أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند طلال الاخرس - اولاد الغيتو/اسمي ادم؛ الياس خوري















المزيد.....

اولاد الغيتو/اسمي ادم؛ الياس خوري


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 7578 - 2023 / 4 / 11 - 09:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


اولاد الغيتو اسمي ادم رواية لالياس خوري تقع على متن 420 صفحة من القطع المتوسط، والرواية من اصدارات دار الاداب في بيروت سنة 2016.

"أولاد الغيتو - اسمي آدم" رواية تدور احداثها حول حكاية الفلسطيني المُهاجر الى نيويورك "آدم دنون"، الذي تدفعه اصوله وذاكرته المتعبة والصامتة الى كتابة هذه الرواية على اثر مشاهدته فيلما عن فلسطين يزور الحقائق حول ماجرى في احداث النكبة، فتثور ثائرته ويقرر ان يخرج عن صمته ويكتب ماجرى.

فيكتب احداث هذه اليوميات من نيويورك حيث يعمل في مطعم إسرائيلي للفلافل، ويستدعي الحكايات من ذاكرته وروايات الأهالي الذين عرفهم صغيراً، وآخرين يلتقي بهم لاحقاً ليوثق الغيتو إذ كان أول مواليده لهذا اسموه ادم، والذي ياخذ على عاتقه بناء احداث الرواية فيقول في الصفحة ١٩٤ :" سوف اكتب حكاية الغيتو..". وهذا ما سبق ان قاله في الصفحة ١٩٠:"لن استرسل في وصف محاولاتي توثيق ايام الغيتو، هي كانت تجربة قاسية ومريرة. لكن يجب ان اعترف بان هناك ثقوبا كثيرة في حكاية تلك الايام كما جمعتها، ولا استطيع الكتابة بشكل متسق إلاّ اذا اغلقت هذه الفجوات بالطريقة التي اقترحتها على الدكتور حنا، اي عبر الاضافة في سياق الحذف".

فادم بطل الرواية وجد نفسه في مهمة شاقة تتنازعها الرؤى والاشكال لبناء احداث الرواية فيقدم لنا في ص ١٣٦ مدخلا يلج من خلاله الى النص وياخذ بيد القاريء نحو المتن من خلال اعتماده على الذاكرة واستنادا الى الدفاتر التي تصل ليده بمحض الصدفة ص ٩، وهذا المدخل اسس له الكاتب بعناية، وهو بذلك يتسق وطبيعة الاحداث فنجده في ص ١٣٦ يقول:" فانا ككل الفلسطينيين الذين فقدوا كل شيء حين فقدوا وطنهم، لا ارمي اي شيء له علاقة بالذاكرة الهاربة، فنحن عبيد ذاكرتنا".

فادم دنون هو الراوي الذي حاول أن يكتب رواية، ومن ثم انتقل إلى كتابة حكايته الشخصية، فيروي عن طفولته في مدينة اللد التي احتلّت عام 1948 وطُرد أغلبية أهلها وسكانها الأصليين فيقول في الصفحة ٢٧٠: "لا احد من اهل اللد يملك صورة كاملة عن سقوط المدينة، لكنني قررت ان اجمع نتف الحكايات، واكتب حكاية مليئة ببقع الدم وثقوب الذاكرة". تلك الحكاية التي بدا ادم في وضع بداياتها عند الصفحة ١١٥ حين قال ادم :" يا الهي ! فجأة وانا في نهاية العمر اكتشف انني لست انا، وان هذه الانا التي اراها في مرايا الاخرين صارت شظايا. ويجيبه مامون على ذلك بقوله:" انه خرج من اللد مع الخارجين، ومشى في مسيرة الموت تحت الرصاص والشمس والعطش، وقبل وصوله الى نعلين، رآني مرميا تحت شجرة زيتون على صدر امرأة ميتة".... فقرر ان يلمني وياخذني الى اهلي، ومشى في طريق العودة الى اللد من جديد.."
ويكمل الحدث وصناعة العتبة والمدخل بقوله عند ص ١١٧ :" اهرب من كتاب لم يكتب، فأكتشف انني لا اعرف من اكون. هل انا ابن الحكاية؟
ابناء الحكايات يكبرون بسرعة ويموتون بسرعة، وانا ايضا. كلنا ابناء الحكاية، لان الحياة نفسها تمضي بنا كما تمضي الحكايات بابطالها."

حكاية آدم" تمثل التراجيديا الفلسطينية باقسى صورها؛ فهي تُظهر كم الاسى والقهر والعذاب الذي تعرض له الفلسطيني ابان النكبة، وتتكفل صفحات الرواية المتتالية بمحاولة اظهار الحقيقة عبر استرجاع ذكريات ادم دنون ومشاهداته حول النكبة مستعينا بذاكرة الاخرين وبعدد من المصادر والمراجع، كل ذلك بغية محاولته ملء الفراغ الذي خلفه صغر السن وتتداعي الذاكرة وضعفها في ان، وهذا كله طبعا بالاضافة الى السبب الرئيسي وهو الخوف من جبروت الموت ومشاهده الخانقة التي تسبب بها المحتل الاسرائيلي وبقي ملاحقا لاصحاب الحقيقة فارضا الصمت عليهم.

