أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هناء عبيد - ناغوغي الأثيوبي في فلسطين















المزيد.....

ناغوغي الأثيوبي في فلسطين


هناء عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7670 - 2023 / 7 / 12 - 19:13
المحور: الادب والفن
    


ناغوغي الصّغير، رواية للأديب الفلسطيني الدكتور حسن حميد، صدرت عام 2021 عن وزارة الثقافة الفلسطينية، حازت على جائزة نجيب محفوظ الأدبية للرواية الصادرة من مصر. عنوان الرواية يثير الانتباه والفضول، فناغوغي اسم غير مألوف في بلادنا العربيّة وغير متداول، ويثير لدينا الكثير من الفضول والتساؤلات، فهل مثلًا الرواية تتحدث عن طفل أو صبي صغير، وماذا تعني مفردة ناغوغي وإلى أي البلاد تعود؟! عنوان الرواية بلا أدنى شك يشير إلى دقة في الاختيار ، فالعنوان هو أحد عتبات النص المهمة التي يجب انتقاؤها بحرص شديد؛ فهي مفتاحية النص التي تجر القارئ إلى المضي قدما في متابعة النص للتعرف على مدى تطابق هذا العنوان مع ما تبادر لذهنه، ومدى تطابقه مع تفسيره الدلالي للمعنى، ولهذا فإن الرواية بحاجة ماسة إلى عناوين دلالية رمزية جاذبة للقارئ، خاصة في ظل هذا الكم الكبير من الروايات الصادرة في الآونة الأخيرة، مع التأكيد على أن اسم الدكتور حسن حميد وحده كفيل لأن ندرك بأننا أمام عمل أدبي عميق الفكر، ثري المفردات، بديع اللغة، متقن السرد.

جاء إهداء الروائي إلى القدس، ورغم أننا لا يمكن تقييم الإهداء وإبداء الرأي فيه، إذ أنه مسألة شخصية، إلا أن الإهداء للقدس له شأن آخر، فهو يعطينا الضوء الأخضر لتقييمه والحديث عنه، فهل هناك أجمل من القدس كي نقدم له إهداءً خاصًّا متوجًّا بعصير فكرنا ومداد روحنا؟! إنه إهداء كتب بماء الذهب ومباركة السماء .


الرواية تتحدث عن رجل زنجي يدعى ناغوغي وهو من أثيوبيا، صور له الاحتلال أنه سيعيش بكرامة في أرض الميعاد، فجاء إلى فلسطين؛ جنة الأرض والسماء، فكيف لا يأتيها البشر من كل الأفواج، إنها البساتين التي تضم كل ورود الكون وعطره، إنها الجمال الذي يجعلها وجهة لكل الزوار، ولهذا جاء إليها ناغوغي الصغير، جاء إليها لكي يعيش أوقاته في الجنة.لكنه تفاجأ وعاش الصدمة حين وطأت أقدامه ترابها الطاهر، فقد تبين له أنه تمّ خداعه في المهام الموكلة إليه، جاء إلى فلسطين تلبية لما أسموه بالعودة التاريخية الموعودة، وجاء لجني المال وتحقيق الوعود الّتي صورت له أنه سيعيش حياة رغيدة في جنة الله على الأرض، لكنه تفاجأ بالحياة المغايرة للوعود التي أعطوها له، إذ وجد نفسه ذليلًا مضطهدًا يقوم بأعمال شاقة، فكان يعمل في الأرض وينام في اصطبلات البغال، لدرجة أنه كره نفسه للمذلة التي لاقاها فقد عومل مثل قطيع البقر، كان يحفر ويشقى من أجل طعام زهيد، حتى اسمه لم يناديه به أحد مع أنه يعني الضوء واللمعان والبهجة والحضور في أثيوبيا.

تنقل ناغوغي من عمل إلى آخر إلى أن قُبل في الجيش بعد اختبارات كثيرة. تعلم الدين اليهودي ودعى الناس إلى حب إسرائيل وكراهية الفلسطينيين والعرب، رغم ذلك لم يحب إسرائيل، فقد عاش في الكيبوتز لمدة 12 عامًا، كما أنه بعد انتسابه للجيش اكتشف أن منتسبي الجيش لا يتعلمون شيئًا فلسفيًّا سوى القتل الذي يجملونه ويربطونه بالمعتقد الديني، أيضًا تم تعذيبه بالسجن لأنه زنجي أسود، بعد أن طلبوا منه أن يعمل فيه، ولعله عاش تأنيب الضمير لما اقترفه بالسجن من تعذيب للفلسطينيين ولكل من قام بعمل فدائي، منهم على سبيل المثال؛ جاره في السجن مصطفى عباس الذي كان يحبه واعتقد أنه من أثيوبيا، لكنه صدم حينما علم أنه من السودان وأنه قام بعملية فدائية، فكرهه وعذبه.


