمحوه الموت. . سوف يتوب ويندم ويتألم من أجلي، ويبكي ويحبني. .).
تأتي مفردة الموت في هذه العبارة المفعمة بالسوداوية، بعد سلسلة من الخلافات المحتدمة بينها وبين زوجها من جهة، وبينها وبين عشيقها (فرونسكي) من جهة أخرى، حول تنصل زوجها (كارنين) شقيق (كيتي) زوجة ليفين في طلاقها، أثر تخليها عنه، وعيشها مع عشيقها علانية تحت سقف واحد، وغيرتها عليه، وسعيها للعيش المشترك مع أبنها عبر سحبه من أبيه، فضلا عن ظهورها في الحفلات أمام الملأ الذي كان يحتقرها، وبدوره كان فرونسكي يرفض ظهورها هذا أمام الملأ، ظنا منه بأنها تتحدى إرادة الناس وتسخر منهم، عبر تصرفها هذا، وعدم إيلائها أذنا صاغية لما تلوكه ألسنتهم في ظهورها غير المكترث لمشاعرهم، ويؤزّم الخلافات بينهما.
وعلى هذا فإن مفردة الموت التي تأتي هنا بمعنى الإنتحار وليس الموت الطبيعي، على لسان آنا؛ تأتي بعد مرور أكثر من (300) صفحة من صفحات الجزء الثاني للرواية، تحديدا عقب (828) صفحة، أي أثر إنسداد كل الطرق المؤدية الى حل المشاكل القائمة بينهما، والعقبات التي تقف في طريقهما لإيجاد بصيص أمل، للنفاذ منه، للتقدم بخطوة الى أمام، والخروج من أزمتهما المستعصية والتي لا حل لها.
ولو اجرينا مقارنة بين شخصيتي آنا كارنينا في حبها لفرونسكي، مع شخصية (أستيبان أوبلونسكي) في خيانته لزوجته (دوللي) مع مربية المنزل، بغض النظر عن الديون المتراكمة عليه، والكسل الذي يرافقه، وإسرافه في شرب الكحول؛ لتبين لنا أن فكر المجتمع الغربي في نهاية القرن الثامن عشر في تخلفه، كان قريبا الى حد كبير مع فكر مجتمعنا في العصر الراهن، من حيث إدانته للمرأة إذا ما ارتبطت بعلاقة مع الرجل، وبالعكس مع الرجل، إذ يتغاضى عنه، مع أن حب آنا يتحلى بمنتهى الصدق والتضحية، وحب أستيبان أوبلونسكي، يطفح زيفا ودجلا ورياء،
وهنا يطرح هذا السؤال، ترى هل منح تولستوي لآنا حقها الطبيعي في اختيار علاقتها مع الشخص الذي ترتاح اليه؟ أم أنه أدانها كما أدانها المجتمع؟
لسبب بسيط جدا، كما يبدو لي، أن تولستوي، لم يدنها، وإنما كان أكثر تعاطفا معها مقارنة مع كل شخصيات الرواية، بالرغم من أنه يتخذ موقف المحايد من شخصياته؛ أقول لم يدنها لأنه ليس في نيته كما يبدو، أن يطرح موضوح الحب، بقدر ما ينوي أن يطرح وجهة نظر المجتمع المتخلف تجاه المرأة المتزوجة التي ترغب أن تعيش مع رجل آخر أحبته بوله وعشق بالغين، والدفاع عنها.
وإذا كان هذا هو السبب الأساس في أاتخاذ تولستوي موقفا إيجابيا منها، بعكس المجتمع الذي أدانها واحتقرها، ثمة أسباب أخرى تدعم هذا الموقف، متمثلة في كونها محور أحداث الرواية، وحديث معظم شخصياتها والمجتمع، علاوة على أنها بطلة الرواية، وصاحبة المأساة، وعنوان الرواية بإسمها، كل هذه الدلائل والقرائن تؤكد على أنه منحها حقها ضمن الأحداث المتصارعة في الرواية بين الفكر المستنير والفكر الظلامي..
إن تولستوي غالبا ما يسعى الى إيصال ما تهدفه الشخصية الى المتلقي بشكل غير مباشر، كتعابير الوجه، وليس عن طريق الحوار، ثم ينتقل مباشرة للإفصاح عن هذا الهدف، من خلال المونولوج الداخلي، كما في إختلاف آنا مع فرونسكي مثلا.
