أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - مقاربة بين روايتي مدام بوفاري لفلوبير والأحمر والأسود لستندال















المزيد.....

مقاربة بين روايتي مدام بوفاري لفلوبير والأحمر والأسود لستندال


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 6881 - 2021 / 4 / 27 - 00:46
المحور: الادب والفن
    


ولد غوستاف فلوبير عام 1822، وتوفي عام 1880، وهو بذلك عاش ثمان وخمسين عاما. وإذا كان قد نشر روايته (مدام بوفاري) عام 1857، فهذا يعني أنه كان في الخامسة والثلاثين من عمره، عندما كتب هذه الرواية التي هزت العالم، ومقارنة بستندال فهو أصغر منه بتسع وثلاثين عاما، ذلك أن ستندال من مواليد عام 1783، كما أنه كتبها بعد رواية الأحمر والأسود بسبع وعشرين عاما، بإعتبار أن ستندال كتب روايته (الأحمر والأسود) عام 1830وهو في السابعة والأربعين من عمره.
شهد تأريخ 7/ فبراير العام 1857، نهاية المحاكمة ضد مؤلف هذه الرواية غوستاف فلوبير، بالإضافة الى صاحب المجلة التي نشرت فيها الرواية بشكل أجزاء، ومسؤول الطباعة. ونشرت وقائع المحاكمة في نهاية الرواية التي أحتلت ثمان وسبعين صفحة. وما دفع بهذه الرواية أن تنال رواجا منقطع النظير، وأفضل الروايات مبيعا، هو ليس تبرئة الرجال الثلاثة ذوات أصحاب الشأن بها، وإنما أيضا لكونها رواية أخلاقية، لتصديها للعواقب الخطيرة التي تتمخض عن شهوات بطلتها (إيما).
تتكون هذه الرواية من ثمانبة عشر فصلا، والفصل الأخير هو أطول الفصول، إذ يقع في (177) صفحة، وهو نصف حجم الرواية البالغ عدد صفحاتها (342). وتدور أحداثها حول خيانة إيما لزوجها شارل بوفاري، عبر ميلها الى ربط علاقات عاطفية مع الشباب الذين تلتقيهم، لتتطور الى علاقات غير شرعية. وهذه النزعة العاطفية الأقرب الى الرومانسية منها الى الواقعية، كانت قائمة عندها حتى قبل زواجها بشارل بوفاري، بدليل أنها أنجذبت اليه في أول لقائها به. ولكن هذه النزعة تتضح أكثر بعد زواجها، سيما في علاقتها مع الشابين ليون و رودولوف.
هذه النزعة ترجمتها إيما على أرض الواقع في البداية من خلال مرافقة شارل عند إنصرافه، أثر معالجة والدها أثر كسر ساقه حتى بداية السلم الخارجي، ثم تظل واقفة ريثما يحضر جواده، وفضلا عن ذلك كانا يظلان صامتين.
وإذا كانت بهذه الطريقة في المرة الأولى قد أغوت إيما لشارل المتزوج بإمرأة دميمة، فإنها في الثانية أغوته، عبر عرضها عليه أن يتناول معها كأسا من الشراب، وهي تضحك، أو كما يقول السارد: (وتطرح رأسها الى الوراء لترشف ما بها من قطرات. . وشفتاها ممدوتان الى الأمام. . بينما أمتد لسانها من بين أسنانها الدقيقة ليلعق ما في القاع.).

