أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - تولستوي: الموت والمعاناة أشباح تصرخ على المرء2/ 2














المزيد.....

تولستوي: الموت والمعاناة أشباح تصرخ على المرء2/ 2


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7621 - 2023 / 5 / 24 - 00:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ومع ذلك يعتقد تولستوي ثمة حقيقة، قد تكون خافية على بعضنا، ليس اخفاء العين، بل اخفاء الوعي، يعني احيانًا الإنسان تخفى عليه حقائق كثيرة عن حياته ووجوده، فلم يستطع الوصول إلى كنههما، فيبق جاهلا لقضايا هي من صميم واقعه.
تولستوي يصف حقيقة الإنسان كما البذرة، فهي محفوظة فيه، أي الحقيقة، فيأتي وقت تنبثق فيه هذه الحياة. ويمثل انبثاق الحقيقة في انجذاب الشخصية الحيوانية لخيرها، حيث يكشف لها الوعي العقلي عدم امكانية الخير الشخصي، ويشير لها إلى خير آخر.
وثمّة مشكلة أخرى تواجه الإنسان، فتثقل عليه وطأة الحياة حتى يضج بها. هذه المشكلة يسميها تولستوي بـ "التوجه الزائف للمعرفة"، أي أن هناك سوء فهم في تلقي المعارف التي نحصل عليها، ونحن في طريقنا إلى دراسة طبيعة الحياة، في سبيل الوصول إلى معرفة كنهها.
يقول حاول الناس أن يفهموا حياة الإنسان، أي القانون الذي يجب أن تخضع له شخصيته الحيوانية ليحقق خيره، بدراسة وجوده التاريخي، لا حياته أو الجزء الذي يعيه، ودراسة خضوع الحيوان والنبات والمادة المرئية لهم لقوانين مختلفة؛ أي أنهم يفعلون ما يفعله أناس يدرسون وضع أشياء لا يعرفونها، ليتكهنوا بالهدف الذي يجب أن يسعوا اليه وهم يجهلونه. فيفترض تولستوي لو أن حياة الإنسان هي فقط وجود حيواني، وأن خيره الذي يشير اليه وعيه العقلي غير ممكن التحقق، وأن قانون العقل وحده ليس سوى ظل، فلن يقتصر على أن هذه الدراسة ستكون غير مجدية، بل مهلكة، حيث إنها ستغلق في وجه الإنسان موضوع معرفته الوحيد، كما أنها ستُدعم تعرضه للوهم الذي مفاده أنه بدراسته ظل شيء ما يمكنه أن يعرف الشيء ذاته.
قديمًا قال سقراط "اعرف نفسك" لأنّ معرفة النفس هي أول الطريق في معرفة ما يحيط بالإنسان، من معارف وقضايا غائبة عن وعيه، وبالخصوص القضايا المادية. يعتقد تولستوي أن كل ما يعرفه الإنسان عن العالم المادي مرهون بمعرفته لنفسه، وبأن يجد في نفسه ثلاث علاقات مختلفة تربطه بهم، العلاقة الأولى هي علاقة الوعي العقلي، والثانية هي علاقة الشخصية الحيوانية، والثالثة هي المادة. إنه يدرك في نفسه هذه العلاقات الثلاث، ولذلك يتمثل امامه كل ما يراه في العالم دائما في ثلاثة مخططات منفصلة: الكائنات العاقلة – الحيوانات والنبات – المادة غير الحية.
وتبقى قضايا الزمانية والمكانية تكتنف شخصية الإنسان الحيوانية أن تؤثر على الحياة الحقيقية. لهذا يرى تولستوي أنه ليس بمقدور الإنسان الراغب في العيش أن يقمع أو يطلق حركة وجوده الزماني والمكاني، لكن حياته الحقيقية، أي تقيق خيره بالخضوع للعقل، تجري بصورة مستقلة عن هذه الحركات الزمانية والمكانية المرئية. تتمثل الحياة الإنسانية في هذا التحقيق المتزايد لهذا الخير عبر الخضوع للعقل. في غياب هذا الخضوع المتزايد، تمضي الحياة الإنسانية اتجاهي الزمان والمكان الواضحين، بينما الوجود واحد.
وهل ثمّة حياة حقيقية، وحياة غير حقيقية، يُجيب تولستوي بالإيجاب، ويصف الحياة الحقيقية بقوله: "الحياة الحقيقية هي تلك الحياة التي يُؤلف منها مفهومًا عن كل حياة أخرى، أي هي السعي صوب الخير الذي يمكن تحقيقه بإخضاع المرء شخصيته لقانون العقل. لا العقل ولا درجة تبعية له يمكن أن يتحددا بالزمان والمكان. تكتما حياة الإنسان الحقيقية خارج نطاق الزمان والمكان".
ووجود الإنسان وقيمته العليا مرهونين بإنسانيته، كذلك مسعاه لتحقيق الخير، ومحاولة تجنب الشّر، ولا يتحقق ذلك إلّا من خلال الوعي، الوعي العقلي. وعليه يسئل تولستوي السؤال: ما الذي يتطلبه الوعي للعقل؟.
ويجيب إن الوعي العقلي يقول للإنسان إن الخير لا يمكن أن يتحقق له، أي لشخصه في ظل هذا الترتيب للعالم الذي يراه من واقع شخصيته. حياته هي رغبة في الخير لذاته، لنفسه تحديدا، وهو يرى أن تحقيق هذا الخير غير ممكن. لكن الغريب في الأمر هو الآتي: بالرغم من أنه لا يرى بصورة غير قابلة للشك أنه لا يستطيع تحقيق هذا الخير لنفسه، فأنه يعيش بهذه الرغبة الوحيدة المتمثلة في تحقيق هذا الخير المستحيل، خيره وحسب.
لابد للإنسان أن يعيش الحياة بحلاوتها ومرارتها، بسعادتها وشقاؤها، الحياة لا تخلو من نكد ومن بؤس ومن معاناة، جاء الإنسان لهذه الحياة بدون ارادته، وسيخرج منها كذلك بدون ارادته. يقول المؤلف: "إذا أراد الإنسان أن يحيا، فعليه أن يأخذ الحياة برمتها، وليس جزءًا صغيرًا منها يتجلى له داخل اطار المكان والزمان. ومن يأخذ الحياة برمتها سوف يُضاف له المزيد منها، ومن يأخذ جزءًا منها وحسب سوف ينتزع منه ما لديه".
ويصل تولستوي إلى نتيجة مهمة، هي قد تكون عصارة هذا المبحث، ارتأيت أن اختم بها هذا المقال، وأنا استعرض هذا الكتاب الممتع والمهم.
يذهب المؤلف إلى أن الإنسان اذا لم يكن له وجود مسبق بالحياة، وظهر من لا شيء ثم مات، فلابد أن نفسه الخاصة لن تستمر في الوجود، ولا يمكن لها أن تستمر. لن يدرك الإنسان أنه لن يموت إلا عندما يدرك أنه لم يولد قطّ، وكان موجودًا دائمًا، وهو موجود الآن، وسيظل موجودًا. لن يثق الإنسان في خلوده إلا عندما يدرك أن حياته ليست موجة، بل حركة أبدية تتجلى في صورة موجة في هذه الحياة وحسب.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع د. طلال الربيعي حول الطب النفسي واسباب الامراض النفسية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وتحليلها، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة الفلسطينية د. عدوية السوالمة حول دور الاعلام والسوشيال ميديا وتأثيره على وضع المرأة، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تولستوي: الموت والمعاناة أشباح تصرخ على المرء1/ 2
- يجب أن تصل الفكرة إلى الشخص في شكل الوحي لتكون فكرة موحية
- معظم الناس يفضلون الموت على التفكير
- ماركس...الإنسان لا يعيش بالخبز وحده
- الصورة القاتمة في قصة (نهاية المطاف) للقاص جاسم خلف فلحي
- صورة الابداع في (لا تأتِ متأخراً) للشاعر جلال حسن
- ندوب الشّجن في نص (خارج السّرب تمامًا) للشاعرة ليلى عبد الأم ...
- وحدها بوصلة الضّوء
- تجليات لصورة الواقع في نص (يوميات عبد الأمير الحصيري) للشاعر ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة أبو السعود ٣/ ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 2 ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 1 ...
- مدينة الثورة: ذكريات بطعم الألم
- في يوسفياته...يرسم الشاعر واثق الجلبي وجودية بطعم الهمس
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 1/2
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 2/ 2
- خرير
- هل وجد بروست زمنه المفقود؟
- البغاء ظاهرة عالمية مستفحلة
- مَن هو الإنسان المقهور؟


