أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قالت لنا القدس/ شارع الزهراء8















المزيد.....

قالت لنا القدس/ شارع الزهراء8


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 12:53
المحور: الادب والفن
    


تروي التبدّلات التي وقعت في شارع الزهراء خلال السنوات الخمسين الماضية، شيئاً من التاريخ المعاصر لمدينة القدس، وتشير على نحو ما إلى مظاهر التقدّم أو التراجع التي شهدتها المدينة خلال تلك السنوات.
ولعلّ الثابت الوحيد في هذا الشارع، مرور سيل لا ينقطع من بنات المدرسة المأمونيّة فيه، خلال السنوات الخمسين الماضية وما قبلها. ومع هذا المرور الذي لا ينقطع، كان من حقّنا وما زال، طرح السؤال عن مستوى الوعي الذي وصلته المدينة، وهي تشهد أفواجاً تلو أفواج من بناتها المتخرّجات في المدارس، ومن أبنائها المتخرّجين فيها باستمرار.
ولن نعدو الحقيقة، حينما نقول إنّ هذا الشارع كان وما زال مؤشّراً على ثقافة المدينة، على تقدّمها حيناً وانحسارها حيناً آخر. وهو مع شارع صلاح الدين وشارع السلطان سليمان وساحات المسجد الأقصى، مؤشر على مظاهر المدّ أو الجزر في النشاط الوطني والسياسي. حينما كانت المدرسة الابراهيمية الثانوية للبنين قائمة على مسافة قريبة من شارع الزهراء، قبل انتقالها إلى عقبة الصوّانة قريباً من حيّ الطور التابع للقدس، فإنّ طلبة المدرسة الخارجين في التظاهرات الوطنية، لم يكن ممكناً لهم المرور إلى شارع صلاح الدين إلا عبر هذا الشارع كأحد احتمالين للمرور. وبنات المأمونية الخارجات في التظاهرات الوطنية، لم يكن ممكناً لهنّ في السابق كما في الوقت الراهن، المرور إلى شارع صلاح الدين إلا عبر هذا الشارع كأحد احتمالين للمرور (تقع المأمونية في شارع ابن خلدون المفضي إلى شارع عليّ بن أبي طالب من جهة الغرب وإلى شارع الزهراء من جهة الشرق).
والشارع الذي كان مسرحاً مع غيره من شوارع المدينة، للنشاط الوطني ضدّ الأحلاف الاستعمارية في الخمسينيات من القرن العشرين، واصل احتضانه للتظاهرات الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد هزيمة حزيران 1967 ، علاوة على ما مثّله من فرص للترويح عن النفس ولقضاء وقت ممتع فيه، حيث كانت سينما القدس التي افتتحت في سنوات الخمسينيات، من أهمّ المواقع الثقافية والترفيهية التي يقصدها أهل المدينة. كانت مع زميلتيها الحمراء والنزهة، تستقبل كثرة من روّاد السينما المقبلين عليها من غير انقطاع، حيث يُعرض فيلم أو فيلمان بتذكرة واحدة، ثلاث مرّات في اليوم: في الساعة الثالثة والنصف عصراً، وفي السابعة والنصف مساء، وفي العاشرة والنصف ليلاً. وأمّا في كلّ من يومي الجمعة والأحد، فقد كان هنالك عرض إضافي في العاشرة والنصف صباحاً (اليوم، لا شيء من هذا على الإطلاق!).
وكان في الشارع نادٍ ليليّ اسمه "الكاف دوروا" يستمرّ احتضانه لزبائنه إلى ساعات الفجر الأولى، وكذلك "الكافي يروب" الذي أخبرني صاحبه أنّ الممثّلة المصرية فاتن حمامة والممثّل عمر الشريف كانا في محلّه ذات مرّة أوائل الستينيات من القرن العشرين. وكان شارع الزهراء يظلّ ساهراً إلى ما بعد منتصف الليل بساعات، وفيه مطاعم وفنادق ومقاهٍ تستقبل وفرة من الزبائن في كلّ الأوقات.
والشارع كان مَعْلَماً من معالم الحياة الثقافية في القدس. في شارع الزهراء، كانت توجد مكاتب صحيفة "المنار" اليومية، ومعها في المدينة ثلاث صحف يومية أخرى هي الجهاد، الدفاع، وفلسطين. والمنار قامت بمبادرة غير مسبوقة، فأصدرت أوائل العام 1961 مجلّة ثقافية نصف شهرية ثم شهرية، اسمها "الأفق الجديد"، ترأس تحريرها الأديب أمين شنار، الذي دأب كلّ يوم على قطع شارع الزهراء بخطوات سريعة، وهو ذاهب إلى عمله في الصحيفة وفي المجلّة عصراً، أو وهو خارج من عمله في ساعات ما بعد المساء.
وقد استقطبت المجلّة عدداً غير قليل من الكتاب الشباب من فلسطين والأردن وبعض الأقطار العربية، وكنت واحداً من هؤلاء الكتّاب. وأصبح من المألوف تماماً أن نمشي في شوارع المدينة ونحن نتأبّط كتباً اشتريناها من مكتبة "سحّار" الواقعة في شارع الزهراء، أو من مكتبة "المحتسب" والمكتبة "العالمية" في شارع صلاح الدين، أو من كشك عمير دعنا مقابل باب العامود.
وكان من المألوف أن ترى عدداً من كتّاب المجلة، وقد اتخذوا من مقهى "القدس" أو من محل "الجندول" للمرطّبات أو من صالة الفندق الوطني في شارع الزهراء، أماكن لجلوسهم ولإدارة مناقشات في قضايا الأدب والفن، وكذلك في السياسة في بعض الأحيان. وشهدت صالة الفندق الوطني كذلك، نشاطاً سياسياً لافتاً للانتباه، حينما اتخذ منها بعض قادة الرأي العام في المدينة، مكاناً لجلوسهم ولإدارة نقاشات سياسية حول أوضاع القدس في ظلّ الاحتلال.