ولكن السبب الحقيقي لرومانسية إيما وشهواتها ونزواتها التي لا تعد ولا تحصى، إنما تعود: ((لنشأتها في رعاية راهبات (الأورسلين). وقد حظيت بتربية راقية، ومن ثم فهي تقرأ الروايات، وعلى دراية بالرقص والرسم ، كما تحذق التطريز والعزف على البيانو. . وتلك كانت الطامة.)). كما أن إكتشاف إيما ضعف شخصية شارل بوفاري أثر إقترانها به، بعد موت زوجته، والسذاجة التي يتميز بها، بعكس شخصيتها القوية، والبون الشاسع بين ثقافتيهما، إذ شاء القدر لأبنة القسيس الطموحة والحالمة، أن ترتبط بشخص تتوافر فيه جميع نقائض خصالها. كل ذلك دفعها أكثر نحو السقوط الى الهاوية، لإستغلالها عوامل ضعفه لتحقيق مآربها.
مثلما كان (جوليان) بطل رواية الأحمر والأسود لستندال، يعيش رحلة البحث عن الذات للإرتقاءإجتماعيا داخل المجتمع الفرنسي، كذلك فإن بطلتنا لهذه الرواية تسعى في الأحلام التي تترآى لها، عبر رفضها لحياة الريف، وتوقها للعيش في المدينة أن تنحو المنحى ذاته. بيد أن لكون أحلام كلا الشخصيتين من الصعب نيلها في المجتمع الفرنسي الصارم الذي عاشا فيه في تلك الحقبة، علاوة على كون هذه الأحلام أكبر من حجم شخصيتهما الحقيقية، فقد أدى بجوليان الى إعدامه، وإيما الى إنتحارها بالسم.
إن شخصية جوليان تشبه الى حد كبير بشخصية إيما من حيث تحليه بنزعة الإغواء والتوق العارم الى الشهوانية. ولكن لأنه ينتمي الى صنف الذكور وليس الإناث، لذلك فإن هذه النزعة لم تظهر عنده، كما ظهرت عند إيما. بالأحرى أن المتلقي لم يلتفت الى هذا الجانب في شخصية جوليان، بقدر ما لفت إنتباهه الى إيما. ذلك لأن المرأة أكثر تعرضا للإساءة عندما تقع في خطإ ما، بينما الخطأ ذاته يمر على الرجال مرور الكرام. لذلك فقد عرفت رواية مدام بوفاري بالخيانة الزوجية، في الوقت الذي فيه لم تعرف رواية الأحمر والأسود بالخيانة، سواء مع الذات أو مع الذين أولوا ثقتهم ببطل الرواية (جوليان). أو كما لو كان الرجل معصوما عن الخطأ وبالذات الخيانة. لذلك فإن رواية الأسود والأحمر هي الأخرى ركزت على خيانة زوجة العمدة وماتيلدا، دون جوليان، للأسباب التي سبقت الإشارة اليها، بالرغم من أن جوليان يعدم، ولكن لا لإتهامه بالخيانة، بل لإرتكابه جريمة قتل فاشلة، وهنا تكمن المفارقة، ذلك لأن الجريمة والخيانة صنوان. إذ أن كليهما عقوبتهما الإدانة.

وللإستدلال على أن جوليان يشبه الى حد كبير بإيما من حيث تحليه بنزعة الإغواء والتوق العارم للشهوانية، هو إن كليهما هما اللذان يبادران الى وضع الخطة الملائمة لإيقاع المقابل في الفخ المنصوب له. ذلك أنه مثل ما أغوت إيما شارل قبل زواجهما، فإن جوليان قبل دخوله الى بيت السيد دي رينال: ( كان يفكر بعمق في هذا الإعلان غير المتوقع الذي سيعمل على تغيير مصيره، غير أنه أحس أنه غير قادر على أن يصبح حريصا، لأن خياله كان منحصرا فيما سوف يشاهده في منزل السيد دي رينال الجميل.).
ولو أعدنا قراءة جملة: (غير أنه أحس غير قادر على أن يصبح حريصا)، بالرغم من التغيير الذي يعمله هذا الإعلان في تقرير مصيره. نفهم أنه سلفا ومع سبق الإصرار، قد قرر بربط علاقة مع زوجة السيد دي رينال، سيما إذا عرفنا أنه كان يشاهدها في الكنيسة. وبغض النظر عن إحساسه هذا، فهو لإلحاده، وإرتدائه لثياب الكهنة كذبا ورياء، وكراهيته للناس جميعا وجنوحه للعزلة، وحلمه بالعظمة والإنتصار على الآخرين، تيمنا بإنتصارات نابليون، تدفعه كل هذه العوامل أن لا يكون قادرا على حرصه للدار الذي أّمّنه صاحبه عليه.
وبقدر التشابه القائم بين إيما وجوليان من حيث إنسياقهما لغرائزهما وشهوانيتهما، بالقدر ذاته تتشابه شخصية شارل بوفاري في رواية مدام بوفاري مع شخصيتي السيد دي رينال ومدير الدير، والد ماتيلدا في رواية الأحمر والأسود، من حيث عدم قدرة الثلاثة على الإحاطة بما يدور حولهم. الأول من خلال السذاجة التي يتحلى بها التي بلغت حد سعادته من تصرفات زوجته إيما، بمسوغ تقدمه في السن، وثقته المفرطة بعقلها الراجح. والثاني حتى وإن لم يكن ساذجا، إلآ أن حبه للمال يجعله كذك، وذلك عبر إيواء جوليان في منزله ليعيش معه ومع أطفاله ومع زوجته الجميلة تحت سقف واحد، والثالث لإعجابه بذكاء جوليان وإجادته للغة اللاتينية، مع أنه عائد من تهمة علاقته بزوجة العمدة، ومدير الدير يلم بكل تفاصيلها.

