أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ترنيمة هجرة الذهب الأبيض














المزيد.....

ترنيمة هجرة الذهب الأبيض


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7561 - 2023 / 3 / 25 - 12:34
المحور: الادب والفن
    


للوهلة الأولى، حينما تستطلعك الطريق المؤدية إلى الجهة الشرقية، لبداية إعلان الشمس للكون بيوم جديد في آخر الربيع، قد هدّده قيظ الصيف بالمغادرة، تجد مربعاتٍ واسعةً من الأرض، ممتدّةً في عمق السهول، يغلب عليها اللون البني الفاتح، وقد خُطِّطت بمحراث، لا يخطئ طريقه المستقيم، ولا تشكو الأرض حدّة شفراته، ولا يضرّها حنين هديره، الذي يبلغ عنان السماء، فقد اشتاقت إلى طقوس بناء حياة البذرة من جديد، وفي عشق الأرض ذرّاتُ تراب محروثة حديثا، تتزاحم الطيور فيها مرنّمة أصوات الجياع، وحبّ البحث عن الغذاء والعمل، ومنتشية؛ للحصول على ما تجده من حبات متروكة في الأرض منذ حين، تطير هنا وهناك، تنقر متون الصخر والنبات؛ علّها توقظ النماء، وإعادة دورة الطبيعة من جديد، بعد أن هجرها المحبون مرة أخرى، وعلّها تكتفي ذلك اليوم، من طهر الثرى، الذي بدا عاشقا للنسيم والندى، بعد أعوام من وأده تحت أرض عشقت نجوم السماء.
وعلى المدى، تتناثر بذور الذهب الأبيض، عائدة نحو موطنها، التي هجرته منذ الخريف الفائت، تسعى حثيثة نحو مسالك حياتها الجديدة، كتوائم فارقت أمهاتها في زمن الاختلاط، وسيرورة الفوضى والخوف والهروب من واقع، أحداثه جمّة، قد فرضت حالها وويلاتها في زمن الاختلافات العظمى، أسندت رؤوسها في وسادة الأرض، ونامت تنتظر زمن اللقاح السماوي وري السحاب لها من غيوم غادرت سماءنا منذ حين.
فبعد لأي من الزمان، وقد نثرت رياح الخريف الغاضبة، سنان قطافها المعتاد، لتلعن نهاية رحلة بذور كانت بالأمس حكايا فلاحين وزراع نشيطين، وفي الطريق المعتادة، والمؤدية نحو السهول الواسعة الكبيرة، ترى لونا أبيض، قد اتشحت الأرض به، ملوّنا المكان بلون الطهر النبيل، كأنه لفائف أجداث، قد قامت إلى محشرها، فأسبل النهار ضياء عيونه في لفحة الشمس الهادئة، التي اعتلت الأفق، وصدى الطير يسجح، ويُرجَّع في المنحنيات، فتبهر الأعين والناظرين ذرات من الثلج الأبيض، النقي، قد اتسقت وراء السواقي، التي جفّت، ونامت بين أحضان الصيف، الذي للتوِّ ودعنا، وكأنّها تستكين في كوخها المسجى في ردهة الأمكنة.
وعلى المدى البعيد من عينيك، ماست أغصان نبتٍ، قد ألِفَ الناسُ منظره، واستوى على سوق من النبت الأخضر القائم، حاملا لفائف بيضاً، باسمة للحياة، تجمعها أكف العذارى النشيطات، منشداتٍ نشيدَ الحبِّ الأبديِّ مع السماء، في لقائه بالأرض، فتتكدّس الأكداس في متاهات الأخاديد، التي تناثرت أطرافها في أديم الأرض المستدامة، وقد غرّدت الطير مع الحناجر، التي صدحت مناجية نجوم الفضاء؛ كي تحمي الطهر والحب المنمّق بسهول الجزيرة الباسمة، فراحت النسوة يرددن حكايا الخريف المودّع في طريق عودتهن من الحقول المبهجة، إلى بيوت ضمها السحر في بيان لغة العشق العذرية، لكن مرّ على القوم والكل نسيم الغروب، غروب شاحب قاتم، أخذ معه رونق النور والضياء، فحلك المكان من شبح أبيض يأبى الاندثار، وتموجت الطير والأنام في صفوف من الألم والشكوى، والالتفات نحو الماضي الجميل، نحو مناجل الحصاد، الحادة، ونحو الرزق الوفير، الذي عمّ أرضا سُقيت بنبل ونقاء السواقي، فتشرّد اللحن، واستباح القدر أغاني العذارى وراء ذرات القطن النقية، وشدت الطيور أغنية العذاب الشجية، خلف حقول جراح البرية.
فلعلّ نظرة من ميسرة، تعيد ألق الأرض، وحقول الذهب الأبيض؛ ليرنّق شفاه المنتظرين، وتسمو الحكايا فرحة طربة خلف أكداس القطن الممتلئة، وتسير قصائد الحب في قوافيها المطّردة، تُلقى في مجالس القوم، ومضافات الخريف، الذي شارف على لقاء الشتاء، ولعل أملا من قادم مسرٍّ في صناديق البريد، يثلج أفئدة أسفت دموع الانتظار الطويل، هل هي حكايا زمن قادم مغيّر رسم دائرة الحب، في مثلث استمرارية الحياة والندى، في المنجل، والمحراث، والنبت، أم أن طير السنونو قد غادر أعشاشه من أراضينا، وزقزق بعيدا في أرض دفئة تعيد له فرحة الزنابق؟ لكن وفي المنعرج الواسع تقيم جوقة البلابل حفلاً لسيمفونية الأمل، وهناك في النور الباهت البعيد، بنت اللقالق عشها التي تتشهّى التكاثر بين ندف قطن الجزيرة الغناء، فهل سمع الزمان، والفضاء، والمكان ألحان الغيم القادم؟ حتى ترفض الطير هجرة باتت تدقّ مصاريع الأبواب، ليل نهار، وعلى نظرة العجائز، التي سامها نير الانتظار، والحبّ، والترقّب الطويل، آهٍ! على حبيب شريد، أصبح قفرا تذروه الرياح، فلعلّ أجراس القطن الرنّانة، ترنّم زغرودة الصباح الهادئ على أوتار أغصان الخير القادم.



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأثّرات الفنيّة بين روايتي- في المنفى- لجورج سالم، و-المحا ...
- استرسال الذاكرة
- نـزهة المشـتاق إلى رحـاب مكـة المكـرمـة
- القاعدة النحوية بين الجدلية والخلاف
- - في المنفى- لجورج سالم، و-المحاكمة- لفرانز كافكا. أوجه الشب ...
- عبد الله الفاضل تغريبة الصحراء وجور بني القربى
- قصيدة لميس نجد
- الحب نبض الحقيقة
- الأمنيات التي بددتها القوارب
- بدر شاكر السياب شاعر الحب والاغتراب
- العباءة زي الموروث وألفة الموضة
- الصعاليك في متون الصحارى
- المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس
- الأثافي الثلاث
- أمل في سفر المحال
- الملاحم اليونانية تناغم الإنسان بالطبيعة
- ورقاء تغرد من نجد
- الجمال سيد الرؤية وسبر العقول
- الجنة والنار في رسالة الغفران
- سنابل الحصاد


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - ترنيمة هجرة الذهب الأبيض