ادم دنون الذي بقيت والدته [المتبنية] معه وهو رضيع في اللد دون ان يعرف تلك الحقيقة الاّ لاحقا، وذلك بعد ان توفيت امه وهو على صدرها في طريق الهجرة من اللد، يروي ادم حكاية سقوط اللد والمأساة الناجمة فيها عقب احتلالها وتشريد اهلها في منظر مأساوي نجح الكاتب عبر بطله في استعراض كثير من مظاهر ومشاهدات ذلك التهجير والتنكيل والمجازر وصولا لحبكة الرواية الرئيسية الغيتو والتي جاء منها اسم الرواية.

في هذه الرواية ياخذنا الياس خوري لمعرفة حكاية الغيتو الفلسطيني الذي أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي وأحاطه بالأسلاك الشائكة، في مقاربة رمزية لا تخلوا من المفارقات عن غيتوهات الغرب التي اعتقل فيها اليهود في اوروبا.

في الرواية ومن خلال عنوانها تحدث ان تهزك الاسئلة مباشرة قبل تقليب صفحاتها، ويحدث ان تخمن طبيعة ومضمون الحكاية، كل ذلك تحاول ان تستنبطه من عنوان الرواية ابتداء. فيتبادر للذهن مباشرة ان مضمون الرواية يتحدث عن غيتوهات اليهود في اوروبا. لكن مع تقليب صفحات الرواية وتصاعد الاحداث يتبين للقاريء خلاف ذلك؛ وهذا ما تتضح معالمه تباعا الى ان تقرا في ص ٣١٩ ما نصه : " والحقيقة انني بعدما غادرت بيت امي في حيفا وذهبت للاقامة في وادي النسناس، اكتشفت ان ماجرى في اللد تم تعميمه على جميع المدن الفلسطينية، فأقام من بقي من سكان الرملة ويافا وحيفا وعكا في غيتوهات مغلقة فترة سنة كاملة، قبل ان يقرر الجيش الاسرائيلي إزالة الاسلاك، لكن هذه السنة المسيّجة بالخوف انحفرت عميقا في الوعي الفلسطيني ، بحيث صار الغيتو علامة شعب كامل".

عند هذا المقطع بالذات وعند استرجاع فصول تلك الماساة يحاول الكاتب وعلى لسان بطله ادم ان يعيد بناء الحدث بصورة اشمل واوضح بناء على ماتوفر لديه من معلومات تحصل عليها من طرق متعددة، حينها وعند اعادة رسم وتصوير المشهد من جديد يكتشف الراوي ان ما حدث في اللد امام عينيه وذاكرته ماهو الا صورة مصغرة عما حدث في معظم المدن والقرى الفلسطينية ابان النكبة، وان تلك الاسلاك الشائكة التي سيجت الفلسطينيين ما هي الاعقدة الضحية [الاسرائيلي] التي يعيد استحضارها وتطبيقها على الحالة الفلسطينية في مقاربة ومقارنة لا تخلوا من طرح عديد الاسئلة والنقاشات من حيث المعتقد والمبتغى والمراد، وهنا بالذات يكمن الشيطان الذي يحتفظ بالمعنى المراد والمقصود في بطن الكاتب.

ومع ذلك فاننا نجد ان الكاتب يصرح على ظهر الصفحة ٤١٢ بما يؤمن له ابتعاد القاريء عن نقد الكاتب والتشكيك في مقصده فيقول:" هذه حكاية اولاد الغيتو. انا لا اريد ان اقارن بين الهولوكوست والنكبة، فانا اكره مقارنات من هذا النوع، ...لذا لم اكن للفيلسوف جارودي او غيره من الذين ينفون المحرقة النازية سوى الاحتقار....جارودي اقترف جريمة اللعب بالارقام، حين خفض العدد من ستة ملايين يهودي قضوا على ايدي النازيين الى ثلاثة ملايين. لا يامسيو غارودي ، كل الناس قضوا في المحرقة، فالذي يقتل انسانا بريئا واحدا يكون كمن قتل كل الناس..".

فيلوح للقاريء هذا السؤال، ما معنى لقاء هاتين المصادفتين؟ وهو نفس السؤال الذي يطرحه الكاتب في ص ٤١٢ تهربا من المسائلة او التشكيك في مقصده . ويطرح الجواب ثم يعود ليحصن نفسه من النقد والتشكيك عبر تملصه ومن خلال اجابته بقوله:" والله لا اعرف الجواب..".

لا تعرف منال معنى كلمة "غيتو"، أو من أين أتت. كلّ ما تعرفه أن سكان اللدّ المدينة المسيّجة بالأسلاك، سمعوا الكلمة من الجنود الإسرائيليين، فاعتقدوا أن كلمة "غيتو" تعني حيّ الفلسطينيين، أو حيّ العرب، كما قرّر الإسرائيليّون تسمية سكان البلاد الأصليين. وحده مأمون كان يعرف: :الغيتو هو اسم أحياء اليهود في أوروبا". "يعني إحنا صرنا يهود؟" قالت منال بسذاجة...

