أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - أحمد فاروق عباس - الغذاء والسياسة















المزيد.....

الغذاء والسياسة


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7626 - 2023 / 5 / 29 - 22:51
المحور: الصناعة والزراعة
    


يمكن أن يستغل الغذاء سياسيا ، وقد أوضحت أزمات الغذاء العالمية للدول العربية ، بما فيها دول الخليج الغنية أنه مع حظر تصدير الحبوب لأى سبب فإنها لا تكون قادرة علي شراء الغذاء بأى ثمن ..
وهناك تاريخ طويل من استغلال الغرب الغذاء فى سياسته العالمية ، فاستخدم مرات عديدة " سياسة التجويع " كوسيلة كلاسيكية لمعاقبة أنظمة الحكم المتمردة على هيمنته ..
وبدون استعراض التاريخ الطويل لتلك السياسات وتنفيذها ، نكتفى بعرض نموذج واحد مشهور ، وهو حرب التجويع التى اعلنتها أمريكا ضد مصر فى منتصف الستينات ..
كانت مصر تتلقى معونات القمح من الولايات المتحدة بأسعار مخفضة طبقا للقانون ٤٨٠ ، وهو قانون يسمح بتصدير فائض الحبوب الأمريكية لدول العالم الثالث بأسعار مخفضة طبقا للمصالح السياسية للولايات المتحدة ..
ظلت مصر لسنوات تتلقى معونات القمح من أمريكا طبقا لهذا القانون ، وساعد ذلك مصر كثيرا فى توفير العملة الصعبة لمشروعات الخطة الخمسية الأولى ١٩٦٠ - ١٩٦٥ ..
ومع زيادة تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي قرب منتصف الستينات أرادت أمريكا معاقبة عبد الناصر ، فأوقفت معونات القمح لمصر عام ١٩٦٥ مما أثر بصورة كبيرة فى تنفيذ الخطة الخمسية فى عامها الاخير ، وأجل تنفيذ الخطة الثانية ، وصنع الأزمة الاقتصادية الشهيرة لمصر فى منتصف الستينات ..
( يجب القول أن أمريكا لم تكتف بحرب التجويع ضد مصر ، بل تعددت وسائلها لإعاقة واحدة من تجارب التنمية الرائدة في العالم الثالث كله ، فتم الايعاز للإخوان المسلمين بقتل جمال عبد الناصر وإنهاء تجربته ، وتم اكتشاف التدبير وحكم على بعض قادة التنظيم - ومنهم سيد قطب - بالإعدام في أغسطس ١٩٦٦ ، وبعد فشل حرب الغذاء ثم فشل إستخدام الإخوان فى ضرب عبد الناصر تم تجريب وسيلة ثالثة ، وقد أثبتت تلك الوسيلة الثالثة - وهى إسرائيل - أنها ناجحة بدرجة كبيرة ..
فتم منذ منتصف ١٩٦٥ تسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة الغربية ، بما فيها أسلحة الحرب الإلكترونية التى لم تكن متوفرة لدى مصر ، وتم إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل فى مايو ١٩٦٧ ، وتم تدبير الفخ الشهير لعبد الناصر الذى قاد إلى هزيمة يونيو ١٩٦٧ ، وإنهاء تجربة التنمية المعتمدة على الذات فى مصر ) ..
نرجع إلى الغذاء والسياسة .. والى عالمة الاقتصاد البريطانية وكتابها عن الاقتصاد السياسى للسيادة الغذائية فى العالم العربي ..
أدت أزمة الغذاء عامى ٧٢ - ١٩٧٤ إلى انخفاض المعونات الغذائية المقدمة من الغرب ، فعمل إرتفاع سعر البترول إلى زيادة تكاليف المدخلات - الوقود والأسمدة - وفى عام ١٩٧٤ كانت المعونات الغذائية الأمريكية اقل بنسبة ٤٠% مما كانت عليه أواخر الستينات وأوائل السبعينات ، وقد هددت الإدارة الأمريكية بالحصار الغذائي للدول العربية انتقاما من رفع أسعار البترول بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، وأصبح الشعار المرفوع في أمريكا " نحن نموت بردا .. وهم يموتون جوعا " ..
بعد أزمة الغذاء الطاحنة أعوام ٢٠٠٧ - ٢٠١٠ ، فى ضوء العوامل السياسية المحلية والدولية ، وكذلك التهديدات بحظر الصادرات بدأت الحكومات العربية تعيد تقييم استراتيجيات الأمن الغذائي بشكل جذرى ، وهى تتحرك بعيدا عن الأساليب الاقتصادية الأساسية نحو تحقيق أمنها الغذائي بأى ثمن ، وتبنى أساليب أكثر قربا من الناحية السياسية ، وفى هذا الشأن فإنهم يبتعدون أيضا عن النصائح السياسية التى تقدمها العديد من المنظمات الدولية ..
فعلى مدى العقدين السابقين لتلك الأزمة قدمت المشورة السياسية من المنظمات الدولية مثل البنك الدولى ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو ، والمعهد الدولى لبحوث سياسات الغذاء واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( اسكوا ) للدول العربية كى تعتمد منهج قائم على التجارة فى مجال الأمن الغذائي ..
بمعنى أن تعتمد بصورة أساسية على الغذاء المستورد ، وتستند النصيحة على الأساس الاقتصادى الغربى فى صورته المعتمدة على اقتصاد السوق ، ونظرا إلى الموارد الطبيعية في المنطقة العربية ، خاصة الندرة الشديدة للمياه والأراضي الصالحة للزراعة ، وبالتالى - طبقا لهذه النظرية - لا يعد إنتاج الأغذية المحلية خصوصا الحبوب استخداما رشيدا للموارد الشحيحة من الناحية الإقتصادية ..
وبدلا من ذلك نصحت تلك الدول باستخدام مواردها لإنتاج سلع أخرى بغرض التصدير مثل البترول والمصنوعات والخدمات ، واستخدام النقد الأجنبى المكتسب من هذه الصادرات فى شراء وارداتها الغذائية ..
لكن إعادة تقييم الحكومات للأمن الغذائي تجاوز الحدود الضيقة للتحليل الاقتصادى كى تشمل الاعتبارات السياسية والاجتماعية ، وبدأت الحكومات تتحرك في اتجاهين : رجعت الى سياسات الستينات والسبعينات وبدأت تركز بصورة أكبر على زيادة إنتاج الغذاء محليا ، أما الإتجاه الثاني فتمثل في الحصول على الأراضى الأجنبية لإنتاج الغذاء الذى تحتاج إليه ، فيما عرف بظاهرة " الاستحواذ على الأراضى " الأجنبية لإنتاج الغذاء ..
لم يعجب المؤلفة البريطانية سياسات تحقيق الأمن الغذائي في البلاد العربية فى الستينات والسبعينات والثمانينات ، والتى سعت فيها الحكومات العربية إلى حماية شعوبها من تقلبات السوق العالمية والتى لا تحكمها - فقط - الاعتبارات الاقتصادية ، بل للأهداف السياسية والإستراتيجية كلمتها الأهم ، فتقول " إن التوطين وتوزيع الأراضى والسيطرة على المياه كانت أدوات مهمة للسلطة السياسية وبناء الأمة ، واستخدمت الأنظمة السياسية الدعم الزراعى لشراء التأييد السياسى ، فى اقتصاد سياسى يتميز بحكام مستبدين ، حيث يعملون على توفير الإيجارات والريوع للمؤيدين ، فضلا عن منح الأراضى والتمويل الرخيص ، وشملت تدابير السياسات العامة المستخدمة لتشجيع الإنتاج الغذائي المحلى دعم المدخلات الزراعية مثل البذور والأسمدة والمواد الكيميائية والآلات ، بالإضافة إلى الائتمان المدعوم ( بفائدة ميسرة ) ، وتوفير الحكومة البنية التحتية مثل الطرق والرى ، وكذلك تقديم الدعم للأعلاف لمنتجى الثروة الحيوانية ، وهذا البند الأخير غالبا ما يمثل نفقات باهظة في ميزانيات وزارة الزراعة ، واستخدمت أيضا السياسة التجارية في شكل حماية للزراعة عن طريق التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية " ..
كل ذلك لا يعجب المؤلفة البريطانية التى تريد من الحكومات " الاستبدادية " كما تسميها ترك شعوبها تحت رحمة من لا يرحم ، وفى سلع تقوم عليها حياتها كلها !!
