أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - الجزء الثالث قراءة في كتاب (محاضرات في تاريخ النقد عند العرب)















المزيد.....


الجزء الثالث قراءة في كتاب (محاضرات في تاريخ النقد عند العرب)


عبدالله بير

الحوار المتمدن-العدد: 7637 - 2023 / 6 / 9 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


الجزء الثالث
الفصل الثامن
ابن طباطبا و عملية الإبداع الشعري
يعد كتاب( عيار الشعر) لابن طباطبا من الكتب المهمة في النقد الأدبي حيث رسم ابن طباطبا فيه ملامح واضحة للنظرية الأدبية المتعلقة بمفهوم الشعر و قواعده و أصوله مما يمكن للشاعر و الناقد معاً من الوصول إلى المستوى الجيد في معرفة الأشعار و نظمها معتمداً على ما استمده و أستخلصه من دراسات السابقين من علماء الشعر، وعلى خبرته الخاصة في هذا المجال.
كتاب(عيار الشعر) معني بتجديد أصول الفن الشعري مما يجعله يلتقي مع كتاب(نقد الشعر) لقدامة بن جعفر و كتاب(منهاج البلغاء و سراج الأدباء) لحازم القرطاجني، و( ذلك لان هذه الكتب الثلاثة تشغل بقضية تأصيل الفن الشعري في ذاته و تحاول أن تقدم تصورات نقدية متماسكة تحدد ماهية الفن الشعري كما تحدد وظيفة له على الشعراء). حسب تعريف د. محمد جابر عصفور في كتابه(مفهوم الشعر).
يتسم كتاب(عيار الشعر) عن باقي الكتب النقد في عصره على تفهم معارف عصره و الأستفادة منها في فهم الشعر و كتابة ما يتعلق لمعاييره فهماً يبروز الروح العربية الخالصة بعيداً عن مصطلحات الفلاسفة أو تأثيرات اليونان و ثقافتهم.
تعريف الشعراء و أدواته عند ابن طباطبا:
عرف ابن طباطبا الشعر بأنه ( كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم، بما خُص به من النظم الذي إن عُدل عن جهته مجته الأسماع، وفسد على الذوق). يكمن تعريف آخر للشعر عند ابن طباطبا وهو أرتباطه بالنظم و هو كون الشعر صورة للنفس الإنسانية أتخذت قوالب الشعر وسيلة للتعبير عن جوهر النفس و يلاحظ أن ابن طباطبا استعمل مصطلح النظم بدلاً من الوزن و القافية، وهو مصطلح له أبعاده المرتبطة بتفسير إعجاز القرآن و باقي درجات البلاغة التي لا تتفصل عن الذوق، فمن أضطرب عليه الذوق إذن لم يستطيع تصحيح الشعر و تقويمه بمعرفة المعروض أو الحذق به إلا إذا تحولت المعرفة المستفادة إلى شيء كالطبع الذي لا تكلف معه. يحدد ابن طباطبا أدوات معينة للشعر لا يستطيع الشاعر قول الشعر إذا لم يحضر تلك الأدوات( و للشعر أدوات يجب إعدادها قبل مراسه و تكلف نظمه، فمن تعصت عليه أداة من أدواته لم يكمل له ما تكلف منه، و بأن الخلل في نظمه و لحقته العيوب من كل جهة).
الأدوات التي أشار إليها ابن طباطبا هي:
1- التوسع في اللغة.
2- البراعة في فهم الإعراب.
3- الرواية لفنون الأدب.
4- المعرفة بأيام الناس و انسابهم و مناقبهم و مثالبهم.
جعل ابن طباطبا بالإضافة إلى هذه الأدوات، معرفة الشاعر شرط أساسي ليستطيع استنباط من تجربته الشعرية بالذات و هي ما يتعلق بوجوب رواية فنون الآداب شعراً و نثراً و الإطلاع على طرائق الأدباء في التعبير و أساليبهم في الأوصاف شعراً و قصصاً و أمثالاً و رسائل. أضاف ابن طباطبا عنصر آخر من عناصر الثقافة الواجب توافرها للشاعر ألا وهو العقل.
مهمة الشاعر عند ابن طباطبا:
إن مهمة الشاعر في نظر ابن طباطبا تجدها واضحة في أفكار بثها في ثنايا كتابه، ومن المهام التي أوضحها وهي:
1- توخي الشاعر الصدق المرادف للحسن و تجنب القبيح المرادف للباطل.
