أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان














المزيد.....

مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7568 - 2023 / 4 / 1 - 11:02
المحور: الادب والفن
    


حينما كنا صبية، نسرح ونلهو في ساحات القرية، بألعاب بدائية مخترعة، ومولَّدة من ألعاب أخرى، تحثّنا ذلك موجة النشاط البريء، التي تحكم أنشطتنا كلها، متّشحين بسلاح المحبة والتآلف، ووفق منهجية الأطفال، لا أحد فائزاً في أي لعبة، ولا أحد قائداً لتلك الألعاب، حتى يقدم شهر رمضان المبارك؛ فنستعد بألعاب مناسبة للشهر الكريم، فمثلا يُنصِّب أحد الأطفال نفسه شيخا يعلم الآخرين أصول الصيام، وجماعة تمثّل حفلة إفطار افتراضية، وآخر منّا يرفع الآذان، لكن هذا كله يقودني إلى معرفة التوقيت، الذي كان يستعمل لإعلام وقت الإفطار، حيث لا توجد مصادر الطاقة في قديم الزمان، ما يجعل بعض الصبية من اللاعبين أن يصنع من قطع أثاث قديم مهترئ، مُرمى بين أرجاء القرية مدفعا للإفطار، يصدر صوتا منخفضا، وبذلك تتمّ لعبتنا عن ميقات الإفطار.
وسألهو بكلماتي البريئة، كبراءة الأطفال يوم ذاك، وأودّع زمنا تولّى بقلب أسيف، يحن تارة لأيام جميلة مضت، وعُجب من طبيعة مجتمعات لا توفر أساليب الرفاهية الهادفة لأطفال في تلك الأزمنة تارة أخرى، وأتحدث عن مدفع الإفطار، الذي كنا نترقّب صوته في كل مغرب شمس، في تلك القرى الساكنة الهادئة اللطيفة، فعند اقتراب الغروب من نهايته اليومية؛ نتجمّع حول المدفع القديم المحشو بالثياب الرِّثة، ومخلّفات مهملة، وصاعق يُسلَّم من البلدية في تلك الآونة، ثم يطلق هديره في الفضاء معلنا وقت الإفطار، ووقت الغروب، ثم ننتشر راكضين كلٌّ إلى منزله؛ لنشارك العائلة طعام الإفطار.
يعد مدفع الإفطار رمزا خاصا في شهر رمضان المبارك؛ يكون الوسيلة لإعلان وقت الإفطار، ووقت السحور، يتحرّاه الصائمون، ويفرحون لصوته، وينتظرون وقته، فما إن يتجلّى ببرقه، وبصوته؛ حتى يأنس الصائمون في بيوتهم، وقد ودعوا يوما رمضانيا آخر، فما قصة مدفع الإفطار؟
ذاع انتشار مدفع الإفطار، في مصر في عهد الحاكم محمد علي، الذي حكم مصر آنذاك، لكن النشأة الأولى لمدفع الإفطار، قد اختلف فيها الباحثون الأثريون، فمنهم من أرجعه إلى عام 859 هجري، ومنهم من يرجعه إلى قبل ذلك التاريخ بسنين كُثر، لكن الراجح عند معظم الباحثين، أن الحاكم محمد علي استورد عددا من المدافع من ألمانيا، ويقال: إنه أراد تجربتها فأطلق طلقة من مدفع، وقد وافقت هذه الحادثة غروب الأول من شهر رمضان؛ فظن الناس أن هذا الصوت تصرُّف من الحكومة في إعلان وقت الإفطار؛ فاستعذبه الناس، وطلبوا من الحكام آنذاك، أن يصير موعدا للإفطار، فانتشر صيته في عموم مصر، حتى صار معلما خالدا من معالم الشهر الرمضاني، ثم أخذته البلاد المسلمة الأخرى في شتى أصقاع البلاد العربية؛ إيذانا بموعد الإفطار والسحور في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وقد وُضع مدفع فوق أحد الجبال القريبة من الحرم المكي، وقد ظل متبعا هناك حتى العصور الحديثة من هذا الزمن.
وفي معرض الحديث عن شهر الصوم المأمور به منذ العصور، التي سبقت ظهور الإسلام، وفي ذلك أشار القرآن الكريم عن ذلك: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" فهنا إشارة للصوم قبل الإسلام أي في الأقوام والأعراف السابقة من أهل الكتاب، وغيرهم من الأمم التي سلفت.
وما أن تنكفئ الشمس للمغيب نحو مدارها الزمني السرمدي، يتمايز الناس في قراهم، ومدنهم آنذاك سراعا لتبادل أطباق من الأطعمة البسيطة المعدة من نساء شغلت نفسها بإعداده للبيوت المجاورة، فيكاد لا يخلو بيت من تلك البيوت عن نوع من طعام معدٍّ من جيرانه، في ألفة اجتماعية، ومحبة نادرة عند الأقوام، التي عرفت معنى المدنية، ومعنى الحضارة المنمقة، فسمت البشر حينها بألفة العون، والتمازج، واللحمة الاجتماعية النبيلة، حتى الولائم كانت لا تخلو ساحات المكان منها دوريا بين الناس، يجتمعون حول رغيف الخبز، وفي مجلس كان ينور بمصباح نوره ضئيل؛ فتسرد حكايا، وتعلو الضحكات في المكان البسيط.
لكن غزت القوم الحضارة، ونمّقت عيونهم البريئة، وأخذوا شيئا فشيئا تاركين عادات كانت تلمُّهم، لا هثين وراء غايات لا تُدرك ولا تنتهي في أزمنة الربح الوفير، والصراع حول الدرهم والدينار، ولا غرو في ذلك حيث استجابت نفوسهم للتغيير وتصلُّب العيون بشاشات الأجهزة الحديثة، والمنوعة؛ فغدت قراهم حزينة الجدران، ومدنهم مقفرة التداخل والأنس؛ فغدا كل جار غريبا عن جاره في الطباع والعادات، بعد أن لمت شملهم عائلة المزج طويلا، فيا أيها الناس عودوا إلى ألفة المكان والزمان، فكم من معتر فقير معدم، لا يقوى على شراء قوت فطوره، وكم من حرة سامها الزمان بسياط غلاء أثمانه، وكم من أب حائر بينِ طلب الابنة والوليد؛ لعلكم تواسون عوائل متهالكة بين الأزقة والأبنية، وبذلك أحكم معناه الشاعر زهير بن أبي سُلمى قديما:
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدية عيد المعلم
- ترنيمة هجرة الذهب الأبيض
- التأثّرات الفنيّة بين روايتي- في المنفى- لجورج سالم، و-المحا ...
- استرسال الذاكرة
- نـزهة المشـتاق إلى رحـاب مكـة المكـرمـة
- القاعدة النحوية بين الجدلية والخلاف
- - في المنفى- لجورج سالم، و-المحاكمة- لفرانز كافكا. أوجه الشب ...
- عبد الله الفاضل تغريبة الصحراء وجور بني القربى
- قصيدة لميس نجد
- الحب نبض الحقيقة
- الأمنيات التي بددتها القوارب
- بدر شاكر السياب شاعر الحب والاغتراب
- العباءة زي الموروث وألفة الموضة
- الصعاليك في متون الصحارى
- المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس
- الأثافي الثلاث
- أمل في سفر المحال
- الملاحم اليونانية تناغم الإنسان بالطبيعة
- ورقاء تغرد من نجد
- الجمال سيد الرؤية وسبر العقول


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان