أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - دور الدين في التنمية















المزيد.....

دور الدين في التنمية


واثق غازي عبدالنبي

الحوار المتمدن-العدد: 7715 - 2023 / 8 / 26 - 04:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تمهيد

الدين هو أحد العقائد التي يؤمن بها الإنسان وأشدها تأثيراً في حياة الفرد والمجتمع. وجزء من التأثيرات العديدة للدين كعقيدة هو تأثيره على مسيرة التنمية الشاملة. هذا التأثير قد يكون إيجابياً أو سلبياً وفقاً لوجهتي نظر مختلفتين سوف نستعرضهما في هذه المقالة، ولكن بعد أن نعرف معنى الدين ومعنى التنمية أولاً.

ما هو الدين؟

هناك تعريفات عديدة للدين، ولكن ما نعتقد أنه الأكثر ملائمة ووضوحاً هو تعريف الدين بأنه مجموعة الإجابات التي يصدقها الإنسان لأسئلة الوجود الثلاث وهي: من أوجدني؟ لماذا أنا موجود؟ وماذا بعد وجودي؟ كل الإجابات عن هذه الأسئلة والتي توضع في منظومة واحدة تسمى بالدين. منظومة الإجابات التي يؤمن اصحابها بأنها من عند السماء، تدعى بالديانات السماوية، ومنظومة الإجابات التي لا يدعي أصحابها بأنها من عند السماء تسمى بالديانات غير السماوية.
يمكن أن يشمل هذا التعريف النظريات الفلسفية التي حاولت أن تجد إجابات لهذه الأسئلة، مثل الفلسفة الجودية أو الماركسية، وبذلك يمكن أن يُطلق على كل منهما ديناً. لأجل هذا كان من الضروري وضع صفة أخرى لكي نميز مجموعة الديانات التقليدية (السماوية وغير السماوية) عن مجموعة الفلسفات. هذه الصفة هي (المقدس)، إذ أن ما يميز الديانات التقليدية هو المقدس، حتى قيل إن الدين هو عبارة عن مجموعة من المقدسات. فما يميز الديانات التقليدية عن الفلسفات هي أن أتباع هذه الديانات يؤمنون بمجموعة من المقدسات لا يؤمن بها أتباع الفلسفات. ويمكن تلخيص هذه المقدسات بخمسة مقدسات هي: النصوص، والشخصيات، والأوقات، والأماكن، والطقوس. أي إجابات عن الأسئلة الثلاث الجوهرية لا تسمى ديناً إذا لم تجتمع معها هذه المقدسات الخمسة؛ لذلك فأن الوجودية والماركسية مثلاً ليستا ديناً بالمعنى التقليدي.

ما هي التنمية؟

التعريف المبسط والدقيق للتنمية في نظرنا هو: (التنمية هي درجة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي يهدف إلى الحفاظ على الإنسان جسديًا ونفسيًا).
من هذا التعريف يتضح أن الإنسان هو وسيلة وهدف التنمية. فالإنسان هو الذي يعمل على تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي لأجل أن يحافظ على نفسه جسدياً ونفسياً. وهذا يعني أن أي تغيير لا يحافظ على الإنسان هو ليس من التنمية في شيء حتى لو بدا أنه إنجازاً عظيمًا في نظر البعض. باختصار وتبسيط شديدين فأن الأعمال التي تحافظ على الإنسان جسديًا ونفسيًا هي جزء من التنمية والأعمال التي تضر بالإنسان جسديًا ونفسيًا هي ليست من التنمية في شيء. فالإنسان هو غاية التنمية وهدفها وهو أيضًا وسيلتها.

