أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - دور السياسة في التنمية















المزيد.....

دور السياسة في التنمية


واثق غازي عبدالنبي

الحوار المتمدن-العدد: 7715 - 2023 / 8 / 26 - 05:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تمهيد

إن الحكومات هي المسؤولة عن توفير كل الظروف والإمكانيات التي تتيح لأفراد الشعب أن يساهموا في تحقيق التنمية وينتفعوا منها. وبما أن الحكومات تديرها أحزاب سياسية أو على أقل تقدير سياسيون، فقد كان لزاماً أن نعرف ما هي السياسة؟ ومن هو السياسي الناجع؟ وما هي عيوب السياسة التي تقضي على عملية التنمية في أي بلد؟

ما هي السياسة؟

السياسة هي الاهتمام بالشأن العام لغرض تحقيق منفعة ومصلحة وخير الجميع. والسياسة ليست حكراً على اعضاء الحكومة أو الأحزاب، بل أن كل مواطن مهتم بالشأن العام وحريص على مصلحة وتنمية بلده هو سياسي. مونتسكيو (1689 – 1755) يرى أن السياسة خاصة بكل المواطنين وليس بالعاملين في الشأن الحكومي. فالمواطنة هي عمل سياسي. وعليه يكون المواطن الصالح، سياسي صالح. وحب الوطن عمل سياسي يمتاز بالفضيلة. هذا المفهوم العام للسياسة هو الذي ينبغي له أن يكون سائداً في مؤسساتنا كافة. إن السمعة السيئة التي تحظى بها السياسة اليوم، بكونها مستنقع للمكائد والمكر والخديعة والفساد، جاءت نتيجة لغياب مفهوم السياسة الذي ذكرناه أعلاه. فالهدف من السياسة هو تحقيق التنمية الشاملة. وهذا هو أسمى غايات أي سياسي ناجح.
يقول الدكتور علي مصطفى مشرفة (1898 – 1950) في كتابه (العلم والحياة) وفي المقالة الأولى منه: (إن السياسة في الواقع... هي أرفع الفنون البشرية منزلة، وأعلاها قدرًا … والسبب في ذلك واضح وبسيط؛ فكل فنٍّ من الفنون إنما يرمي إلى تحقيق فائدة لنفر من الناس، أو جماعة من الجماعات، أمّا فنّ السياسة فغرضه نفع الناس). ويقول أيضًا: (وكما أن الإنسان لا يكون إنسانًا إلا إذا سما فكره، واتسع إدراكه، وتفتق ذهنه، فكذلك حياته الاجتماعية، ونُظمه السياسية يجب أن تُبنى على مُثُل عُليا من العدالة الاجتماعية، ورغبة في خير البشرية … فلا يعيش الناس كالأنعام؛ يفترس قويها ضعيفها، ويجور كبيرُها على صغيرها … فينتشر الظلال، وتعم الجهالة).
أما سلامة موسى (1887 – 1958) فقد كَتبَ في احدى مقالات كتابه (مشاعل الطريق للشباب)، والتي تحمل عنوان (الحكومة الخيرية)، قائلًا: (لا يزال هناك من الشرقيين المتوحشين من يعتقد أن السياسي العظيم هو الداهية العظيم أما الغربيون المتمدنون فقد انتهوا إلى أن الحكومة المثلى هي الحكومة الخيرية، ... والسياسي العظيم هو رجل الخير والبر الذي يفكر ويضع الترسيمات لإيجاد المسكن الحسن والطعام الوفير والتعليم والصحة لجميع أفراد الشعب... السياسة ليست دهاءً ومكرًا، وإنما هي مروءة وشهامة وخير وبر).

السياسة العاجزة عن تحقيق التنمية

فضلًا عن غياب المفهوم اعلاه عن السياسية من عقلية السياسيين، واعتقادهم أن السياسة هي فن الدهاء والمكر والخديعة، فأن هناك أسباب أخرى عديدة تجعل من السياسة عائقاً في وجه التنمية، منها: شيوع العقلية الاقطاعية لدى السياسيين، والترويج للعقيدة على حساب التنمية، وغياب التفكير العلمي لدى السياسي. هذه الصفات إذا توفرت في السياسي أصبح عاجزًا عن تحقيق ابسط مقومات التنمية لبلده، بل حتى ابسط الإصلاحات.

