أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - بضاعة الفن















المزيد.....

بضاعة الفن


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7568 - 2023 / 4 / 1 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


ما هو هذا "الشيء" الغامض الذي يجعل من الخطوط والألوان أو الأصوات والصور "عملا فنيا" ويعطيها قيمة مادية كسلعة قابلة للتبادل التجاري، وقيمة أخرى تتجاوز هذه القيمة التجارية، هل لسبب أن هذه الأشياء ليست طبيعية ولا يمكن إستخلاصها من الطبيعة كالذهب أو الماسأو اليورانيوم وما شابه من الأشياء النادرة الثمينة، أم السبب أن هذه أشياء مصنوعة من قبل الإنسان كفرد، ولكن ليس كما نصنع الأثاث المنزلي مثل الأبواب والنوافذ والأسرة أو الأدوات المستعملة في الحياة اليومية كالأكواب والصحون أو وسائل الإتصال والتنقل مثل السيارة والطائرة إلخ، أم أن هذه الأهمية وهذه القيمة ترجع إلى صانع هذه الأعمال نفسه، أي الخالق لها والمبدع والذي نطلق غليه إسم الفنان، الذي يوقع هذه الأشياء بإسمه، وهو غير مجهول الهوية كصانع السرير أو الكرسي، إنه الفنان المرتبط إرتباطا عضويا وأنطولوجيا باللوحة أو القصيدة أو القطعة الموسيقية، تمثله وتعبر عن كينونته ووجوده في العالم.
لنبدأ إذا بتحليل هذا الشيء المادي الذي هو اللوحة والمنحوتة والقصيدة أو المسرحية أو الفيلم أو االسيمفونية أو أي إنتاج جمالي آخر، وهو ما يسمى عموما بالـ "العمل الفني".
فهو مجرد كائن صممه وصنعه شخص أو أشخاص أو مجموعات من الناس، فهو ثمرة عمل بشري عقلي خيالي وفي نفس الوقت يدوي أو ميكانيكي، وبالتالي يتناسب منطقيًا مع النسيج الاجتماعي للعلاقات المعقدة بين العمل، وتنظيم العمل، والإنتاج، وملكية وسائل الإنتاج، والاستغلال، والأسعار والأرباح والسمعة والشهرة للفنان وللوسيط الذي يبيع منتجات الفنان .. إلخ. في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عملت الرأسمالية من خلال إنكار شخصية العامل المنتج وتفرده وإستقلاليته كموضوع فاعل، حيث تقوم سلسلة الإنتاج في المصنع production line بتعبئة القوى العاملة بشكل عام، ويمحو خط الإنتاج الفروق في السن والجنس واللون والأصل إلخ، مما يجعل الشخص العامل يتحول إلى قوة ميكانيكية مجردة مجهولة الهوية. هذا الاقتصاد القديم للرأسمالية الكلاسيكية المبنية على إستغلال القوة العضلية للعامل، أفسح الطريق مؤخرا لبعض المجالات الجديدة للاقتصاد العام، لما يمكن تسميته بالاقتصاد التفردي أو الخصوصي النابع من الرأسمالية الحديثة، التي أطلق عليها بعض علماء الاجتماع الليبراليين : رأسمالية الابتكار. لقد أدى تحول الرأسمالية منذ القرن العشرين إلى تعديل كبير في أسلوب تنظيم العمل وبالتالي شروط تعبئة العمال وأصبح استغلال قوة العمل العامة والتجريدية وغير الشخصية غير كاف لزيادة الإنتاج وتجديده وتطويره، نظرا لتغير المنتجات المطلوبة وتنوعها المتزايد، مما أفسح المجال لإعادة تقييم القدرات الفردية للإبداع والاختراع والمبادرة، وحتى التنظيم الذاتي في بعض الحالات، حيث نركز على التجديد والمغامرة والخيال ليصبح الإبداع "عاملاً" لزيادة الإنتاج والقيمة المضافة والأرباح : إنها ما يسمى بالذاتية المنتجة أو الرأسمالية المعرفية حسب بعض المتفائلين!
يعمل مخطط الإنتاج هذا في قطاعات الاقتصاد الجديد مثل تكنولوجيا المعلومات وما يسمى بالذكاء الإصطناعي، الإنترنت والصحافة والإتصال والصناعات الترفيهيه والسينما والتلفزيون وصناعة الموضة وألعاب الفيديو والسياحة والصناعات الفنية عموما…
