عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تواجه الجمعيات الأهلية المدنية في سوريا. مشكلة عدم الترخيص لها ، وبالتالي عدم تمويلها من قبل الدولة ، وكذلك من أصحاب رؤوس الأموال لعلاقاتهم الوطيدة بسلطة الدولة ، واضطرارها للبحث عن ممول ، لتنفيذ برامجها وأعمالها وهو ما يدفعها باتجاه الخارج اضطراراً ، حيث يعد تنظيم هذا القضايا أمر واقعي وجزء من الحياة العامة والسياسية.
هذا التمويل الخارجي يحمل معه برنامجاً سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً يراد منه تنفيذ سياسات تخدم تلك الدول أو الشركات ، وعادة ما تكون تلك الشركات الرأسمالية تهدف لتشويه الوعي أو الفكر أو السياسية وتأزيم العلاقات بين الشعوب وتجاهل قضاياها الأساسية وبما يخدم مصالح الشركات والدول في الهيمنة والسيطرة على العالم( مؤسسة فورد فونديشن ذات العلاقة الوثيقة مع المخابرات الأمريكية مثال نموذجي)..
تعد الدولة الأمريكية من أبرز الدول في استعدادها لتقديم التمويل المشروط بشكل علني أو بشكل خفي ومبهم ، مع متابعة وضغط متواصل باتجاه تنفيذ سياسات أصحاب التمويل . وباعتبار الدولة الأمريكية وقحة في تعاملها مع دول وشعوب العالم في العقد الأخير بشكل فاضح فهي تدعم كل ما يساعد في معركتها للسيطرة على العالم عن طريق حربها الحضارية ؟ ضد الإرهاب الذي تدعيه وهي صانعته بامتياز "وقد دعمت الإدارة الأمريكية دعماً مالياً " مليوني دولار" ودعماً لوجستياً ونصائح إلى المعارضة الفنزويلية عشية انقلاب أبريل عام 2002 على هوغو شافيز و وذلك عن طريق المؤسسة الوطنية من اجل الديمقراطية"..*
وقد كان ابن لادن يدير مؤسسة " المحاربون من أجل الحرية" قبل أن يظهر بوصفه قائدأ للمجاهدين المناهضين للشيوعية في أفغانستان والتي تلقت الدعم أيضاً من المؤسسة المشار إليها أعلاه.
وهذه الدولة " تمثل أكبر الدول المانحة من خلال اتفاقية التنمية المحلية ويصل التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية في مصر خلال العشرين ستة الماضية إلى 30 مليون دولار"1
وهي لا تتأخر في دعم الدول التي تنفذ بعض المهمات لها ( إسرائيل – مصر- الأردن ) ، وقد تدعم بذات الوقت منظمات داخل هذه الدول ذاتها من أجل ابتزازها بشكل دائم..
وباعتبار الأمر كذلك فهي تشجع المنظمات الحقوقية الليبرالية والنسائية والصحفية والداعمة لحقوق الأقليات وما يشبهها وبما يخدم الدعاية للمجتمع العالمي بصيغته الأمريكية وبما يضغط على البلدان الطرفية لتكون المحصلة دعم وتمويل مشروط يهيئ الأجواء ويخلق وعياً عولمياً يدعم الهيمنة الأمريكية ومصالحها ويضعف الدول الطرفية ويفكك مجتمعاتها إلى هوياته ما قبل الحديثة مكملاً الدور الذي قامته به الدولة القطرية..
تدخل ولا شك الشركات المتعددة الجنسيات مجال التمويل وخلق منظمات غير حكومية بهدف خلق وعي عولمي أيضاً يخصخص المواد الأولى لبقاء الكائن البشري بشرياً وعلى قيد الحياة كخصخصة مياه الشرب أو البذور أو التعليم وهو ما دفع بالآلاف الهنود الفقراء للانتحار بسبب عدم قدرتهم على إيفاء ديون أسعار البذور التي وزعتها تلك الشركات وتدمير مجالهم البيئي (يمكن مراجعة مقالة المياه ، القصة الكاملة لمساعي تحويلها إلى سلعة لريكاردو بيتريللا ومقالة العولمة حرب ضد الطبيعة وشعوب الجنوب لفا ندانا شيفا الحائزة على نوبل البديلة عام 1993)**
مهمة التمويل تصبح خطرة ، باستقطابها لبعض الفئات المثقفة أو المتعلمة التي تلفظها الدولة ولا تتحمل ثقل انتقاداتها أو لا تجد لها عملاً في دولة البيروقراطية والروتين الفاشلة في التنمية والسياسة والاقتصاد وغيرها فتتحول تلك الفئات بسبب الحاجة إلى العمل والمال تدريجياً إلى أبواق تنفخ في إطار الدعاية للهيمنة الغربية والأمريكية على العالم ، وباعتبار المثقفين أو السياسيين أكثر المنبوذين في الدولة السورية فإن بعضهم يقع فريسة هذا الوضع ، والتي تعد الدولة المسئولة عنه بالأصل ، فيعملون في إطار تلك الدعاية ، وهنا أشير للموقف المخجل لبعض المثقفين أثناء الحرب على لبنان حيث تم تحميل حزب الله مسؤولية ما حدث على لبنان ولم يتم توجيه ولو اللوم لإسرائيل بل إن بعضهم عمل كما عمل متولي شعراوي عندما انتصرت إسرائيل في الحرب على مصر بالركوع سجوداً لله على ذلك بأن رغبوا بمسح حزب الله عن الخارطة اللبنانية بأيدي إسرائيل بعد أن عجزت دولة لبنان العتيدة عن سحب ذاك السلاح وقد يكون لهذا الموقف أكثر من تفسير. إلا أن المال والدعاية والمنظمات العربية التابعة للدولة الأمريكية قد لعبت دوراً هاماً في دعم تلك الدعاية وذاك الموقف ..
