أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - حديث السنابل















المزيد.....

حديث السنابل


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7215 - 2022 / 4 / 11 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


يختار المؤرّخون، وعلماء الّلغة والباحثون عنوانا مميّزا، يمكّنهم من الشّهرة، ومن الخلود، ومن اجتذاب عقول، وعيون القرّاء لما يكتبون، وبما يؤدّون.
لكنّي وفي غفلة من زمن التّاريخ، ومن سُبات الّلغة، ومن جميل ما كُتب، وأُلِّفَ في قرون عديدة خلت، سأكتب عنوانا، تتمحور فيه فكر المخلوق البشريّ، عنواناً يكون في نظرة الفردِ المطلقة، إلى الأرضِ الخالدة، الّتي تدور في فلك الفضاء الرّحب، إنّه حديث السنابل، ففي بقعة من جغرافيّة الحياة، وتاريخي المتأصِّل في أخدود الحقيقة، تمتشق جزيرتي الّليلَ سربالاً، وتنهض من براثنِ سُباتها العميق؛ لتبلغَ عَنانَ السّماء، وقممَ المجدِ والخلودِ، وتتسامى أعاليَ الأفلاك، فهي الخير المُترَفُ، والبهاء الجماليّ، فبها يخضرُّ أديمُ الأرض بكلأٍ، وزرعٍ ومياهٍ، وإعادةِ دورة الحياة في كلّ ربيعٍ، وفي كلّ مساءٍ، فكانت عبر سَيرورةِ حياتها السّرمديّة البعيدةِ، وفي حاضر أيّامها المتواترة، خيرًا ونماءً، ومحطّ أنظارِ الأفلاك.
يقدُمُ إليها الرّاحلون، والمستوطنون، و صانعو الجمالِ والأخلاقِ، يسكنون أرضَها، فيعمُّ النَّماء ساحاتِها، ولأنّهم يشربون ماءَها، يقطنون أرضَها، فيستوطنون، ويبنون فيها القلاعَ والحصونَ، ويربُّون فيها الحِملانَ والجِمالَ، فيألفون، ويتعايشون في نسيجِ محبّة الأرضِ والإنسانِ، ولأنّهم يَرَوْن في الأفق، عند هاطلِ الغيث في يوم ربيعيّ مشمسٍ، ألوانَ قوسِ قزحٍ ماثلا أمامهم، جعلوه طريقةً لتآلفِهم، ولتأقلمِهم، مجتمعين بتلك الألوانِ الربّانيةِ المعهودةِ، فلا تجدُ لغةً غريبةً، ولا تجدُ لونَ بشرةٍ شريدةٍ، ولا عادةً مجتمعيةً منبوذةً.
هم خلقُ اللهِ الممتزجون، فيهم اتّسقتِ العقولُ، فعشقت إنسانيتهم العيون، وتعالتِ الحناجرُ فرحةً، فأخذت الأكفّ العابرةُ، والكلماتُ السّاحرةُ، والعقولُ الفريدة المتنوّعةُ، تخطط ّالأرضَ في نَظْمٍ واتّقانِ، فكانوا كلّهم ريشةَ فنّانِ، فراحتِ السّهول بهم تندَى، ازينّت، وربَت، تغرّد فيها الطّيور الشّجية، فمن سنابل القمح، يعيد القمر نوره الذهبيَّ، وتُتِمُّ الأفلاك دورتها السّنويّة، مهديةً الخيرَ والنماءَ للأرضِ النّديّة، فأينما تسكنُ، وأينما تسيرُ، تجد روح البداوةِ، والنخوةِ، والشّرفِ، وإذا ما بحثت عن آخرين، ستجدُ البراءةَ، والطّهارةَ، والأخوّةَ، والتّسامحَ، وتجد إغاثة الملهوفِ، ونقرَ الدّفوفِ، وتزيينَ الجدران والرّفوفِ، فتمضيَ نهارَك متواصلا مع ليلك في حفلاتِ سمرٍ غنّاء، في الصّيفِ، وفي الشِّتاء، وتطالعكَ الوحدةُ في أهلها في ألحانِ ألوانٍ عديدةٍ من الغناء، فإذا ما جاء الرّبيع؛ لتورق الأرض الإنسانُ من جديدٍ، ويكملان دورتهما السّنويّة، يقضي النّاس أوقاتِهم في نكهة ثرى الأرض، بعيدين عن المآسي، وعن الخذلان، والفتنة، والتّخالف، جاعلين الأرضَ أمهاتِهم، تلفُّهم في حنان قلبها الكبير، وتلمُّهم في أزهارها وورودها، بساطا، يجدون فيه أفكارهم، وآمالهم، ووحدة روحهم مع الأديم.
فالسّعادة مثل القمح، ينبغي ألاّ نستهلكه، إذا لم نساهم في إنتاجه، وكما شقائق النّعمان تهتزُّ في نسيم نيسان العليل، وقد تلوّنتِ الأرضُ الّلون الأحمر الأصيل، كذلك الناس في جزيرتي الخضراء، ينتشرون حول شقائق النّعمان، في قصص من العشق، والحبّ، والإطراء، يكتبون قصصَ المثالية بروح الإباء، ويلفّون منها باقاتِ ورد في روح حبّ مستدامة، تكوّرت فيها قلوب المحبين، واجتمعت فيها حروف الكلام، ليكتمل الحبُّ الالهيُّ، والقداسة النبيلة، في فصول أرضي الغنّاء، ولتكتمل سنابل القمح النّديّة، في اهتزاز رياح لطيفة صيفيّة، على سوق نباتها الطّويل، وفق منظر ذهبيّ متلاحم، مثل بحر كثيف المياه متزاحم، وفي الأفق البعيد، تنحسر رؤياي هناك، فينتشر الخير، والحصاد بمناجل الرّجال والنّساء، وزغاريد الأطفال والصّغار وراء فَراش الحقولِ ، فيتعالى عند ذاك النّهر الّلطيف صوتُ الحصاد، فيرقب الإنسان آمال الحياة، والحبّ والنّماء، فتنشد الأرض حديث السّنابل المؤلّف، والمرنّم بلغات أهل الجزيرة المتعددة، فلا فرق في لغة عن أخرى، فتتآلف سيمفونية التّمازج والتآلف، وتنصهر الّلغات في براءة دون تكلُّف، فهي استرسال لماضٍ عريقٍ، في حياة بعيدة كانت، ومنذ الأزل آمنة مطمئنة، تتخلّلها أنهار القناعة، وسهول الاتفاق، وحينما تُدقّ السّنابل، وتَذَرُ إنتاجَها الرّياح، تفيض الدُّروب بعطرها، وتنسلُّ المآسي والأحزان والأحقاد، من أحاديث ليلها الَّلطيف، فيعمُّ الخيرُ دورَها، والتّلالَ، فتصطفقُ الورودُ وتطَرَبُ، لتمحوَ السَّنابلُ حديثَ الأسى.
فسُنبلةٌ خضراء، أو صفراء، أنثرها حروفا في كتب الحقول السمراء، فهي امتلاءٌ شاحبٌ، يحني سُوقَ نباتاته، فكلُّما آخيت أو صادقت سنبلة، علّمت العالمَ كيف يكون البقاء، فهذه الحبّات القاسية الذهبيّة، هي عودة ثانية للاخضرار، وللحياة، بعودة ثانية لقصص أحاديث السنابل.
فهذا الحديث يحكي قصَّة الشّقّ، الذي في وسط الحبّات، فشطرها الأخر يخص أخاكَ، في أسرة مكلوءة فقيرة معدمة، أوجد فيه الله زكاة في قبول العطاء، ما يجعل النّفوس متساوية، كالعدل في السّماء، فلا يحزن الفقراء، فيعمُّ الخير مال الأغنياء، أيُّها البشر، انثروا الحبَّ في رؤوس الجبال؛ كي لا يُجاعُ طيرٌ ولا إنسان، وكي يلمَّ حديث السنابل العقول، ويمنح القلوب المحبّة.
وفي عودني للبدء حينما يفكّر المفكّرون، والمؤرّخون والقرّاء والّلغويّون، في عَنْوَنَةِ ما يكتبون، فليختاروا حديث السّنابل، ويخطّوه، فهو العنوان الأبديّ، والباقي في ضمير الحقّ والجمال، ففيه التنزّه عن التزلّف، والتملّق، ولأنّ فيه مِذقُ المحبّة، ولأنّ السّنابل هدية السّماء، محمولةً بغيث الفضاء، ومزيّنة بضوء ونور نجومنا السّاحرة المعطاء، ومعزوفة بثُغاء خرافنا البيضاء، ومتمايلة كصفصاف الفرات، إذا هبّ الرّياح له، وكبرديّ الخابور الحاكي قصص الماضي.
هذا أنا وهذه جزيرتي، تبين ثم تمتدُّ وراء التّلال والسّهوب، وتختفي وراء التّلال والحقول، كغزالة شاردةٍ، تسفُّ من زرع، وكلأ الطبيعة الكريمة، تعدو على سجّادة كبيرة عريضة، موشّاة بألوان الورد والزّهر، ومُدلّاةٌ فيها الدّوالُ والثّمر، فرُحتُ أغور في سبر نفوس العباد، وطرقتُ أبواب مطارات البلاد، فلم أعثر على موطن، ولم أَتَشَهَّ غيرها وجوهاً، فحملت قلبي في يدي هديّة، لينبض ما شاء بلطف، ويعشق روحها السّخيّة، ساندا رأسي إلى صدر حورها الممشوق، وألثم الحنين على مصاريع أبوابها، وعلى سور بيوتها، دونما اغتراب، ودونما ارتحال، فإذا ما قضى الله أمرًا كان مفعولا، لتُرْوَى عظامي بشهدٍ لذيذٍ مصفّى، من عروق أشجارها الغناء، وبعطر حديث السّنابل المختوم بالمسك، والعنبر، وليبقى تناغمُ نشيدِها حديثَ الورى، ولحنَ السَّماء في زُرقتها الأبدية.



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضحك البؤساء


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - حديث السنابل