أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الدولة وكر الجريمة















المزيد.....

الدولة وكر الجريمة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 14:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإنسان حيوان قاتل
١٠ - لماذا لا يحدث إنقلاب عسكري في أمريكا؟
الإغتيال، كما سبق القول هو عمل ينطوي على نظرة وتصور للعالم "كما ينبغي أن يكون"، وكل ما أو من يعارض هذا التصور أو يرفضه أو يحاربه أو يحاول إصلاحه يجب أن يزاح من الطريق والقضاء عليه. والإغتيال يدخل بالضرورة تحت حقل الخيانة والخداع والمفاجأة، والمبرر"المباشر" عادة من الصعب تحديده بطريقة واضحة ويقينية. وكتب التاريخ، التي تتلخص في غالب الأحيان في تتبع تاريخ الملوك والأمراء والأسر الحاكمة، مليئة بقصص الإغتيالات في كافة العصور والأزمان. ففي العصر الفرعوني في مصر اغتيل الملك أخناتون من قبل كهنة المعابد الفرعونية بسبب فكرته الجديدة في التوحيد ورغبته في تصفية بقية الآلهة وتنصيب إله واحد هو آتون، وكذلك إغتيال توت عنخ آمون من بعده. ومن عمليات الاغتيال المشهورة في فترة قبل الميلاد هو عملية اغتيال فيليبوس الثاني المقدوني (382 - 336 قبل الميلاد) على يد أحد حراسه المقربين والمسؤولون عن حمايته، وهناك من يذهب إلى أن الاغتيال كان من تدبير زوجته "أوليمبياس" التي كانت أميرة لمنطقة البلقان، بينما يتهم البعض الآخر ابنه الإسكندر الأكبر والذي تولى الحكم بعده. وكانت الاغتيالات سلاحا منتشرا يمتلكه كافة أعضاء الطبقة الحاكمة والوسيلة الشائعة لتصفية الخصوم السياسيين في روما. وإغتيال يوليوس قيصرفي شهر مارس من عام 44 ق.م، التي سجلها المؤرخ اليوناني بلوتارخ، هذه الحادثة التي اشترك فيها أقرب الناس إلى قلب الامبراطور "بروتوس" الذي لم يكن له أي شعور معاد تجاه قيصر، كانت حجته الوحيدة هي شدة حبه لروما. ويعترف أمام الجماهير الحاشدة حول جسد قيصر المطعون " لقد قتلت قيصر ليس لأني أحبه قليلا، بل لأني أحب روما أكثر ". بينما كان "عقل" المؤامرة والمسؤول المباشر عن مقتل قيصر، "كاسيوس" كان يمقت قيصر ويحسده على سلطته المطلقة، وهو متآمر ومخطط بارع وله قدرة كبيرة على إقناع بقية النواب بضرورة المشاركة في التخلص من الامبراطور. ونرى ببساطة ووضوح أن ثقافة الإغتيال ترتبط إرتباطا مباشرا بالعمليات والآليات السياسية المرتبطة بالسلطة، ونرى كذلك أن الأيدي التي تمسك بالخنجر ليست سوى وسيلة وأدوات في أياد أخرى، كالخنجر ذاته، تحرك وتوجه من قبل المنظرين والفقهاء والوزراء والنواب والشيوخ وأصحاب الرأي والطموح للوصول إلى درجات أعلى في سلم السلطة. إن ثقافة الإغتيال المنتشرة في المنطقة الموبوئة اليوم بالفكر الديني، ترجع كما سنرى فيما بعد، إلى وقت بعيد وإلى الفترات الأولى لتأسيس الدول والممالك وتكوين الكيانات السياسية. وقد استمرت هذه العقلية المتحجرة الغير قادرة على الحوار مع الآخر وغير قادرة على الإنفتاح على ممارسة السياسة بطرق يتفق عليها الجميع هي القانون العام الذي يسيّر السياسة المعاصرة في الكثير من بقاع العالم. عقل يرفض الإنسان الآخر كما هو ويطالبه بتغيير فكره وهويته ليتناسب مع النموذج الذي صاغه من أوهامه وأحلامه. عقل متشيئ منغلق على نفسه مثل حجر، لأنه يرى الآخرين كأحجار وكأشياء يمكن إزاحتها وتغيير مكان تواجدها