أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القصبي - أنا والعمانيون..هل كان خيارا ساذجا؟!















المزيد.....


أنا والعمانيون..هل كان خيارا ساذجا؟!


محمد القصبي

الحوار المتمدن-العدد: 7644 - 2023 / 6 / 16 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صباح الخامس من يونيو أيقظني رنين رقم غريب ظهر على شاشة هاتفي..

- أستاذ محمد القصبي ؟
- نعم ..تحت أمرك..
- أنا سالم الجهوري ..نائب رئيس جمعية الصحفيين العمانية .
اهتز القلب فرحا..هذا حالي كلما عبقت أذناي بصوت أحدهم..أشقائي العمانيين..الذين أمضيت عشرين عاما في ديارهم..ومن شهيق نقائهم الإنساني تنفس القلب خلال تلك الفترة ونس الحياة..
- يسعدنا أن نراك ظهر اليوم في الملتقى الصحفي العماني المصري بالمتحف المصري..

دعوة لحضور مناسبة مهمة مثل تلك يتم إبلاغي بها قبل الموعد بثلاث أو أربع ساعات..!!!
رائحة المرار على مايبدو اشتمها في صمتي ..
- اعذرني أخي محمد..نبحث عن رقمك منذ أيام..إلى أن عثرت عليه ليلة أمس مع صديق مصري..
أصدقه..نعم ..رقمي مع سعادة السفير عبد الله الرحبي ..الذي تربطني به علاقة مودة..رغم تباعد الاتصالات.. منذ أكثر من ربع قرن..
لكن في مثل هذه المناسبات هل يكون المرجع للحصول على أرقام الهواتف ..السفير ؟

بل الملحق الإعلامي.. الثقافي..سكرتارية السفارة..
وهؤلاء للأسف لاأعرفهم ولايعرفوني..أجنداتهم تكتنز فقط بأرقام من يطرقون أبوابهم ..وأبواب السفارة ..
ومن وجدوا في أجندته رقمي واحد من هؤلاء..
أبلغني بذلك حين التقينا في قاعة الافتتاح..بل وأذهلني بما هو أكثر :
- أضفت اسمك إلى قائمة المكرمين من الصحفيين المصريين الذين أسهموا في نهضة الصحافة العمانية..!!

وهذا على مايبدو خلل محوري في جيناتي كان له ومازال..أثر سلبي في مشواري الصحفي..الأدبي..الانساني..!!

فأمثالي..ليسوا على شاكلة هذا الصحفي الذي ذكرهم باسمي...أمثالي يتكاسلون عن طرق أبواب السفير والسفارة وموظفيها..ولايجيشون قرون استشعارهم لتحسس برامج وأنشطة واحتفالات السفارات والوزارات..ليكونوا أول من يخطو داخل قاعات الاحتفالات بل..ويقفزون إلى المنصة..!!!!! أمثالي لهم طريق آخر يظنونه - ربما عن وهم- هو الأصوب..هو طريق المجد!!..وهذا مابدا في رحلتي العمانية..وقبل ذلك ..ومنذ الطفولة .. في قريتي ..المعصرة ..