يجب أن تفترض أن أي رؤية أو نظرية للتحرر البشري في مجتمع مثالي يخلو من الإستغلال والإستلاب المادي والنفسي، لابد أن تشمل إلغاء العمل المأجور كنموذج لتنظيم الإنتاج وأن تتجه المجتمعات نحو التفرد، أي إيجاد المعنى لما يقوم به كل فرد، وخصوصية العمال وإستقلاليتهم حتى لا يكونوا مجرد آلة إنتاج مبرمجة مثل أي روبوط. وبالتالي يجب أن يصبح كل فرد منتج "فنانًا"، بمعنى أن نتيجة عمله تندمج مع شخصيته وحياته ووجوده عموما، غير قابل للاختزال ومتخلصا من كل القيود المادية والمعنوية وحيث يتم نسخ أو نقش "جوهر" كونه حراً في موضوعات الحياة اليومية التي ينتجها والتي تحيط به. ويمكننا اعتبار أن النتيجة النهائية لهذه الرأسمالية الإبداعية تتمثل ويمثلها الفنان الحديث كنموذج لهذا النوع المعاصر من العبيد، ولهذا السبب تمكنت المرأة من الدخول في هذا المجال من الإنتاج والنجاح فيه ربما أكثر من المجالات الإقتصادية الأخرى، وبدأ سوق الفن يهتم بالنساء المنسيات، ليس حبا في النساء، وإنما لأنهن يمثلن بضاعة جديدة وأسماء جديدة تطرح على أرصفة الأسواق الرأسمالية الكبرى والتي يجب تمويلها وتجديدها على الدوام. وآخر هذه الإكتشافات هو الأعمال الفنية التي تركتها الممثلة سارة برنار Sarah Bernhardt بمناسبة مئة عام على وفاتها في ٢٦ مارس ١٩٢٣، حيث يقام في باريس معرض كبير يجمع العديد من أعمالها من منحوتات ورسومات ولوحات فنية، هي التي لم يعترف بأعمالها البلاستيكية والتشكيلية أثناء حياتها كمغنية.
كذلك يمكن ذكر فيفيان ماير Vivian Maier، المصورة الفوتوغرافية المجهولة، وواحدة من أهم مصوري الحياة اليومية لعامة الناس في القرن العشرين والتي عملت معظم حياتها كمربية أطفال، ومدبرة منزل لعدد كبير من عائلات شيكاغو، وفي نفس الوقت حملت كاميرا في كل مكان ذهبت إليه، ظلت تلتقط الصور لمدة 40 عاما، ولم تعرف كمصورة وتنشر أعمالها إلا بعد وفاتها عام 2009، حيث تم الحجر على ممتلكاتها من الأفلام ومعدات التصوير، وبيعت في مزاد علني. وتحصل شاب يدعى جون مالوف في هذا المزاد على صندوق يضم قرابة 40 ألف صورة نيجاتيف لأشخاص ومبان وطرقات من مدينة شيكاغو وغيرها من مدن العالم التي زارتها، التقطت ما بين الأعوام 1950- 1970 والذي بدأ في نشرها تدريجيا ثم إقامة المعارض وأصبحت فنانة مشهورة بعد موتها. الأمثلة متعدد ولا يمكن حصرها، ولكن من زاوية النظر هذه، نرى العمل الفني هو إنتاج، مادة مصنعة وسلعة لا قيمة لها إن لم تطرح في السوق لتباع وتشترى، ويمكن نقلها من مكان إلى آخر مثل أي شيء مصنوع آخر .. ومع ذلك فإننا لا نشك في وجود شيء آخر يجعل هذه الأشياء التافهة والثمينة في نفس الوقت، ضرورية وحيوية للمنتج والمستهلك على السواء.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذعر الرأسمالية من غضب الشارع
- -بنك فلويد- ضد الحرب والإحتلال
- الحركة والثبات عند هيرقليط
- النساء والإنتاج الفني
- هايدغر ولغز اللوغوس
- الصياد والطريدة
- النساء وفخ التاريخ
- حرية النساء والفن
- الغضب الساطع الذي لا يأتي
- اللوغوس
- عذاب الحجر
- الطاقة وعقل العالم
- جدلية حرية العبيد
- هاملت والجمل
- الباريدوليا، أو الصور الجانبية
- ظاهرة الأبوفينيا
- هيراقليطس وديمومة التغيّر
- الفيلسوف الغامض
- عقلنة الميثولوجيا
- الفجوة


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - بضاعة الفن