في الظاهر يبدو أن مفردة الموت، جاءت على لسانها، لإختلافها معه على موعد سفرهما الى القرية، ولكن السبب الحقيقي هو أخبارها أنه سيقوم بزيارة أمه، بدليل أنها ما أن سمعت مفردة أمه حتى تضرج وجهها. ذلك أن فكرها: (راح نحو الأميرة سوروكين والتي تقيم مع الكونتيس فرونسكي في ملكها بإحدى ضواحي موسكو.)، أي لغيرتها، وخشية زواجه منها، ولا سيما أن أمه تحثه على ذلك، وهي تقول في نفسها: (أنه يحب إمرأة أخرى، ويبدو ذلك واضحا. . فأنا لا أريد غير الحب. . وهو غير موجود. . وعليّ وضع حد لهذا الأمر..).
وفي الصفحة (407)، تأتي مفردة الموت مرتين على لسان آنا، بفعل الغيرة نفسها التي راودتها في الصفحة (341). فإذا كانت في المرة الأولى قد غارت من الأميرة سوروكين، فإنها في هذه المرة لازمتها الغيرة من (تيريز)، وتسعى الى قراءة ما في داخل فرونسكي من شهوات في الوقت نفسه، وهي تقول له: (لو لم تكن ترغب فيها لكنت رفضت ذلك. كنت ترغب برؤية تيريز عارية.). وهي بذلك في الوقت الذي تفصح فيه عما يدور في ذهنها من أفكار تجاه زيارته للأميرة سوروكين، من خلال تجهم وجهها، في الوقت نفسه، تقرأ ما يعتمل داخل عشيقها من شهوات. أي أن تولستوي، مثلما يلجأ الى قراءة المتلقي لمشاعر وانفعالات شخصياته من الخارج، كذلك يعمد الى قراءتها من الداخل. الأمر الذي يدفع فرونسكي لأن يأخذ يدها ويقبلها، وهو يقول في نفسه: (ها هو الشيطان يعود..)، في إشارة واضحة الى أنها ستثير المزيد من المشاكل. . . وهذا ما يحدث فعلا، عندما تصب جام غضبها على زوجها السابق، من خلال نعته بمختلف الأوصاف المشينة. والمفارقة، بالرغم من أنها غاضبة على زوجها، تخاطب عشيقها فرونسكي: (بأنها لم تعد تحتمل.. ستموت.. ليرتاح.. وترتاح هي منه).
إن شعورها بالموت هنا أيضا، مثله مثل المفردة التي جاءت في الصفحة 341 هو غيرتها، ولكن غيرتها هذه المرة مقرونة بالحلم، أي حلمت أنها ستموت. والجميل أن يقرن المؤلف حلمها عن طريق الرمز، بالفلاح الذي كان يفتش في الكيس، ويتكلم اللغة الفرنسية بسرعة شديدة، وهو يقول: (يجب سحق الحديد وعجنه)، موحية هذه العبارة أنه كان يبحث عن الحديد لعجنه كما يعجن الطحين، مانحا إياها بعدين، البعد الأول هو الإيحاء الى إستخدام القوة والعزم للوقوف بوجه الحياة القاسية، والثاني حدوث الموت، موت آنا بسحقها تحت قضبان الحديد، أي كما تنتهي الرواية، في موتها عن طريق الإنتحار وتحت عجلات القطار. وبمعنى أدق أنها تبحث عن الموت، مثلها مثل الفلاح الذي يفتش في الكيس لسحق الحديد وعجنه، أثر يأسه من الحياة التي يعيشها تحت ظل الفقر والجوع والإملاق.
إن عملية الإنتحار تتكرر للمرة الثانية للإيحاء الى انتحار آنا بالطريقة نفسها في ختام الرواية، وذلك من خلال رمي أحد الحراس الثملين بنفسه تحت عجلات القطار، لعدم سماعه تحرك مؤخرة القطار، فدهسته.
وللإيحاء أكثر الى أن آنا ستواجه النهاية ذاتها، يعمد المؤلف لتأثرها بما حدث، تطلب مساعدة زوجته التي أرتمت عليه، وهي تنتحب، كما أنها كانت ترتجف كما يصفها المؤلف، ولم تقو على حبس دموعها، وهي تقول: (هذا نذير شؤم)، في إشارة أخرى وإيحاء لا غبار عليه الى أن نهايتها ستكون تحت عجلات القطار.
وفي الصفحة (411) تتذكر الموت، لأنها تشعر بصدق كلام زوجها ألكسي، وهو يقول لها: (الحقارة في ترك زوجك وابنك من أجل عشيقك)، لترد عليه قائلة: (سينتهي كل شيء قريبا). ولكنه لم يأت ليخاطبها بهذه العبارة، بقدر ما جاء ليبلغها أنه لن يترك أبنه لها، وأنها ستتلقى قراره من المحامي المكلف بمتابعة قضية الطلاق، سعيا للإنتقام منها.
أما في الوحدة الرقمية السابعة عشرة، من الصفحة (461 – 466)، تتكرر مفردة الموت ست مرات، وعلى هذا النحو:
1- إنني أموت . .أرجوك أن تأتي.. فأموت بهدوء، إن غفرت لي وسامحتني. (نيقولا).
2- ولكن في لحظة من التشوش، وصل الى أن موتها سيحل كل المشاكل. (فرونسكي)
3-دخل الى الغرفة، فوجد فرونسكي جالسا يبكي. . ولما رآه أضطرب وأرتجف، لكنه تحامل وقال: (انها تموت). (زوج آنا).
4-ورأت زوجها وقالت: (أنا لست خائفة منه. . بل خائفة من الموت.). (آنا كارنينا)
5-ها أنا أموت وسآخذ معي سيرج والطفلة الصغيرة وما أحتاج اليه.. (آنا كارنينا).
6-أعترف لك أن مسألة الإنتقام منكما قد لاحقتني وعندما وصلتني البرقية تمنيت لو أنها تموت فعلا.. (زوج آنا كارنينا).
ولو عدنا ثانية الى عدد المرات التي تأتي مفردة الموت على لسان آنا، لتبين لنا أنها تتكرر عشر مرات، وليس أربعا وذلك بعد إضافة ست مرات أخرى عليها، خمسا في الصفحة 461، وواحدة في الصفحة 407، وبذا يصبح عدد المرات التي تتكرر في الرواية هذه المفردة ثلاث وعشرين مرة وليس سبع عشرة.
يوظف المؤلف مفردة الموت في العبارات الست، من قبل الشخصيات الثلاث المتصارعة، لإتخاذ ألكسي زوج آنا قرار الحسم في أمر الطلاق، وقد جاء قراره هذا ليس وقوعا تحت تأثير عبارة ثيوروفيتس فحسب التي مفادها: (أن بريانتشيكوف نازل خصمه وقتله بسبب زوجته..)، وإنما لنزول مصارحتها بخيانتها له وجها لوجه كالصاعقة عليه، وبالرغم من ذلك، لم يتردد في محاولة إنقاذها ومنحها جميع الفرص لتنجو من جريرتها عندما أبلغته بسقوطها المذل هذا، ولكنها مع هذا استمرت في غيّها، وهو يقول لدوللي: (كنت قد طلبت منها مراعاة اللياقة واحترام حرمة بيتي. . ماذا يمكن فعله مع إنسان إذا كان فاسدا وطبيعة ملتوية.. تعتقد أن تدمير حياتها هو خلاصها..).
ومع أنه في البداية، أرتاب من مصداقية دعوته في برقيتها لزيارتها، كونها تموت بهدوء، ولكنه عندما أعاد قراءة البرقية، تراجع عن موقفه السابق، وخمّن أنها قد تكون صادقة، وهو يقول مع نقسه: ( عندها سأكون في منتهى الأنانية والغباء.. وسأضع نقسي في موضع الملامة.). لذا فقد قرر زيارتها. وفي هذا اللقاء المفعم بالشغف الرومانسي، تطلب منه أن يسامحها ويغفر لها، ووقوعا تحت تأثير القانون المسيحي الداعي الى التسامح، يشعر فجأة أن قلبه امتلأ محبة وصفحا.
ولأنها أثناء مرضها الذي لا شفاء منه، كما صرح الأطباء، لم تكن تتحدث إلآ عنه، كما أن كشفه عن سعادتها لمسامحته لها، حدا به هذين الأمرين، أن يسير على درب القديسين، ويحذو حذوهم، عبر دعوة فرونسكي لأن يتخلى عنها، وهو يقول له: (إن أرادت رؤيتك سأخبرك، رأيي أن تبتعد عنها الآن، وترحل).
ولو أعدنا مرة أخرى قراءة العبارات الست التي فيها مفردة الموت، لوجدنا تناقضا واضحا في موقف ألكسي تجاه زوجته مقارنة بموقفه الأخير، وذلك من خلال وصوله الى قناعة أن موتها سيحل المشكلة، وملاحقته لمسألة الإنتقام منهما، منها ومن عشيقها. وهنا يطرح هذا السؤال نفسه بإلحاح: (ترى ما هو سر هذا التناقض)؟ أو لماذا يسعى تولستوي الى إيقاع معظم شخصيات روايته هذه عن قصد في براثن الخطأ، وبالذات آنا؟!
أن هذا التناقض يرتبط بالمقطع الذي جاء في مطلع الرواية، ويتوزع على شطرين . الشطر الأول: (تعيش الأسر سعادتها حيث تتشابه بها.). والشطر الثاني: (ولكنها تختلف في التعبير عن تعاستها وشقائها.). ولكن المهم هو الشطر الثاني من المقطع، وليس الأول، ذلك أنه يرتبط بمأساة آنا من حيث حبها المتطرف الذي يرفضه المجتمع، أو كما يقول المترجم: (وما جذب تولستوي في القصة ليس الحب في حد ذاته، ولكن ما جذبه هو عواقب الحب المتطرفة.)، كما أن تولستوي مثل شخصيات هذه الرواية، لم تخل حياته من آراء ووجهات نظر متناقضة ومتقلبة.
وإذا كانت آنا تشعر بالموت في كل لحظة من لحظات حياتها، بفعل دخولها في صراعات مع زوجها وعشيقها والمجتمع أيضا، فلأنها تعشق الحرية، وتريد أن تعيش كما هي تريد، وليس كما يريد الآخرون. أو كما يقول المترجم: (آنا كارنينا، تصوير تولستوي لهذه الشخصية تخطى حدود الجمال الى أعمق نقطة في الجمال نفسه. كانت ساحرة جدا..).
بينما تأتي العبارة التي ينطقها ليفين (لا كل شيء أنتهى.. لم يبق إلآ الموت.)؛ لشعوره بدنوه من الموت، ذلك لأنه أختلف مع شقيقه في تأييده لوجوب فحص قوة العمل من وجهة نظر التأريخ الطبيعي والإعتراف بخصائها ودراستها، بينما يرى (نيقولاي) هذا الرأي هراء وبدون نتيجة. . فاليد العاملة وتبعا لتطورها تجد شكلا معينا وخاصا من النشاط، عما تبحث فيه. كما اتهمه في استغلاله لعماله، من خلال وضع خطة من نفسه، ليظهر وكأنه ينطلق من مذهب. وهو يقول له: (سأتركك الى الشيطان. .! أغرب عني، أنا نادم لمجيء.). مع أن ليفين كان صادقا، لأنه كان يرى الموت أينما يذهب.
أما مفردة الموت في إحتضار نيقولا، لا تأتي طلبا منه لتحقيق هذه النزعة فقط، بل من أهله أيضا. نيقولا نتيجة آلامه الشديدة، وأهله ليتخلص من العذاب الذي يعانيه.
إن المؤلف من خلال النماذج الأربعة لنزعة الموت، يتبين، أبتداء من شخصية آنا، مرورا بشخصية سيرج وليفين، وانتهاء بشخصية نيقولا؛ أنه قد وظفها بقصد:
1- أن جمال آنا الساحر، وعيشها تحت سقف واحد مع زوج متدين، ودمث الأخلاق وفي منتهى الطيبة، ويتحلى بروح التسامح، لا تنسجم هذه الصفات مع زوجة جامحة، وتتوق للحرية، وتبحث عن إشباع غرائزها، لكي تعيش مع زوج تختلف طبيعته عن طبيعتها كليا، ما دفعتها كل هذه الأسباب لأن تنفر منه مع أنها تحبه، وتنجذب الى الشاب الضابط الوسيم فرونسكي، وهي بذلك استغلت طيبة زوجها لإشباع غريزتها، إعجابا بجمالها، وضحت بنجلها للسبب ذاته. أي أن الجمال، مثلما له إيجابياته، كذلك له سلبياته، ذلك: (في آنا كارنينا بدا الحب فيها نقمة ونعمة؛ والحب قوة متطرفة في الإنسان.. في بعض الأحيان تكون حسنة ولكن في أحيان أخرى فظيعة وقاسية وحتى خطيرة..).3
2- أن بحث سيرج عن أمه، وعدم إيمانه بموتها، ينبع عن حاجة كل الأطفال، وليس سيرج لوحده الى حنان الأم ورعايتها وتربيتها، وأن الأب ليس بمقدوره، مهما حاول أن يحل محلها، ويأخذ دورها، أو يحتل موقعها، لذا فإن مسألة الطلاق بين الزوجين للحفاظ على تربية الطفل وإسعاده، بحاجة الى وقفة طويلة ومتأنية، قبل اتخاذها، ولعل سير الكنيسة على هذا النهج، في عدم البت به بعجالة، يأتي عن قناعة تولستوي بالنهج الذي تتبعه الكنيسة، مع أنه مؤمن بالله، ولكن خارج الكنيسة.
