أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 2/ 3















المزيد.....

قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 2/ 3


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7492 - 2023 / 1 / 15 - 23:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أصول ومبادئ العلم الجديد
أولاً: الأصول
بحسب المؤلفة فأن فلسفة فيكو تتركز في أهم مؤلَّفاته "العلم الجديد"، ويتناول القسم الأول منه الجانب النظري من العلم الجديد ويتضمَّن ثلاثة موضوعات رئيسية: الأصول والمبادئ ثم المنهج، وقد يخلط المرءُ بين الأصول والمبادئ لاقتراب اللفظَيْن في المعنى، ولكن الواقع أن الأصول تحوي مجموعةً من المسلَّمات أو البديهيات يلتزم بها الباحث أو يفترضها عند دراسته تاريخ تطور الشعوب بصفةٍ عامة والقديمة منها بصفةٍ خاصة؛ فهي القواعد التي يجب أن يقومَ عليها هيكل البناء التاريخي.
وترى أبو السعود أنّ فيكو حاول وَضْع أصولٍ للعلم الجديد، متشبهًا من الناحية الشكلية بطريقة إقليدس في وضع أصول علم الهندسة، وقدَّم مجموعة من المسلَّمات الفلسفية واللغوية يبلغ عددها مائة وأربع عشرة مسلَّمةً تنطوي على مجموعةٍ من المصادرات والتعريفات، وتتعدَّد موضوعاتُ هذه المسلَّمات وتتشعَّب وتتسم بالتكرار وتتداخل وتتشابك أحيانًا ويشوبها الغموضُ أحيانًا أخرى، وربما كان هذا الغموض سببًا من أسباب عدم فَهْم فيكو في عصره وإغفاله فترةً زمنيةً طويلةً بعد ذلك. وإذا كان قد تم اكتشافه في القرن التاسع عشر، فإن الاهتمام الحقيقي به لم يبدأ بصورةٍ علميةٍ جادَّةٍ إلا في القرن العشرين.
ثانيا: أوهام الشعوب والباحثين
فقد تأثر فيكو ببيكون فيما ذكره في الجزء الأول من كتابه "الأورجانون الجديد" عن أوهام الفكر، كما تعتقد ابو السعود، فاعتبر أن المؤرخين عُرضة لأوهام مماثلة حصرها في أربعة وانتقد فيها الآراء القديمة عن مبادئ التاريخ البشري، وهذه الأوهام أو الأخطاء وقعت فيها أمم كاملة كما وقع فيها العلماء والباحثون؛ إذ تصوروا البدايات الأولى للبشرية على ضوء حياتهم وثقافتهم وعصرهم المستنير، وكان من الطبيعي أن يقعَ كلاهما في الخطأ والوهم، وفي هذا المعنى قدَّم المسلَّمات التالية في خصائص العقل البشري وهي المسلَّمات التي ترتب عليها وقوع كلٍّ من الشعوب والباحثين في الخطأ: "العقل الإنساني يجعل من نفسه مقياسًا للحكم على الأشياء جميعًا كلما ضل في الجهل" (مسلَّمة ١).
"حكم العقل البشري على الأمور المجهولة والبعيدة على أساس الأمور المألوفة له والقريبة منه" (مسلَّمة ٢).
ثالثا: الفلسفة وفقه اللغة
يضع فيكو التشريع في مقابل الفلسفة. كما ترى المؤلفة، فإذا كانت الفلسفة، فيما تقول، تنظر إلى الإنسان كما ينبغي أن يكون، فإن التشريع ينظر إلى الإنسان كما هو كائنٌ في الواقع ويحول رذائله إلى فضائل. إن التشريع يصنع السعادة المدنية من الرذائل التي كان يمكن أن تدمر الجنس البشري؛ فالإنسان قادرٌ على أن يُحوِّل غرائزه وانفعالاته الطبيعية إلى فضائل اجتماعية لأنه يملك حرية الاختيار، كما يتَّضح من المسلَّمة الآتية: "ينظر التشريع للإنسان في واقعه بحيث يصبح نافعًا للمجتمع البشري، وهو يحول القسوة والبخل والجشع، وهي الرذائل الثلاث التي تدفع الجنس البشري بأسره، إلى فضائل تقوم عليها الطبقات العسكرية والتجارية والحاكمة، وبهذا يدعم قوة المجتمعات وثرواتها وحكمتها" (مسلَّمة ٧).