أين مكمن الخطأ؟
عنوان كتاب للمفكر الأمريكي الراحل برنارد لويس يلح علي الآن وأنا أكتب سطوري هذه..!!
.......
في عمان ..كما كنت في مصر..وأينما أكون .. ألتحم بالناس ..بالشارع ..بالقاع..
ليس لاعتبارات تقتضيها مهنة الصحافة..بل لأن هذا كان حالي منذ أن وعيت..
وحين قرأت في شبابي المبكر تلك العبارة لديستويوفسكي: كل إنسان مسئول عن أي إنسان في هذا العالم..
ظننت أن القدر اختار لي الطريق الصواب ..أن أجعل من هموم الناس وأحلامهم أوكسيجين حياة لي..
لذا ..كانت معركتي وزملائي في الجامعة، لنقتنص مفاتيح المدرسة الإعدادية بقريتي ونفتح أبواب فصولها صباحا؛ لتستقبل طلاب وطالبات أبناء الفلاحين الغلابة؛ لتقويتهم دراسيا ومعرفيا..وأباءهم مساء؛ لمحو أميتهم..
ملحمة خضناها خلال العطلات الصيفية، و لمدة أربع سنوات..وما كان أكبرنا قد تجاوز العشرين من عمره..
ورغم أن مشروع محو أمية الفلاحين أخفق، لصعوبة تجييش كل منهم حواسه مساء ليتعلم.. بعد يوم من العمل الشاق في الحقول..إلا أن مشروع تعليم فلذات أكبادهم وعبر سنوات أربع حقق نجاحا شهد به مسئولو الإدارة التعليمية ومنظمة الشباب.. ومالا يقل أهمية ..طوابير الصباح في المدرسة..حيث دقة التنظيم ..ووعي مبكر بدا جليا في الكلمات التي يلقيها الطلاب .
أتذكر أن ضيفا وفد على المدرسة ذات صباح ..وقبل أن يدق جرس بدء اليوم الدراسي..لا أعرفه ..ولاأظنه من أهالي القرية..ربما كان من إحدى القرى المجاورة يرغب في إلحاق ابنه بالمدرسة ..
انشغلت عنه وزملائي بتنظيم فقرات طابور الصباح..
عقب انتهاء الطابور اقترب مني..وأظنه أدرك من خلال حديثي مع المعلمين أنني ناظر المدرسة..وفاجأني:
- أنا موجه من إدارة التربية والتعليم..مش هبالغ لو قلت لك ..مدرستكم دي أكتر تنظيما من المدارس الرسمية..!!!!
أتذكر أن في عامنا الأول من المشروع لم يزد عدد الطلاب والطالبات عن ٢٥ طالبا وطالبة..في الصيف الرابع والأخير تجاوز العدد في المراحل الثلاث: الابتدائية والإعدادية والثانوية ٦٢٠ طالبا وطالبة..

وقبل ذلك بعشر سنوات ..وماكنت قد برحت الثانية عشر من عمري .. أتذكر حين طفحت ماسورة الصرف الصحي في شارع جامع الكبير بقريتي..واحتشد الأهالي ..والكل عاجز سوى عن الكلام.. ذلك أن( زعبله ) المتخصص في مثل هذه الأمور قد مات منذ عدة أشهر.. انسللت من بينهم وقفزت في الحفرة..وكان أمرا بسيطا...مفتاح في حاجة إلى إعادة ربطه بشكل جيد..وأنجزت المهمة..لتلاحقني عبارات الثناء وهم يتراجعون بعيدا..خوفا من أن ألوثهم بماعلق بي من سوائل الحفرة..لأنطلق إلى منزلنا القريب..وأدلف إلى الحمام..مستغرقا مايقرب من ساعة في تنظيف وتطهير الجسد العاري..من قاذورات خياري الغبي... ربما !!!
أتذكر أن ملامحي ..ولا أي معلومة تتعلق بي علقت بذهن عمدة القرية أو وجهائها..حتى حين أصبحت أول صحفي وأول أديب ينبثق من رحم القرية..حتى ما يكتنزه جوجل عن رحلتي الصحفية والأدبية..لاشيء من هذا يعلق بذاكرة أي من أبناء القرية..
هذا لايعني معاناتهم من ضعف في الذاكرة..بل فقط اختلاف الاهتمامات..فما أكثر ماتكتظ به ذاكرتهم من وجوه اختارت طريقا مغايرا للطريق الذي حتمته علي جيناتي..!!
........

أهذا حالي مع أشقائي العمانيين..؟

بعد ٢٠ عاما أمضيتها ألهث بين قراها ومدنها لأكتب عن سعدة وميمونة وجمعة وخلفان ..عن هذا المجهول الإنساني الذي رأيته عظيما ..والنتيجة أن رقم هاتفي..وكل وجودي عبر عقدين في عمان لاأثر له في أجندة المسئول بجمعية الصحفيين في عمان ولا في السفارة..؟!!! وأن من يذكرهم باسمي آخر ..؟
ألأن جيناته لاتعاني ماتعانيه جيناتي ..ألأنه اختار طريق الصواب ليحتل واجهة ذاكرتهم ..؟!!
.......
وما كان قرارا ..بل هو ذات التوجه الجيني الذي لازمني منذ الطفولة في قريتي المعصرة...لازمني أيضا.. ومنذ يومي الأول في السلطنة..ألا أظل حبيس مكتبي المكيف في مقر مجلة الأسرة بشارع مطرح .. ألا أزنزن علاقاتي واتصالاتي فقط بوزارة الإعلام والمطبعة ورئيس التحرير والوزراء واحتفالات الوزارات والشركات، ولايتجاوز عملي الصحفي الساعتين أسبوعيا.. أجمع الصحف والمجلات العربية.. أقص منها وألصق في المجلة ..طبقا للسائد والمألوف آنذاك " صحافة القص واللصق " !!

أبيت أن يكون هذا حالي..والذي لايتفق كما قلت مع تكويني الجيني..
فما مضت سوى بضعة أيام على وصولي مطار السيب الدولي .. إلا و حملت أوراقي وكاميرا التصوير لأخطو إلى موقف سيارات الأجرة في مطرح..مستقلا
إحداها .. تلك المتجهة إلى نزوى..
فإذا بأهالي الولاية وواليها يغمرونني.. وفي عفوية مدهشة.. بكل مشاعر الحب..ليكون استقبالهم هذا تحفيزا لي أن أتجه كل أسبوعين إلى موقف سيارات الأجرة في مطرح ..أستقل إحداها..إلى أي موطيء قدم في الجغرافية العمانية.. تتردد فيه أنفاس عائشة و ميمونة وشنونة وسعدة وجمعة وخلفان..ومئات الآلاف من العمانيين والعمانيات البسطاء..أغمس قلمي في شرايين همومهم..أحلامهم.. وأكتب..
تلك الأجواء غذت قلمي بحكايات مثيرة عن بسطاء عمان.. خميس طالب الشريعة..الذي سعيت إلى محاورته ليفاجؤني بما أذهلني..في منتصف العشرينيات، وفي عصمته زوجات أربع!! ..ويقول لي في زهو أنهن يرتبطن بعلاقات صداقة قوية..بل ان زوجته الأولى هي من زوجته الثانية.. زيجاته..من صنيعة واختيار زوجاته!!
ولم أصدق.. نشرت الحوار ، لتاتي ردود الأفعال من النساء مغايرة لما يقول..
واستهجانهن لما قاله "خميس " المزواج فاض به قلمي على صفحات مجلة الأسرة..وبعد أكثر من ٢٠ عاما فاضت به ذاكرتي على صفحات روايتي "السيدة" التي مارت أحداثها في السلطنة..
ثمة علاقات انسانية يمرح فيها ضمير الجمع ( نا )
بشكل طبيعي: والدنا ..والدتنا.. أخونا ..أختنا..عمنا ..عمتنا..
إلا في العلاقة الزوجية..لاضمير غير ضمير (الياء): زوجي..زوجتي. حبيبي ..حبيبتي..
فلاتستقيم الحياة مع ضمير ال( نا) .. ولا معايشة طبيعية مع (زوجتنا..زوجنا..
حبيبنا..حبيبتنا) ..!!
واتذكر ماقالته لي إحدى القارئات العمانيات عبر مكالمة هاتفية..تعليقا على ماقاله خميس زوج الأربعة : - لاتوجد امرأة سوية تقبل أن يكون لها شريكة في زوجها..!!

........

وكثيرا مانتحدث عن العلاقات العمانية المصرية الراسخة بجذورها في أعماق ٣٥٠٠ سنة من التاريخ..
لكن غالبا ..بل دوما يكون الحديث عن رسوخ العلاقات بين قصور الحكم هنا ..وهناك..
وماذا عن المصري البسيط..عن العماني البسيط..؟
من خلال تجربتي العمانية أرى أن العلاقات بين الشعبين لاتقل رسوخا..علاقات ترتكز ربما على مشاعر فطرية ربطت بين خلفان ابن الرستاق..وعرفان ابن سوهاج..

خلال لقائى برجل أعمال عماني - وكان الحديث عن العلاقات المصرية العمانية-
فاجأنى بواقعة فريدة.. وما سمعت بها من قبل.. حالة من الغضب انتابت العمانيين خلال العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦.. حتى إن المئات منهم زحفوا نحو ميناء جدة، مطالبين بنقلهم إلى مصر للدفاع عنها ضد المعتدين..! هذا الذى سمعته من رجل الأعمال العمانى أوردته فى روايتى «السيدة» .. دون توافر أى يقين عن مدى صحتها.. لكن هى درايتى العميقة بالشخصية العمانية التى تجعلنى لا أستبعد فعلا عظيما مثل هذا من قبل مجاهيل عمان العظماء.