في مدخل الرواية ياخذنا خوري في متاهة وانفلاش متلاحق ومتعب حتى نستطيع الامساك بمراده وبمراد الرواية وتيمتها، هذا الانفلات عبر عنه خوري في اكثر من مكان و الذي ظهر صراحة على اكثر من صفحة منها ص ٢٣٩ والتي يقول فيها:"لا ادري ماذا يجري لي وانا احاول ان اكتب، كأنني لست من يكتب، او كأن الكلمات تعبرني وتمضي الى حيث تشاء.".

وفي الصفحة ٢١٦ يضيف في نفس السياق مانصه:" انا لا اسعى الى حكاية كاملة ، عدا ان ما اكتبه هنا ليس حكاية، بل هو تمريني الاخير على الموت، فانا لا انبش الماضي بسبب حنيني اليه، انا اكره الحنين، لكنني استسلم لذاكرتي التي تقوم بتصفية حسابها معي، قبل ان تندثر مع اندثاري وموتي".

هذا الانفلات او التشظي في بداية احداث الرواية قد يكون مقصودا وهو ما يتفق مع المراد من الجو العام للنص الذي يستحضر حالة التشرد والضياع وينجح في وضع القاريء في سياق تلك المرحلة، وهذا يسجل للكاتب والذي لم يدخر جهدا في استخدام تقنيات واساليب وادوات جديدة في بناءه الفني حتى وان كانت هذه التجريبات ادت الى انفلاش الاحداث ابتداء وتجميعها لاحقا، إلا ان هذا التجميع بقي ناقصا واغرقنا في متاهة اخرى حتى نجح خوري في الامساك بخيوط الرواية وتجميعها في يديه ليرسم لوحة بديعة في النهاية شابها بعض الشذرات والتي قد تكون لها تفسيرات عدة تبطل مفهوم التشظي الحاصل لدى القاريء.

هذه الحيرة والمتاهة التي يقع فيها القاريء جائت نتيجة طبيعية لمراد الكاتب؛ فهو اسس مدخله للرواية من خلال كتابته لسيرة روائية فيها من البوح الكثير، فالكاتب يضعنا في اجواء هذا النص ومناسبته واسبابه، حتى انه يتدخل بشخصه ورايه الصريح في ابداء رايه فيما كتب لتبدوا اولى الصفحات بانه يكتب فعلا سيرته الروائية او مذكراته وذكرياته مع هذه الرواية ومع الكتابة بشكل عام.

وقد نجد على ظهر الصفحة ١٥٢ ما يساهم بازالة بعض الشذرات والمتاهات العالقة في الرواية ويفسر لنا اسبابه:" هناك رواية دائما منتظرة، وهي تحتاج الى كاتب شجاع، يقرر ان يغامر بكل رصيده كي يكتبها. فلسطين تنتظر هذه الرواية منذ اكثر من نصف قرن، وانا لن اخسر شيئا اذا حاولتها، فلأكن انا، ادم ابن حسن دنون، حامل وصية (ناقة الله) هو هذا الكاتب".

وفي نفس الصفحة ١٥٢ يضيف خوري مايعزز مقصدنا وتفسيرنا فيقول:" قررت التوقف عن الكتابة عبر تحويل الكتابة الى لعبة شخصية، من خلال هذا النص الذي اشعر وانا اكتبه بأنني اعيد كتابة جميع الروايات التي احببتها، متحررا من ثقل الاشكال، ومتلافيا عبور صحراء الفراغ التي تحاصر الكتابة الادبية".



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات مع الشهيد هايل عبد الحميد
- انبياء الله في فلسطين؛ نبيل خالد الاغا
- قبل ضياع الجنَّة؛ صادق عبد القادر
- احزان الفلسطيني الاخير؛ طالب ابو عابد
- الطبالة الصغيرة؛ جان لوكاريه
- جسر على نهر الاردن؛ أسامة العيسة
- جسر بنات يعقوب؛ حسن حميد
- الخرز الملون؛ محمد سلماوي
- نصفي الآخر؛ شفيق التلولي
- الجنة المقفلة؛ عاطف ابو سيف
- الكتاب الاسود عن يوم الارض 30 اذار 1976
- حنظلة؛ بديعة النعيمي
- الف يوم في زنزانة العزل الانفرادي؛ مروان البرغوثي
- انا والمُحقق والزنزانة؛ سعيد ابو غزة
- مقاومة الاعتقال؛ مروان البرغوثي وعاهد ابوغلمة
- بانتظار القمر؛ مي الصايغ
- تيسير قبعة الانسان والقضية؛ وليد نويهض
- فتح من البندقية الى السرداب؛ عبدالقادر ياسين
- الليلة عيد راس السنة
- نوبة حنين لفلسطين


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهند طلال الاخرس - اولاد الغيتو/اسمي ادم؛ الياس خوري