|
الخيانة , العنف و السلطة
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1730 - 2006 / 11 / 10 - 12:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتميز مقاربة النخبة المثقفة بالكثير من فقدان الذاكرة إزاء الماضي القريب.. من الأمس القريب: لجأت أنظمة عربية بالتحالف مع أمريكا إلى استدعاء حالة إسلامية عنفية "جهادية" ضد اليسار في الداخل و الشيوعية في الخارج و رعت و شجعت و مولت هذه الحالة العنفية..في سعيه لإضعاف اليساريين و الناصريين الذين يسيطرون على الجامعات شجع السادات , الذي كان في تحضيره لقلب الرؤية السائدة عن الصراع مع إسرائيل و عن الممارسة السياسية و الاقتصادية السابقة للنظام , و رعى صعود الإسلاميين في الجامعات ليكونوا رأس حربة ضد اليساريين..يومها كان أئمة من منابر أخرى يلعنون و يكفرون العلمانيين و الملاحدة الشيوعيين و النصارى و اليهود و عباد القبور و يدعون عليهم بالدمار يومها رعت هذه الأنظمة حالة مماثلة من "الجهاد" ضد التدخل السوفييتي في أفغانستان و وصل الأمر بريغان آنذاك أن سماهم "المدافعين عن الحرية" في وجه إمبراطورية الشر..الآن مع انفلات العولمة الأمريكية و سعيها لفرض نموذج واحد على العالم على أنه نهاية التاريخ أنه الحق المطلق المنزه عن أخطاء كل المشاريع الإنسانية التي سبقته انقلبت الأمور و أصبحت هذه الحالة العنفية بحاجة إلى كبح سياسي فكري و أمني لتتماشى مع مقتضيات العصر الأمريكي..هذا الاختزال لممارسة العنف و الحق باستخدامه بيد السلطة و الخارج الأمريكي "الديمقراطي" و اعتبار كل ما دون ذلك عنفا "إرهابيا" غير مشروع ينقلب على رعاية النظام العربي الرسمي و الرعاية الأمريكية للعنف المعادي للشيوعية و اليسار في مرحلة الحرب الباردة و يريد إعادة قراءة مشروعية اللجوء للعنف و صياغتها باتجاه تركيزها في أيدي النظام و الجيش الأمريكي بالحصر..يريد هذا التحول أن يستند إلى حسن نوايا أمريكا و رسالتها الحضارية لدمقرطة العالم بالقوة و كونها ضمانة التطور و التقدم البشري و الحرية الإنسانية و هذا يرتبط بفتح الباب على مصراعيه للبيبسي كولا و السيارات الأمريكية و مطاعم الفاست فوود الأمريكية كرموز حاملة لهذا النموذج من الحضارة "المنفتحة الحرة" رموز الهيمنة الاقتصادية الثقافية الأمريكية..من الممتع تأمل هؤلاء الذين كانوا يأخذون على الماركسيين نسبتهم الفعل الثقافي "الراقي" إلى الحالة الاقتصادية المادية كيف يصمتون اليوم عن هذا الإسفاف الاستهلاكي في الثقافة و السياسة و الحياة عموما..إن الخطاب النيو ليبرالي للعولمة يرى في تركيز القوة العسكرية الماحقة بيد أمريكا بما في ذلك السلاح النووي ضمانة لأمن العالم و استقراره و يقر باستخدام الأنظمة المتحالفة مع أمريكا للعنف من واقع أنها مستهدفة كالمركز الأمريكي من الغوغاء الإرهابيين الذين يرفضون رسالة التحضر الأمريكية..كان دور الخطاب الفكري و السياسي في فترة الحرب الباردة تبريري إزاء العنف و القمع تجاه الآخر و تغييب إرادة الشعوب بحجة الدفاع عن الحرية..الآن يقوم الليبراليون الجدد بإعادة إنتاج ذات الخطاب من الممارسة العنفية الأمريكية ضد الشعوب و ضد أعداء اليوم حلفاء الأمس..هذا الاستنساخ لمنطق القهر و القمع يريد أن يقسم هذا القتل و القهر قسمين أمريكي ديمقراطي و معادي إرهابي الذي كان قد وصفه أصحاب الخطاب ذاته بالمدافعين عن الحرية في تلك الأيام..