ويميز فيكو بين الوعي أو الضمير وبين العلم أو المعرفة؛ فالأول يطلب اليقين المؤكد ووسيلته في البحث عنه هي فقه اللغة، والثاني يطلب الحق ووسيلته الفلسفة، والعلم الجديد يجمع بين الفلسفة وفقه اللغة ويطلب تضامن علماء اللغة والفلاسفة لتحقيقه. ومفهوم علم اللغة لا يقتصر على مفهوم علماء اللغة والنحو وإنما يتسع للمؤرخين والنقاد الذين عكفوا على دراسة لغات الناس وأعمالهم سواءٌ في ملاحظة عاداتهم وشرائعهم التي يتبعونها في بلادهم، أو في حروبهم وسلامهم وأحلافهم وتجارتهم وأسفارهم إلى الخارج.
رابعا: القانون الطبيعي للشعوب
يؤكد فيكو نشأة الحس المشترك للجنس البشري كمعيار علمته العناية الإلهية للشعوب ليحدد اليقين في قانونها الطبيعي، وتصل الشعوب لهذا اليقين بالتعرُّف على وجوه الاتفاق الأساسية التي تتضمَّن فيما بينها احترام هذا القانون، ويحسم فيكو الجدل القديم بين أصحاب القانون الطبيعي والقائلين بأن القانون اجتماعيٌّ؛ فالقانون الطبيعي للشعوب نشأ عن العرف أو العادة ولم يُفرض بالقانون، ومحافظة الشعوب على عاداتها أعطى هذه العادات شكل القوانين؛ لأنه ليس هناك شيءٌ أحب إلى البشر من الاعتزاز بعاداتهم. وفي هذا الشأن يستشهد فيكو بعبارة "لديو كاسيوس" تقول: "إن العادة تشبه الملك، والقانون يشبه الطاغية" (مسلَّمة ١٠٤)؛ فالشعوب بطبيعتها ترفض القانون الذي يفرضه الطاغية أو أية قوة خارجية، ولكنها بطبيعة الحال تحتفظ بالقانون الذي فرضَتْه على نفسها؛ لذا كان القانون الطبيعي للشعوب هو قانون فرضَتْه الشعوب على نفسها من خلال عاداتها وتقاليدها وأعرافها.
وتوضح بأن فيكو يستبعد كل الأفكار القديمة المتعلقة بالقانون الطبيعي، والتي جعلت أصحابها يعتقدون أنه انطلق من إحدى الأمم الأولى ثم انتقل إلى الأمم الأخرى، هذا الخطأ وقع فيه المصريون القدماء والإغريق في ادِّعائهم أنهم نشروا الحضارة في العالم، وكان نتيجة هذا الخطأ أن أطلق الخيال عنانه بالقول إن قانون الألواح الاثني عشر انتقل إلى روما من اليونان، ولو كان الأمر كذلك لَكان هذا القانون مدنيًّا ووصل للشعوب الأخرى عن طريق الاتفاقيات البشرية.
خامسا: أصل الجنس البشري
بحسب الكاتبة أنّ فيكو في "العلم الجديد" يقدِّم مجموعةً من المسلَّمات التي تتناول أصل الجنس البشري والتي اعتمد فيها اعتمادًا كبيرًا على التاريخ المقدس؛ ولذلك نجده يفرِّق بين دين العبرانيين الذي أسَّسه الله ودين الوثنيين القائم على الكهانة، كما نراه يقيم الدليل على أن أصل الجنس البشري ينقسم إلى قسمين؛ أولهما: قسم قائم على الكائنات الخرافية وهي الأمم الأممية؛ وثانيهما: قسم قائم على منزلةٍ إنسانيةٍ أرفع قدرًا يمثِّلها العبرانيون. وهذه التفرقة تأتي في رأيه نتيجة التعليم البوهيمي للجانب الأول والتعليم الإنساني للجانب الثاني؛ لذلك رفض التفسير الخرافي الذي قدَّمه الفلاسفة للعمالقة ذوي الأجسام الضخمة وأخذ بتفسير تاسيتوس وقيصر للعمالقة الجرمان بأنها ترجع للتربية البربرية لأولادهم، وهذه مسلَّمات فيكو عن أقدم أنواع التاريخ.
