أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - تثوير تماسك القصيدة العربية: الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان أنموذجاَ / 1-2















المزيد.....

تثوير تماسك القصيدة العربية: الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان أنموذجاَ / 1-2


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 7695 - 2023 / 8 / 6 - 12:26
المحور: الادب والفن
    


منذ باكورة الشعر العربي، وُلِدت القصيدة العربية كبنية تداولية متفردة في تعددية أغراضها في آداب الشرق القديم، فورث الشعراء العرب شجون هذه التعددية الآسرة: الوقوف على الأطلال (والخمريات من بعدها)، التغزل بالحبيبة وتعداد محاسنها، الفخر بمآتي الشاعر وقبيله، المدح أو الهجاء، التماهي مع عناصر الطبيعة والتغني بروعتها. هذا الشكل الفني للخطاب الشعري استعارته القصيدة العربية القديمة من شكل تعدد الأصوات في خطاب مجالس المفاخرة للقبائل: واساسه التهويل والإدهاش للمتلقي بسحر الكلام عبر لعبة خلق الصور. كما استلزمت تعددية الأغراض هذه إطالة أبيات القصيدة لاستغراق كل موضوعاتها أولاً ، وللتدليل على النفس الطويل للشاعر ولتسلطنه على مستلزمات الافاضة في النظم ثانياً.
قواعد النظم هذه استطاعت الصمود لقرون بفعل نجاحها في تلبية حاجة اجتماعية مطلوبة، ولم يصار الى التخلي عنها إلا حيثما شاء الشاعر حصر قصيدته في موضوع واحد كالغزل أو الفخر والهجاء، أو عندما يريد رواية قصة أو حادثة. ومن الثابت تاريخياً أن قصص الملاحم الأسطورية التي أرخت للمرحلة البطولية للشعوب قد اتخذت القالب الشعري ابتداءً، قبل اختراع الأغارقة للدراما، واكتشاف العرب بعدهم لفن القصة الاجتماعية في ألف ليلة وليلة، وإهدائها للعالم أجمع.
لقد أدى دخول القصة-الحادثة كغرض شعري جديد الى تثوير التماسك البنيوي لشكل القصيدة العربية بفضل الأفضليات التي يتيحها الترابط المنطقي لخيط السرد المنبني على تفاعل الأسباب مع النتائج، والتسلسل الزمني لحبكة الأحداث التي يمكن أن تعرض لأي حادثة أو تجربة شخصية أو قصة حياتية صغيرة، حقيقية كانت أم متخيلة. ومن الأمثلة الشهيرة للقصيدة-القصة: "الأرملة المرضعة" للرصافي و "بائعة السمك" للجواهري و "المومس العمياء" للسياب و"يا حلو" للميعة عباس عماره، و"مختصر الحكاية" لموفق محمد، وغيرها.
مع الشاعرة العراقية الكبيرة "وئام ملا سلمان"، تتخذ أقاصيص غربتها الذاتية شكل القصيدة. ففي العديد من قصائدها، تروي لنا الشاعرة "استلالات" وجدانية من حكاية الشريط الطويل لغربتها. لنأخذ على سبيل المثال الفرزة الأولى من "أفعال رتيبة" التي عرضت لها سابقاً:
أفعال رتيبة
الشاعرة العراقية الكبيرة: وئام ملا سلمان
كما كل يوم
أصحو صباحا
ارتشف الشاي
من دون سكـّر
مراً مرارة أياميَ
ثقيلاً كأحلاميَ
أشعل تبغي
أنفث من رئتيَ الدخان
يخرج تنين صمت يلف المكان
هدوء ٌ
هدوءٌ
هدوءْ
لا بشراً ألتقي ….
لا قطةً كي تموء!!
ويمشي النهار على قدم واحدة
يقسمني وجبتين
لتأكلني المائدة
وحين يجيء المساء
أوصد بوابة الطرقات الرتيبة
أطفئ ضوء القمر
ألبسُ ثوباً من الشجن السرمدي
غدا ًسأكون............
أنا أمه والحبيبة
أضاجع في الليل قرطاس حزني
على مفرش من سديم
لعل القصيدة ......
من خصب دمعي تولدُ طفل ُالغدِ
لكنني عاقر لا محالة .........
وشيطان شعري عقيم.
أيلول 2005
مثلما بينت سابقاً، تعرض هذه القصيدة ليوم من حياة بطلة القصة: الصحو صباحاً، ارتشاف الشاي المر مرارة الأيام والثقيل ثقل أحلامها. بعدها تدخن الراوية لفافة تبغ.. ثم يشمخ الخيال: يخرج من الدخان المنفوث تنّين من الصمت يلف كل شيء حول المكان. تنّين الدخان هذا يأبى التواصل وإثارة الجلبة لكسر سلسال الصمت، بل أنه يزيد الجو صمتاً على صمت. بعدها، تشكو الراوية انعدام التواصل لا مع البشر ولا مع الحيوانات الأليفة لكسر الصمت، لننتقل بعدها لرسم صورة رهيبة لثقل نهارها: أنه يمضي بطيئاً كمن يمشي على ساق واحدة، ليشطر الراوية نفسها الى وجبتي طعام، كي تأكلهما مائدة الطعام نفسها. هذه الصورة السريالية تصف الانعدام التام لمتعة تناول وجبات الطعام جراء الوحدة بإسناد فعل التهامه لمائدة الطعام وليس لها؛ والطعام الملتهم هي الراوية نفسها التي يتماهى جمود حياتها مع جمود كينونة الطاولة. هذه صورة شعرية جديدة صادمة برعبها الذي لا يتأتى إلا لمن تسلطن على خلق الصور المبتكرة. في الليل، توصد الأبواب عليها، وبدلا من ارتداء ثوب العرس ومضاجعة الحبيب في ليلة الحب المرتجى لتكون حبيبة وأماً له - ترتدي الراوية أثواب الشجن، وتضاجع الورق، علَّها تنجب مولوداً جديدا بإهاب قصيدة حزينة تولّدها دموع وحدتها، ولكن شيطان شعرها يأبى عليها متعة الولادة الجديدة لكونه عاقراً مثلها! غير أننا نحصل بالتأكيد في النهاية على المولود الجديد للراوية: قصيدة تحوّل العدم إلى وجود في لعبة ديالكتية أريبة ومكينة: أخيراً ينتصر الانسان على أشجان الوحدة بتوليد الشعر الفذ الراقي الذي يروي قصته ؛ ولولاه لضاعت!
يلاحظ أن بنية هذه القصيدة تستغرق احداثاً رتيبة تتابع أفعالها خلال يوم واحد، بصبحه ومساءه وليله: دورة واحدة للشمس، مثل دراما أبطال الإغريق القدماء. وهذا ابداع جديد في بنية القصيدة العربية القصيرة.

الفرزة الثانية من قصيدتها الرمزية الرائعة: "أوقات رهيبة" تحكي الشاعرة الكبيرة وئأم ملا سلمان قصة عقابيل احتساء راويتها لزجاجة خمر كاملة حتى الثمالة، ومن ثم وقوفها وحيدة غير قادرة على الحراك وبلا مُعين، فيما الدُوار يلف كل شيء حولها بانتظار مُخَلِّص مُرتجى لن يأت:
أوشلتُ زجاجةَ هذي الليلة
شربت ثمالة كأسي
حتى لا أخسر قطرة سحر ظلت عالقة في شفتيَ
تلمّظت .............
من يسند رأسي؟
اللحظة أبحث عن متكأ
كتف يغسل ما تهريقه عيناي من الجمر
يملأ جوف كنانتهِ بالزهرِ
ضلع أتمدد شاطئه
أخاصم ندّي
أتوسد ضدي
كهف أتقرفص بين صخوره
أهرب من رؤية أشباح الليل
ضباع البر
تطاردني .....
لا أعرف أن اكره
عاجزة حتى في الغثيان
كلّ ٌحولي يترنح
وأنا واقفة دون حراك
تمثال من شمع
ينتظر الله لينفخ فيه الروح
أو يلهب نارا تصهره
ليسيح من وهج السكر على كفيّ نحّاتِه
أيلول 2005
في النص أعلاه، لدينا قصة رمزية عميقة الدلالة، مسبوكة في إطار قصيدة خمرية- الشاعرة وئام ملا سلمان هي، على حد علمي المتواضع، أول شاعرة عربية مفلقة تبدع في هذا المضمار الشعري العربي القح.
يتبع، لطفاً.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تغني الملائكة شجن الغربة: نص رهيب للشاعرة الكبيرة: وئا ...
- سمو تقديس الحب في عشتاريات الشاعر محمد بن زكري: وصفٌ وترجمة
- الشاعرة المبدعة وئام مُلا سلمان في -أسرار من سِفر الغيبوبة-: ...
- سادن الإمام أبو العرابيد
- شاعرة الرقة -وئام ملا سلمان- وقصيدة لواعج الى الوطن: ترجمة
- أربع أطروحات في الترجمة
- التشكيلية الرائدة (مديحة عمر) في كتاب جديد
- اعترافات القاتل الاقتصادي الأمريكي
- -الابداع المتجدد- مجلد باذخ في الفن التشكيلي لمحمد مهر الدين
- سلطة الأوليغارشية في الولايات المتحدة الأمريكية
- انتهاكات الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الانسان: تقرير منظ ...
- ملك الشعراء أحمد مطر: خمسة نصوص مترجمة
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 4-4
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 3
- يوم وُلّي البغل الأسود سلطاناً
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 2
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 1
- عذراً، أنا من دراما أخرى
- كيف مكَّن الغرب الجنرالين المتحاربين في السودان
- ليلة الحب القديمة


المزيد.....




- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - تثوير تماسك القصيدة العربية: الشاعرة الكبيرة وئام ملا سلمان أنموذجاَ / 1-2