و هكذا يقوم الليبراليون الجدد بإدانة القتل العشوائي الذي يقوم به الإسلام الجهادي في مقابل السكوت عن الإجراءات القمعية في غوانتانامو و أبو غريب و سجون الأنظمة العربية الموالية لأمريكا أو اعتبارها ضرورية ضد خطر الإرهاب الأصولي, هكذا تجري إعادة صياغة موقف تلفيقي زائف من قهر الإنسان و قمعه و استلاب وعيه.. الآن يجري اللجوء لأئمة من طراز آخر يشترطون موافقة ولي الأمر في أية حالة استخدام للعنف حتى الدفاعي ضد العدوان دون أن يلزموا ولي الأمر هذا بأي شيء و كأن الأرض و البلاد هي ملك شخصي لهؤلاء و كأن الشعوب قطعان تساق هذا مع عدم اشتراط أية طريقة لاختيار ولي الأمر فلا يطلب أن يكون منتخبا من الناس أو قابلا للمحاسبة منهم مما يبرر حالة الأمر الواقع: أنظمة القمع و القهر الأنظمة التي استخدمت الإسلام الجهادي بالأمس لخدمة أغراضها..
النخبة المثقفة تسوغ الخروج و التمرد على السائد حتى لو اتهم هؤلاء الخارجين بالخيانة..حسنا من هو الذي وضع قوانين اللعبة السياسية و مفردات الرؤية السياسية للداخل و الخارج و من الذي انقلب عليها؟..إنه بتركيز شديد النظام العربي القهري ذاته..خرج السادات ذات يوم بمبادرة لحل الصراع مع إسرائيل و ذلك بعد أن رأى أن حقيقة الصراع مجرد خلاف على الحدود و ليس أكثر من حاجز نفسي يمكن تدميره و تجاوزه بزيارته الشهيرة إلى تل أبيب..فجأة قرر طرف في النظام العربي الرسمي الذي كان يتحدث عن صراع جوهري مع الوجود الصهيوني المغتصب في فلسطين أن يغير سياسته بهذا الشكل الجذري و على هذه الدرجة من الخطورة دون أي يتمتع بأية شرعية حقيقية وطنية أو ديمقراطية دون أن يتوج ذلك حراكا سياسيا مجتمعيا حرا بل هو تتويج لتحولات طرأت على بنية و ولاءات هذه الأنظمة ..كان السادات وريث نظام عبد الناصر و رغم الرتوش الديمقراطية التي أضافها على نظامه لم يكن يمثل خيارا شعبيا و لم يملك تفويضا ديمقراطيا رغم العطف الذي يتمتع به من الليبراليين الجدد بسبب موقفه من أمريكا و إسرائيل و شرعيته كانت شرعية الأمر الواقع التي أقامه و كرسه باستخدام الإسلام الجهادي ضد اليسار و الناصريين..إن النظام العربي الرسمي هو من يريد أن يمتلك الحق المطلق بالتصرف بالأرض و التاريخ و الجغرافيا و تزييفها و إعادة تركيبها كما يشاء و تشاء أمريكا و يصادر حق المجتمع و كل التيارات في مقاربة قضايا خطيرة في تحديد حاضر و مستقبل البلد و الوطن و المؤسف و المريع أن أناسا يدعون الليبرالية يرون في هكذا قهر و تغييب للمجتمع ضمانة للتقدم و حماية للديمقراطية رافعين قهرنا السابق و القتل العشوائي الذي تمارسه قوى الإسلام الجهادي نتاج سياسات تلك الأنظمة كقميص عثمان..إن الجماعات الإسلامية التي شجعها و حتى ساهم في تأسيسها السادات و تلك الأنظمة قامت بمحاسبة تصرفات النظام بالمنطق الذي استخدمته ضد اليسار و الذي رعته و شجعته تلك الأنظمة يومها المنطق ذاته الذي تريد الأنظمة و أمريكا حصره بها اليوم..إن واجب النخبة المثقفة هو مساءلة و نقد السائد و السعي على فتح الباب أمام التغيير الديمقراطي رغم اتهامات التخوين و التكفير لا أن تكون في ظل و أثر السلطة و هي تقوم بتغيير يافطاتها الفكرية و السياسية لخدمة ذات الغرض و هو إدامة سيطرتها على المجتمع و خدمة تغيير اصطفافاتها الفكرية و السياسية لا سيما إلى جانب المشروع الأمريكي و تكريسا لسائد واحد في حقيقة الأمر هو هيمنتها على المجتمع و حراكه..