وإذا أردنا تشخيص مكامن عدم قدرة الشخصيات الثلاث على الإحاطة بما يدور حولها، فإن البوصلة سوف تميل الى جانب شارل بول، بإعتباره أكثر من الأثنين الآخرين غفلة وجهلا بخيانة إيما له، ذلك ليس لأنه بطبيعته ساذجا فحسب، بدليل أن الرواية بدأت بالتركيز على هذا الجانب السلبي فيه، أثناء إرتباكه وهو يدخل الصف مع ناظور المدرسة، بل لأنه هو الذي دفع إيما لأن تنزلق الى هذا المنزلق الخطير أيضا، سواء كان من خلال تشجيعها على الخروج مع ليون لتعلم الفروسية، أو السفر الى المدينة بقصد التدريب على العزف، بينما هي بهذه الحجة كانت تلتقي بعشيقها، فضلا عن إهدارها لماله على عشيقيها بشراء الهدايا الثمينة لهما، وبدون علم زوجها، بالأحرى حتى وإن كان بعلمه، فهو ليس له القدرة على مواجهتها.

أما ما جعل السيد دي رينال أن يصبح غبيا وساذجا هو حبه المفرط للمال، بلغ هذا الحب به درجة عدم التفكير بشيء غير زيادة حجم ثرواته وأملاكه، وإلآ أي غبي هذا الذي لا يشعر أو يرى يد زوجته الممدودة نحو جوليان، وهو يمطرها بالقبلات، وهي لا تبعد عنه سوى بخطوات معدودة؟!
والشيء نفسه ينسحب على مدير الدير. إذ لايفطن الى العلاقة القائمة بين جوليان وأبنته ماتيلدا، إلآ بعد أن تخبره هي بذلك.
وشأن تشابه الشخصيتين في الرواييتين، من حيث إنسياقهما وراء نزواتهما وغرائزهما، كذلك فقد أشتركا كلا الروايتين في توظيف الرسالة الخالية من الإمضاء، بإعتبارها وسيلة للحد من إحتمال وقوع أمر سيء. في الأحمر والأسود في زواج جوليان بماتيلدا، علاوة على الكشف عن العلاقة القائمة بين جوليان وزوجة العمدة. وفي مدام بوفاري الى إطلاع شارل بول على المستحقات التي تقع بذمة زوجته والتي عليها أن تدفعها إضافة الى الديون التي قرضتها من عدة جهات.
تتكرر مفردة الخطاب في الرواية الاولى أكثر من مرة، وتوظف مرتين. بينما في الثانية وإن تتكرر أكثر من مرة، غير أنها توظف مرة واحدة فقط. وفي كلتيهما للغرض نفسه.