لم تستطع المؤلفة البريطانية طويلا إنكار الحقائق ، وتعترف أن دعم الحكومات العربية " الاستبدادية " والتى لا تهدف إلا لشراء الولاء السياسى - كما تقول - لتحقيق الأمن الغذائي قد أتى بثماره ، فتقول " وأدى دعم القطاع الزراعى باعتباره جزءا من الحملة نحو زيادة الإنتاج المحلى في العديد من الدول العربية إلى زيادة الاستثمار في هذا القطاع ، وزيادة استخدام الجرارات والأسمدة ، فضلا عن التوسع السريع فى مساحات الأراضى الصالحة للزراعة باستخدام أنظمة الرى فى وقت مبكر من السبعينات وما بعدها ، ويمكن ملاحظة آثار الحركة نحو زيادة إنتاج الأغذية المحلية في انخفاض حصة واردات الحبوب فى الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بالنسبة إلى جميع البلاد العربية " ..
وترجع المؤلفة البريطانية مرة ثانية إلى انتقاد تلك السياسات ولا ترى فيها إلا كل ما هو سئ فتقول " غير إن التركيز الجديد على الإنتاج الغذائي المحلى في السبعينات وما بعدها كانت له فى كثير من الأحيان آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية سلبية ، وطبقا لما تراه كانت تلك السلبيات :
- أن المستفيدين من برامج الدعم الحكومية السخية يميلون إلى أن يكونوا من المزارعين الكبار ، وغالبا ما يكون ذلك على حساب صغار المزارعين !!
( وهي ملاحظة غير صحيحة من المؤلفة ، فبعد توزيع الأرض الزراعية على المعدمين في مصر أيام عبد الناصر ، وقوانين الإصلاح الزراعى التى تجعل اقصى ملكية للفرد مائة فدان لم يعد هناك كبار المزارعين أو اقطاعيين في مصر ) ..
- زيادة تكلفة برامج دعم الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي ، مما يترك موارد أقل للخدمات الاجتماعية الأخرى مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية !!!!
( كأن توفير الغذاء الادمى والرخيص للشعب يأتى ضد الصحة والتعليم وتوفير الحماية الاجتماعية !! )
(حتى دعم الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي للشعوب لا يعجب ، يعنى - بالعامية المصرية - لا دعم الزراعة والغذاء نافع ، ولا بناء البنية الأساسية للدولة - كما يحدث الآن - من طرق وكبارى وشبكات كهرباء وصرف أو بناء مدن جديدة بعد تكدس الوادى على أهله نافع !!! ) .
- زيادة استخدام مياه الرى أدت إلى تدهور البيئة وانخفاص الإنتاجية على المدى الطويل !!
( أى أن كل الطرق تؤدى إلى أن يترك العرب فكرة تحقيق أمنهم الغذائي مقابل إستيراد ما يحتاجون إليه من أسواق أوربا وأمريكا ) ..
كل ذلك لم يكن بغير قصد ، لقد كان مقصودا ، والهدف أن يترك العرب أمور غذاءهم تتلاعب به الدول والظروف والأسواق ، فالمؤلفة تدخل مباشرة - بعد وصلة تأنيبها للعرب - فى تحرير الزراعة والغذاء العربى وجعله كلية خاضعا للسوق ، وبدأت الحديث أولا فيما يسمى بإجماع واشنطن ..
فما هو إجماع واشنطن ذلك ؟!



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشكلة الغذاء فى مصر والعالم العربي
- رباعيات الخيام .. وفلسفة اللذة
- حقيقة الديموقراطية .. فى بلاد الديموقراطية !!
- مجانية التعليم ... لمن ؟!
- فوز اردوغان ...
- عن الصحافة المصرية ..
- أهلا بأهل السودان ..
- تعليق على موضوع الجنود المصريين فى السودان ..
- ببن الأمس واليوم ... هل تغير شئ ؟!!
- الماسونية فى مصر ...
- إنجلترا .. كيف سيطرت جزيرة صغيرة نائية فى شمال العالم على ال ...
- ماذا يحدث في السودان ..
- عالم الأسرار
- الماضى الرائع والحاضر الكئيب .. وفنون الدعاية الحديثة !!
- الجيش والسياسة والاقتصاد .. فى إسرائيل ( 3 )
- الدين والجيش والسياسة .. فى إسرائيل ( 2 )
- الدين والجيش والسياسة .. في إسرائيل ( 1 )
- دول كبرى محتلة !!
- أغانى رمضان
- رئيس قسم الاقتصاد .. قصة عشرون عاماً


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - أحمد فاروق عباس - الغذاء والسياسة