أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ورقاء تغرد من نجد















المزيد.....

ورقاء تغرد من نجد


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7272 - 2022 / 6 / 7 - 13:15
المحور: الادب والفن
    


يتفاخر القوم في الأنساب والأحساب، وفي الشهرة، وما آل إليهم من مباهج الدنيا، وزهوها، والشعراء، والأدباء يتهافتون، لوصف إبداع، أو سمو ألفاظ، لممدوح، أو غزل لظبي راح يتهادى في مِشيته وسط غابة، كلأٌ فيها، وماءٌ وفير، ويذهب القوم مسترسلين في وصف مشارب، و إعداد القهوة، تكون للسمار، وللعشاق، ولمجالس القوم منبر، يعتدُّون بطقوسها النبيلة الشريفة، فيستشعرون لذّتها، ويُحْدِثُون لها غاياتٍ وأعرافاً، ويرسمون لها اللوحات، وينتقون لها الفناجين والنكهات، فتُدار في مجالس الأتراح، والأفراح، فيُنشدون لها قصائد الغزل، معطرة بمآثر الأبطال، وشرف النفوس، وينبرون ذوداً عنها، إن تعكّرت أمزجة القوم في ذمِّ هَالِها، وإن قُدِّم لعلِّية القوم شيءٌ من أسمالها، فهي السيّدة في مجالس السمار والأشراف، وهي النقيّة الطاهرة، لما انقضى من زمن الأسلاف، وإن استجارت حرَّةٌ بِدِلَاِلها، توافد القوم حفظا لشرفها، فهي مفتاح الندى، وهي ميزان العقول.
لكنّني، وأنا في غمرة الحديث المتوارث عن مفاخر القوم، وعن ملذات الدنيا وعن مفاتنها، وعن حكايا الليل المقمر، فيما كان من أمجاد، لتأخذني الكريمة، والعزيزة من حروفي، في نبعة التميز، وفي الذكر العتيق، وعبر مسافات دربٍ سحيق، أفخر في نور قمر جنوبيّ، نفذ نوره من بين مسام سعف نخل نجد التليد، وقد نثر النور في متون أوراقه، فشفت لغته اعتلال السهوب، وشفني الوجد لحديث الرشا الطروب، أضحى للعشاق سامراً، وللتائهين هداية، فجلا عتمة الليل، ورنّم رجع سجع الحمائم، ونثر البُهُج في ثغور زهر البرايا، فحدّث للورى، وللخزامى عشق الياسمين، فأدار من رُبَا نجد البعيدة دورة أفراح السنين، بلغة أهل الشام النبيلة العذبة الناعمة الجليلة، ولثغة الشحرور في لحن نايٍ مُحزنة، لتطرب النجوم والغاب في هدأة الليل الطويل السرمدي، وحيدة كنجمة ضحى، في حديث مسترسل طويل، صمت فيه السامعون، واستولى الإصغاء والقبول على شخوص المتحدّثين، فالسفينة يوجهها ربَّان واحد، تمخر عباب البحر دونما ضَلال، وقد سمع العاصي تردُّد صوتها، وأعادت نواعير حماة صدى فكرها، فاختارت الصحارى موطنا لها؛ لتضم حروفها هدأة الرمال، وعطر الشيح والقيصوم؛ فتحيا الطلول، ولن تبكي الشعراء في رسم الأطلال، وفي درس آثار الديار، سمعتُ لها صدى صوت في هبوب الرياح المثيرة للأشجان؛ فسحرني النغم في استدارة ميم حديثها، وتعطّرت أذناي في رجع أوزان موسيقاها؛ فغار السِّدْرُ منها، وأعطاها نوناً، وراء، وسيناً، وهاء، ومكرمة، من وجه أوراق نبته، ومن ملامح الدهناء، لتضمَّ جبال أجا وسلمى غزالا غضيض الطرف مكحولاً، وقد شفى نفسي، وأبرأها ذكرُ بيت لابن أبي ربيعة المخزوميّ، في هدأة النجم، والأقمار، وقد اعتزل القومَ، والناس، ذات مساء؛ فتعلقت عيناه بنجمة بعيدة منيرة، فرسم بسمة الثريَّا في بيت شوق غزليٍّ، عفيف، مؤلم:
هِيَ شامِيَّةٌ إِذا ما اِستَقَلَّت
وَسُهيلٌ إِذا اِستَقَلَّ يَمانِ
