دولتين ام دولة ديمقراطية علمانية واحدة

عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:51
المحور: ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 
    

ليست دولةً بكل معنى الكلمة ، فهي ليست على أرضها التاريخية قائمةً ، وقد تشكلت في سياق عالمي إمبريالي محدد ، قُصد بوجودها ، عامل تفرقة وحروب لا تنتهي ، وحربة أمامية لمشاريع هيمنة إمبريالية ، وكان من الممكن أن تكون على أرض أخرى ولذات الغايات . فإسرائيل ليست دولة اليهود ، وكذلك الدول العربية ليست دول الشعوب العربية ، والسلطة الفلسطينية أيضاً ، التي أتت بعد السابقات ، ليست دولة الفلسطينيين ، فهي ليست على كامل أرضها التاريخية ، وحتى أرض اتفاقيات أوسلو لم تتشكل عليها ، هذا ، وإن الحروب التي اندلعت بين العرب والصهاينة هي حتماً ليست حروباً دينيةً مطلقاً ، وهي في صيرورتها حروب سياسية ، خسر بها العرب نتيجة موازين دولية مختلة ، وتحكم أنظمة فاسدة برجوازية بهم ؛ فهي في العمق ، حروب تحررية تخوضها الشعوب العربية ضد الاستعمار الاستيطاني والإمبرياليات العالمية ، التي تؤازرها أنظمة استغلالية تابعة...
هذا الاستعمار الغربي ، كان قد احتل كل الدول العربية ، وجاءت إسرائيل في سياقه ، وبالتالي لا يمكن التعامل مع إسرائيل على أساس منظومة التسويات أو العقلانية الواقعية الرثة كالتي أظهرها النظام العربي - الزائد عن الحاجة - إزاء الحرب الأمريكية على لبنان ، أو كما هو موقف الليبراليين العرب الجدد المخزي بتأييدهم حرب أمريكيا ضد العراق أو لبنان .
وللاعتبارات السابقة ، وغيرها ، لا يمكن أن تستقيم المنطقة العربية ، إن لم تنتهي الدولة الإسرائيلية ، خاصةً وأن مشاريع التسوية انطلاقاً من مصر والأردن وفلسطين ، أضحت للجميع ، أنها مشاريع فاشلة ولا تستهدف مشروع شرق أوسط لكل قومياته ، وإنما هي مشاريع تفتيت للشعوب الأصلية ، وتوحيد للأقليات الدينية والعرقية ضمن سيطرة إمبريالية إسرائيلية ، وبالتالي فشلت التسويات ولم يستطع الشرق الأوسط الجديد أن يُكمّل لبس حلته ، فاكتفى بارتداء غطاء الرأس ولا سيما في لبنان والعراق ، ولكن ، وأيضاً لم يُقام شرقنا الجديد الديمقراطي والوطني بكل قومياته ، ولا زال الاحتلال الأمريكي وحلفائه وإسرائيل تحاول سحقه...
أي أن الدولة الإسرائيلية هي دولة استيطانية استعمارية وقد أصبحت بعد حرب لبنان جيش إمبريالي أمريكي جاهز للحرب وخسارتها للحرب لا تغير من طبيعتها ، أومن توجهات نظامها السياسي. وكما إسرائيل ، كذلك الأنظمة العربية أصبحت استطالات إمبريالية ليس بالمعنى البنيوي ، بل وبالمعنى السياسي المباشر ، وبالتالي نجاح الأنظمة العربية منذ عقود في السيطرة على الشعوب العربية ، والسماح لإسرائيل بالتشكل وعدم إجبارها على تنفيذ القرارات الدولة التي تخص اللاجئين وحق العودة وغيرها ، لم يعد من الممكن إنكاره ، وبالتالي اكتملت دائرة الاستعمار للمنطقة العربية ، وسقطت كل الشعارات أو البرامج الناقصة وتبين المعنى الحقيقي لخيارات البرجوازية الليبرالية أو التقدمية سواء في السياسة أو الاقتصاد أو المعارك والحروب...
هذه الدولة التابعة شجعت أسوأ ما في التفكير الديني من مقولات وحولته لإيديولوجية سلطوية بامتياز . وقد تمظهرت نتائج التحول ، قوى سياسية طائفية ومتطرفة ، تعمق التفكك والتجزؤ وتخدم مصالح التفتيت ، وتساعد في انبلاج شرق أوسط دموي...
ساعد في ظهورها الشراكة التاريخية الأمريكية السعودية بخصوصها في كامل المنطقة العربية وفي العالم ضد المشاريع القومية والماركسية ، بالإضافة لبناء إسرائيل كدولة ذات نظام سياسي صهيوني، وهو ما استدعى بعد فشل الدولة العربية المحلية" الوطنية " ظهور القوى السياسية الطائفية والمتطرفة كوجه أخر لها ...
لهذا ليس من الممكن التفكير، بتجديد الفكر الديني ، أو أن التجديد الديني سيكون بوابة العبور نحو حل مشكلات الصراع بين إسرائيل والشعوب العربية، بل إنه في أشكاله الراهنة ، إذا ما استثنينا بعض القوى الإسلامية ذات البعد الوطني كحركة حماس أو الجهاد الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني ، صيرورة قتل ودمار واحتراب .