2- أستطاعة الشاعر تقديم إثارة للمتعة الفنية التي لا تتعلق بالألفاظ وحدها و لا المعاني وحدها للقاريء أو السامع ، إنما يكون الشعر جيد هو الذي (فيلتذ الفهم بحسن معانيه كتذاذ السمع بمونق ألفاظه...).
3- جعل الشعر القديم القدوة الحسنى فيما يقراه الشاعر و يحتذي حذوه لإعجابه به، و كذلك إعجابه بالجانب الأخلاقي الذي تمثل بالقيم الخلقية الرفيعة التي أودعها الشعراء أشعارهم.
4- صدق الشاعر في حمل القيم التي يبثها في أشعاره.
5- قدرة الشاعر في التعبير عن هواجس النفوس و كوامن العقول فيحسن العبارة عنها و إظهار ما يمكن في الضمائر فيها فيبتهج السامع لما يرد عليه مما قد عرفه طبعه و قبله فهمه فيثار بذلك ما كان دفيناً و يبرز ماكان مكوناً فينكشف للفهم غطاءه فيتمكن من وجدانه بعد العناء في نشدانه.
عملية الإبداع الشعري لدى ابن طباطبا:
تناول ابن طباطبا عملية الإبداع مرة كناقد و أخرى كباحث وهو أول من تناول عملية الإبداعي الفني للقصيدة العربية بتتبع المراحل التي يخطوها الشاعر إبتداء من وضعه الفكرة التي تستدعي قول الشعر، و حتى أستوائها قصيدة شعرية متكاملة.
فالشعر عند ابن طباطبا نتاج فكري هو و النثر يدوران في إطار الموهبة الواحدة و الإبداع الفني الصادر عن وعي عقلي و إرادة متمكنة و يقسم مراحل نظم القصيدة إلى ما يلي:
1- مرحلة كونها فكرة مجردة (نثراً).
2- تشكيل الفكرة النثرية بقوالب الشعر و ألفاظه و قوافيه و أوزانه.
3- التسلسل في الأبيات و تلاحمها.
4- تهذيب و إعادة النظرة في القصيدة.
يرى ابن طباطبا أن أول مراحل إبداع القصيدة هو كونها فكرة تجول في خاطر الشاعر نثراً(فإذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكرة نثراً).
لكن هذه النظرة قد تثير تساؤلاً معنياً، هل يكون العقل حقاً في حالة وعي كامل في المرحلة الأولى من مراحل إبداع القصيدة أو هل يصاحب العقل الواعي عملية الإبداع الشعري أم أن الشعراء ملمون مبدعون يكونون في لحظة الإلهام في حالة شبه غيبوبة عن الوعي و العقل و الإرادة.
يعتبر ابن طباطبا من أوائل من تنبه غلى هذا الضرب من التألف الشعري الذي يدعي أصحابه أن العقل مواكب له سيطر على مراحله بدءاً من المرحلة الأولى إلى مرحلة التفكير في المعاني أو مقاصد الشعر.
أما المرحلة الثانية لعملية الإبداع الشعري فهي أن ينظم الشاعر ما جال في ذهنه نثراً فينظمه بألفاظ ملائمة للمعاني يسلكها كلها بقالب الأبيات الشعرية و على أن يفكر بالوزن الذي يختاره و القافية التي يجب أن تكون ملائمة للمعنى.
كرر ابن طباطبا فكرة أرتباط الشعر بالنثر في أكثر من موضوع و نفهم منه نظرية الموحدة إلى الفن الأدبي شعراً كان أم نثراً. و بذا تكون المرحلة الأولىَ في نظم القصيدة وهي محض معنى نثراً مرحلة فنية ايضاً لأن النثر الجيد في نظر ابن طباطبا لا يقل مكانة عن الشعر الجيد و قد رأى ايضاً أن الأشعار الجيدة المحكمة و المتقنة إذا نقضت و جعلت نثراً لم تبطل جودة معانيها و لم تفقد جزالة ألفاظها.
المرحلة الثالثة هي تسلسل الأبيات و بناء القصيدة حيث يخطو الشاعر بقصيدته خطوة اخرى حيث أستطاع أن ينظم المعنى الذي دار في ذهنه شعراً ووضعه في قالب القصيدة الذي أختاره فانتظم في أبيات متفرقة يجمعها وزن واحد و قافية واحدة.