3- إن إختلافه مع شقيقه بالرأي حول التطورات الناجمة عن العمل في المزارع، وعدم إحاطته بها، والتطاول عليه، نتيجة جهله هذا، القصد منه، هو أن الإنسان عندما يضع نفسه في المواقف الحرجة، يلجأ الى عدم إحترام رأي الآخر، عبر إستخدام الأساليب غير المهذبة والمعيبة، في سعي منه لمحو المثالب التي تعتور ثقافته.
4- أن اليأس والألم، يدفع الإنسان على أن يتمني الموت. اليأس بالنسبة لأهله، والألم بالنسبة لنيقولا، وبالتأويل لآنا التي انتحرت ليأسها من الحياة، ولزوجها للألم الذي تجرعه في عدم عودتها الى حياتها الطبيعية؛ وبالتأويل أن تموت أيضا.
إذن أن تولستوي من خلال شغفه بالموت، يتعرض للمرحلة الإنتقالية التي شهدتها روسيا، في ثورتها الصناعية أبان نهاية القرن الثامن عشر، بكل ما يحيط بها من الظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، ولعل الصراعات القائمة بين الطبقات الثلاث، المتمثلة في شخصياتها الرئيسة، وحتى الثانوية والهامشية، تؤكد على ذلك.
مثلما يتفنن تولستوي في إشاعة نزعة الموت في هذه الرواية، بالقدر ذاته يتفنن في بث المشاعر والإنفعالات المتناقضة في نفوس شخصياته، ولعل هذا التناقض هو الذي كان سببا في صعوبة اتخاذ المتلقي رأي حازم، سواء كان مقرونا بالتعاطف، أو بعدمه، تجاه شخصيات الرواية، ذلك أن المؤلف تعامل معها بحيادية، وهذا ما سنتناوله لاحقا.
*التناقض:
1- تفيض الرواية بهذه النزعة بجزأيها الأول والثاني. وشروعا من مطلعها يثير المؤلف هذه النزعة، من خلال كشف (دوللي) خيانة زوجها (أستيبان) مع مربية أولادها. ولأنها أحست بالإهانة قررت الرحيل، لتعتمل في دواخلها روح التناقض في جديتها لتنفيذه، ذلك أنها تحبه من جهة، ولا تريد أن تتخلى عن أولادها من جهة أخرى. وبالرغم من أنها تصرخ بوجهه، وتوجه له شتى الألفاظ النابية، وصولا الى طرده من البيت؛ بالرغم من ذلك، تنتظره لتسمع ما يقوله، وكأنها تتوسل اليه ألآ يتركها، أو كما يقول المؤلف: (تستعيد ما جرى بينها وبين زوجها.. هل سيقطع علاقته بها؟ هل سنبقى غرباء ونحن تحت سقف واحد؟.. آه كم كنت أحبه؟ هل أحبه أكثر من قبل؟ ..
2- آنا مثلها مثل دوللي كانت تخدع نفسها وهي توبخ فرونسكي على الإساءة التي وجهها لها، عبر قوله: (لماذا أسافر؟ لأكون حيث تكونين ، لم أحتمل بعدك عني.)، وشعر أن توبيخها له، قد قرب المسافة بينهما، بينما كانت هي بفعل هذا التوبيخ تحس بالقلق والفرح يغمران كيانها، الفرح لإنجذابها له، والقلق حرصا على مستقبل أسرتها المتكونة من زوجها ونجلها سيرج.
3- وهذا التناقض في شخصية آنا يتكرر أيضا في دعوة فرونسكي للإعتذار من كيتي، لأنه أساء التصرف لها، حيث كان سابقا يحبها، وتخلى عنها بسببها، بينما هي لا تريد ذلك، وقرأ عكس ما تريده من خلال نظراتها التي كانت تقول شيئا آخر.