هجست كثيرا لوقع حديثها، فاحتواني الحديث، والمكان، فَرُحت أرقب كلماتها؛ فأخذني الإصغاء لنقدها، واستوقفت زمني لحظات؛ ليخلد كلامها في لحد عقلي المكين، فطردتُ من عيني، ومن نفسي كل ارتباط عاطفيٍّ، وكل فكر العلم، والتأليف؛ فأسكنتُ منطق حديثها وكلامها كلّه، في أخدود مشاعري، وأغلقته، فاعتدلت حين كنت متكئا، لمّا تكلّمت باطراد مطلق، مستوردةً نقدّها كلّه؛ لتعطي مسيرة قاصٍّ نبيل، ذي مشاعرَ مرهفةٍ لأحاسيس شخوص، قد غدرت بهم الحكايا، والدُّنَى، وقد أوحلت بأقدامهم الطرقات، وتباكت لنحبهم النوارس، والأمواج، فلفظت أجسادهم بأرض بعيدة غريبة، فلربما شعرت المتحدثة الرقيقة، بما شعر به قاصُّ الحكايا؛ فتناغمت عندها الأحزان، واعتلى عقلها ألم الفراق، فراق الدور والدروب، وتذكُّر درج البيوت القديمة، وصوت المزاريب وقت الشتاء الممطر، فأثارت معادلا موضوعيا في خلايا إحساس، استيقظ للتو في قراءة "مجموعة غريق"، فهي غريقة غربة، بالتقادم أصبحت وطنا محمولا بين النبض، وبين الذكريات؛ فاستولى كلماتها الرقيقة قبولٌ، ورضا؛ لما خطُّ الكاتب قصص الزمان والمكان، فنسيت المتحدثة الضيوف والجمهور، وراحت مثل حمامة تهدل ناقدةً، وشارحةً، ومردّدة لجملٍ، قد دُندِنت بشغاف قلبها؛ فأسرت مقل الحاضرين، وصُمَّ الكلام لحديثها، وتعطَّل الرّدُّ؛ لسحر حديثها، فكانت ملكة الجلسة، ومحور اللقاء، وكانت الغيث الهاطل لأرض يباب، وقد ازيَّنتْ لربيع طويل، وقد أعشبت، ونمت أزهارَ ياسمين.
كانت الكاتبة ناقدة، ومتفحِّصة أحداث القصص، في نقد موضوعي ممتزج بإعجاب كبير، منمَّق، لما دار من أحداث بسيطة، حاول الكاتب أن يعكس واقع المدينة، لما حلّ بأهلها من أحداث جسام، جعلتهم غرقى في زمن الحروب، والدمار؛ ليأخذهم موج الهجرة إلى أطراف شتّى من العالم الكبير الواسع الممتد، فلعلّ الكاتبة النبيلة عنت من شرحها" لمجموعة غريق" أن تضع القرّاء في مرحلة الامتداد الواسع، لهذا العذاب الرهيب، الذي ربما لا ينتهي إلا بالغرق، غرق في تموّجات بحر الأحداث، التي ظلّت تجرف العابرين والمهاجرين، حين تلفظهم مدن بلادهم المتعددة الصامتة الغارقة في تنازع الحكايا، والأماني والرغبات، فهذا بعض من نقد، كلمات الكاتبة: " تلك المدينة التي لا يمكنني أن أهرب منها إلى أي مكان، أو بقعة أخرى في هذا الكوكب، إلا كغائب، وأعود إليها.
تلك المدينة، التي نركض فيها فرحاً، عندما نريد الانسلاخ من واقعنا المؤلم، ونهرب إليها، وعند حدائقها في لحظات الفرح، والحزن في لحظات العشق والبعد... تلك المدينة، التي تصبح في كل يوم جزءًا لا يتجزأ من حياتنا في الاطمئنان عليها صباحًا، والسهر على عيونها، لتنام وهي دافئة الوجدان".
هكذا حال الاغتراب، والدخول في عالم الهجرة الواسع اللامتناهي في الرغبات والميول، إنها الذكرى، التي جمعت قاصَّ حكايا "مذكرات غريق"، وذكرى الناقدة، التي تنظر من بعيد خلف الصحارى، إلى مدينة، ربما تظلّ ذكراها تدغدغ خيالها، وتلقي بظلالها لمخيلة حارات بسيطة متواضعة، لطرق قديمة، اعتادت السير فيها، لأناس ربما رحلوا، لرفاق أصبحوا مسنين، هذا كله قد استوقف الكاتبة؛ لتستحدث تلك الذكريات من عقلها، ومن قلبها؛ فلامست أحداث القصص شعور، وحنين امرأة قد هاجرت من مدينتها منذ زمن بعيد؛ لتولد كلماتها الرتيبة، مظهرة شعورا كان مختفيا منذ سنين.
لقد استهواني سحر حديثها المسترسل، وقراءتها لقصص بأسلوب متفحّص هادفٍ، جادٍّ، فراحت تنمق رأيها، بجمل طويلة، مثيرة ومستوقفة على كل حدث مُثار في القصص، ومحلِّلة لكلمات القاصِّ البسيطة؛ لتلقي عليها معاني البلاغة، والروح الإنسانية، فيما دار من حديث، فكانت الاسترشاد لي؛ لأعمق، إن استطعت، غاية، كانت المتحدثة تريد بيانها.



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمال سيد الرؤية وسبر العقول
- الجنة والنار في رسالة الغفران
- سنابل الحصاد
- الربيع
- خلف نافذة صغيرة
- حديث السنابل
- ضحك البؤساء


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ورقاء تغرد من نجد