أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم فنجان الحمامي - امرأة كتبت اسمها في سماء البصرة














المزيد.....

امرأة كتبت اسمها في سماء البصرة


كاظم فنجان الحمامي

الحوار المتمدن-العدد: 7718 - 2023 / 8 / 29 - 12:08
المحور: سيرة ذاتية
    


ولِدت (أم غازي) عام 1916, وكانت رحمها الله امرأة فاضلة صابرة مناضلة. واجهت مصاعب الحياة غير عابئة بتحدياتها المرهقة وتقلباتها المزاجية المفاجئة, تحملت ويلاتها ونكباتها من دون أن تطلب العون من أحد, كانت بمفردها عبارة عن فوج ميداني مستقل. حملت عناوين الكفاح والصمود والإباء. عاشت في البصرة, متنقلة بين الأحياء الفقيرة, فالتصقت صورتها بذاكرتنا حتى يومنا هذا. .
كان زوجها (لعيبي منصور حسين الشميلاوي) من الطبقة العمالية الكادحة, التي تحملت عبء الأعمال المينائية الثقيلة, فاستطاع بفطنته ونباهته أن يصبح عام 1932 رئيسا لمجموعة عمالية مؤلفة من أبناء القرى والأرياف, الذين كانوا يعملون في أرصفة ميناء (المعقل) بأسمالهم القروية البالية. كان عنوان وظيفته المدون في هويته الصادرة عام 1932 هو (تنديل حماميل), والتنديل مفردة هندية تعني رئيس زمرة العمل, أما (حماميل) فهي كلمة عراقية دارجة, تعني (حمالين) جمع حمّال.كان (أبو غازي) مثالا للأب الحنون, والزوج المخلـص، والرجل الشرقي الشريف المتميز بمعاني الرجولة والشهامة، عرفه الناس بمشاعره الوطنية الصادقة. .
عقد العزم عام 1947 على الذهاب إلى فلسطين لمشاركة أشقائه (إبراهيم وكريم) في القتال, لكنه لم يستطع اللحاق بهما بسبب تعرضه للاعتقال والمكوث وراء قضبان السجن عقابا له على تطلعاته الوطنية التحررية, وهكذا تركوا وراءهم ثلاث أسر بنسائها وأطفالها بلا مُعيل ولا مُعين. وجدت (أم غازي) نفسها مُجبرة على إطعامهم وأكسائهم وتلبية متطلباتهم, فقادها تفكيرها الفطري نحو افتتاح كشك صغير في سوق المعقل (مارگيل) من أجل أن توفر لهم لقمة العيش, ومن أجل انتشالهم من مخالب البؤس والفاقة, ثم افتتحت متجراً صغيراً في سوق (خمسين حوش), وتوسعت أنشطتها عام 1963 فافتتحت متجراً كبيراً في سوق (الأُبُلِّة), المتجر الذي مكثت فيه حتى عام 1990, وهو العام الذي قررت فيه الاستراحة بعدما أعياها المرض وأرهقها الإجهاد, وهي التي لم تفكر يوماَ بمغادرة عرينها حتى في أحلك ظروف القصف الجوي العنيف, الذي صب حممه فوق أحياء البصرة عام 1987. .
عملت (أم غازي) على مدار الساعة ابتداء من عام 1947 وحتى وفاتها عام 2009. رحلة شاقة وزعت فيها وقتها وجهدها بين السوق والبيوت المنكوبة, التي كانت ترعاها وتشرف عليها. .
لقد تحولت في ختام رحلتها الكفاحية الطويلة إلى راعية لفقراء الحي, تسهر على راحة أبنائها. توفر المؤن للأسر الهاربة من ظلم الأنظمة الإقطاعية الجائرة. تحتضن الأرامل. تُحسن التعامل مع التلاميذ الأيتام الذين لا قدرة لهم على شراء مستلزمات المدرسة, ولسنا مغالين إذا قلنا أنها سبقت الأم (تيريزا) بعقود, وتفوقت عليها بصلابة عودها وقوتها الجسدية الهائلة, فقد تميزت بصبرها في الملمات, وجلدها في الأزمات الصعبة, ومثابرتها التي لا تعرف اليأس.
كانت تمتلك قدرات استثنائية في البيع والشراء, فهي لا تجيد القراءة والكتابة, لكن ذاكرتها الفولاذية قادرة على تنفيذ العمليات الحسابية المضنية, وقادرة على حفظها وتبويبها وتوثيقها. والعجيب بالأمر أنها كانت تعنون حساباتها, وتصنفها بأسماء كوميدية, تبتكرها لزبائنها على وفق علاماتهم الفارقة, من مثل: الأخرس, أبو شوارب, الأبقع, المنكرش, الحرامي, أبو بايسكل, الـگصير, الأعرج, المضمد, الإطفائي, الفرار (الهارب).
من طرائف مواقفها, في عام 1985 اشترى منها رجل بطيخة كبيرة (رَقِّية), وكان من متطوعي الجيش الشعبي, فخطفت منه بندقيته الأوتوماتكية (كلاشنكوف) واحتفظت بها كرهينة, ثم طالبته بدفع ما بذمته من مبالغ مترتبة عليه منذ عام 1958. وقف الرجل مصدوماً مندهشاً من ذاكرتها التي لا تتعرض للعطب, حتى هو نفسه لم يكن يتذكر الواقعة, لكنها أقنعته بالأدلة القطعية, ولم يسترد بندقيته إلا بشق الأنفس, بعد أن دفع لها المبلغ كاملاً.
فازت (أم غازي) بألقاب الأم المثالية في حياتها وبعد مماتها, وكان لها الدور الأكبر في تربية أبنائها والارتقاء بمستواهم الأكاديمي نحو الأفضل, تخرج أبنها الأكبر غازي (مواليد 1937) في دار المعلمين, وكان من طلائع النخبة الثقافية المنتخبة, وشاءت الأقدار أن تشهد وفاته عام 2007, فدخلت مجلس العزاء محنية الظهر, شاردة الذهن, تصيح: ولدي. أُريد ولدي. أين ولدي ؟.
لم تكن بهذا الحزن عندما فقدت ولدها الفنان التشكيلي أسعد (مواليد 1955), الذي اغتالته غربان الشر في بيروت عام 1982, ولم تكن بهذا الجزع عندما فقدت ابنها الأصغر مؤيد (مواليد 1957), الذي سقط مضرجا بدمه في معارك شرق البصرة, ولم تكن بهذا الضعف عندما علمت بوقوع أبنها رعد (مواليد 1956) أسيراً عام (1982), ثلاثة من أعز أولادها اختفوا في عام واحد.
لقد عادت بها الذاكرة في شيخوختها إلى اليوم الذي فقدت فيه ابنتها البكر صالحة (مواليد 1939), فاختارت الاعتكاف في بيت أبنتها الصغرى خنساء (مواليد 1960), منشغلة بتربية أحفادها, وعينها على ابنتها الكبرى حمدية (مواليد 1943) تلك المرأة الحديدية, التي ورثت عن أمها وأبيها الصفات الحميدة بخصالها المحمودة, عندما تولت العناية بشؤون أشقائها الأصغر منها في غياب أمها. ثمانية رجال خرجوا من هذا البيت ليحملوا صلابة هذه المرأة وصبرها على الشدائد, أولهم غازي, وآخرهم مؤيد, وأوسطهم حميد وصلاح وصباح ومهدي وأسعد ورعد.
رحلت أم غازي, لكنها لم تغادر ذاكرتنا المعقلية المزدانة بأجمل المشاهد, ولن يتلاشى ذكرها من دفاترنا المؤطرة بأروع المواقف النضالية الصادقة. .



#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خذلونا فكان لهم الفضل علينا
- الفوضى: ديمقراطية بلا أنياب
- مراجعة لمفردات السطو والسرقة
- فرضيات مربكة عن التاريخ والزمن
- كتاب: الإنسان وخصاله الملونة
- كتاب: الإنسان وخصاله الملونة
- إِنَّهُۥ لَيس مِن أَهلك
- السيرة الذاتية لخنزير بشري
- نشّال عرفه الناس بأخلاقه
- غرام جامعي مع البنتاغون
- رسالة من أقرب صناديق البريد
- كيف تحمي نفسك هناك ؟
- معارك وشيكة فوق أرضنا
- أفقر البلدان الخليجية !؟!
- تحركات امريكية خارج مناطق الوعي
- قراءة في ملف المستهدف الدائم
- البعد الكوني الحادي عشر
- محاولات مكشوفة لضرب السياحة في تركيا
- لماذا الفرقة الجبلية العاشرة ؟
- شركات أوسع نفوذاً من بلدان


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم فنجان الحمامي - امرأة كتبت اسمها في سماء البصرة