ولم يكن شارع الزهراء شرياناً حيوياً بالنسبة للقدس وحدها، وإنما بالنسبة لي كذلك، فقد دخلت هذا الشارع في أوّل نشأتي الأدبية، وأنا أتأبّط أوّل قصة قصيرة ذهبت بها إلى مجلة "الأفق الجديد" التي نشرت القصّة، فأصابني فرح وسرور، وأصبحت منذ ذلك التاريخ مواظباً على الكتابة، وعلى التمشّي في هذا الشارع كلّما وجدت فرصة سانحة لذلك.
والآن، يكفي أن نعود إلى استعراض الأماكن التي مرّ ذكرها، لكي ندرك التبدّلات التي وقعت في شارع الزهراء (بعد العدوان الثلاثي على مصر، أصبح اسم الشارع: بورسعيد، ثم عاد له الاسم القديم بعد عدوان 1967): فلم تعد فيه مكاتب لصحيفة "المنار" ولا لمجلة "الأفق الجديد" منذ أواسط الستينيات من القرن الماضي. وتوقّفت سينما القدس منذ الانتفاضة الأولى (1987) عن تقديم عروضها السينمائية. توقّفت مكتبة "سحّار" عن بيع الكتب بسبب عدم الإقبال على شرائها، واكتفت ببيع القرطاسيّة والصحف. أغلق "الجندول" أبوابه، وتحوّل مقهى "القدس" إلى حانوت للسلع. ولم يعد "الكاف دوروا" موجوداً، وتحوّل "الكافي يوروب" إلى مقهى ومطعم. توقّف فندق "الريحينت" عن استقبال الزبائن لأنه لم يعد ثمة زبائن، وتحوّل إلى غرف سكنية للطلاب الجامعيين. توقّف الفندق الوطني عن العمل، وفي الآونة الأخيرة استأنفت صالته نشاطها على هيئة مقهى ومطعم، واستمرّ فندق الزهراء يستقبل بعض الزبائن، رغم انحسار السياحة في القدس.
مَعْلَم ثقافي سياحيّ واحد بقي في شارع الزهراء، هو محلّ البغدادي للمنحوتات الخشبية، ورغم أنّه يجتاز وضعاً صعباً بسبب الكساد، إلا أنّ صاحبه مصرّ على إبقائه محلاً للمنحوتات، في حين تبدّلت محالّ كثيرة أخرى، وأصبحت موزّعة على ما له علاقة بالطعام والشراب والكساء والدواء.
باختصار، بعد سنوات من الاحتلال الإسرائيلي للقدس، وبعد طغيان المزاج المحافظ على أهل المدينة، يغيب البعد الثقافيّ عن شارع الزهراء، ويحضر البعد البيولوجيّ المرتبط مباشرة بتوفير ما هو ضروريّ للحياة اليوميّة وللبقاء. يحضر كذلك، في شكل له دلالته السياسية، فرعان في شارع الزهراء لبنك هبوعليم الإسرائيلي.
ومع ذلك، أعود إلى التأكيد بأنّ الثابت الوحيد في شارع الزهراء، هو أفواج البنات الذاهبات في الصباح إلى مدرستهن، العائدات في ساعات الظهيرة منها، في ديمومة لم تنقطع منذ سنوات، وفي ذلك بعض عزاء، وفيه فسحة من أمل وتطلّع إلى مستقبل ما.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قالت لنا القدس/ عن العمران وضواحي المدينة الآن7
- قالت لنا القدس/ عن مقاهي المدينة6
- قالت لنا القدس/ عن القدس ونزعة الترييف5
- قالت لنا القدس/ عن الشبابيك4
- قالت لنا القدس/ عن نساء القدس3
- قالت لنا القدس2
- قالت لنا القدس1
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز4
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز3
- الليلة الأولى... رواية لجميل السلحوت ضد الجهل
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز2
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز1
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي8
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي7
- مرايا الغياب/ بشير البرغوث6
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي 5
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي4
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي3
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي2
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي1


المزيد.....




- -مستشفى الشفاء: جرائم مدفونة-.. شهادات الناجين في فيلم للجزي ...
- أوسكار فخري ينتظر منتجي سلسلة أفلام جيمس بوند
- -مستشفى الشفاء: جرائم مدفونة-.. شهادات الناجين في فيلم للجزي ...
- الرحالة المسلم الذي تفوق على -ماركو بولو- وروى الأعاجيب عن ا ...
- فيلم -كبش فداء-.. تكريم لأصحاب مهنة توشك على الاندثار وتجربة ...
- إغناسيو ألفاريز أوسوريو: الحرب على غزة صراع استعماري وإسرائي ...
- بعد صفعه أحد المعجبين.. -الضحية- يطالب الفنان عمرو دياب بتعو ...
- بالفيديو.. نشطاء حقوق الحيوان يلصقون شخصية من فيلم كرتوني بر ...
- -ثقافة جنسية شاملة-.. مهندسون في -سبيس أكس- يقاضون ماسك
- فتح معبر رأس جدير بين ليبيا وتونس للحالات الإنسانية اعتبارا ...


المزيد.....

- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قالت لنا القدس/ شارع الزهراء8