وبالتالي قضية التمويل تعتبر من أخطر القضايا على المنظمات غير الحكومية لأنها ببساطة تستفيد من أخطاء الأنظمة وضعف الإنسان المضطهد وشهوة الحصول على المال وتأمين الوظيفة والعمل ، وهو ما يدفع المثقفين إلى تشكيل تلك الجمعيات وتغليفها ببرامج طموحة وواقعياً تنفيذ البرامج التي تخدم الممولين .
وإذا كانت الدولة الأمريكية أو بعض دوائر الاستخبارات العالمية أو الشركات الرأسمالية العالمية هي الممولة تكون النتيجة ، المساهمة في تفكيك المجتمعات وإفشال المنظمات المناهضة للعولمة الامبريالية الشركات الاحتكارية وتهميش دور اليسار العالمي وبرامجه الديمقراطية الوطنية وهو ما يسهل استمرار الاستبداد ويزيد من حدة الضغط الامبريالي ويحقق مصالح الشركات متعددة الجنسيات ***
لا شك أن العالم الامبريالي به مؤسسات محترمة وهي ضد الامبريالية وضد سياسات النظام الرأسمالي ذاته ويمكن الاستفادة منها في إطار التمويل ، إذا ما حدث توافق فكري وسياسي أو ثقافي أو حتى دون ذلك شريطة التمتع بالنزاهة وانعدام الارتباط بأجهزة أمنية صهيونية أو أمريكية وحتى أوربية .
ومن الضروري الإشارة إلى أن خطر سياسة التمويل يبقى قائماً وحتى لو توفر التوافق ، فالتمويل السوفيتي للأحزاب الشيوعية سابقاً ،جعلها أحزاب هزيلة ، وملحقة بسياساته ، ولم تستطع التحرر وتحقيق مصالح شعوبها باستثناء تلك التي استطاعت الإفلات من ذلك الإغراء كالشيوعيين الصينيين والفيتناميين والكوبيين وغيرهم..
الأفضل دائماً أن يكون التمويل داخلياً من اشتراكات الأعضاء والتبرعات المحلية وذلك من أجل الحفاظ على استقلالية تلك المنظمات ،والاستجابة لمصالح مجتمعاتها .
ونختتم بالقول إن للتمويل دائماً مصالح وأخطار وأهداف سياسية**** يريد تحقيقها ، وهو لا يوزع مجانياً ، وأصحابه ليسوا جمعيات خيرية توزع المال لوجه الله .
وبالتالي التمويل الهام والضروري هو الذي يساعد ويخدم تطور المجتمع بكليته لا بجزئيته ولبعض الأشخاص والمنظمات تحديداً وهو ما يستدعي التنسيق بين تلك المنظمات وتوحيد برامج عملها مع الحفاظ على استقلاليتها والتقارب مع للقوى والأحزاب اليسارية ذات البرامج الديمقراطية الوطنية و من أجل استنهاض التنمية المستدامة وعدم تفتيت المجتمعات وإدخالها ببرامج وبحروب عبثية تخدم مصالح الهيمنة الامبريالية على العالم...
___________________________________
1 - راجع كتاب الإسهام الاقتصادي والاجتماعي للمنظمات الأهلية في الدول العربية أيمن السيد عبد الوهاب..
* راجع مقال من أجل نقاش عقلاني "شفاف"..
** من مجلة بدائل العدد الرابع خريف 2005 ..
*** اقرأ مقال خالد الفيشاوي عن التمويل ومحاولات احتواء الحركة العالمية المناهضة للعولمة ، موقع الحوار المتمدن..
**** راجع مقال سامي حسن مؤسسات المجتمع المدني وإشكالية التمويل، موقع البديل..
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