المرحلة الرابعة هي عملية إعادة تنظيم أبيات القصيدة و ترتيبها، فيضع بيتاً بعد بيت و يقدم واحداً على آخرى و قد يحتاج إلى نظم أبيات آخرى ليست لها علاقة مباشرة بالمعنى الذي قامت عليه القصيدة و لكنها ضرورية لربط معاني أبيات القصيدة الرئيسية بعضها ببعض لتكون وحدة موضوعية للقصيدة تترابط فيها أبياتها ترابطاً وثيقاً.
المهم فيها أن الشاعر في نظر ابن طباطبا يلجأ في هذه المرحلة إلى تلبية شرط الأخير و هي إعادة النظر و التهذيب و يقف الشاعر عندها وقفة طويلة بعد أن اكتمل القصيدة، فيراجع الكلمات و القوافي و يغير فيها ألفاظ.
يرى ابن طباطبا كغيره من النقاد أن الشعر صناعة و العملية الشعرية بالمهنة التي يتفاوت فيها اصحابها بمقدار تفننهم و إبداعهم فيها كصناعة النسيج و الرسم و الصياغة فيقول(يكون كالنساج الحاذق الذي يفوف وشيه باحسن التفويف و يسديه و ينبره و لا يهلهل شيئاً منه فيشينه، و كالنقاش الرقيق الذي يصنع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه و يشبع كل صبغ منها حتى يتضاعف حسنه في العيان، و كناظم الجوهر الذي يؤلف بين النفيس منها و الثمين الرائق و لا يشين عقوده بأن يتفاوت بين جواهرها في نظمها و تنسيقها).
محنة الشعراء المحدثين و عملية الإبداع الفني عند ابن طباطبا:
بما أن الشعر القديم اصبح المثل الشعري الأعلى لدى الناس متى ما أتى شاعر حديث بشيء من الشعر يقوم الناس بمقارنة بتلك الهالة الكبيرة التي يتمتع بها الشعر القديم و يفقد الحديث بريقه إزاء بريق الشعر القديم و مجال معانيه و أساليبه، فكيف يتسنى للشاعر المحدث أن يأتي بالجيد الجديد الذي يضاهي القديم مجالاً و أبداعاً و لا يكون عالة عليه؟ سميت هذه الحالة بالمحنة، هنا حاول ابن طباطبا جمع آرائه في أسباب المحنة.
1- أول هذه الأسباب أحساس ابن طباطبا الذي يمثل أحساس الشعراء المحدثين إن الشعراء القدماء قد أستوفوا الحديث من المعاني و تداولوا الأفكار التي يمكن أن تخطر ببال الشاعر يصور أخيلة حميلة لم تترك مجالاً للشاعر المحدث لان يضيف أو يبدع أكثر مما أبدعوه.
2- ثاني أسباب المحنة فيظهر في نظرة ابن طباطبا إلى دوافع الشعر و مقارنته بين القديم و الحديث فيها.
3- ثالث أسباب المحنة يظهر في رأي ابن طباطبا في بُعد الشعراء عن الأصالة العربية و كون أشعارهم صادرة عن تكلف و معاناة بخلاف الشعر القديم الذي صدر أصحابه عن طبع عربي صحيح و لغة قويمة.
كيف عالج ابن طباطبا مشكلة المحنة و أزمة المعاني:
تناول علاج هذه المحنة في عدة نقاط و من أهمها:
1- إذا تناول الشاعر المعاني التي سبقت إليها فأبرزها في أحسن من الكسوة التي عليها لم يعب بل وجب له فضل لطفه و إحسانه منه.
2- استعمال معاني الشعراء الأقدمين في غرض غير الغرض الذي أوردوها.
3- أستبدال الصورة التي ورد فيها المعنى بصورة أخرى تظهر بمظهر جديد يموه الأخذ و السرقة.
4- أخذ معاني النثر اللطيفة منها في الأشعار.
عكس المعنى و تكراره في شعر الشاعر الواحد بعبارات مختلفة و إذا أنقلبت الحالة التي يصف فيها ما يصف قلب ذلك المعنى و لم يخرج عن حده الإصابة فيه.
الفصل التاسع
قدامة بن جعفر( الأثر اليوناني في النقد العربي)
يعود السبب لأهمية مكانة قدامة بن جعفر في تأريخ النقد العربي إلى نقطتين:
1- كتابه(نقد الشعر) تعتبر أول محاولة لدراسة الشعر على أساس نظري واضح و متكامل.