هنا يجب أن نحدد ما نعنيه بالديمقراطية كما نراها تمثل الشعوب و تخدم مصالحها و مصالح الأوطان و تخدم قضية التقدم و التحرر و هي بالضبط رفض هذا المنطق من العنف و القهر و القمع و الاستقواء على المجتمع و الشعوب من أي طرف جاء و رفض الانتقائية في حق استخدام العنف ضد الفكر و الرؤية السياسية المعارضة و رفض الوصاية على المجتمع تحت أي إدعاء جاء لأن أية وصاية هي في المحصلة حالة تلفيقية منافقة تستخدم مفردات الديمقراطية خارج معناها خدمة لمصالح ضيقة غريبة هجينة عن أرضنا سواء جاءت من أنظمة القهر أو أمريكا أو جماعات العنف و القتل العشوائي
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يهم مع من تحالفوا فالمضمون واحد
-
الفصام بين خطاب الأمس و ممارسة اليوم
-
التغيير الديمقراطي في سوريا بين المعارضة و الخارج
-
الحجاب من جديد
-
أكثر من مجرد تغيير
-
قصتنا في الشرق - صعود و موت النبي
-
في ذكرى نجيب سرور
-
الشرعية بين الشعب و الخارج
-
احتمالات المواجهة بين سوريا و إسرائيل
-
الليبرالية و الطائفية-افتراقات الفكر و الممارسة
-
تعليق على البيان الموجه إلى القوى و الأحزاب الماركسية العربي
...
-
أطروحة المجتمع الدولي
-
الطائفية , المعارضة و النظام
-
ماذا عن سياسات النظام السوري الاقتصادية؟
-
حول تصريحات البابا الأخيرة
-
منعطف كبير لكن إلى أين؟ عن الخيانة الزوجية
-
مراجعة ضرورية
-
من أجل بناء البديل اليساري في سوريا
-
قراءة مغايرة ل 11 سبتمبر
-
خيارات الشرق الأوسط الجديد
المزيد.....
-
شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ
...
-
وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ
...
-
سحب عشرات الطائرات العسكرية من قاعدة أميركية في قطر
-
صفارات الإنذار تدوي بشكل مستمر في منطقة البحر الميت بسبب هجو
...
-
مستشار وزير الخارجية الإيراني يكشف عن فشل -مؤامرة إسرائيلية
...
-
صحافية أمريكية: استخدام سلاح نووي تكتيكي لضرب موقع فوردو الإ
...
-
-الخلايا النائمة- المرتبطة بـ-حزب الله- والمدعومة من إيران ت
...
-
مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في علاج المشاكل النفسية
...
-
سحب مكملات فيتامين شهيرة من الأسواق الأمريكية بسبب خطر يهدد
...
-
اكتشاف آلية جينية تساعد على استعادة الأطراف المفقودة بالكامل
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|