وبدت تلك المشاعر المدهشة فيما كان يحظى به الكاتب د.سعيد العيسائي الملحق العماني الأسبق في القاهرة من حب ومودة بين المصريين ..بدا هذا جليا في أمسية كان العيسائي أحد فرسانها باتحاد كتاب مصر....حتى أنني نشرت مقالا في الأخبار المسائي وأعدت نشره في الحوار المتمدن وموقع محيط خلال ديسمبر ٢٠١٤..بدا عنوانه مثيرا للاستغراب..
"هل يترشح الكاتب العماني سعيد العيسائي في انتخابات البرلمان المصري"!!
وانتهيت في مقالي إلى أن المواطن العماني سعيد العيسائي لما يحظى به من مودة بين المصريين لو ترشح في انتخابات البرلمان المصري ..فسوف يفوز..
فقط ألا يكون ممثلا عن الحزب اللاوطني الفاسد..!!!!!
.....

وما كان يمكنني أن اتجاهل ماتفوه به هذا الطفل الذي لايتجاوز العاشرة كاشفا عن علة المسرح العماني..وقد رصدت تلك الواقعة في أكثر من مقال بالصحف المصرية..

خلال ندوة التعقيب على مسرحية "الرزحة" للأخوين البطاشي التي عرضت خلال مهرجان المسرح العماني الرابع، صعد إلى المنصة طفل عمره عشر سنوات، اسمه عبدالله، ليقول بعفوية: كأن العرض البروفة الأولى للمسرحية!
أذهلتني العبارة، ورغم ما قلته من أنه تفوه بها في عفوية، إلا أن الشكوك انتابتني من أنه ربما لقن ما قال من كبير، وليس أي كبير، بل كبير يعي تماما قواعد صناعة المسرح، وحين عرفت أن والدته هي رحيمة الجابرية مسؤولة النشاط المسرحي بجامعة السلطان قابوس، ازدادت شكوكي، بحثت عنها .. سألتها: أأحد لقن عبد الله ما قال؟! فنفت ذلك تماما.
فكتبت في أكثر من مقال بالصحف المصرية : الطفل عبد الله حدد لنا إلى حد كبير مشكلة المسرح العماني، إنه يبدو وكأنه مثقل بأخطاء البروفة الأولى لأي عرض!!!!!
...............
وأنا أكتب سطوري تلك تقفز إلى الذاكرة قصة ميمونة بنت هلال .. عادية ..فقيرة. .لكنها
واحدة ممن كشفت ملحمة البناء والتنمية في عمان عن جوهرها الوطني والإنساني العميق ..

أرملة وماتجاوزت الثلاثين ..توفي زوجها..وترك لها منزلا وطفلين..و..قدرا كبيرا من الهموم..تلاحقها في هيئة علامة استفهام ضخمة تتراقص أمام عينيها رقصة المردة: كيف تواجه أعباء الحياة وحدها؟!! استطاعت أن تدبر مبلغا من المال اشترت به ماكينة خياطة..وأخذت تصنع الملابس العمانية وتبيعها..حل لابأس به..لكن ليس من الحكمة أن ترضى ميمونة بهذا الحل إلى مالانهاية..نعم إنه يدر عليها قدرا من الدخل يكفيها للوفاء بمقتضيات الحياة اليومية..ولكن ما الذي يمكن أن تضيفه ماكينة الخياطة إلى شخصيتها ؟! إنها تريد أن ترقى بذاتها..وهذا لن يتأتى إلا بالتعليم ..فإن تعلمت يمكنها أن تحصل على وظيفة بعد ذلك..صحيح أنها أمية ..وأن عليها أن تبدأ السلم من أوله..ولكن ماذا في ذلك ؟! لديها من قوة الإرادة مايجعلها تصمد سنوات طويلة إلى أن تحقق حلمها..لكن الحلم اصطدم بأكثر من عقبة..فأقرب مركز لمحو الأمية يبعد عن منطقة الشبيكة التي تقطنها مالا يقل عن ١٠ كيلومترات..مسافة لاتستطيع أن تقطعها ذهابا وإيابا يوميا ..
- لوتفتح إدارة التربية والتعليم فصلا لمحو الأمية في منطقتنا تلك !! باحت بأملها هذا إلى إحدى صديقاتها والتي ردت:
- هذا ممكن لو أبدى عدد كبير من نساء المنطقة نفس الرغبة.. - ألاتريدين أن تتعلمي ؟ سألت ميمونة صديقتها التي كانت أيضا تجهل القراءة والكتابة.. ردت الصديقة بحماس: - بلى.. أريد أن أتعلم.. - إذن لماذا لانتحدث مع نساء القرية في هذا الأمر؟