في المرة الأولى: (الأحمر والأسود)
-لكشف العلاقة: ((إذا كان هناك خطاب بدون إمضاء فلا تشك يا صديقي العزيز في أنه صادر عن هذا لمخلوق الكريه (وتقصد فالينود)، الذي لاحقني طوال ست سنوات بصوته الضخم . . )).
في المرة الثانية:
-ولكي تتمالك نفسها، أخذت خطابات السيدة دي فيرفاك بين يديها وأخذت تفتحها ببطء، أعترتها حركة عصبية عندما تعرفت الخط. أنه خط المارشالة. .).
-للحد من تصرفات إيما: (مدام بوفاري)
(والواقع أن شخصا كان قد أرسل الى أمه (ويقصد أم رودولف)خطابا طويلا غفلا من الإمضاء يخبرها فيه بأنه قد ضاع مع إمرأة متزوجة. .).
إن السارد في مدام بوفاري، مثله مثل السارد في الأحمر والأسود، له القدرة على التحلي بالصبر التي تكسبه ميزة إنضاج الحدث ورسم أبعاد ومعالم الشخصية على نار هادئة، لخلق عنصري التوتر والتشويق لدى المتلقي من جهة، ومن جهة ثانية لنأي بنية الرواية الى التعرض لخلل ما. هذه الميزة تفتقر اليها الرواية العربية للأسف، لذلك غالبا ما تعاني بنيتها من نضوج الحدث، وشخصياتها من البطولة الحقيقية، الأمر الذي يؤدي الى إفتقارها الى عنصري التوتر والتشويق.
ولكي يبرز مدى شهوانية إيما، سواء للجسد، أو لرغباتها الأخرى، فقد جعل من إغوائها لشارل زوجها في المستقبل، إستهلالا أو تمهيدا لإبراز هذه النزعات، مرورا بالشاب (الفيكونت) التي أنجذبت اليه، جراء مراقصتها: (إذ على الفور أحست بدبيب مخدر يسري في أعصابها. . وكانت قد أوشكت أن تسقط لاهثة الأنفاس، فأسندت رأسها الى صدره. .). كما أنها لإنجذابها اليه، كانت تخرج حافظة سيجارته الخاصة به والتي تم العثور عليها في الطريق أثناء رجوعها مع زوجها الى المنزل: (من ثنايا الثياب التي دستها بينها، وتروح تتأملها وتفتحها . . بل إنها كانت تتنسم رائحة بطانتها التي جمعت بين العطر والتبغ. وإنتهاء إعجابها بالشيخ (دوق فردبير) المسن، لمجرد كما قيل أنه كان عشيقا لماري أنطوانيت، وعاش حياة عربيدية صاخبة: (وأخذت عينا إيما ترتدان بإستمرار وبحركة تلقائية الى هذا الشيخ ذي الشفة المتدلية، لتحدق فيه، وكأنه شخص فذ جليل ! . . كيف لا وقد عاش في البلاط الملكي، ونام في فراش الملكات ! ! ). أو كما لو كانت تتمنى أن يعود الى شبابه لتغويه، وتنام معه في فراش البلاط الملكي. ليأخذ هذا التمهيد المكرس لشهوات ونزوات إيما من الفصل الثاني الى الفصل العاشر، ثمانية فصول، لتبلغ عدد الصفحات التي أحتلها أكثر من سبعين صفحة.