هذا يعني أن برنامج الاستقرار هو بالضرورة برنامج الديمقراطية المواطنية أو برنامج الشعوب الأصلية ضد الكيان الصهيوني ، ولأنه كذلك ، فهو يتطلب عقل ثوري قادر على رؤية الواقع وتجاوز ظاهره ، وعدم تجميد اللحظة الراهنة ، وإطلاق التفسيرات الدوغمائية والمشاريع بناءً عليها ..
أي أن الشرط العربي الراهن ، لا يمكن الخروج منه ، برؤية دينية ، فقد كونته إمبرياليات عالمية وأنظمة مندمجة وتابعة لها وكيان استيطاني شاذ ، وباعتبار الأمر كذلك ، فإن التفكير بدور الأديان السياسي في تغيير هذا الشرط هو تفكير وهمي خالص ...
برنامج الشعوب الأصيلة ، لا يعني أن الشعب اليهودي ، شعب سيساق إلى المحاكم أو المقصلة أو البحر ، بل إنه في وجوده واستمراريته سيخضع لشروط حل القضية الفلسطينية بشكل عادل ، تنطلق بالضرورة من حل السلطة الفلسطينية الفاشلة وإلغاء الدولة الاستيطانية الصهيونية ، والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم ، وتشكيل دولة علمانية ديمقراطية لكافة الشعوب التي تحيى على أرض فلسطين التاريخية..
هذه الدولة الواحدة ذات النظام الديمقراطي ليس لأحد مصلحة بها إلا الأغلبية الفقيرة من الطبقات المحرومة ، وهي الدولة الممكنة بدلاً من الدولتين القزمتين ، حيث أن دولة رأس المال هي الدولة الإسرائيلية القائمة ، وظل الدولة ، السلطة الفلسطينية الحالية ، وبالتالي تعزيز الاستقرار ، مرتبط بدولة الاستقرار المشار إليها ..
وضرورة العلمانية من ضرورة فصل الدين عن الدولة ومنع استغلال الدين لغايات مالية أو لمصالح الطبقات المالكة ، فالدين الشعبي لا السياسي أو الإيديولوجي الثقافي هو الدين الحقيقي وهو المنسجم مع محبة البشر لأنهم بشر ، وهو لا يكون كذلك ، إذا ارتبط أو تمأسس بسلطة أو بنظام ما ، أو بمصالح رجالات الدين ، ولهذا ، فالعلمانية تنصف الأديان وتسمح للجميع ممارسة شعائره الدينية عرباً ويهوداً ، وتسمح لمن هو مؤمن في مجتمعه وعلماني في دولته وكذلك لمن ليس مقتنعاً بممارسة الشعائر الدينية ، أن يكون له دوراً في الدولة والمجتمع والحياة ..
وبالتالي، الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة هي الدولة القادرة على حل مشكلة العلاقة بين الفلسطينيين وبين شعب دولة إسرائيل..
هذا الحل وشروطه تفترض بالضرورة الصراع بين خيارين ، خيار الشعب الفلسطيني والعربي ورافضي الدولة الإسرائيلية من اليهود من جهة وخيار الدولة الإسرائيلية العنصرية والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى ، والصراع بينهما ، يقتضي بدايةً ، حل السلطة الفلسطينية الوهمية وتحميل الأمم المتحدة مسؤوليتها التاريخية إزاء الشعب الفلسطيني ووضع إسرائيل كدولة استيطانية صهيونية بمواجهة المجتمع الدولي والشعوب العربية المقاومة والديمقراطية ..
هذا الصراع لا يمكن أن تقوده قوى برجوازية ، فقد أثبتت هذه القوى ، أنها صاحبة مشاريع سلطوية بامتياز ، وأنها حينما تشعر بانحسار سيطرتها على التحالف الشعبي الذي يخوض الصراع ، تلجأ إلى تمييعه وتفتيته وتعقد الصفقات والاتفاقيات ضد الشعوب العربية أو ضد البرامج الثورية ، ولهذا لا بد من قراءة التجارب التاريخية في الساحة العربية والفلسطينية والعالمية ، والتي تؤكد على ضرورة تحديد دقيق لشكل القيادة برنامج الصراع ، والتي ستكون ماركسية قومية نقدية بالضرورة . تحدد برنامجها الواقعي بوضوح ومن كل القضايا . وتتجاوز كل أوهام الحركة الشيوعية تاريخياً حول ضرورة الليبرالية أو دعم البرجوازيات الصغيرة كقائدة لمشروع التحرر الوطني أو لبناء دولة الاشتراكية ، أو الاعتراف بإسرائيل كما هي كدولة صهيونية ، والتأكيد على ضرورة الدولة الديمقراطية العلمانية ..
بذلك فقط ، وبقيادة من هذا النوع ، يمكن أن تبنى دولة واحدة وحقيقية على أرض فلسطين التاريخية . وهي ستكون دولة علمانية وديمقراطية تحترم جميع الفلسطينيين واليهود الراغبين بهكذا دولة ، وبغير ذلك ، فإن استمرار الأوضاع الحالية ، سيكون مزيداً من الهيمنة الامبريالية ومزيداً من الحروب العبثية واللاستقرار..

#عمار_ديوب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات