- خاص بالحوار المتمدن
نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في عددها الصادر اليوم الثلاثاء (3 يونيو 2003)، مقالة للكاتب شاي جولدين،حيث تساءل الأخير ، عن قيام وزير الداخلية الإسرائيلي باستخدام المادة 16 ،من قانون الأسماء،لمنع عائلة عربية فلسطينية من قرية عارة، من إطلاق اسم صدام حسين على مولودها. برر الوزير المنع بعدم إزعاج الجمهور والمساس بمشاعره. طبعا الوزير الإسرائيلي يأخذ قراره من خلفية عنصرية،ونتيجة كرهه للعرب عامة ولصدام حسين خاصة. تعد قصة المولود الذي تريد عائلته تسميته بصدام حسين ويرفض الوزير ذلك،من القصص التي تستحق التوقف عندها ودراستها. فتسمية أي طفل باسم صدام أو غيره من الأسماء المثيرة للجدل،غالبا ما يسبب للطفل مشاكل نفسية، وأخرى يومية مع المحيط والبيئة التي يعيش فيها. لذا يجب على والدي الطفل المذكور التفكير بولدهم ومستقبله،بدلا من العراك مع الوزير الإسرائيلي العنصري. لأن هذا الأخير يحلو له أن يردد بأنه يرفض الموافقة على التسمية، لكون أن الاسم قد يسبب مشاكل بين الأطفال وأهاليهم فيما بعد. طبعا هذا الكلام سخيف وغير بريء،لأن الوزير يتعاطى مع القضية من ناحية عنصرية،لا أكثر ولا أقل. وهو ينظر للأمور من زاوية اليهودي والعربي. ومن زاوية أفكاره اليمينية التي سبقته إلى العنصرية من أيام كاهانا وزئيفي وغيرهما. نحن هنا نتحدث عن تلك العنصرية،ليس دعما للتسمية التي يريدها أهل الطفل. ولا لكي نناصر العائلة في تلك التسمية والرغبة بالاسم أعلاه. بل لنكشف ونعري أكاذيب وادعاءات أحد الرموز العنصرية الإسرائيلية. فهذا الوزير الذي لا يحترم حقوق الأطفال الفلسطينيين في الداخل، ولا يهمه ما تفعل حكومته، وما يفعل جيشه بإخوانهم في الضفة والقطاع. لا يمكن له أن يكون أفضل من الظالمين والمستبدين الآخرين في عالم اليوم. نعم صدام حسين مارس الحكم بقبضة حديدية،قتل من العراقيين،ولم يكن مثالا للعدل أو البطولة. لكن الوزير الإسرائيلي الآتي من عالم التطرف والعنصرية والعداء لكل ما هو عربي،لا يمكنه أيضا أن يكون عادلا،أو مدافعا عن الأطفال والمحبة والتسامح،لأنه ليس من هذا الصنف من الناس. يوجد في إسرائيل نفسها مئات الأسماء التي تدعو للقرف والسخط والاشمئزاز،لأنها أسماء لمجرمين ولجزارين، ولمرتكبي مذابح بحق الفلسطينيين والعرب.هناك أيضا قادة سابقون وحاليون في حكومات إسرائيل يحملون أسماء تثير الاشمئزاز.سنذكر بعضها على الأقل للاستعارة، مناحيم بيغن،اسحق شامير،أرييل شارون وغولديشتاين..الأول كان مسئولا عن مذبحة دير ياسين،الثاني مطلوب للأنتربول الدولي، لعضويته في عصابة إرهابية يهودية،ثم لقيامه بقتل المبعوث السامي الدولي،أثناء قيامه بمتابعة قضية اللاجئين الفلسطينيين أبان النكبة الفلسطينية الكبرى. والثالث الغني عن التعريف شارون، مسئول عن عشرات المذابح والمجازر والجرائم،التي نفذت ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.هؤلاء الثلاثة رؤساء وزراء إسرائيليون. أي لا يصل لهذا الموقع أي شخص، بدون العبور على جسر الجثث الفلسطينية، وفوق نهر الدماء البريئة. أما الرابع فهو الإرهابي الأمريكي،الإسرائيلي، غولدشتاين منفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل،وله تمثال ومزار للتقديس في مستوطنة كريات أربع، المقامة بدورها على أراضي الفلسطينيين المصادرة والمنهوبة والمستعمرة. وهناك الكثير من الإسرائيليين الذي يحملون اسمه، تكريما وتخليدا لمآثره الإجرامية.