أو تفتيتها وتحويلها إلى تراب، عقل يرفض أن يرى الآخرين كذوات واعية، بل مجرد أشياء تلتصق بها أفكار ورؤى يرفضها لأنها تضايقه وتزعجه وتمنع النوم عن عينيه، ويعتقد أن إزاحة هذا الشئ الذي لا قيمة له سيعدم هذه الأفكار ويمسحها من الوجود إلى الأبد. إنها عقلية بدائية مسطحة وتعيش على سطح الوجود تتغذى بقشرة الكينونة، وتموت قبل أن تتعرف على ألوهية الوعي البشري بذاته وبغيره. وأوروبا المسيحية مرت بدورها بهذه التجربة المريعة من فقدان البصر ومن تسلط الدين على المجتمع ومؤسساته السياسية والإجتماعية والفكرية. جوردانو برونو اتهمته محكمة التفتيش العليا في روما عام ١٥٩٢ بالهرطقة، وبعد أن قضى ثماني سنوات في السجن تم حرقه في روما يوم ١٧ فبراير سنة ١٦٠٠، عاريا مكبلا وقطعة خشبية في فمه تمنعه من الكلام أو الصراخ، أمام جمهرة من الحجاج. جاليليوحوكم أيضا من قِبل محكمة التفتيش الرومانية سنة ١٦٣٢، اتهم بدوره بالهرطقة وحكم عليه بالسجن لإرضاء خصومه الثائرين، وفي اليوم التالي خفف الحكم إلى الإقامة الجبرية. وتم منعه من مناقشة الموضوعات المتعلقة بالفلك ونظرية مركزية الشمس ومنعت كتاباته من النشر والتداول. ظل جاليليو تحت الإقامة الجبرية في منزله حتى وفاته ٨ يناير ١٦٤٢، وتم دفن جثمانه في فلورنسا، وقدمت الكنيسة اعتذارا لجاليليو عام ١٩٨٣. وإدانة جاليليو من قبل الكنيسة، أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره لخوفه من نفس المصير، وفي عام١٦٤٣ م أدانت جامعة أوتريخت الهولندية الفلسفة الديكارتية ومنعت كتبه. وفي صيف ١٦٥٦ نُبذ سبينوزا من أهله ومن الجالية اليهودية في أمستردام بسبب أفكاره الجديدة المتعلقة بالدين اليهودي والدين عموما وأن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. وقد تعرض بعد ذلك لمحاولة إغتيال من قبل أحد المتعصبين، والذي طعنه بخنجر، ولم ينقذه من الموت إلا معطفه السميك والذي احتفظ به طوال حياته. فاضطهاد الأفكار الجديدة فلسفية كانت أم دينية ارتبطت على الدوام بالسلطة التي ترفض التخلي عن رغبة التحكم في عقول البشر وأجسادهم. غير أن الذي يجب الإشارة إليه أنه في جميع الأحوال والظروف وفي أغلب الحالات تستند هذه الأحكام على سلطة مؤسسية، الحكومة أو الكنيسة أو الجامعة لإضفاء الشرعية على هذه الأحكام ولتبرير الإضطهاد والملاحقة والمنع وحرق الكتب. وكان ذلك تقليدا عرفته أوربا منذ محاكمة سقراط المعروفة والتي حكم عليه فيها أن يشرب السم. وشرب سقراط السم بإرادته رافضا الهروب من عدالة جائرة حماية لسمعته وأفكاره ومعتقداته ولكن أيضا إحتراما لقوانين مدينته. فالإضطهاد، والذي يمكن أن يصل إلى درجة الحكم بالموت هو في نهاية الأمر نوع من "العدالة" لأنه يستند إلى أحكام وقوانين وإن كانت جائرة أو تعسفية. وفي العصر الحديث، ونظرا للتطور الصناعي والثقافي والتقدم التكنولوجي، إزدادت دقة وحجم وتنظيم عمليات الاغتيال وأصبحت "علما" يحتاج إلى إمكانيات كبيرة مالية وتقنية. وتجاوزت أسباب الاغتيال ونتائجه حدودها الداخليه وطابعها الاقليمي. ففي أوروبا تسبب اغتيال الدوق النمساوي فرانز فرديناند في ٢٨ يونيو ١٩١٤ في سراييفو إعلان النمسا الحرب على صربيا ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى التي كانت مجزرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. أما في