تعرف ناغوغي على عدة سيدات في فلسطين، كانت إحداهن ريفا البولونية التي انتقل أبوها -مهندس الطيران العسكري- من وارسو إلى إسرائيل، فيما بعد قُتل أبوها وبقيت مع أمها، وشعرت بالندم كما اعتبرت نفسها قاتلة لأنها عملت وتعاونت مع الأمن لتخبر عن الآخرين، وحينما استفاقت من صدمتها ندرت نفسها لأبشع شخص فكان ناغوغي الذي التقته في أحد الليالي بقرب شاحنة القمامة التي كان يعمل بها، لكنها فيما بعد اعتذرت له عن ندرها.
نشأت علاقة عاطفية بينهما وبدأ يحدثها عن حياته في أثيوبيا.

أيضا من السيدات الّتي تعرف عليهن العجوز سابينا التي تأجر بيتا منها وارتبط معها في علاقة عاطفية فيما بعد، ثم تعرف على الراقصة دونا التي طُلب منه حراستها فعمل خادمًا عندها، أحبها وأحبته لكنه هرب منها حتى لا تقتله كما فعلت فيمن أحبتهم من قبله. بعد هربه توجه إلى بلدة سمخ واستأجر بيتًا عند سيدة تدعى شهلا التي أحبته بعكس ابنتها نورا التي كرهته في البداية ثم ما لبثت أن عشقته فيما بعد، وهي من شجعه على كتابة مذكراته بالعبرية.

لم تبتعد ثيمة الرواية عن الواقع، حتى في بعض أحداثها الخيالية، فالعنصرية التي تعرض لها ناغوغي والوحشية التي عومل بها بسبب لون بشرته السمراء، تتجلى بوضوح في معاملة الاحتلال للفلسطيني وهو في عقر داره، فالفلاشون رغم أنهم يهود إلا أنهم عوملوا بوحشية فهم سود وعبيد للشقر، لدرجة أنهم صدقوا بأنهم حيوانات كما أطلق عليهم الاحتلال، وقد كانوا يعملون بمكاسر الرمل والأعمال التي لا يرضى بها أحد، فأصابتهم أمراض الصدر.
أما الصدمة التي واجهها اليهودي الأثيوبي في الوعود الكاذبة والمعاملة الفذة فقد سمعناها من لسان بعض جنود الاحتلال الذين فروا من فلسطين حين تمثلت الحقيقة أمام أعينهم.

لعل الرواية خرجت عن خط الواقعية في قصة الحب التي نشأت بين ناغوغي والفلسطينية نورا، وإن أسلمنا بأن لا عنصرية في الحب، فإننا قد نستهجن قيام علاقة غير شرعية بين أي رجل وأية امرأة فلسطينية، فالأديان والعادات والتقاليد لا تتقبل مثل هذه العلاقات العاطفية في فلسطين التي يغلب عليها طابع التدين والتحفظ.

المكان في الرواية

براعة الروائي حسن حميد في الوصف تجعلنا نمر عبر كل مدينة وقعت فيها أحداث الرواية وكأننا في المكان، ولا يوجد لدي علم إن زار الروائي هذه المدن ليتحدث عنها بهذا الوصف المتقن أم أنه من وحي خياله الخصب، وخاصة حين وصف مدن فلسطين بالتحديد، فالأديب حسن حميد يعيش في سوريا بعيدًا عن حضن الوطن بسبب غطرسة الاحتلال، ولعل ذلك الشوق إلى أرض الجذور فجر براكين تلك اللغة الثرية لتجعلنا نعيش في جنة الفردوس من خلال كل شبر من فلسطين، ففي فصل أفرده للقدس التي أهدى إليها عمله الروائي والذي عنونه "في القدس"، يرسم لنا جنة الأرض والسماء من خلال مفرداته المميزة، فنمشي معه في كل خطوة ونعانق معه كل غصن شجرة زيتون امتدت جذورها لتعانق جذور أجدادنا.
في إجازة الثلاثة أيام ينتقل ناغوغي إلى القدس ويتوه فيها، فهو لا يعرف فيها أحدًا ولا يعرف شوارعها، ولا أمكنتها ولا دروبها ولا ناسها، لهذا استعان بالنادل صبوحة ليكون دليله، وقد حدثنا عنه ناغوغي، فهو يهودي من سوريا يعيش في حارة اليهود في منطقة الشاغور، جاء إلى القدس مكرها، وقد أحبته سعيدة الفلسطينية.

ثم يجوب ناغوغي الناصرة ويصفها لنا؛ فنجوب معه في شوارعها، ولعل وصفه لها نابع من خيال الأديب حسن حميد الذي أعْتَقِد أنه لم يزرها في يوم ما، لكن قريحته جادت بما كان يصوره له ذهنه أو حلمه بها.
كذلك نعيش مع ناغوغي في قريته التي نشأ فيها، فيصف لنا الأماكن ويتحدث عن الحلفا والقصب والأعشاب الطويلة وغيرها مميا تمتاز به قريته(مامينا )في أثيوبيا




شخصيات الرواية

ناغوغي
وهو الشخصية الرئيسية في الرواية؛ الزنجي اليهودي الذي ينتقل إلى فلسطين ليعيش في جنة الأرض، عرفناه تمامًا فيزيائيا من خلال وصف الروائي الدقيق، فهو الرجل الأسود الطويل القوي البنية، كما تعرفنا عليه سيكيولوجيًّا من خلال حواراته الداخلية التي وضحت صراعاته وأحزانه وأفراحه وعاطفته.
وقد تنقلت شخصيته من حالة إلى أخرى فمن الطفل البريء، إلى المراهق، إلى الرجل المتوحش‘ إلى العاشق، إلى الرجل صاحب الضمير، فحينما تعرف ناغوغي على الفلسطينيين عن قرب، ووجد مدى ثقافتهم وعلمهم، أعاد النظر في مواقفه لدرجة أنه أصبح يجد السعادة في مهنته حين أصبح زبالًا، فهي في نظره مهنة أبعدته عن وحشية السجون والجيش المحتل.

ريفا البولونية
اليهودية التي عاشت الندم لأنها تعاملت مع مخابرات الاحتلال مما أدى إلى إزهاق العديد من الأرواح، وقد كانت شخصية تصاعدية فمن إنسانة عديمة الأخلاق تتحول إلى إنسانة يلذعها ضميرها لتحاول تغيير مسارها الأخلاقي.

والدة ناغوني
التي عرفناها من سرد ناغوغي وقد كان لها أثرها الكبير في صنع أخلاقه وبناء شخصيته، واتخاذ قراراته.

نورا
الشخصية التي لم نتعرف عليها كثيرًا، وهي التي حثته على كتابة سيرته الذاتية.
وهناك شخصيات لعبت أدوارًا ثانوية لكن كان لها دورها المهم في سير الأحداث، ولم يكن هناك شخصيات إضافية لا حاجة للنص بها.

لغة الرواية وتقنية السرد
اعتمد الروائي على تقنية المذكرات في السرد، ظهر لنا ذلك بوضوح في بداية الرواية، وقد تنوع التنقل بين الأحداث ما بين تقنية الاسترجاع والحاضر والاستباق.
جاء السرد بضمير المتكلم ليعطي قربًا أكبر من الشخصية،
لغة السرد جاءت بالعربية الفصحى، وقد كانت ثرية بالمفردات والمحسنات البديعية، رافق السرد بعض المقاطع الشعرية.

الرواية إضافة نوعية إلى رفوف المكتبة العربية عامة، والأدب الفلسطيني خاصة.



#هناء_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمال، أم صناعة قبح وإهدار مال؟
- زلازل تهز الوجدان
- قراءة في رواية الأرملة للأديبين ديمة السمان وجميل السلحوت
- قراءة في رواية الأرملة
- قراءة في رواية -يناديها روح- للأديبة نهى عاصم
- صدور رواية منارة الموت للكاتبة المقدسية هناء عبيد
- حليب الضّحى مجموعة قصصية بلون أدبيّ متميّز
- الرغيف الأسود؛ مرآة بؤس المواطن العربي
- حلاوة برتقال يافا في قصة الدكتورة روز اليوسف شعبان
- قراءة في مسرحية بيت ليس لنا
- رواية بلد المنحوس للروائي سهيل كيوان
- رواية اليتيمة والثقافة الشعبية
- قراءة في المجموعة القصصية نوارس تبحث عن الأحباب للأديبة نزهة ...
- حوار مع المهندس أحمد ممدوح حول منصة اليوتيوب وأهميتها في الو ...
- حوار مع الدكتور وليد سرحان حول الاكتئاب
- هل سيطرت منصة اليوتيوب على العالم المعلوماتي؟
- حوار مع الدكتور وليد سرحان حول الخرف.. أجرى الحوار المهندسة ...
- قراءة في قصة السنجابة والعقاب للكاتبة رفيقة عثمان والشاعر صل ...
- نجاح في غزة
- عيون الحب


المزيد.....




- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...
- فيلم السرب 2024 بطولة احمد السقا كامل HD علي ايجي بست | EgyB ...
- أستراليا تستضيف المسابقة الدولية للمؤلفين الناطقين بالروسية ...
- بعد إطلاق صندوق -Big Time-.. مروان حامد يقيم الشراكة الفنية ...
- انطلاق مهرجان أفلام السعودية في مدينة الظهران


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هناء عبيد - ناغوغي الأثيوبي في فلسطين