أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شكسبير والإغتيال السياسي















المزيد.....

شكسبير والإغتيال السياسي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 16:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإنسان حيوان قاتل
١١ - ماكبث القاتل والمقتول
نشرت مسرحية "ماكبث" لأول مرة سنة ١٦٢٣ بعد سبع سنوات من وفاة شكسبير، ومن المرجح أنه أكمل كتابتها سنة ١٦٠٦، وهي الفترة التي شهدت إضطرابات شديدة في المملكة نتيجة المؤامرة المعروفة بمؤامرة البارود "Gunpwoder plot" والتي كان منظموها يريدون الإطاحة بالملك "جيمس الأول" عن طريق تفجير البرلمان بواسطة عشرين برميلا من البارود وضِعوا في كهف تحت المبنى، غيرأن المؤامرة فشلت واكتشف أمرالمشاركين فيها وأعدموا في نفس السنة. والمسرحية مستوحات من شخصية تاريخية، "ماكبث" ملك اسكتلندا الذي اغتيل سنة ١٠٥٧، وإن كان شكسبير لم يراع التسلل ولا الحقائق التاريخية أو التفاصيل في أحداث المسرحية، فهي مسرحية قصيرة مكونة من خمس فصول و٢٩ مشهدا لا يتعدى بعضها صفحتين أو ثلاث. الذي كان مركز اهتمامه هو معالجة موضوع "الإغتيال" للملك الشرعي وموضوع التآمر وإغتصاب السلطة بالعنف والخيانة، وكذلك معالجة نفسية القاتل وعذابه الوجودي الذي يعيشه يوميا مع شبح ضحيته الذي يصاحبه في أحلامه الليلية: "إنني أفضل أن تنطبق السماء على الأرض وأن يفنى الكون على أن يغشانا الخوف كلما جلسنا إلى طعامنا، وأن تقض مضاجعنا الأحلام المزعجة التي ترتعد لها فرائصنا كل ليلة .. ولئن نكون مع الموتى الذين قتلناهم لنشغل مكانهم، أفضل من أن يظل العقل في عذابه وقلقه".
"ماكبث" و"بانكو"، كانوا من جنرالات "دنكان" ملك سكوتلندا، وبينما كانوا في طريقهم عائدين من حملة منتصرة ضد المتمردين، إذ التقوا بثلات ساحرات في منطقة مهجورة. وأخبرت الساحرات "ماكبث" بنبوئتين ستتحققان قريبا، الأولى أنه سيصبح سيدا لـ "كاودر" والثانية أنه سيتوج ملكا على سكوتلندا. أما "بانكو" فقد تنبأت له الساحرات بأن أبناءه سيكونون ملوكا. وواصلا طريقهما دون أن يعيروا إهتماما كبيرا لنبوءة الساحرات، حتى وصل إلى ماكبث الخبر وهو ما زال في الطريق بأن الملك قد عينه سيدا على "كاودر" جزاء له على إخلاصه وإنتصاره العسكري. وهنا تغيرت الأمور قليلا، فإذا تحققت النبوءة الأولى فماذا يمكن أن يمنع النبوءة الثانية من أن تتحقق بدورها؟ وكانت السيدة ماكبث في قصرها قد وصلتها رسالة من زوجها يحكي لها قصة لقائه مع الساحرات والنبوءة وقرار تعيينه من قبل الملك، ووصلها بعد ذلك بقليل خبر قرار الملك "دنكان" للنزول في قصرهم ضيفا لبعض الوقت، وبدأت تدور في ذهنها أفكار وأحلام جديدة، وبدأت تتشابك خيوط المؤامرة. وبعد رجوع ماكبث إلى قصره، وجد السيدة ماكبث في إنتظاره على أحر من الجمر، وأخبرته فورا بأنه عليه أن يأخذ الأمور بيده ويقرر مصيره بنفسه، إن كان يريد أن يكون ملكا أم لا يكون. وبعد وصول الملك إلى القصر، قام ماكبث بتحريض من زوجته بإغتياله واغتيال حارسين من حراسه، وقامت السيدة ماكبث بتلطيخ وجوه وملابس وأيدي الحارسين ليتهموا بالجريمة. وأصبح ماكبث ملكا، وتحققت نبوءة الساحرات الثانية. غير أن السيدة ماكبث لم تكن مطمأنة، فهي تخشى تحقق النبوءة الثالثة، فاقترحت علي ماكبث أن يتخلص من "بانكو" الذي لديه مشاريع أخرى تعارض مشاريعه، والذي كان شاهدا على النبوءة ويشك في كونه وراء عملية الإغتيال. فبعث له من يغتاله هو وعائلته، إلا أن إبنه "مالكولم" يتمكن من الهروب .. ويعود في نهاية المسرحية ليقتل ماكبث ويستعيد العرش ويحتفل بانتصاره مستعرضا رأس ماكبث المقطوعة على سن رمح. المسرحية قصيرة مكثفة وشديدة السواد، حيث يختلط الخير والشر، الحب والكراهية، الإخلاص والتآمر، الطموح والخوف، وتتركز كل هذه العواطف والأحاسيس في عمل واحد ونهائي .. "الإغتيال" يصبح ضرورة حيوية بالنسبة لماكبث. من الواضح أن غرض شكسبير في تصوير هذه الإغتيالات المتعددة التي قام بها ماكبث، هو لسبر أغوار شخصية القاتل وكيف يعيش مع جريمته، وماكبث في البداية ليس لديه أي نزوع "طبيعي" إلى الجريمة، ولكن الطموح والحلم بالسلطة هو الذي جعله يقوم بجريمته الأولى لتحقيق نبوءة الساحرات وليصبح ملكا، ولكنه لم يتوقف عنذ هذا الحد، فالقلق والخوف والكوابيس أصبحت بدورها دوافعا قوية لإرتكاب الإغتيالات التالية. يقول في بداية الفصل السابع من المشهد الأول: "لو أن الأمر ينتهي تماما بانتهائه لكان من الخير إنهائه بسرعة. ولو أن الجريمة كانت دون عواقب ودون نتائج غير موت الرجل لعجلت بارتكابها. حينئذ تكون الضربة القاضية هي كل شيء في هذه الحياة الدنيا ونهاية كل شيء. غير أننا هنا على ساحل الأبدية وفي هذا البرزخ الضيق للزمان، نخاطر بمجابهة الحياة الآخرة. لكننا في مثل تلك المواقف نجد العدالة في الأرض هنا لا تزال قائمة. فإن نحن علمنا الآخرين القتل ووعوا دروسنا، عادوا إلى معلمهم ليقتلوه. وهكذا نرى الإنتقام العادل يعيد إلينا الكأس الذي دسسنا فيه السم لغيرنا فنرفعه إلى شفاهنا". شكسبير في هذه المسرحية القصيرة والمركزة تمكن من طرح عدة قضايا أساسية ترتبط إرتباطا مباشرا بموضوع الإغتيال، والنتائج المتربة عليه بدون أية أفكار أو أحكام أخلاقية مسبقة. فالذي يزعج ماكبث ليس عدم أخلاقية القتل وما يتطلبة من خداع وخيانة وكذب "هيا لنخدع العالم باتخاذنا مظهر السعيد غير الخائف، ولنخف وراء وجهنا الزائف ما يعتمل في القلب الزائف"، ولم يكن يأبه لعذاب القتيل أو ألمه، وإنما القلق الناتج عن هذه العملية والأحلام التي تراوده وربما تأنيب الضمير والشعور بالذنب هو ما كان يؤرقه ويدفعه لمواصلة الجريمة، وهو أيضا وفي نفس الوقت مصر على مواصلة طريقه والإستمرار في خطته، لأن الفشل في تحقيق طموحه والتوقف في منتصف الطريق يعد أسوأ بكثير وأقل إحتمالا من القلق والخوف الناتج عن هذه الأحلام وعن أشباح ضحاياه ودمائهم "قطعت في بحر الدماء مسافة لو إني توقفت عندها لبدا التراجع والإقدام وكأنهما شيء واحد في نظري". شكسبير ليس الأول ولا آخر الشعراء الذين أهتموا بظاهرة القتل والإغتيال ومعالجتها فنيا سواء في المسرح أو الشعر أو الرواية، ولكن ذكرنا لمسرحية ماكبث يعود إلى أن شكسبير هو أول من استخدم الكلمة المتداولة حاليا في كل اللغات الأوربية للتدليل على عملية الإغتيال، وهي كلمة "Assassination" في هذه المسرحية - في الفصل السابع من المشهد الأول - والتي يرجعها العديد من المؤرخين إلى الفرقة الإسماعيلية المعروفة بالحشاشين، والتي مارست الإغتيال بطريقة منظمة وعلى شكل واسع طوال قرنين من الزمان، والتي سنتحدث عنها في الحلقة القادمة.