روسيا القيصرية فقد تم اغتيال 5 من القياصرة آخرهم نيقولا الثاني في ١٧ يوليو ١٩١٨ بعد الثورة البلشفية. وفي أمريكا، يعتبر اغتيال أبراهام لينكون في ١٥ أبريل ١٨٦٥ في مسرح فورد بداية سلسلة من الإغتيالات السياسية في الولايات المتحدة، حيث ثم اغتيال ٣ رؤساء أمريكيين آخرين، آخرهم جون كينيدي حيث تم إطلاق النار عليه في يوم الجمعة ٢٢ نوفمبر ١٩٦٣ أثناء زيارة لمدينة دالاس، واتهم "لي هارفي اوزوالد" بقيامه بالعملية، غير أنه في أقل من يومين من إتهامه، أطلق "جاك روبي" النار عليه في مركز الشرطة. وحتى اليوم لا نعرف من هو القاتل ولا من هو وراء عملية الإغتيال ولا أسباب ودوافع هذه العملية. بينما فيما يخص لينكولن، نعرف أن الممثل المسرحي "جون ولكس بووث" هو الذي قام بإطلاق رصاصة على رأس لينكون أثناء مشاهدته لعرض مسرحي، ونعرف أنه كان عنصريا ورافضا للقانون الذي يلغي العبودية الذي أصدره لينكولن في أول يناير ١٨٦٣. بسبب الاختلافات الفكرية والإقتصادية العميقة بين الأطراف المتصارعة في الحرب الباردة للسيطرة على العالم وتقسيمه، شهدت الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تطورا نوعيا وكميا في الاغتيالات السياسية. وأصبحت أمريكا تمارس الإغتيال والإنقلابات العسكرية بطريقة مباشرة وأوتوماتيكية وبدون ضوابط أخلاقية أو قانونية، لدرجة أنه في أمريكا الجنوبية، التي كثرت فيها الإنقلابات العسكرية، كان الناس يتندرون عن هذه الظاهرة بنكتة معروفة : لماذا في رأيكم لم يحدث أي إنقلاب عسكري في الولايات المتحدة الأمريكية؟ والجواب بسيط ومقنع : لأنه في أمريكا ليس هناك "سفارة أمريكية". ومن أبرز محاولات الاغتيال في هذه الفترة، المحاولات التي نجى منها "فيدل كاسترو" عدة مرات، مخططة من قبل وكالة المخابرات المركزية وبالتعاون مع معارضين كوبيين، واستعملوا في إحدى هذه المحاولات الفاشلة، "سيجارا" تم حقنه بالسم. كما قامت وكالة المخابرات الأمريكية باغتيال القائد الثوري تشي جيفارا والرئيس التشيلي سلفادور أليندي والعشرات غيرهم. وأخيرا قرر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد في عام ١٩٧٦ إصدار القرار رقم ١٢٣٣٣ يمنع مساهمة الحكومة الأمريكية بكل مؤسساتها في عمليات الاغتيال، وذلك كطغطية قانونية أمام المنظمات الدولية، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال حتى هذه الساعة تستعمل سلاح الإغتيال ضد من تعتبرهم أعداء أمريكا، وهناك لجنة سرية من كبار المسؤولين الأمريكيين في الإدارة الأمريكيه مسؤولة عن وضع قوائم اغتيالات، ثم تبلغ الرئيس الأمريكي بمحتواها، وهو الذي يصدق ويعطي أوامر التنفيذ، وقد تضم هذه القوائم مواطنين أمريكيين أو من أية دولة أخرى.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإغتيال السياسي
- إيزيس وأوزيريس
- الذئاب
- القتل الجماعي
- الصحراء
- الدلالة الغائبة
- ومن الجوع ما يقتل
- أول مايو والثورة القادمة
- إمكانية الثورة المستحيلة
- الديموقراطية والرأسمالية: المعادلة المستحيلة
- الجريمة والعقاب
- خرافة الطبيعة البشرية
- جبل قاسيون
- فوضى السطور
- حكاية قابيل وهابيل
- جدلية القاتل والمقتول
- لوحة
- البداية الثانية
- بضاعة الفن
- ذعر الرأسمالية من غضب الشارع


المزيد.....




- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الدولة وكر الجريمة