أما بالنسبة لمشروع تسمية صدام حسين، فأنا أقول بأن هذا غير عادل،لأن مجرد حمل الاسم المذكور، سوف يتعب حامله مدى العمر. هذا إذا ما تذكرنا أن صورة صدام حسين ستكون لازمة للقمع والإرهاب والديكتاتورية،خاصة أن الأعلام الأمريكي ومعه الغربي والإسرائيلي وبعض العربي،جعل من صدام ما هو أسوأ من هتلر. لذا على الأهالي الذين يريدون تسمية مواليدهم نكاية بالإسرائيليين والأمريكان،أن يتذكروا أن صداما ذبح أيضا الآلاف من العراقيين. فالعثور في العراق على المقابر الجماعية،أصبح أمرا عاديا،وإعدام المعتقلين بالمتفجرات وغير ذلك،عملا فاشيا وبشعل وقذرا،لا يمكن الموافقة عليه، أو السكوت عنه،فنحن الفلسطينيون لسنا أمريكا،وهذه الدولة هي التي سلحت نظام صدام حسين وساندته في الحرب على جارته إيران. وهي التي أتت بالبعث للحكم،يوم تمت الإطاحة بعبد الكريم قاسم. وأمريكا هي التي نسقت وتحالفت مع صدام،وكانت تصمت وتسكت عن ممارسات النظام بحق المعارضة. ورامسفيلد وزير دفاع أمريكا اليوم كان من شركاء النظام التجاريين،إن كان في تجارة النفط والسلاح وغير ذلك. هؤلاء الناس بلا ضمائر وبلا مشاعر،يفكرون فقط بجيوبهم وبطونهم. ولا يلتفتون لمعاناة البشر نتيجة أنظمة الظلام والقمع. فهذه الأنظمة هي أنظمة سوداء،والإدارات الأمريكية تخصصت في مساعدة هذه النوعية من الأنظمة،لأنها صورتها في المرآة. ولا يمكن لأمريكا التي صنعت نظام صدام في السابق،ثم ساهمت بشكل أساسي وفاعل في إسقاطه، أن تكون حريصة بأي شكل من الأشكال على مصلحة الشعب العراقي. لأنها دولة غير عادلة، ودولة ظالمة، مارست العداء المباشر، وغير المباشر لحقوق الشعوب في عدة دول وأمكنة من العالم. وهي تمارس الآن سياستها المعروفة، ولا عدالتها المستبدة في مناطق كثيرة من العالم. أليس الموقف الأمريكي من الفلسطينيين عدوانا على حقوقهم وحياتهم؟ نعم هو كذلك،لأن أمريكا بكل إداراتها تبنت الموقف الصهيوني،ولازالت تفعل ذلك. والشعب الفلسطيني يقتل يوميا بالسلاح الأمريكي الممنوح لإسرائيل،وتدمر مدنه وقراه،وتجرف أراضيه ومزروعاته،وتهدم مساكنه ويهان الكبير أمام الصغير، وأمريكا،بالرغم من كل ذلك تناصر إسرائيل. وتحارب شعب يخضع لاحتلال عنصري،استئصالي ،غيبي بغيض. ثم يأتي رئيس أمريكا بنفسه إلى بلاد العرب،فيطلب من حكوماتها الاعتراف بدولة الاحتلال،مقابل خارطة طريق منخورة ومحفورة مثل الجبن السويسري. ما هذا الصلف العجيب؟ ما هذه العروبة الخجولة من عروبتها؟ هل مات العرب؟ حتى يأتي الأمريكان ليعلموهم ماذا يقولون وماذا يفعلون؟ هل أصبح العراق مضرب المثل،ليرتعش الزعماء وتهتز الدول؟ نحن أصحاب حق وأمريكا لا حق لها في بلادنا،ونحن أصحاب الأرض وعلى الذين احتلوها أن يعيدوها لأصحابها،كي يستطيعوا العيش بشكل طبيعي مع الناس في بلاد الشرق ومع العرب في أرضهم وموطنهم. هذا ليس كلام عاطفي ولا أنشاء،هذا المنطق هو الذي يمكن إسرائيل الغريبة والدخيلة من العيش مع الآخرين بسلام. أما منطق القوة والغطرسة والقمع والإرهاب، فهذا لا بد إلى زوال،مهما طال زمن الاحتلال.
إذن أمريكا تحارب الفلسطينيين، وتقف إلى جانب إسرائيل،سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وماديا وإعلاميا. والأقبح من ذلك كله،أنها تقيم الدنيا ضد الفلسطينيين يوم يدافع هؤلاء عن أنفسهم ويهاجمون الاحتلال الإسرائيلي. ولرجل الشارع الفلسطيني العادي أصبحت تسمية صدام ترتبط بإغاظة أمريكا وإسرائيل.وهذا شيء عادي وطبيعي،إذا ما تذكر الإنسان،أن أمريكا وإسرائيل،وجهان لعملة واحدة،وأنهما سبب استمرار مأساة شعب فلسطين،وسبب مآسي الوطن العربي الكبير،من الفرات ودجلة والنيل،حتى أبعد انهار العرب مسافة عن القدس المحتلة في فلسطين.فهل أطلاق اسم صدام حسين على المواليد الجدد يعتبر أمرا عاديا؟ أم أنه سياسة غضب شعبية عابرة،مثل غيمة وتزول؟ هذا بالتأكيد ما سوف تأتي به الأيام القادمة،خاصة أن ليل العراق لازال أسودا وكثيف الظلمات.
* ملاحظة : علمت بع إرسال المقالة للنشر بان الوزير وافق على تسمية الطفل صدام حسين، ومن اليوم صار هناك صدامان حسين،واحد اختفت آثاره منذ التاسع من نيسان 2003،وآخر أعتمد أسمه منذ الثالث من حزيران يونيو الحالي.