‏ If it were done when tis done, then twere well
‏ It were done quickly: if the assassination
‏ Could trammel up the consequence, and catch
‏ With his surcease success that but this blow
‏ Might be the be-all and the end-all here



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة وكر الجريمة
- الإغتيال السياسي
- إيزيس وأوزيريس
- الذئاب
- القتل الجماعي
- الصحراء
- الدلالة الغائبة
- ومن الجوع ما يقتل
- أول مايو والثورة القادمة
- إمكانية الثورة المستحيلة
- الديموقراطية والرأسمالية: المعادلة المستحيلة
- الجريمة والعقاب
- خرافة الطبيعة البشرية
- جبل قاسيون
- فوضى السطور
- حكاية قابيل وهابيل
- جدلية القاتل والمقتول
- لوحة
- البداية الثانية
- بضاعة الفن


المزيد.....




- مسؤول أمريكي لـCNN: سقوط قذائف بالقرب من موقع تفريغ لرصيف مس ...
- حزب الله ينفذ 11 عملية ضد القوات الإسرائيلية ومواقعها العسكر ...
- لماذا علقت الولايات المتحدة شحنة أسلحة تضم قنابل ثقيلة الوزن ...
- إيطاليا تمنع طائرات المنظمات غير الحكومية من الإقلاع من جزر ...
- رفح.. نزوح قسري جراء الضربات الإسرائيلية
- رفض فلسطيني لاحتلال إسرائيل معبر رفح
- صافرات الإنذار تدوي في الجولان السوري المحتل
- بيسكوف يدعو لعدم تهويل صعوبة المباحثات الروسية الأرمنية
- جبران باسيل لـRT: حزب الله لا يحقق شيئاً للبنان بحربه لمساند ...
- عضو بالكنيست الإسرائيلي: إما صواريخ أمريكية دقيقة أو سنقوم ب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شكسبير والإغتيال السياسي