4- عندما بلغت الخلافات بينهما حد القطيعة، وجاءت آنا تطلب التسامح والغفران من فرونسكي، بالرغم من أنه هو المجرم القاتل، كانت تشعر هي بضخامة الجريمة التي ترتكبها. لذا تخاطبه قائلة: لم يعد لي شيء إلآ أنت.. يرد عليها قائلا: من أجل دقيقة من السعادة. . سأنسى حياتي.
ما أن تتناهى هذه العبارة الى أسماعها، حتى تنقلب فجأة الى إنسان آخر، يختلف كليا عما كانت عليه قبل لحظات، وتطلب منه ألآ يتكلم بكلمة واحدة على الإطلاق، أي أنها تتحول من شخصية إيجابية الى شخصية سلبية، وكانت أحاسيسها كما يصف المؤلف: (متناقضة ومشاعرها مذعورة ومرتجفة قلقة ومعقدة . فهي الآن تشعر وفي وقت واحد بالفرح والخزي والحقارة والعار..).
*حيادية المؤلف:
تنظير باختين في حيادية المؤلف تجاه شخصياته، يأتي إنطلاقا من تضييق الخناق عليه في إقحام نفسه بالتدخل في قيادة أفعالها، وبالتالي انحرافها عن مسارها الطبيعي، أي أنها وفق هذا المسار، لا تفعل كما هي تريد، بل وفق ما يمليه عليها المؤلف. لذا فإن تنظير باختين لم يأت لغرض نأي الروائيين العقائديين من أتباع هذا النهج، وإتخاذه ذريعة سهلة لطرح أفكارهم عبر هذا النمط من الشخصيات فحسب، وإنما أيضا لإقناع المتلقي بالشخصية التي يبتكرها المؤلف من حيث رسم ملامحها ومعالم أبعادها.
تتمظهر حيادية المؤلف تجاه شخصياته في هذه الرواية، من خلال تسليط الضوء على كلا جانبيها السلبي والإيجابي بالمستوى نفسه. كما مثلا في شخصية فرونسكي، ففي الوقت الذي تصفه دوللي بأنه رجل طيب ومثابر، وأبهرتها حيوته، يصفه والد آنا بأنه شاب لعوب لا يبحث سوى عن المتعة. كما أن فرونسكي من جانب يتمنى أن تموت آنا، لأنها أوصدت كل الأبواب لحل المشاكل القائمة بينهما، ويبكي من جانب آخر، عندما أبلغه الطبيب بأنها في حالة ميئوس منها وخطرة.
إن وصف دوللي لفرونسكي على هذا النحو لا ينسجم مع وصف والد آنا، لا بل يتناقضان مع بعضهما، وهذا التناقض من شأنه أن يفضي الى الغموض، وبالمآل فإن المتلقي لا يتخذ موقفا معينا تجاه شخصية فرونسكي لا من حيث الإنجذاب اليه، ولا عدم الإنجذاب، أو مقته. والشيء ذاته ينطبق على ما تجول من أفكار في ذهن فرونسكي، وتناقضها مع ما يحدث على أرض الواقع. في الوقت الذي يتمنى فيه أن تموت، في الوقت ذاته، يبكي على موتها، أو هذا ما يبدو عليها.
إن لجوء المؤلف عن قصدية لزج شخصياته في مختلف المواقف، ليتسنى لها التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها، وكل ما يعتمل في دواخلها من محاسن ومساوئ؛ حدا به، أن ينظر اليها بمستوى واحد، غير منحاز الى طرف، أو شخصية من الشخصيات على حساب شخصية أخرى.
وشخصية آنا هي الأخرى، يأتي وصفها كذلك من خلال كلا الجانبين اللذين لا يخلوان من التناقض، فإذا كان عامة الناس يحتقرونها، لأنها تخلت عن زوجها، وتعيش مع عشيقها تحت سقف واحد، فإن الأميرة (تيفيرسكوي) تقول عنها: (الذين هاجموها هم أسوأ منها بكثير، فجرة وفاسقون. .أنا أراها تصرفت بشكل جيد. . لقد تصرفت كما تتصرف الآخريات..). كما أن عشيقها يصفها وصفا مشابها للأميرة، وهو يقول لبيتسي: (لا أعتبر أن آنا قد سقطت أكثر من مئات اللواتي تستقبلينهن..).
