أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - يجب أن تصل الفكرة إلى الشخص في شكل الوحي لتكون فكرة موحية















المزيد.....

يجب أن تصل الفكرة إلى الشخص في شكل الوحي لتكون فكرة موحية


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7544 - 2023 / 3 / 8 - 13:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تصوّر أن بلدك يتعرّض إلى هجمة عسكرية شرسة من قبل دولة أجنبية معادية. وحكومتك، من جانبها، أعلنت عن تطوّع الراغبين كجنود للدفاع عن حياض الوطن المُهدّد بالاجتياح من تلك الدولة التي في طريقها لاحتلال بلدك، واشاعة فيه الفوضى، فإذا كنت "وطنيًا" ستكون أول من يتطوّع لحمل السلاح، والقتال جنبا إلى جنب مع بقية المتطوعين، بل وأنك مستعد أن تموت من أجل وطنك، وأن تضحي بكلّ ما تمتلك من امكانيات: عضلية ومادية ومعوية.
والسؤال: من أين جاءتك تلك فكرة الوطنية، حيث أنها دعتك إلى تحمل تلك النتائج، السلبية والايجابية؟.
بحسب وليم جيمس، أنّ الفكرة (أية فكرة كانت سلبية أم ايجابية، ستكون بنتائجها). فإذا كانت النتيجة إيجابية تنفعنا في حياتنا، كونها كانت عملية، وستفضي بنا إلى المنفعة الخالصة، فهي الشيء المطلوب، وإذا كانت لم تنفعنا بشيء، فهي فكرة خاطئة لا تستطيع العناء. فحب الوطن لديك قد نبع في داخلك بذرة المنفعة، إلا وهي بقاء وطنك خارج قبضة العدو المحتل الذي يريد به الضرر، بلدك الذي هو أرضك وناسك وأهلك وأصدقائك، فأنت بالتالي تدافع عن كل هؤلاء.
ولنأخذ مثل آخر أمامنا فكرتين، فكرة قائمة على الايمان وأخرى قائمة على الألحاد، الفكرة الأولى ترى أنّ كل شيء في الكون خلقه الله من عدم؛ وهي الفكرة القائمة على أُسس دينية، وأما الفكرة الثانية ترى أن الطبيعة هي التي خلقت هذا الكون، عبر تطور خضع هذا التطور لملايين السنين، حتى صار على هذه الصورة التي نحن عليها اليوم.
فالمؤمن والملحد هما متساويان في الايمان بحقيقة واحدة مطلقة، وكلٌ منهما له فكرته التي يسير عليها وراضٍ بنتائجها. الأول يعيش على أملٍ بأنه سيحصل بعد الموت على حياة أخرى ابدية، أي جنة فيها ما لذ وطاب من النِعم، والثاني لا يأمل أي شيء، لأنه يرى أن بعد الموت لا توجد حياة أخرى، بل كل شيء سيؤول إلى العدم، وسيذهب الإنسان الى هذا العدم. ففكرة الإيمان بحسب جيمس أقوى من فكرة الملحد، لأنها كانت عملية لها ايجابية، وهي التي دعت الجندي يضحي بحياته في سبيل الوطن.
وهذه هي الفلسفة "البراجماتية" أو العملية أو النفعية، التي قال بها وليم جيمس. البراغماتية، كما عبّر عنها البعض هي التعامل مع المشكلات بطريقةٍ عمليّةٍ بدلًا من الاعتماد على مجرد مبادئ نظرية. وقيل هي عبارةٌ عن سلوكٍ أو سياسةٍ تنظر إلى العواقب العملية المباشرة بدلًا من مجرد اتباع نظرياتٍ. يقول جيمس: "هذه الأفكار هي الحقيقة التي ترشدنا إلى التفاعل المفيد مع التفاصيل المعقولة عند حدوثها، سواء تم نسخها مسبقًا أم لا".
ولد «وليم جيمس» في نيويورك سنة ١٨٤١م، وبعد أن أنفق بضع سنواتٍ في المدارس الأمريكية أُرسِل إلى المعاهد الخاصَّة بفرنسا، وهنالك صادفتْه بعض المصنَّفات في علم النفس فأخذ يُطالعها، ومن ثم اتَّخذ لنفسه ذلك الاتجاه، ثُم عاد بعد أن أكمل دراسته إلى وطنه الأمريكي، فلم يلبَثْ أن صعد إلى قمَّة الشهرة فذاع اسمه ذيوعًا لم يُعهد لأمريكي من قبله، ولقد نال إجازة «الدكتوراه» من جامعة هارفارد سنة ١٨٧٠م، واشتغل بالتدريس في تلك الجامعة نفسها من سنة ١٨٧٢م حتى وافتْه منيَّتُه عام ١٩١٠م، فحاضر أول ما حاضر بالجامعة في التشريح وعلم وظائف الأعضاء، ثُمَّ في علم النفس، وأخيرًا حاضر في الفلسفة.
وكما يرى الكثير أن البرجماتية هي منهج، ممكن أن نعتمده في حياتنا الاجتماعية والسياسية وغيرها، فقيل أن موسوليني اعتمد هذا المنهج في سياساته.
ويعترف جيمس أنّ ثمة جذور أفكار قديمة اعتمدها في اكتشاف البرجماتية، فصبها في تعريف جديدة. منها فكرة "العالم ارادة وتمثلا" لشوبنهور، وفكرة قول داروين، البقاء للأصلح، كذلك نظرية المنفعة لجون ديوي، وقبل ذلك كتاب "نقد العقل العملي" لأيمانويل كانت، وأكثر من هؤلاء تشارلس بيرس في مقال له تحت عنوان "كيف نوضح أفكارنا" حيث كان يقول: قيمة فكرة ما تكمن في نتائجها. بينما قول جيمس: "نحن لا نفهم تمامًا أهمية أي بيان صحيح حتى يكون لدينا فكرة واضحة عمّا سيكون البيان غير الصحيح المعاكس".
