عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة
(Abdul-hamid Fajr Salloum)
الحوار المتمدن-العدد: 7617 - 2023 / 5 / 20 - 09:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المُلاحظ أن هذه القمة كانت أسرع القمم العربية..
فأولا العديد من قادة الدول لم يحضروها، منهم رئيس دولة الإمارات، وأمير الكويت، وسلطان عُمان، وملك المغرب.. وتمّ عقدها يوم جُمعة، وهو عُطلة في بلاد المسلمين، ولساعاتٍ فقط.. والعديد من رؤساء الوفود لم يتحدّثوا..
وكانت الكلمات مُختصَرة في خمسِ دقائق لكل رئيس وفد، لأول مرة..
لم يتضمّن البيان الختامي أي جديدٍ، سوى إضافة أزمة أخرى جديدة، وهي أزمة السودان.. والتأكيد على التهدئة وتغليب لغة الحوار التي لا يُتقنها العربُ مُطلقا.. ولو كانت موجودة لما كانت كل الأزمات العربية موجودة، أو انوجدت أصلا..
مفاجأة المؤتمر، كانت حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا يُعتقَد أن الدولة المُضيفة قد دعتهُ، ولا الجامعة العربية، والأرجح أنهُ حضَرَ بطلبٍ أمريكي من القيادة السعودية..
**
ما زال العرب يكررون في كل مؤتمراتهم ذات العبارات العامة الشمولية، التي يُمكنُ تفسيرها على أوجهٍ عديدة.. كما:
العمل العربي المشترك.. آليات العمل العربي.. وحدة الصف العربي.. توحيد الكلمة العربية.. الموقف العربي الواحد.. تعزيز العمل العربي.. مواجهة الأخطار العربية.. الخ..
هذه العبارات تتكرّر منذ تأسيس الجامعة العربية عام 1945 ، وباتت مُستهلَكة جدا، وفقدَت بريقها أمام المواطن العربي، وفقدَ ثقتهُ بها وبالجامعة العربية التي ترددها في كل بياناتها واجتماعاتها ومؤتمراتها.. وانطبق عليهم القول: أسمعُ جعجعة ولا أرى طحنا..
**
وهنا تُطرَحُ أسئلة عدة:
ما هي أهداف هذا العمل العربي المشترك؟ ولِخدمة من؟ وضدّ من، وما هي نتائجهُ على مدى 78 عاما من عُمر الجامعة العربية؟
المادة الثانية من ميثاق الجامعة حدّدت أهدافها فيما يلي:
توثيق الصلات بين الدول المشترِكة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
كذلك من أغراضها تعاون الدول المشترِكة فيها تعاونا وثيقا بحسب نُظُم كل دولة منها، وأحوالها، في الشؤون التالية..
ثم تحدث الميثاق عن تلك الشؤون وهي
الشؤون الاقتصادية والمالية، بما في ذلك التبادل التجاري والجمارك، والعملة، وأمور الزراعة والصناعة،
وشؤون المواصلات بما في ذلك السكك الحديدية ،والطرق، والطيران، والمِلاحة والبرق والبريد..
وشؤون الثقافة.. وشؤون الجنسية، والجوازات، والتأشيرات.. والشؤون الاجتماعية والشؤون الصحية..
فماذا تحقق من كل ذلك؟. وكم هو حجم ما تحقّق؟.
ونصّت المادة الخامسة أنه لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لِفضِّ هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذا ومُلزِما..
وفي المادة السادسة، إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة، أو خُشِي وقوعهُ، فللدولة المُعتدَى عليها، أو المُهدَّدة بالاعتداء، دعوة المجلس للانعقاد فورا. ويقرر المجلس التدابير اللازمة لدفعهِ هذا الاعتداء..
**
الجامعة وعلى مدى تاريخها، فشلت فشلا ذريعا في تطبيق كل ما ورد في ذاك الميثاق..
وهنا تجدر الإشارة أنه حينما تأسست الجامعة كانت العديد من الدول العربية غير مستقلة، لاسيما دول الخليج العربي، فقد كانت محميات بريطانية تخضع للحماية البريطانية بموجب اتفاقات حماية..
الدول التي أسست الجامعة كانت: سورية، الأردن، العراق، السعودية، لبنان، مصر، اليمن..
والمشاركون كانوا: أمير شرق الأردن، ملك العراق، ملك السعودية، ملك مصر، ملك اليمن، ورئيس سورية، ورئيس لبنان..
أي لم تكُن هناك ولا دولة عربية أفريقية، باستثناء مصر.. ولا دولة خليجية، لأنها كانت ما تزال محميات بريطانية، كما أشرت..
ولا يخفى الدور البريطاني في تأسيسها، كما أوضحتُ في إحدى المقالات السابقة..
**
بعد تأسيس الجامعة بثلاث سنوات، كان أكبر تحدٍّ بتاريخ العرب، وتاريخ الجامعة، وهو اغتصاب فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، عام 1948 ..
وفشل العرب وجامعتهم في التصدي لهذا التحدّي، الذي ما زال قائما حتى اليوم، ويزداد كل يوم..
ثم كان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، والعدوان الإسرائيلي عام 1967 ، وما نجمَ عنهُ من احتلالات، وكانت الجامعة ودولها عاجزة عن فعلِ أي شيء..
بل منهم من استسلم لاحقا، وكاملا أمام هذا التحدّي وانسحب من المشهد، وغيّر بوصلة الاتجاه مائة وثمانون درجة، نحو التطبيع مع إسرائيل، وإقامة أقوى وأمتن العلاقات معها على كافة الاصعدة..