ليس بالضرورة أن يلجأ المؤلف الى الشخصيات الأخرى، لتمنح إنطباعها عن شخصية ما في الرواية، ولا سيما الشخصيات الثانوية أو الهامشية عن الرئيسة، قد يلجأ أحيانا الى الشخصية نفسها، لتعلن بذلك، فضلا عن طبيعة الشخصية التي تتطرق اليها، تكشف عن شخصياتها أيضا. كما في شخصية دوللي مثلا، وهي تكسب شخصية فرونسكي عن إنطباعين، لتعبر من خلالهما عن طيبتها وسطحيتها وسذاجتها في إبداء رأيها بشكل عاجل وسريع، إذ في غضون لحظات يتغير رأيها بفرونسكي من السلب الى الإيجاب. وهذا التغير السريع، أو عدم الإستقرار على رأي معين من قبل دوللي، يتجلى أيضا في خيانة زوجها معها، وهي مترددة بالتخلي عنه.
على الرغم أن دوللي لا تحب فرونسكي مطلقا، لأنها تعده متباهيا بنفسه؛ على الرغم من ذلك تتحدث معه عن داره، مبهورة ببنائه الجميل وطرازه القديم، وباحته القديمة. ولكنه عندما دعاها لزيارة المشفى التي بناها، وهي مؤسسة لكل أنواع المرضى، تصفه بالرجل الطيب.
يعمد المؤلف الى هذا التناقض، في تناوله لطبيعة الشخصية من كلا جانبيها، كما أسلفنا، بهدف أن يكون حياديا تجاه شخصياته، وبالتالي أن يدع الرأي للمتلقي في مدى تعاطفه، أو بعكسه، مع شخصيات الرواية، وبدون أن يتدخل هو في مسارها، ويتركها تسلك طريقها بشكل طبيعي، وبمنآى عن إقحام نفسه في ماهية تغييرها، أو عدم تغييرها.
والسؤال الذي يطرحه نفسه هنا، ترى. . هل أن تولستوي أثناء كتابته لروايته هذه، كان قد أطلع على طروحات باختين في وجوب حيادية المؤلف تجاه شخصياته؟
الإجابة على هذا السؤال هي بالطبع (كلا)، ذلك أن تولستوي أكبر سنا من باختين ب(67) عاما. الأول من مواليد عام 1828، والثاني عام 1895. وهذا السؤال والإجابة عليه، تذكرنا أيضا في توظيف دوستوفيسكي لتقنية تعدد الأصوات (البوليفونية) في روايته (الجريمة والعقاب)، وطروحات باختين التنظيرية في التناص، مع أن دويستوفيسكي أكبر سنا من تولستوي.
*الخطأ:
معظم شخصيات الرواية تقع في الأخطاء ثم تعود لتحاول تصحيحها. اقترن تأثير تولستوي بهذا الفهم لهذه النزعة، ربما لتفكيره بالهدف من حياة الإنسان. وفي رسالة لأحد أصدقائه قال: (على المرء إذا أراد أن يعيش بشرف وكرامة أن يتمزق بقوة، وأن يصارع كل المثبطات، فإذا أخطأ بدأ من جديد، وكلما خسر عاود الكفاح من جديد، موقنا أن الإخلاد الى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط.).4
وهذا ما يكاد ينطبق تماما على الشخصيات الأربع الرئيسة، آنا، فرونسكي، ليفين، وكيتي، من خلال رفض كيتي في البداية زواجها من ليفين، حيال تمسك ليفين لاحقا بموقفه في عدم الإقدام لها، حفاظا على كرامته وعزة نفسه، لكنه عندما يحس بخطئه، يغفر لها ويتزوجها، كما أن سلسلة الصراعات المحتدمة بين آنا وفرونسكي التي كانت توشك في بعض الأحيان الى فراقهما والتخلي عن بعضهما البعض، لولا معالجتها بالعودة الى تصحيح الخطأ الذي قاما بإرتكابه.
لذا قناعة منه في تعلم الناس من أخطائهم، فقد جعل تولستوي هذه النزعة تحتل جزءا لا بأس به من طبيعة شخصياته، ووجد ان أنسب شخصية يمكن لها أن تعبر عن قناعته هذه هي شخصية (بيتسي) التي ردت على الدبلوماسي قائلة: (نخطئ، ثم نصحح الاخطاء.).
كما تتردد مفردة الخطأ أو الغلطة لا فرق على لسان أستيبان، وهو يوجه اللوم لليفين، لعدم قدرته على منافسة فرونسكي، في حبه لكيتي، دون أن يعرف أن ليفين كان قد طلب يدها للزواج، ولكنها رفضته، وهو يقول له: أنها غلطتك، لقد خفت من المنافسة وانسحبت ذليلا..).