طرقت ميمونة
وصديقتها أبواب المنازل ..ووافق بعض من النساء ..ثم توجهن جميعا إلى إدارة التربية والتعليم بالرستاق ..طرحن حلمهن على الأستاذ علي الشيدي مدير الإدارة الذي لم يخف إعجابه بحماسهن..وافق على فتح فصل محو الأمية بالقرية ..لكن أين.. ؟ على أهالي القرية توفير مقر..على الفور أبدت ميمونة استعدادها لأن يكون المقر في مجلس بيتها الذي كانت تصنع به الملابس العمانية ..نظرت النساء إلى ميمونة نظرة إعجاب أكثر من كونها نظرة إشفاق..فها هي ستوقف المهنة الوحيدة التي تعرفها والتي تدر عليها دخلا هي في مسيس الحاجة إليه..ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الدراسة في الفصل ..في مجلس بيت ميمونة.. عند زيارتي لفصل محو الأمية هذا وجدت به حوالي ثلاثين دارسة..تتوسطهم ميمونة التي تتابع المعلمة في تركيز وبجوارها إحدى طفلتيها..
أحاول أن أدير حوارا مع ميمونة ..لكنها لاتتكلم.. ربما لأنها لاترى أن مافعلته يستحق كل هذا الاهتمام..ربما لأنها لاتجيد فن الكلام ..فن تسويق نفسها..!!!

ذيلت مقالي في مجلة الأسرة بتلك العبارة : أيا كان الأمر يا ميمونة ..فأنت امرأة عظيمة ..بل ماأعظمك..!!

ألهمتني قصة ميمونة بنت هلال فكرة تنظيم مسابقة سنوية للأم المثالية..
تم الإعلان عن المسابقة عبر صفحات المجلة..وأعرب المسؤولون في وزارتي التربية والتعليم و الشؤون الاجتماعية والعمل عن ترحيبهم بالمشروع..وكان هذا حال جمعية المرأة العمانية ..مدير أحد فنادق العاصمة أبدى استعداده لاستضافة حفل توزيع الجوائز..وتحمل كل النفقات..وتسابقت الشركات للتبرع بالهدايا للفائزات..
فكان يوما مشهودا.....
في الصف الأول من القاعة الفخمة جلست الفائزات الأربع..سعدةسالمين..موزة..سلامة.. شنونة..
وبالجوار المذيعة منى المنذري..أميرة الكندي رئيسة جمعية المرأة..أمل جاسم..مديرة إحدى المدارس الثانوية..نسرين القاضي..عائشة الريامي المسئولتين بوزارة الشئون الاجتماعية..
والكل يغمرن الأمهات الأربع..عظيمات عمان..
بنظرات الإعجاب..
.......

مدام صديقة عبدواني زوجة رئيس التحرير يبدو على وجهها الإرهاق..ربما كانت مريضة..محررو الأسرة يطلبون منها أن تستريح قليلا..أو تعود إلى المنزل..ترفض..بل وتتحرك كالنحلة بين ردهات الفندق في حرص شديد على توفير كل فرص النجاح للحفل.. منى محفوظ.. بحسها الإعلامي أدركت أهمية الحدث..تمحور اهتمامها على إجراء مقابلات تليفزيونية
مع هؤلاء الأمهات..ليتضاعف حماسها حين علمت بظروفهن الاجتماعية القاسية، ورحلة صمودهن في مواجهة تلك الظروف..خاصة وجميعهن ينتمين إلى أعماق عمان..صحار..بدية..جعلان..
قريات..مناطق الظل إعلاميا..
......
أكان هذا بالاختيار الخاطيء ..أن ألهث بأوراقي وأقلامي بين ولايات السلطنة وقراها.. أحاور خميس وجمعة وخلفان وسعدة وميمونة..
وغيرهم من مجاهيل عمان..؟
......
قبيل افتتاح الملتقى الصحفي ظهر الخامس من يونيو الذي دعيت اليه في اللحظة الأخيرة..وربما في الوقت الضائع !!!..فوجئت بشاب عماني يقبل علي معانقا ووجهه يفيض بالفرحة..

- منذ لحظة وصولي إلى مطار القاهرة أمس وأنا اسأل عنك.. اسمي زياد..سيناريست..لدي رسالة من والدتي... ألحت علي أن أبحث عنك..وأنقل لك تحياتها...وامتنانها..
أتطلع إليه باستغراب..متلهفا للمزيد..كي أعي ما يقول :
- والدتي شاعرة..تقول انك حين قرأت بعض نصوصها ..أعجبك ماتكتب..وبدأت تنشر لها في المجلة.