2- تأثره بشكل أو بأخر بالأفكار الأرسطية في الشعر و يعتبر من أوائل النقاد في هذا المجال.
يرى النقاد أن تأثير قدامة بالثقافة اليونانية فتحت أمامه أبواب جدبدة في النقد و كان ممن ساهموا دفع عجلة النقد إلى الأمام لأن هذه الثقافة مكنته من دراسة القواعد العامة للنقد بصفته علماً و أبعدته عن دراسة الشعر بصفته فناً بل جعله أقرب إلى أصول المنطق، لهذا من الأسباب التي ألف كتابه المشهور (نقد الشعر) و لاحظ قدامة أن العلم بالشعر خمسة أقسام:
1- علم ينسب إلى وزنه و عروضه.
2- علم ينسب إلى قوافيه و مقاطعه.
3- علم ينسب إلى غريبه و لغته.
4- علم ينسب إلى معانيه و المقصد منه.
5- علم ينسب إلى جيده و ردئيه.
أهتم النقاد الذين سبقوه بالعلوم الأربع الأولى و ألفوا كتباً عنه و لكن العلم الخامس لم يجد مَن يتطرق إليه ووضع كتاب له، لذا يعتبر مهمة النقد عند قدامة ليس من الأبواب الأربعة الأولى بل يتجاوز إلى فرز ما هو جيد و رديء في الشعر، فيُعرف الشعر( بأنه قول موزون مقفى يدل على معنى) فالشعر بصفته( قول) يميزه من الذي ليس بقول، و كونه (موزون) يفصله عما ليس موزون، و قوله(مقفى) يميزه من الأقوال الموزونة غير المقفاة، و قوله(يدل على معنى) يميز القول الموزون المقفى ذا المعنى من مثيله مما لا يدل على معنى. و يعتبر هذا التعريف جامع مانع كما أعترف بذلك كل دارسين للشعر، أهتم قدامة في نقده بالشعر و ليس بالشاعر و هذا يعتبر قفزة نوعية في تأريخ النقد و أهتم بالجودة و ربط الشعر بالصناعة.
المعاني في الشعر:
يعتبر قدامة أول مَن حصر أغراض الشعر و تتبع معانيه و إنه كان متأثراً في هذا بارسطو، كان قدامة يدرك صعوبة حصر المعاني فيقول( لما كانت أقسام المعاني التي يحتاج فيها إلى أن تكون على هذه الصفة " مواجهاً للغرض المقصود" مما لا نهاية لعدده و لم يمكن أن يؤتى على تعديد جميع ذلك. و لا أن يبلغ ىآخره، رأيت أن أذكر منه صدراً ينبيء عن نفسه و يكون مثالاً لغيره. و عبرة لما لم أذكره. , أن أجعل ذلك في الإعلام من أغراض الشعر. و ما هم عليه أكثر خوفاً، و عليه أشد دوماً. وهو المديح و الهجاء و النسب و المراثي و الوصف و التشبيه) فحصر المعاني إذن في هذه الأغراض الستة بسبب أن الشعراء أو معظمهم يدورون في إطارها.
أغراض الشعر:
نظر قدامة للشعر بصفته مدحاً أو هجاء إنعكاس لتأثير الأرسطي، فيقول (لما كانت فضائل الناس من حيث أنهم ناس لا من طريق ما هم مشتركون فيه مع سائر الحيوان، على ما عليه أهل الألباب من اتفاق في ذلك، إنما هي العقل و الشجاعة و العدل و العفة، كان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع الخصال مصيباً و المادح بغيرها خطأ.)
كما عرفنا في السابق أن أركان الشعر أربعة حسب تعريف قدامة ( اللفظ و المعنى و الوزن و القافية) و لكل ركن أو عنصر من العناصر الأربعة نعوت (صفات) و تكتسب نعوتاً آخرى عندما يأتلف كل عنصر مع غير و تنشأ عن ذلك مركبات أربعة على الوجه التالي:
1- إئتلاف اللفظ مع المعنى.
2- إئتلاف اللفظ مع الوزن.
3- إئتلاف المعنى مع الوزن.
4- إئتلاف القافية مع المعنى.
يقول قدامة ( صارت أجناس الشعر ثمانية، وهي الأربعة المفردات البسائط التي يدل عليها وحده. و الأربعة المؤلفات منها).