1. شيوع العقلية الاقطاعية
السياسي الذي يكون هدفه تحقيق المكاسب الشخصية وليس المصلحة العامة، هو سياسي اقطاعي. كتب سلامة موسى في كتابة (ما هي النهضة) متحدثًا عن العقلية السياسية السائدة في زمن الحكومات الملكية في مصر، أي قبل عام 1952، وكيف أن السياسي يتصرف بعقلية الإقطاعي وليس بعقلية الديمقراطي. قائلًا: (إن ساستنا أنفسهم كانوا إقطاعيين في إحساسهم، وإن لم يكونوا كذلك في مجتمعهم، فكان سلوكهم سلوك الإقطاعيين من النبلاء والأمراء، وكانوا جميعًا يتطلعون إلى: شراء عزبة، اقتناء سيارة، قصر في الزمالك، قصر في الإسكندرية، إدارة الشركات، فصوص من اللؤلؤ والماس.. الخ. أفكار إقطاعية بعيدة كل البعد عن روح العصر، وهي أبعد عن روح الديمقراطية. إن في أوروبا الديمقراطية وزراء يقصدون إلى وزاراتهم على الأوتوبيس، وقد رأيت أنا بنفسي، بعيني "كليمنصو" وهو رئيس وزارة، ينتظر الأوتوبيس ويركبه. إحساس ديمقراطي لا يمكن أن نتصوره عند وزرائنا السابقين أصحاب الضِّياع، بل كذلك نجد الفرق العظيم بيننا وبين أوروبا حين نقارن بين أصغر المهن وأعلاها، ففي أقطار أوروبا على اختلافها لا يزيد مرتب الوزير على خمسة أو ستة أمثال مرتب الكناس. الكناس والوزير هما محك الديمقراطية. فإذا تقاربا في الأجر كانت الديمقراطية. وإذا تباعدا في الأجر كان النظام الإقطاعي في الروح، وإن لم يكن في الواقع والقانون).
عندما قرأت هذه الكلمات قفز إلى ذهني السياسي العراقي، سواء كان عضو برلمان، أو وزير، أو مدير عام أو غيره من المسئولين في الدولة العراقية. أليس هذا هو حديث عن عنجهية وتعالي المسئولين في الدولة العراقية؟ أليس هذا حديث عن الفرق الهائل بين رواتب البرلمانيين ورواتب البسطاء من أبناء الشعب العراقي؟ أليس هذا هو الفرق بين السياسي (الإقطاعي) في العراق والسياسي (الديمقراطي) في أوربا؟ أظن أننا نعيش في زمن الاقطاع السياسي بعد أن زال الاقطاع الزراعي. وبالمناسبة، فأن ما يُقال عن السياسي العراقي يمكن أن يُقال بدرجة كبيرة من الثقة عن السياسيين في بقية البلدان العربية والإسلامية.

2. الترويج للأيديولوجيات
ربما من المعلوم لدى الكثير من القراء أن اغلب احزابنا السياسية هي أحزاب ايديولوجية. والمقصود بالأيديولوجية هنا هي أي فكرة يؤمن بها اعضاء حزب ما ويريدون فرضها على أبناء الشعب عبر الوصول إلى السلطة ومراكز القرار في الدولة. الحزب الديني يريد أن يفرض عقيدته الدينية، والحزب القومي يريد أن يفرض قوميته، والحزب الاشتراكي يريد أن يفرض اشتراكيته.. وهكذا.
ليس الهدف من العمل السياسي هو الترويج إلى أي عقيدة أو ايديولوجيا. ومن يحاول ان يستخدم السياسة للترويج إلى عقائده الدينية والفلسفية والاجتماعية، يقضي على كل من السياسة والعقيدة. احزاب كثيرة في العالمين العربي والغربي حاولت وتحاول ان تروج لعقائد دينية وفلسفية واجتماعية عبر الوصول الى السلطة وممارسة العمل السياسي. وفي نظرها أن العمل السياسي هو أن تقوم الاحزاب بوضع قوانين وتشريعات تلزم الناس باتباع العقائد التي يتبناها الحزب. هذا النوع من الاحزاب العقائدية هو السبب في تخلف العمل السياسي في العالمين العربي والإسلامي. السياسيون الذين يهدفون إلى ترويج ايديولوجياتهم الدينية أو الفلسفية أو الاجتماعية عليهم أن يتركوا السياسة ويصبحوا منظرين ودعاة.
الهدف من العمل الحزبي هو الوصول إلى السلطة لغرض تحقيق التنمية الشاملة، وليس فرض الأيديولوجيات على الشعب. فرض الأيديولوجيات يعيق التنمية فهو يشغل الشعب في خلافات وصراعات حول طبيعة الأيديولوجية التي يحملها الحزب والتي بالتأكيد سوف لن يتفق عليها أفراد الشعب كافة، والتي لابد أن يكون لها مؤيدون ومعارضون، وهكذا ينشأ الصراع الذي يعيق التنمية.