المزيد.....




- اقترب منه ورش رذاذ فلفل في عينيه بقصد السرقة.. شاهد ما حدث ل ...
- شولتس: سأتحدث إلى بوتين -في المستقبل القريب-.. ويوجد شرط واح ...
- جنود من الحرس الملكي البريطاني ينهارون خلال عرض عسكري بحضور ...
- باحثون يحذرون من خطر ثوران بركاني قد يهدد نصف مليون شخص في إ ...
- هدنة تمنح الخرطوم متنفساً نادراً لم تعرفه -منذ بدء الحرب-
- وفاة -مرسل الطرود المفخخة- بالولايات المتحدة في زنزانته
- برلين تقر بمشاهد تدمير دباباتها في أوكرانيا
- هل كشف كسر الجيش الروسي للهجوم الأوكراني المضاد عجز أسلحة ال ...
- WSJ: أدلة على اتخاذ بولندا قاعدة لعملية تفجير السيل الشمالي ...
- السيسي: مهتمون بعودة الاستقرار للسودان في أسرع وقت


المزيد.....

- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش
- الابتزاز كجريمة الكترونية ، الأسباب والحلول (Extortion as an ... / سعيد زيوش
- ‫-;-الميل الى التخريب الذاتي: مع تقنيات الاسترخاء ، اب ... / هيثم الفقى
- إدارة الضغط النفسي وكيفية التغلب عليه بأبسط الطرق الفعالة: م ... / هيثم الفقى
- من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي قراءة في الوظيفة ال ... / علي أسعد وطفة
- مأزق كانط الأخلاقي / علي أسعد وطفة
- المرتكزات السوسيولوجية للظواهر السيكولوجية عند فيكوتسكي: هل ... / علي أسعد وطفة
- الوليمة الطوطمية في سيكولوجية فرويد: الأساس الرمزي الأوديبي ... / علي أسعد وطفة
- نظرية الوصم (الجذور التاريخية والافتراضات النظرية) / هاني جرجس عياد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - تولستوي: الموت والمعاناة أشباح تصرخ على المرء2/ 2