أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - يوم وُلّي البغل الأسود سلطاناً















المزيد.....

يوم وُلّي البغل الأسود سلطاناً


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 7614 - 2023 / 5 / 17 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


فيما كان أحد طلاب الدكتوراه في علم الآشوريات يترجم نصوص الرقم الطينية لمكتبة آشور بانيبال، عثر على رقيم مسماري هذا نصه:
***
"كان يا ما كان في سالف العصر وقديم الزمان، بغابة الخضران، دولة الجرذان، التي تَدين بسياسة دفع وكلائها من السماسرة لاعتلاء كرسي السلطان كي تتفرغ هي لقرض خيرات الغابة بحماية تابعها السلطان قرضاً رهيباً مريعاً سريعاً في كل مكان وأوان. أول دابة أجلستها الجرذان على كرسي السلطان كان الخنزير الأصلع الذي استوردته خصيصاً من مشفى المجاذيب الكائن في غابات ما وراء البحار. بعد اتمام مراسيم التتويج، واستئثار الجرذان بكافة مرافق الدولة داخل الغابة وخارجها، أولم السلطان لأولياء نعمته. وبعد سرط موائد الفسنجون والمطنجنة وقزاطمة رقاب الغزلان، سأل رئيس الفئران السلطان عن مكان تواجد مخازن الورق الاخضر كي تتولى جرذانه قرضها عن بكرة أبيها حسب الأصول السائدة في دولة الجرذان، فأجابه:
- هل أنت تسال عن مخازن الورق الأخضر، يا سيد الجرذان؟
- نعم، سلطاننا المعظم.
- سؤال جميل وحيوي ومهم ووجيه. هل تعرف مكان شجرة المشمش؟
- يا سلطاننا المعظم ، أي شجرة مشمش تقصد؟ الغابة مليئة بأشجار المشمش.
- لا تخطيء في فهمي. أنا أقصد شجرة المشمش التي يركبها هرش الكشمش. هذا الأمر بالطبع واضح جداً، ولا يخفى عليك!
- أرجوك، لطفاً يا دولة السلطان المعظم، أن تدلني حالاً حالاً على مكان المخازن حسب اتفاقنا المسبق المبرم معك، لأن الوقت من ذهب، مثلما لا يخفى على نيافتكم؛ وما يفوت علينا اليوم قرضه، سيتنعم به غيرنا من الدواب الكثيرة. وأنت تعلم بأن هذا هو رزقنا في السماء وما توعدون، وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
- هذه بسيطة، هل تعرف مكان نخلة التمر الزهدي المربوط بها الكلب الأجرب؟
-لا! أي كلب أجرب تقصد؟
- هذا أمر واضح: انه الكلب الأجرب المربوط بالنخلة!
- والكلب الأجرب والنخلة أين مكانهما؟
- هما جارا شجرة المشمش أم الكشمش.
- وأين تقع شجرة المشمش هذه؟
- عند القمقم!
- و القمقم أين؟
- بجانب النخلة المربوط بها الكلب الأجرب!
- و مخازن العلف الأخضر أين؟
- أنا أقول لك أين، أنت تسأل وجنابنا السامي يجيب بشكل مباشر، بلا أدنى لف ودوران. أنت تريد الحقائق الناصعة مثل الشمس، وليس اللف والدوران، أليس كذلك؟
- أرجوك يا سمو السلطان المعظم: أفصح لي عن مكان مخازن العلف الأخضر بأسرع ما يمكن لطفاً، لأن فيالقي تنتظرني بكامل العدة والعدد على أحر من الجمر لأداء الواجب المقدس في النهب والسلب.
- لك كل الحق، و جنابنا لا يلوم جنابكم. اسمع: تذهب أولاً إلى شجرة المشمش، ثم تأخذ خيرة هناك. فاذا كانت الخيرة زينة، عندها تمشي من شجرة المشمش ربع ألفي فرسخ شرقاً.
- طيب!
- عندها، ستجد شجرة السدر أم الخفافيش والخراخيش. أنت تعرفها طبعاً.
- طيب، وبعدين؟
- اتجه غرباً مسافة ثلث ألفي فرسخ، ونصف وثلاثة أرباع الفرسخ!
- وبعدين؟
- عندها ستصل الى تل عنق الزجاجة.
- أي زجاجة ؟
- أم المعجون !
- أي معجون؟
- ما هذا السؤال؟ طبعاً، المعجون الذي في عنق الزجاجة!
- ولكنني لا أعرف مكان تل عنق الزجاجة يا جناب السلطان!
- هذا لأنك تؤثر الجلوس وحدك؛ فإذا كنت جالساً وحدك، فاعلم أنه لا أحد معك.
- عظيم ! لنفترض جدلاً أنني عثرت على تل عنق الزجاجة أم المعجون، فأين أجد مخازن مليارات الورق الأخضر لكي يقضمها جرذاني حلالاً تلالاً؟ ها؟
- سؤال وجية ومهم وفي محله: تجدها أمام بيضة الدجاجة مباشرة!
- أي دجاجة؟
- الدجاجة: شيماء!
- وكيف هي؟
- هذا بسيط وواضح ومعلوم: هي الخليط بين الشاي والماء!
- من الواضح أن حالتك تعبانة، يا جناب السلطان.
- نعم، وكل هذا بسبب كثرة عدد طيور السنونو والزرازير والغاق! ماذا أعمل؟ لم أجد حل يحل محل حالتي الحالية !
- هل تعلم أنك كديش كبير يا جلالة السلطان المعظم!
- كلا! أنا أحتج، وذلك لأن أنثى البغل لا تلد حماراً بالمطلق! قد يجوز جدلاً أن تلد البغلة بعيراً أو زرافة أو فيلاً، أو ما شاكل من الدواب، ولكن ليس الحمار! ومثلما تعلم فإن النعجة لا تلد التيوس!
- فماذا تلد؟
- الحلزون!
- أي حلزون؟
- الحلزون النائم في جحر القمقم!

أدرك رئيس الجرذان أن هذا السلطان ملفات دماغه محترقة ومعطوبة، وأن من الأجدى له اكتشاف مكان مخازن العلف الأخضر بواسطة مسيراته قبل أن تهبرها فيالق الذئاب أو فيالق ابن آوى أو فيالق الضباع المنافسة. وبعد أن تأتّى له ذلك، فقد سارع باستبدال الخنزير الأصلع بالخنزير الأجرب. ما أن استلم هذا الأجرب كرسي السلطنة حتى باع نصف أرض الغابة لكلاب البادية السوداوات الشبقات المسعورات، واستأثر بمليارات الغنائم لنفسه. عندئذ استبدله رئيس الجرذان بالنمر القزم، الذي رفض رفضاً قاطعاً السمسرة لقيادات الجرذان، فأطاحت هذه به على عجل. ثم جاءت الجرذان بالحرباء أم العدس، وأجلستها على كرسي السلطنة. تاهت وتدهورت الأوضاع في الغابة، وعندما تجمهرت الدواب وزحفت للشكاية عند السلطانة، لاحظت هذه الدواب أن سلطانتهم منغمسة طول الوقت في ممارسة لعبة الرقص على الحبال، وكل يوم هي في شأن، فثارت عليها. ولتدارك الخطر المحدق بسلطنة الجرذان، تم الفتك الغادر الذريع بجموع الدواب الثائرة. ثم أزاح رؤساء الجرذان الحرباء، وجيء بأبي بريص سلطاناً على الغابة. ولكن سرعان ما اكتشفت قيادة الجرذان أن السلطان الجديد أبا بريص هذا لا يهش ولا ينش، ولا شغل ومشغلة لديه غير السرط واللمط والخمط والدعاية والنشر لنفسه؛ فخلعته، وسلّمت كرسي سلطنة الغابة للبغل الأسود. ولكي لا تثور الدواب مرة أخرى، فقد أوصت قيادة الجرذان السلطان الجديد بقشمرة جموع الدواب بالكلام المعسول الذي لا يغني ولا يسمن من جوع؛ مما لا نَفْع ولا دَفْع فيه.
اتخذ السلطان الجديد البغل الأسود من الضباع فيلقاً لحمايته، ودعا دواب الغابة للتجمهر لأمر مهم فيه الخير العميم، وذلك في الساحة الكبيرة الكائنة مقابل الباب العالي ليلاً. فلما حضرت جموع الدواب في ساعة متأخرة من الليل، خطب فيها السلطان خطبة القشمر، قائلاً:
- يا شعب دواب غابة الخضران العظيم، أيها الاشاوس الشجعان: أبشروا، فإن الخير العميم قادم لا محال. نحن لدينا عشرات المبادرات التي ستنقلنا نقلة نوعية جبارة الى مراحل ومراحل عليا جديدة!
- بص، شوف، البغل الأسود بيعمل إيه! - هتفت الدواب المتجمهرة في تالي الليل بصوت واحد.
- كما أننا بصدد دراسة زيادة أرزاقكم بالنسبة المباركة: 555 بالمائة.
- يعيش البغل الأسود! يا، يعيش – يعيش – يعيش! - هدرت الدوام المتجمهرة بصوت واحد.
- ولدينا خطط ستراتيجية فريدة لبناء القصور الفخمة لكل دابّة مجاناً.
- بالروح، بالدم، نفديك يا بغلنا الأسود! - رعدت الجماهير بصوت واحد.
- وسنوزع العلف الأخضر بالـﮕواني أم القلم الأحمر على كل الدواب مجاناً.
- الله يخلي السلطان! الله يطوّل عمره! - أنشدت الدواب المتجمهرة بصوت واحد.
- وعندنا خطة محكمة وعاجلة لتزويد كل دابّة مجاناً ببساط الريح الجميل والمريح للاستحمام والاستجمام والاصطياف بمعية قطر الندى حول العالم، وذلك على حساب خزينة السلطنة. وهذه ليست مجرد وعود جوفاء. كلكم ترون أمامكم وهو يقف معي هنا الوالي لمخزن بُسُط الريح، الذي سينبيكم بالخبر السعيد والبهيج على وجه اليقين. يا والي مخزن بُسُط الريح الأمين: خبِّر جماهير شعبنا الواعية بالحقائق والوقائع البديعة الربيعة.
- نعم ، جلالة السلطان المعظم. لدينا مليارات بُسُط الريح التي كانت مهيأة للتوزيع المجاني على دواب الغابة، ولكن أعمامك الجرذان قرطوها قرطاً عن بكرة أبيها، ثم لبدوا في الحتار. كان ذلك يوم هرست ضباعك الغزال الطائر.
- اسكت ولك، كافي!
- يسقط السلطان البغل الأسود الأدبسز الكذاب! - زأرت الجماهير.
-كلا، كلا !
- يسقط أعمامه الجرذان أهل السرط والقرط والمرط! - صرخت الجماهير.
- يواش، يواش، يا جماعة الخير!
- تسقط ضباعه المسعورة هارسة غزالة الجو – عاطت الجماهير بصوت واحد.
ثم هـ ...

هنا طرَّ الصباح، فسكت بهلول عن الكلام المباح.
كُتِب في غابة الخضران، العصر الحجري الجديد، و ووزن طبق الأصل.
معبد كبير الآلهة: هههيه؛ الكاتب: ها ها ها. "
***
عندما بلغ الطالب الدكتوراه السطر الختامي لهذا الرقيم، ضرب على أم رأسه، ثم انخرط بالنحيب المر.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 2
- أحمد مطر، ملك الشعراء: قصائد مترجمة/ 1
- عذراً، أنا من دراما أخرى
- كيف مكَّن الغرب الجنرالين المتحاربين في السودان
- ليلة الحب القديمة
- سلطنة العفاريت ناكر ونكّار ومنكور
- عصابة الحتار نبي دين السنطه لﮔو
- الموازنة العامة لثلاث سنوات خرق للدستور وتخبط كارثي
- وداعا سيدة الابتسامة العذراء: ابتسام عبدالله
- الطريق إلى انعدام الحرية الرقمية: ثلاث حقائق مؤلمة عن وسائل ...
- من حكايات الغابة القديمة
- المبادئ العليا لحزب البعث
- أمراض الليبرالية القاتلة
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...
- لماذا الاشتراكية هي الدواء للتخلف العربي، والرأسمالية تعني ح ...


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - يوم وُلّي البغل الأسود سلطاناً