3. غياب العقلية العلمية
إن العشوائية والتخبط في القرارات هي خير مؤشر ودليل على غياب العقلية العلمية لدى السياسيين. فالسياسي لا يكاد يطيق سماع كلمة من المختصين والعلماء في بلده. فهو بحكم عقليته الإقطاعية والأيديولوجية يفضل الولاء والطاعة على العقل والكفاءة.
من ينتمي إلى الأحزاب يجب أن يعلن الولاء والطاعة ويضع خلف ضهره العقل والكفاءة. فعندما يصل الحزب الديني إلى السلطة، فأنه يختار من بين اعضاء حزبه أكثرهم ولاءً وطاعة وليس أكثرهم كفاءة. ومن يمتاز بالولاء والطاعة يكون عادة أقل كفاءة؛ لأنه بسبب قلة ذكاءه يلجأ إلى أكثر الوسائل راحة، وهي الاعتماد على غيره ليفكروا له وبالتالي يوالي ويطيع دون أن يفكر وينتقد.
يرى الدكتور علي مشرفة، باعتباره عالمًا في الرياضيات، إن صلاح البلاد يأتي من تعاون السياسيين مع العلماء؛ لذلك تراه يقول: (فخلاص الأمم اليوم، ونجاة البشرية رهينان بهذا الاجتماع بين القوة السياسية، وبين قوة العلم وحُكمه، وليس معنى هذا أن يكون العلماء حكامًا أو الحكام فلاسفة كما تصور سقراط، بل إن اجتماع العلم والسياسة يتخذ شكلًا آخر هو التعاون والتآزر بينهما، ...). ويضيف قائلًا: (أليس من واجب السياسة وهي التي تسعى لخير البشر وإسعادهم أن تتعاون مع العلم على تسخير القوى لخدمة الإنسانية ورفاهيتها؟ وهل ترى أن هذا التعاون بين العلم والسياسة يرفع من شأن السياسة، وينفي عن الأذهان تلك المعاني الغريبة المُريبة المؤسفة حقٍّا، المحزنة حقٍّا، فلا يستعاذ بالله من السياسة، ولا يُشك في أمرها، بل تصير كما أراد لها أرسطو طاليس، وكما أراد لها سقراط، أرفع الفنون البشرية، وأعلاها قدرًا؛ يقصد بها أعظم النفع، وأعلى مراتب الخير؟).
إن التنمية عمل علمي بحت يحتاج القائمون بها إلى جميع أصناف العلوم والمعارف سواء كانت علومًا طبيعية أو إنسانية. بدون العقلية العلمية لا يمكن أن نحقق أبسط مقومات التنمية، فكيف بنا مع عقليات تؤمن بالخرافات والتعاويذ؟!!
من خلال الأسباب الثلاثة المذكورة اعلاه، نرى أن العمل السياسي عندنا هو عمل غير تنموي على الأطلاق، لأن سماته هي: الاقطاعية، والعقائدية، واللاعلمية.

الخلاصة

السياسة لا تعني المكر والخديعة واللؤم والمناورة والكذب كما يحاول الكثيرون وصفها. السياسة هي فن العمل على تحقيق النفع العام والمصلحة العامة والخير الذي يطال الجميع. والسياسي هو كل شخص يعمل على تحقيق هذا الهدف حتى ولو لم يكن منتميًا لحزب أو صاحب منصب في السلطة. وبهذا يكون الهدف من العمل السياسي هو تحقيق التنمية الشاملة، لكن ما يعيق تحقيق هذا الهدف هو أن أغلب السياسيون عندنا هم اقطاعيون وأيديولوجيون ولا علميون. هذه الصفات الثلاثة هي كارثة الكوارث في العمل السياسي. ومهمة الشعوب التي تريد أن يكون لها دور في التنمية، وبالتالي الحصول على حياة حرة كريمة، هي أن يتخلصوا من السياسيين الذين يتصفون بهذه الصفات البغيضة.



#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الدين في التنمية
- التنمية الشاملة.. حق من حقوق الإنسان
- الكاتبة الإمريكية (هيلين كيلر) وتهمة الإنتحال
- الاطفال ليس لهم دين .. وسائل انتشار فايروس الدين عبر الأجيال
- أبناء مدينتي .. كيف يعملون؟ وكيف يحبون؟ وكيف يموتون؟
- ثلاث كُتب للشباب
- كُتب الدين الفايروسية
- مهزلة الفتاوى الجنسية
- الصراع بين الدين والعلم في أمريكا
- قصة المفهوم المعاصر لكلمة (حجاب)
- الحياة هي الوجدان
- الحاضر مفتاح الماضي
- المحتكرون
- الله لا يحب العبيد
- كُلنا نتبرك بروث البقر
- ديني أم دين آبائي؟
- احذروا من تدين الأبناء
- المبدعون مصيرهم جهنم
- عقدة الزواج الطائفي
- مأساة الثقة العمياء


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات وهدفا حيويا ...
- “ثبتها فورًا للعيال” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد لمتابعة ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - دور السياسة في التنمية