- نعم..أتذكرها..
-وهي لاتنسى لك هذا أبدا..
شددت على يده بحرارة ..بامتنان..لأنه في لحظة فارقة أهداني حقيقتي..أن جيناتي
دفعت بي إلى الطريق الصواب..حين كابدت لتعليم أبناء الفلاحين في قريتي..

حين حملت أوراقي وأقلامي جائلا في ولايات وقرى عمان..وجعلت من سعدة سالمين وميمونة الريامي وليس سعاد حسني وفاتن حمامة نجمتي غلاف مجلة الأسرة.. حين بسطت صفحات المجلة لقصائد والدة زياد وهي في خطوها الأدبي الأول..
....
إذن هو الطريق الصواب حتى لو غابت ملامحي عن ذاكرة عمدة قريتي ..عن ذاكرة السفراء والوزراء ..حتى لو لم تضم أجندة سالم الجهوري رقم هاتفي...!!!!
......
عقب انتهاء الحفل..وأنا عائد إلى منزلي اتصلت بالشاعرة الكبيرة د.سعيد بنت خاطر الفارسي..سألتها عن رقم الروائي زهران القاسمي الفائز ببوكر العربية..دقائق وأرسلت لي الرقم..تواصلت معه..اقترحت أن تكون روايته "تغريبة القافر" الفائزة بالجائزة موضوع إحدى ندوات نادي القصة العريق..لم يخف سعادته..وقال انه سيأتي القاهرة في أغسطس..هاتفت زملائي في مجلس إدارة النادي مقترحا أن تكون ندوتنا في شهر أغسطس.. حول رواية تغريبة القافر..
ليبلغني أحدهم - الكاتب شوقي عبد الحميد- أنه انتهى بالفعل من كتابة دراسة عن الرواية..رجوته أن يرسلها حالا.. هاتفت الفنان أحمد مجدي ..المخرج الفني لمجلة القصة التي أشرف برئاسة تحريرها..ودعوته لحجز مكان لنشر الدراسة
..
يسألني أحد الصحفيين الذين كانوا برفقتي في السيارة: مانادي القصة هذا ؟
هممت أن أشرح له أن نادي القصة هو أعرق المنتديات الثقافية في العالم العربي ..أنشأه عام ١٩٥٣ يوسف السباعي وطه حسين وتوفيق الحكيم..ونجيب محفوظ..لكنني تراجعت ..خشية أن يسأل: ومن طه حسين ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ..!!!
والتزمت الصمت !!!!



#محمد_القصبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كالعادة .. شيطان العامية يشارك في احتفال تربية عين الشمس.. ب ...
- ماأتعسها - صاحبة الجلالة - بحرسها الملكي !!
- كوارث المناخ..فعلة الكبار..هل بمقدور الصباغ وأمثاله مواجهتها ...
- هل تكيف إعلامنا مع القبح والجهل والفساد ؟!!
- نحن ظاهرة صوتية فاشلة ..هل لدى نقيب الصحفيين خيار آخر؟!!
- كوارث الصحافة ربما ليس من بينها انتحار عماد الفقي!
- بين هرمنة النص وشيطنته..في ندوة نادي القصة
- هل خانت -ايمان- زوجها؟!..أهو مثل سارتر ..ديوث؟!
- لنبدأ بكتاب النيابة العامة لعلاج أنيميا الثقافة القانونية
- أين الأدب من انسحاق مصر أكتوبر بين الانفتاح وسلفية البترودول ...
- نجحنا في تحصين الشوارع..فماذا عن تحصين العقول؟!
- هل سقط المثقف من حسابات الدولة؟!
- شعب من الزبالين!
- حتى لايقع السيسي في خطأ عبد الناصر
- ماذا لوكانت مؤامرة اخوانية ياوزير التعليم؟!
- أنا والسيدة الأولى والمناضل الناصري!
- لو اختاروني وزير ثقافة!
- أعداؤك ياسيسي في الداخل
- وماذاعن عمارة الشوارع.. ياوزير الأوقاف ؟!
- وماذاعن عمارة الشوارع.. سيدي خطيب مسجد الحاجة حورية؟!


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد القصبي - أنا والعمانيون..هل كان خيارا ساذجا؟!