ومنها من يستقوي بإسرائيل في وجه الآخر.. كما هو في حالة المغرب ضد الجزائر..
ولعلّ الجميع قرأ عن الصراعات بين السعودية ومصر في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، وحربِهم في اليمن، خِلافا لميثاق الجامعة العربية..
**
وإن كان العمل العربي المُشترك مُوجّهُ ضد التحديات المُختلِفة لتي تواجه الأمة العربية ودولها، فإن إسرائيل أكبر تحدٍّ، ولكنهم جميعا (إن ما استثينا سورية والجزائر) تراجعوا أمام هذا التحدي ولم يعُد على جدول أعمالهم، ولا من اهتماماتهم..
وها هي إسرائيل اليوم تتحدّى كافة القادة العرب المُجتمعين في جدّة، وفي ذات لحظة اجتماعاتهم، تنطلق مسيرات الأعلام الاستفزازية في القدس الشرقية، وتعلو هتافاتهم لِتصل إلى مسامع الجميع وهي تُردِّد بكُلِ حقدٍ وعُنصريةٍ: الموت للعرب..
ولا ننسى أن مبادرة الجامعة العربية للسلام التي طرحها العرب في قمتهم في بيروت عام 2002 ، ما زال العرب يتحدثون عنها ويكررون التأكيد عليها في كل اجتماعاتهم.. بينما إسرائيل تحدّتهُم ولم تُعِرها أي اهتمام على مدى 21 عاما.. بل بعض العرب أنفسهم تجاوزوها ولم ينتظروا حتى تتمّ مقايضة الأرض بالسلام، وإنما عقدوا السلام مع إسرائيل بينما ما زالت تحتل الأرض..
**
وأما التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فهي تزداد كل يوم، إذ يزداد الفقر والبطالة والفساد والغلاء وتتدهور المعيشة (إن ما استثنينا دول الخليج العربي التي حباها الله بالثروات الباطنية، وإلا كانت في وضعٍ يُرثَى له) ويسعى الشباب العربي في أغنى الدول العربية، كما الجزائر وليبيا والعراق، للهجرة من بلدانهم إلى أوروبا وغيرها من دول الغرب.. عدا عن الدول العربية الأخرى الفقيرة أو المتوسطة الحال..
**
وفشلت الجامعة أمام كل التحديات السياسية، وعجزت عن معالجة أي أزمة عربية، سواء داخل هذه الدول، أو بين بعضها بعضا..
فأزمة العراق والكويت، حلها التحالُف الدولي برئاسة الولايات المتحدة، والعرب كانوا مُنساقين خلفَ تلك التحالُف.. وهُم من جاؤوا بالأمريكي لطرد القوات العراقية من الكويت.. والعرب كانوا أعجز من معالجة هذا الموضوع بعيدا عن التدخلات الأجنبية..
**
واليوم هناك أزمات داخل العديد من البُلدان العربية، ليس للعرب أي دور فيها، وإن كان هناك من دور فهو دور سلبي، أي بالانحياز لمصلحة طرف ضد الطرف الآخر.. كما يحصل في ليبيا واليمن والسودان وسورية ولبنان والأزمة بين المغرب والجزائر..
**
كل من يعملون لحل تلك المشاكل هُم مبعوثون من الأمم المتحدة، أو من الاتحاد الأوروبي أو من الولايات المتحدة..
إذا هذا فشلٌ ذريع لميثاق الجامعة العربية.. وللعمل العربي المُشترك..
بل حتى عجزوا عن التوحيد بين غزّة والضفة الغربية تحت سُلطة سياسية واحدة..
وعن حل مُشكلة الصحراء الغربية.. ولا يوجد مبعوث عربي واحد من الجامعة العربية لحل أي مشكلة داخل أي دولة عربية، أو بين دولة عربية وأخرى..
وحتى النزاع على الحدود البحرية بين قطَر والبحرين، تمّ حلهُ عن طريق محكمة العدل الدولية..
**
على صعيد الجوازات والتنقل بين الدول العربية، فلا يمكن ذلك إلا بتأشيرة دخول، باستثناء دول الخليج العربي بين بعضها البعض.. أو بين دولة عربيةٍ وأخرى بينهما اتفاقية إعفاء من التأشيرات.. ولكن على المستوى العربي العام لا يمكن الانتقال بين الدول العربية كما هو الحال بين دول الاتحاد الأوروبي..
وما زال ينطبق على الدول العربية قول نزار قباني:
وخريطةُ الوطن الكبير فضيحةٌ .. فحواجزٌ ومخافِرٌ وكلابُ
إلى آخر القصيدة..
فهل تغيّر شيئٌ منذُ كتَب نزار تلك القصيدة وحتى اليوم، أم ازدادت الأحوال سوءا؟
**
سردتُ كل ذلك للوصول إلى هذه النتيجة:
العمل العربي المُشترك يحتاج إلى تفكير جديد وآليات جديدة ومُقاربات مُختلفة، وربما ميثاقُ جامعةٍ جديد يمنح الشعوب العربية دورا أساسيا وحيويا، لمواجهة كافة تحديات العصر.. ويُلبّي طوحات الشعوب العربية.. ولا تبقى مُجرّد جامعةُ أنظمةٍ عربية أو حكومات..
فهل هذا ممكنا؟ أم ستبقى الجامعة تراوح في ذات المكان؟.
#عبد_الحميد_فجر_سلوم (هاشتاغ)
Abdul-hamid_Fajr_Salloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