أما في رواية مدام بوفاري، فإن التمهيد الذي يقود جوليان الى فراش زوجة العمدة، يبدأ من الوحدة الرقمية الخامسة الى الوحدة الرقمية الخامسة عشرة، تحديدا من الصفحة الثامنة عشرة الى الثمانية والخمسين، أي بحدود أربعين صفحة، إبتداء من إرتجاف جوليان لدى سماعه صوت زوجة العمدة الرقيق هامسا: ماذا تريد يا بني،، وهو يباغت بنظرتها الحانية وجمالها الأخاذ، ومرورا بإيجادها جميلة جدا، وإنتهاء في القرار الذي أتخذه بتقبيل يدها، وأنه يحبها، ومد يده وتناول يدها التي سحبتها.
أما من جانب زوجة العمدة، فيبدأ هذا التمهيد، من نقطة إطمئنانها لوجوده في ردائه الأسود، وهي تتأمله بدهشة، وإمساكها بذراعه، وملاحظتها بأنه يعجز عن الكلام، عندما ينفرد بها، مرورا بطرحها على نفسها هذا السؤال:(هل أنا محبة لجوليان؟!). وإنتهاء بمد يدها اليه بسهولة وكأن ذلك شيئا مألوفا بينهما. علاوة على حدوث بعض الأمور لكل من الشخصيتين الدالة على إنجذابهما للبعض الآخر. كملاحظة جوليان مثلا، حمرة شديدة تعلو على وجنتي زوجة العمدة، كلما ألتقيا. وملاحظتها هي عجزه عن الكلام، كلما أنفردت به.
وإذا كان الهدف الأساس من التمهيد الأول هو إنتقال الفعل في الحدث الى عقدة الرواية، وهي وقوع إيما في مأزق عدم وفاء عاشقيها، ليون ورودولف لها، ليس في تسديد ديونها فقط، وإنما في إهمالها وإدارة ظهريهما لها أيضا. فإن الهدف الأساس من التمهيد الثاني، هو إنتقال الفعل في الحدث الى عقدة الرواية أيضا، من خلال الكشف عن العلاقة التي تربط بين جوليان وزوجة العمدة، لإبعاد جوليان عن منزل العمدة، والإلتحاق بالدير لغرض إقامة علاقة جديدة مع ماتيلدا أبنة مدير الدير. وهذا ما يحدث في رواية مدام بوفاري أيضا، إذ أثر إنتقال ليون الذي كان يربط بعلاقة مع إيما، الى مدينة أخرى، تربط إيما علاقة جديدة مع شاب آخر يدعى رودولف. لذا فإن الروايتين لا تتشابهان في الشخصية فحسب، وإنما في التحضير لعقدة الحدث، بل والاكثر أنهما يتساويان حتى في عدد عشاقهما، عشاق إيما وعشاق جوليان، إذ لكل منهما أثنان.
وإنجذاب إيما الى ليون، ومن ثم الى رودولف، وبالعكس إنجذاب كليهما الى إيما، يمر بالتمهيد ذاته الذي مر على إنجذابها لزوجها والشاب الذي راقصته والشيخ الذي أعجبت به. ولكن مع فارق في الإنجذابين. لقد كان إنجذابها للثلاثة الأوائل إنجذابا سطحيا وعابرا، بينما إنجذابها لليون ورودولف كان عميقا ومؤثرا، لذلك عانت ماعانت منهما. والأصح أن إنجذابها للثلاثة الأوائل، بالرغم مما رافقه من التمهيدات، فقد جاءت في الأساس بإعتبارها تمهيدات لبلوغ عقدة الرواية المتمثلة في إنجذاب إيما لليون ورودولف، بهدف دخولها في عنق الزجاجة التي لا مفر للخروج منها.
والتشابه الآخر القائم بين هذه الرواية وبين رواية الأحمر والأسود، يتمثل في مشهدين للروايتين. وهما مشهد الخطبة في روايتنا هذه، ومشهد البغض في رواية الأحمر والأسود. أي مشهد مقابل مشهد. في روايتنا هذه في مشهد إلقاء الخطبة من قبل المستشار (لييفان) في القاعة الغاصة بالحضور، وفي رواية الأحمر والأسود في مشهد إمساك جوليان ليد زوجة العمدة.
في مشهد إلقاء الخطبة يعول السارد على تقنيتي التقاطع والتقابل، التقاطع مع الخطيب، وفي الوقت نفسه التقابل مع إيما، وذلك من خلال الكشف عن دجل وزيف الأثنين، الخطيب في دعايته للحكومة، وإيما في نزعتها ونزواتها المشينين، من قبل رودولف، وهو يرد على الخطيب، عبر توجيه كلامه الى إيما.
هكذا مثلا على سبيل المثال لا الحصر، ذلك أن الخطبة طويلة، ومثلها تعليقات رودولف عليها.
-الخطيب: (في كل مكان تزدهر التجارة والفنون، في كل مكان طرق جديدة للمواصلات، كأنها شرايين حديثة في جسد الدولة. وقد أستأنفت مراكزنا الكبرى نشاطها.. والدين الذي أزداد وحدة وتوطدا. . وفرنسا قد عادت تتنفس.).
-رودولف: (الواقع أنهم ربما من وجهة نظر المجتمع على حق . فقالت إيما كيف ذلك؟ . ز فقال: الأمر بسيط. . أو لا تعلمين أن هناك نفوسا مضناة تعيشفي عذاب دائم، وأن لا بد لها من أن تنقلب بالتناوب بين الحلم والعمل. . بين العواطف السامية والنبل، وبين الشهوات المتطرفة العنف!. . ومن ثم تلقي بأنفسها في كافة ألوان الإهواء والحماقات. .).
أقول هذه الخطبة تشبه مشهد مسك جوليان ليد زوجة العمدة في رواية الأحمر والأسود لستندال، ذلك لأن العمدة كان على بعد أربع خطوات من زوجته وجوليان، عندما كان الأخير يمطر يد زوجة العمدة بالقبلات، في الوقت الذي كان فيه السيد دي رينال (العمدة) يواصل التفوه بعبارات السب والشتم إزاء أولئك الفقراء واليعقوبيين الذين يثرون.
وكما أستخدمت آلة السلم لمرتين في الأحمر والأسود، كذلك أستخدمت في مدام بوفاري بالعدد نفسه. في الرواية الأولى للقاء ووداع العشيق، وفي الثاني للقائه فقط. ولكن إستخدامه من قبل جوليان بالصعود والهبوط، يمنح السلم بعدا أكثر عمقا قياسا في إستخدامه من قبل إيما المحصور في جانب واحد الذي يكاد يخلو من الحيوية.
ومثلما تقوم حياكة رواية الأسود والأحمر على تقنية الحوار الداخلي، كذلك تقوم هذه الرواية على النهج نفسه، مع فارق في أن الرواية الأولى تحتوي على هذه التقنية أكثر من الرواية الثانية. وللإستدلال على هذا الحوار سأكتفي بالإشارة الى بعض النماذج التي تطلقها إيما كأسئلة على نفسها.
-لماذا لم يقدر لها أن تتكيء على حافة شرفة منزل خشبي على جبال سويسرا، أو أن تحبس شجونها في كوخ بأستكلندا مع زوج يرتدي حلة من المخمل الأسود. .؟).
-أو لم تجد المصادفات طريقا آخر تدفعها خلاله لتلتقي برجل آخر؟
-ترى لمن كانت تلك الحافظة؟. . أتراها كانت للفيكونت؟
- آه لو أراد شارل. . لو خطر بباله . . لو ألتقت نظراته مرة بخواطرها . . إذن لتفتح قلبها – فيما تحسب عن فيض مفاجيء. .).