يقيس قدامة جودة الشعر بتوافر هذه النعوت(صفات الجودة) المفردات و المركبات فيها، كما تعتمد جودة و رداءة الشعر تعتمد على توافر هذه العناصر فيها، أي كلما توافرت هذه العناصر زادت الجودة و كلما قلت هذه العناصر زادت رداءة.
نعوت المفردات و عيوبها:
يعرف قدامة النعت ( نعت اللفظ أن يكون سمحاً سهل المخارج، عليه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة) و من عيوب اللفظ أيضاَ فهي أن يكون( جارياً، على غير سبيل الأعراب و اللغة) و من عيوبه أيضاً ( المعاطلة) أي مداخلة الشيء في الشيء. يقال تعاطلت الجرادتا إذا ركبت إحدهما الأخرى. ليس ذلك عنده غير الإستعارة الفاحشة و نعت الوزن أن يكون سهل العروض و عيوبه فهي الخروج عن العروض، و نعت القوافي أن تكون عذبة الحرف سلس الخروج و عيوب القوافي كثيرة منها ( التجميع و الاقواء و السناد و الإيطاء).
التجميع: وهو أن يكون القافية المصراع الأول من البيت الأول على رؤى متهيء لأن تكون قافية أخر البيت فتأتي بخلافه.
الإقواء: وهو أن يختلف إعراب القوافي فتكون قافية مرفوعة مثلاً و أخرى مخفوضة وهذا في شعر الأعراب كثير جداً.
الإيطاء: هو تتفق القافيتان في قصيدة فإن زادت على اثنين فهو أسمج فإن اتفق اللفظ و اختلف المعنى كان جائراً و الإيطاء من المؤطاة اي الموافقة.
السناد: هو أن يختلف تصريف قافيتين. و السناد من قولهم خروج بنو فلان برأسين متساندين، أي كل فريق منهم على حياله.
رأى قدامة أن ما يجعل الشعر شعراً هو الشكل و الصياغة و ليس المعنى، ومن هنا تنطلق من كون الصياغة أو الشكل تحتل الموقع الأول في معايير الحكم على الشعر بالجودة و الرداءة، فيقول(ومما يجب تقدمته و توطيده قبل ما أريد أن أتكلم فيه عن المعاني كلها معرضة للشاعر، وله أن يتكلم فيها ما احب و أثر من غير أن يحضر عليه معنى يروم الكلام فيه، إذ كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة و الشعر فيها كالصور كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها مثل الخشب للنجار و الفضة للصياغة).
من خصائص الشكل الشعري عند قدامة و إن لم يكن ضرورياً و لازماً في كل نص - التسجيع داخل البيت أو ما يسميه قدامة (الترصيع) وهو ( أن يتوخى فيه الشاعر تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو جنس واحد في التصريف).
الفصل العاشر
الآمدي و منهج الموازنة.
عرفت الموازنة بين الشعراء وسيلة للمفاضلة بينهم و تقويم أشعارهم و إصدار حكم على أفضلية شاعر على أخر. لقد اتخذ لاآمدي الموازنة منهجاً نقدياً رسم معالمه ووضح خطواته منذ الصفحة الأولى من كتابه (الموازنة) و تابع سيرة فيها في ثنايا فصوله و مباحثه حتى صار رائداً فيها. تبدو الموازنة التي أختارها الآمدي له في كتابه متطورة و جامعة لأنواع الموازنات المتناثرة التي عرفها نقد الأدب العربي في مجالس الأدب، حيث ألف كتابه في الموازنة بين الشاعرين أبو تمام و البحتري، لأنه يجمع بينهما النسب الواحد و العصر الواحد و الأهم من هذا كونهما متفقين في صفتين مهمتين هما غزارة شعريهما و كثرة جيديهما و بدائعهما، لذلك قال الآمدي مبيناً سبب تأليفه الكتاب هو كثرة ما شاهده و رأه من رواة أشعار المتأخرين ممن (يزعمون أن الشعر عند أبي تمام حبيب بن أوس الطائي لا يتعلق بجيده جيد أمثاله وردية مطرح مرذول فلهذا كان مختلفاً لا يتشابه و إن الشعر عند الوليد بن عبيدالله البحتري صحيح السبك حسن الديباجة. ليس فيه سفساف و لا رديء و لا مطروح و لهذا صار مستوياً يشبه بعضه بعضاً).