والشيء ذاته ينطبق على ألكسي كارنين زوج آنا، وهو يلوم نفسه لخطئه في ربط حياته بآنا، أثر اعترافها له بعلاقتها بفرونسكي، مخاطبا نفسه: (لقد أخطأت خطأ رهيبا بربط حياتي بها وتذكر براءتها وبساطة حياتها.)
على الرغم من أن آنا كانت كلما تعمقت معرفتها بفرونسكي أزداد حبها له؛ كان فرونسكي بالعكس يتضاءل حبه لها، أو كما يقول المؤلف: ( بدأ يمل ويضجر. . وبدا الخطأ له واضحا والذي يقع فيه المرء عندما يتوهم بأن سعادته تكمن في تحقيق رغباته.
*الشك:
إن آراء تولستوي، وتجاربه الشخصية، غالبا ما يتم تجسيدها من قبل ليفين، وهو يقول للكاهن: (خطيئتي الأساس هي الشك بكل شيء.. وأعيش في حالة من الشك. .حتى في وجود الله)، مع أن تولستوي يقر بوجود الله، ولكن خارج الكنيسة، متجاوزا بذلك الوجودية التي يؤمن بها تولستوي.
يعلق المؤلف على عبارة ليفين: (قال ذلك وقد تملكه الخوف والرعب..)، موحيا الى أنه قد يغير رأيه بعدم وجود الله. وهذا ما يتم فعلا.
إذا كان ليفين يشك بوجود الله، فإن والد ووالدة كيتي يشكان بمصداقية إنجذاب فرونسكي لأبنتهما كيتي، الأم لأن كيتي أخبرتها، أن فرونسكي لا يقوم بأي شيء إلا بعد إستشارة والدته، والأب لأنه يعلم أنه شاب مغرور، لا هم له سوى التسلية.
كما أن رمي ألكسي كارنين الرسالة التي أستلمها من آنا، وهو يقول : (هي حيلة من حيلها)، إيماءة واضحة الى الشك في تعاملها بمصداقية معه، بالإضافة الى شك فرونسكي بآل (كارتاسوف) في انصرافهم عن المقصورة التي كانت فيها آنا، شك أنهم في تصرفهم هذا قد أساءوا الى آنا، لجرأتها على الظهور علانية.

المصادر:
1- رواية آنا كارنينا: تأليف ليف تولستوي. ترجمة علي شيري. دار الرافدين. مراجعة وتنقيح صباح الشامي. الطبعة الأولى 2017. الطبعة الثانية 2021. لبنان، بيروت شارع الحمرا.
2- المصدر السابق نفسه.
3- المصدر السابق نفسه.
4- المصدر السابق نفسه.



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداد ٌلٌق بالسٌدة بغداد. . بٌن بنٌات السرد. . وإرهاب الزوم ...
- قراءة تأويلية في رواية (جروح غوتنبرغ الرقيقة) للروائي وليد ه ...
- البهلوان. . . ومنحى الميتا – سردي.
- تحفة الرمّال مفقودة أبن زنبل. . . روايتان في رواية واحدة. .
- مشرحة بغداد.. بين الصورة.. و وثيقة الإدانة. . لبرهان شاوي. .
- مقاربة بين روايتي مدام بوفاري لفلوبير والأحمر والأسود لستندا ...
- رواية الأحمر والأسود بين الحوار الداخلي والرمز
- رواية العطر. . والواقعية السحرية.
- قراءة تأويلية في تفكيك شفرات رواية مذكرات كلب عراقي
- حامل الهوى. . بين المونتاج القافز. . وإلنهايات المفتوحة. .
- الذئاب على الأبواب. . بين عملية التحدي. . و تقنية التواتر. .
- (محنة فينوس). . وثيقة إدانة لعهدين. .
- قراءة تأويلية في تفكيك شفرات (موت الأب) للروائي العراقي احمد ...
- التماثل. . ونقيضه. . في رواية تسارع الخطى. .
- سابع أيام الخلق: بين تقنية المكان، وإستحضار الماضي للحاضر
- قراءة رواية ليل علي بابا الحزين. . من منظورين مختلفين
- خانة الشواذي. . . رواية موقف الشخصيات. .
- بنيات السرد في روايات محسن الرملي
- هل هدمت. . رواية وشم الطائر. . ثنائية الرواية والوثيقة؟
- حدائق الرئيس. . بين التناص والإيحاء. . لمحسن الرملي.


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - آنا كارنينا.. بين نزعة الموت والحب المتطرف ..