سادسا: قانون المراحل الثلاث لتطوُّر الأمم
تؤكد المؤلمة أنّ فيكو أخذ فكرة قانون تطور الأمم من المصريين القدماء في تصورهم لتطوُّر التاريخ عبر مراحل ثلاث: المرحلة الإلهية، المرحلة البطولية، المرحلة البشرية. وتصاحب كل مرحلةٍ لغة خاصة بها؛ فاللغة الهيروغليفية أو السرية المقدسة، كما عند المصريين القدماء، هي لغة المرحلة الإلهية، واللغة الرمزية، كما في أشعار هوميروس، هي لغة المرحلة البطولية، واللغة الشعبية، كما في لغة الرسائل، هي لغة المرحلة البشرية، وبعد دراسة فيكو لحضارات الشعوب القديمة أكَّد أن قانون المراحل الثلاث يمكن اعتباره مسلَّمة من مسلَّمات العقل البشري، فهو حقيقة تاريخية أكدها استقراؤه للتاريخ.
وتوضح المؤلفة في كتابها هذا القيّم يتتبع فيكو نشأة المرحلة الدينية عند البشر الأولين، إذ بيّن فيكو أن الخوف هو المسئول الأول عن إيجاد الآلهة على الأرض، ويربط هذه النشأة بضعف القدرة على التفكير في طفولة البشرية؛ فالدين، وهو أول مبادئ العلم الجديد، يُلقي الضوء على نشأة التاريخ البشري والتنظيمات الاجتماعية. فعندما تتوحَّش الشعوب ولا تقوم لقوانينها قائمة تلجأ إلى قوةٍ أعلى منها وليس هناك ما هو أسمى من الله؛ ومعنى هذا أنه كلما توحش البشر نتيجةً للحروب المشتعلة بينهم بحيث لا تقوم لقوانينهم قائمة فإن الوسيلة الوحيدة لترويضهم هي الدين، والعناية الإلهية هي التي هدَتْ هؤلاء المتوحشين إلى إنسانيتهم وتكوين دولهم، وذلك بأن أيقظت فيهم تصورًا غامضًا للألوهية، وقد كان جهل هؤلاء المتوحشين هو المسئول عن نسبة الألوهية لكائنات أخرى، والجهل خاصية مشتركة بين الشعوب الأولى، فأسقط الإنسان الأول طبيعته الخاصة على طبيعة الأشياء التي يجهلها، ونشأت الميتافيزيقا الشعبية من جهل الإنسان الأول بالطبيعة، ونتج الجهل من ضعف القدرة على التفكير فأطلق الخيال عنانه ونشأ الشعر الديني الذي أضفى العاطفة على الأشياء الجامدة، ومن الجهل تنشأ الدهشة وحب الاستطلاع وهما أصل المعرفة.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 1 ...
- مدينة الثورة: ذكريات بطعم الألم
- في يوسفياته...يرسم الشاعر واثق الجلبي وجودية بطعم الهمس
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 1/2
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 2/ 2
- خرير
- هل وجد بروست زمنه المفقود؟
- البغاء ظاهرة عالمية مستفحلة
- مَن هو الإنسان المقهور؟
- حسين علي محفوظ: أمُة في رجل
- الخيام ورحلته مع الإيمان
- بروست مدمن المرض والخدرات
- اجترار
- الإنسان التافه
- في طوابير الموتى
- نصوص ( 2)
- أنا أقُلد بوش الأبن
- كتّاب شكلوا علامة فارقة في الفلسفة والفكر
- لماذا ننتقد الغرب...ولم ننتقد أنفسنا؟
- لماذا الافتراء على اليهود؟


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 2/ 3