قارن الآمدي بين الشاعرين و عرض فيه وجهتي نظر فريقين مختلفين و أراد الآمدي منذ البداية أن يبين أن الإختلاف في تفضيل أحدهما على الآخر طبيعي لكثرة جيدهما و بدائعهما فهما إذن متقاربان في الإجادة و الابداع. و ذكر عددة نقاط منها اختلاف الناس في أشعارهما مردود إلى اختلاف أذواقهم و مذاهبهم الأدبية. و مدى مشابهة أشعار الشاعر بأشعار القدماء التي اصطلحوا عليها بمصطلح عمود الشعر و كان أبي تمام في كفة الشعراء الخارجيين على عمود الشعر العربي. و المسألة الأخيرة وهي أن الاختلاف في الموقف إزاء شاعر ما مقابل آخر أمر طبيعي في تاريخ الأدب، لأن الناس لم يتفقوا على أي شاعر أشعر منذ القديم.
حجج الفريقين:
يعرض الآمدي في البداية حجج الفريقين المتعصبين لأبي تمام و البحتري و يريد أن يجعل القاريء على بينة من آراء كل فريق ليزداد بصيرة و قوة و ليكون رأيه في أي واحد منهما عن معرفة و وعي لا عن تقليد و تعصب. ثم يبدأ بعدها سماها منهج الكتاب منطلقاً فيما يبدو من موضوعات الفقرات السابقة فيذكر طرفاً من سرقات أبي تمام و حالاته و غلطه و ساقط شعره و مساويء البحتري في أخذ ما أخذه من معاني أبي تمام و غير ذلك من غلطه في بعض معاينة ثم يوازن بين شعريهما قصيدة و قصيدة إذا اتفقا في الوزن و القافية و إعراب القافية بين معنى و معنى فإن محاسنها تظهر في تضاعف ذلك و تنكشف.
منهج الوازنة في التطبيق:
قام الآمدي بموازنة بين أبيات الشاعرين و الشعراء الآخرين لغرض كشف السرقات في المعني و الألفاظ و قام بشرح الأبيات و عرض أغراضها و معانيها ليكون القاريء على دراية كاملة لحكمه .
تقويم المحدثين لموازنة الآمدي:
أثار منهج الآمدي هذا بعض الخلاف بين الباحثين القدماء و المحدثين فأتهم بالعتصب للبحتري و التقصد للحط من شأن أبي تمام، عرض الكتاب آراء القدماء و المحدثين حول الموازنة التي قام بها الآمدي بين البحتري و أبي تمام و عرضوا آراء الآمدي عن الاثنين، ومن تلك الآراء:
1- أبدى اعجابه بالتجنيس و الاستعارات التي جاء بها أبي تمام و رأى أنه أبدع فيها.
2- رأى أن أبي تمام أجاد ابداع جميل و معنى نادر و أن هذا المجموع النادر لا يقلل من قيمة شعره.
يرى الآمدي الحملة على أبي تمام هو التعصب لأن المتعصبين أفرطوا في تفضيله.
4- عالج الآمدي وصف أبي تمام للحلم و الرقة و مخالفة الطريقة العرب المعهودة في وصف الحلم بالرزانة.
دافع الآمدي عن السرقات أبي تمام بشكل رائع و يشكل راياً مهماً في هذه القضية.



#عبدالله_بير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة فيكتاب (محاضرات في تاريخ النقد عند العرب)
- قراءة في كتاب (محاضرات في تاريخ النقد عند العرب)
- الحرب الاوكرانية و عصر جديد
- العودة إلى البيت
- قصة قصيرة : بائعو الهوى
- توظيف السيرة و الاسطورة في القصة القصيرة قصص -باندورا - للكا ...
- التيه بين اغتراب الواقع و ماض مغترب قراءة في مجموعة قصائد ( ...
- قراءة في كتاب - تأسيس ميتافيزيقا الاخلاق -
- عودة إلى السماء
- المحاكاة
- ذكريات سرور
- صديقي لم يكن ارهابيا
- قراءة في كتاب السيميولوجيا و التواصل
- فتاة من طينة الذهب
- ندم اللقاء
- قد لا يأتي الأمل أبداً
- الذي لي ليس لي دائماً
- الخير يأتي اولاَ
- العباءة
- افتح قلبك لتسمع روحك


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - الجزء الثالث قراءة في كتاب (محاضرات في تاريخ النقد عند العرب)