الدين والتنمية

الدين باعتباره اجابة عن أسئلة الوجود الثلاث والمقدسات الخمسة التي ترافقه له تأثير كبير في واقع الحياة على المستويين الفردي والجماعي. فالدين له ثلاث صفات تجعل منه متحكماً بحياة الناس. هذه الصفات هي: أولاً، الدين يمثل نظاماً معرفياً يستمد منه الناس تفسيراتهم للظواهر الطبيعية والاجتماعية التي تحيط بالإنسان. وثانياً، الدين يمثل المحدد والمحرك لسلوك الناس وتصرفاتهم ويوفر لهم التبريرات التي تسند هذه السلوكيات والتصرفات. وثالثاً، الدين يمثل مؤسسة شديدة التأثير والنفوذ في صياغة حياة الناس الخاصة والعامة خصوصاً مع وجود منظومة المقدسات الخمسة.
هذه الصفات الثلاثة للدين تجعل منه أحد العناصر المؤثرة في عملية التنمية الشاملة في أي مجتمع؛ لأنه يتعامل مع الإنسان فيصوغ أفكاره، ويحدد سلوكياته، ويلزمه باتباع مؤسسة دينية معينة. والتنمية أيضاً هدفها الإنسان. وبذلك، فأن الدين والتنمية قد يلتقيان في نقاط معينة متعلقة بالإنسان وقد يختلفان في نقاط أخرى كثيرة يكون أيضاً الإنسان محورها، فالتوافق التام بين الدين والتنمية مستحيل.
في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة ازدادت البحوث التي تدرس علاقة الدين بالتنمية خصوصاً بعد زيادة ما يُعرف بالمد الديني أو الأصولية الدينية ليس في العالم العربي أو الإسلامي فحسب، بل في دول العالم الغربي أيضاً. هذه الأصوليات الدينية تعتقد جازمة بأن سبب تأخر التنمية هو الفراغ الروحي الذي يعيشه الناس واندفاعهم وراء الماديات، وأن السبيل الوحيد لرفاه الإنسان هو العودة إلى الله (الدين) والتمسك بالروحانيات من عبادة ودعاء.
يرى المدافعون عن الدين، أن الدين يساهم في تحقيق التنمية، بل هو ضرورة من ضرورات التنمية، وذلك لسببين: الأول، هو أن الدين يحث الناس على السلوك القويم والصدق والمثابرة والجد والإخلاص والأمانة وهي الصفات التي يحتاجها الإنسان ليكون عنصراً فاعلاً ومنتجاً في المجتمع، كما أن الدين يوصي ويحث على العمل الذي هو عماد الإنتاج ومحور التنمية. والثاني، يتمثل بدعم السماء ومباركتها لمن يتبعون شريعته ويلتزمون بأوامره ويبتعدون عن نواهيه، وبالتالي تحل عليهم (البركة)، فالله يبارك للفرد والمجتمع في عمله ويزد له فيه كمكافئة على إيمانه.
مقابل من يرى أن الدين يدعم التنمية، نجد فريق آخر يرى أن الدين، عبر من يمثله من رجال دين ومتدينين، يحارب التنمية. فهم يرون أن أول صورة من صور محاربة رجال الدين والمتدينين للتنمية تكون عبر معارضتهم لكل من يأتي بجديد خصوصاً على مستوى الفكر. إن الجديد بالنسبة لهم بدعة، والبدعة ضلال. بسبب ذلك تم تكفير واغتيال العديد من المفكرين والأدباء والفلاسفة والعلماء، والذين يشكلون عناصر التنمية الأساسية. المفكرون والعلماء واصحاب الرأي هم الوقود الذي تعمل به محركات التنمية. ورجال الدين والمتدينون لا يريدون لهذا الوقود أن يوجد فيقومون بإحراقه بفتاواهم المتطرفة.
يضاف إلى ذلك أن المجتمعات الدينية هي مجتمعات طاردة للعقول التي تحتاجها عملية التنمية، وبذلك تخلوا البلدان التي تسود فيها الهيمنة الدينية ممن هم قادرون على تسيير عجلة التنمية. المثال البارز على ذلك العراق. البلد الذي هيمنت عليه قوى التخلف الديني المقيتة وقادت إلى هجرة اصحاب العقول الذكية. حدث هذا قبل عام 2003 بعقود وتفاقم بعد هذا التاريخ. من لم يهاجر من أصحاب العقول الذكية أما قُتل أو مات كمداً أو أجبر على الصمت. فخلت الساحة لأعداء التنمية أو العاجزين عن تحقيقها.
هذان رأيان بخصوص دور الدين في التنمية، أحداهما يرى أن الدين داعم للتنمية بل أنه بدون الدين لا تحدث تنمية، وآخر يرى أن الدين يعمل ضد التنمية، ولا يمكن لتنمية أن تتحقق مع وجود الدين. وهنا يجب التأكيد على أن كلا الطرفين يتحدثون عن (الدين الذي يحكم) أو (الدين السياسي) وليس الدين الفردي أو الشخصي الذي هو العلاقة بين الإنسان وإلهه.

الخلاصة

الدين هو مجموعة الإجابات لأسئلة الوجود الصعبة والتي تشمل من أوجدني؟ ولماذا أنا موجود؟ وماذا بعد وجودي؟ يضاف لها خمسة مقدسات هي النصوص، والشخصيات، والأوقات، والأماكن، والطقوس. الدين يتعامل مع الإنسان فيصوغ أفكاره، ويحدد سلوكياته، ويلزمه باتباع مؤسسة دينية معينة. الدين يتعامل مع الإنسان، والتنمية هدفها الإنسان، وبسبب ذلك هناك مشتركات بينهما. لذلك، هناك نوع من الاتفاق حول موضوع تأثير الدين في التنمية، لكن الخلاف حول طبيعة هذا التأثير، هل هو ايجابي أم سلبي. الذين يعتقدون بالدور الايجابي للدين ينطلقون من فكرة أن الدين يدعم القيم التي تحتاجها التنمية بالإضافة إلى الدعم الالهي للمؤمنين به في كافة أعمالهم ومنها التنمية. اما الذين يعتقدون بالدور السلبي للدين فينطلقون من كون الدين يرفض التقدم ويحارب التجديد وبالتالي هو لا ينسجم مع قيم التنمية التي تطلب الجديد من أجل تحقيق درجة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي يهدف إلى الحفاظ على الإنسان جسديًا ونفسيًا.



#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنمية الشاملة.. حق من حقوق الإنسان
- الكاتبة الإمريكية (هيلين كيلر) وتهمة الإنتحال
- الاطفال ليس لهم دين .. وسائل انتشار فايروس الدين عبر الأجيال
- أبناء مدينتي .. كيف يعملون؟ وكيف يحبون؟ وكيف يموتون؟
- ثلاث كُتب للشباب
- كُتب الدين الفايروسية
- مهزلة الفتاوى الجنسية
- الصراع بين الدين والعلم في أمريكا
- قصة المفهوم المعاصر لكلمة (حجاب)
- الحياة هي الوجدان
- الحاضر مفتاح الماضي
- المحتكرون
- الله لا يحب العبيد
- كُلنا نتبرك بروث البقر
- ديني أم دين آبائي؟
- احذروا من تدين الأبناء
- المبدعون مصيرهم جهنم
- عقدة الزواج الطائفي
- مأساة الثقة العمياء
- جرائم جيش الله المسيحي


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - واثق غازي عبدالنبي - دور الدين في التنمية