21/4/2021
الأربعاء



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الأحمر والأسود بين الحوار الداخلي والرمز
- رواية العطر. . والواقعية السحرية.
- قراءة تأويلية في تفكيك شفرات رواية مذكرات كلب عراقي
- حامل الهوى. . بين المونتاج القافز. . وإلنهايات المفتوحة. .
- الذئاب على الأبواب. . بين عملية التحدي. . و تقنية التواتر. .
- (محنة فينوس). . وثيقة إدانة لعهدين. .
- قراءة تأويلية في تفكيك شفرات (موت الأب) للروائي العراقي احمد ...
- التماثل. . ونقيضه. . في رواية تسارع الخطى. .
- سابع أيام الخلق: بين تقنية المكان، وإستحضار الماضي للحاضر
- قراءة رواية ليل علي بابا الحزين. . من منظورين مختلفين
- خانة الشواذي. . . رواية موقف الشخصيات. .
- بنيات السرد في روايات محسن الرملي
- هل هدمت. . رواية وشم الطائر. . ثنائية الرواية والوثيقة؟
- حدائق الرئيس. . بين التناص والإيحاء. . لمحسن الرملي.
- أرثر ميللر وعقدة اوديب. 3ـ وفاة بائع متجول
- أرثر ميللر وعقدة اوديب. 2ـ كلهم ابنائي
- أرثر ميللر وعقدة اوديب. 1 الثمن
- اوجين اونيل بين.ثلاثي . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 5- ور ...
- اوجين اونيل بين ثلاثي. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية. 4-أن ...
- اوجين اونيل بين. . .الواقعية والرمزية والتعبيرية . 3- الحداد ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - مقاربة بين روايتي مدام بوفاري لفلوبير والأحمر والأسود لستندال