ويمكن اختصار البرجماتية بالقول، طالما أن الحقيقة نسبية، ولا توجد حقيقة مطلقة، والحقيقة التي تخدمنا عمليا هي الحقيقة التي ننشدها، لاسيما الحقيقة اليسيرة الخالية من التعقيد، مثل نظريتا بطليموس القائلة بأن الأرض ثابتة والشمس تتحرك، ونظرية كوبرنيكوس القائمة بعكسها تمامّا.
ويُجمِل المؤلفان زكي نجيب محمود وأحمد امين، شروطّا ثلاثة التي يضعها مذهب الذرائع لصِدق فكرةٍ ما، وهما:
فأولًا: يجِب أن يكون للفكرة قيمة فورية Cash Value ومعناها أنَّ الإنسان يجِب أن يشاهد صحة رأيه أو خطأه في تجربته العملية، فإن جاءت هذه التجربة العملية موافقةً للفكرة كانت الفكرة صحيحة، وإلا فهي باطلة.
وثانيًا: أن تكون الفكرة مُنسجمة مع سائر أفكاري وآرائي، فلا يكفي أن تكون كلُّ فكرةٍ صحيحة على حِدة بالنسبة لقِيمتها الفورية، ولكنها يجِب كذلك ألا تناقض الأفكار الأخرى، فلا يجوز مثلًا أن أفرض نوعًا من الذرَّات في علم الطبيعة، ثم أفرض نوعًا آخر منها في علم الكيمياء، حتى ولو كان كلٌّ منهما صحيحًا في ميدانه الخاص، فإذا وجدْنا أمامنا فكرتَين عن شيءٍ ما، كل منهما صحيح بالنسبة لقيمته الفورية، وجب أن نختار إحداهما على أساس البساطة، فأبسط الفكرتَين أصحهما، فمثلًا لما أتى «كوبرنيك» برأيه الجديد عن الكون يُعارض به رأي «بطليموس» القديم، كانت كِلتا الفكرتَين صادقةً إذا قِيستا إلى ما ينجُم عنهما من النتائج العملية في حياة الناس، ولكن ما دامت فكرة «كوبرنيك» أقلَّ تعقيدًا من الأولى كان لزامًا أن يقع عليها اختيارنا.
وثالثًا: ولا بدَّ للفكرة بعد هذا وهذا أن تطمئنَّ لها نفس الإنسان، وترضى بها ما دام ذلك لا يتعارض مع القيمة العملية، فالعقيدة الدينية مثلًا — على الرغم من أنَّها ليس لها قيمة فورية في حياتنا إلَّا بمقدارٍ ضئيل — (كذا) إلا أنها واجبة؛ لأنها تخلع على حياتنا صبغةً من التفاؤل، وهي في الوقت نفسه تنسجِم مع الأفكار الأخرى ولا تتعارَض معها، ومعنى ذلك أنه إذا تساوت ظروف فكرتَين، ثم كانت إحداهما تبعث التفاؤل كانت الأولى بالنسبة لنا أصدقَ وأصح. فالمؤمِن والملحِد كلاهما لا تؤثر عقيدته في شئون حياته، ولكن الأول متفائل يرجو الآخرة، والثاني مُتشائم لا يرجو شيئًا، إذن فالإيمان أصدَقُ من الإلحاد وأحق؛ لأنه أجدى على الإنسان وأنفع.
مصادر البحث:
1-وول ديورانت، قصة الفلسفة، منشورات المكتبة الفلسفية، بترجمة فتح الله محمد، الطبعة الأولى- بغداد 2017.
2-جون لويس، مدخل الى الفلسفة، منشورات دار الحقيقة، بيروت، سنة الطبع 1973 بترجمة أنور عبد الملك.
3-الموسوعة الفلسفية، وضع مجموعة من علماء السوفيات، بيروت لبنان، سنة الطبع 1974، الطبعة الأولى.
4-نايجل واربرتون، محتصر تاريخ الفلسفة، ترجمة محمد فضل، دار الكتب العلمية، سنة الطبع 2019 الطبعة الأولى.
5-زكي نجيب محمود و أحمد أمين، قصة الفلسفة الحديثة، طبع دار النخيل في بغداد، سنة الطبع 2019.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معظم الناس يفضلون الموت على التفكير
- ماركس...الإنسان لا يعيش بالخبز وحده
- الصورة القاتمة في قصة (نهاية المطاف) للقاص جاسم خلف فلحي
- صورة الابداع في (لا تأتِ متأخراً) للشاعر جلال حسن
- ندوب الشّجن في نص (خارج السّرب تمامًا) للشاعرة ليلى عبد الأم ...
- وحدها بوصلة الضّوء
- تجليات لصورة الواقع في نص (يوميات عبد الأمير الحصيري) للشاعر ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة أبو السعود ٣/ ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 2 ...
- قراءة في (فلسفة التاريخ عند فيكو) للمؤلفة عطيات أبو السعود 1 ...
- مدينة الثورة: ذكريات بطعم الألم
- في يوسفياته...يرسم الشاعر واثق الجلبي وجودية بطعم الهمس
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 1/2
- هيباتيا: لذة الفلسفة أفضل من لذة الجنس 2/ 2
- خرير
- هل وجد بروست زمنه المفقود؟
- البغاء ظاهرة عالمية مستفحلة
- مَن هو الإنسان المقهور؟
- حسين علي محفوظ: أمُة في رجل
- الخيام ورحلته مع الإيمان


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - يجب أن تصل الفكرة إلى الشخص في شكل الوحي لتكون فكرة موحية