أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حدائق الليمون














المزيد.....

حدائق الليمون


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7566 - 2023 / 3 / 30 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


طوال شهر رمضان، سيبقى " كمال " بدون مَورد. المقهى، أينَ كان يعملُ نادلاً، لن يستقبل الزبائن قبلَ حلول العيد. لقد صرفه صاحبُ المقهى، يومَ أمس، مع بقية زملائه، حتى دونَ أن يهنئهم بقدوم الشهر المبارك.
" رجلٌ جشع، برأس خنزير، رائحة عرقه كريهة دوماً بسبب جلسته الأبدية وراء الصندوق "، فكّرَ الفتى بحنق حينَ استدعى صورةَ معلّمه. هذا الأخير، كان يوظفُ أمواله في شتى الأعمال، لكنه لا يتحرّج من الاستيلاء على نصف البخشيش، الذي يتلقاه النُدُل من روّاد المقهى. معاملته لهم، فوق ذلك، كانت سيئة؛ وكما لو كانت تشعره بمتعة خاصة.
ثقلُ تلك الاستعادات المزعجة، عليها كان أن تخففَ من شهية كمال حينَ حلّت ساعة الإفطار. اكتفى بقضم بضع حبات تمر ( تيمناً بسنّة النبيّ )، وبشرب حساء الحريرة. والدته، قطعت شكواها المعتادة من غلاء المواد الغذائية، لترقبه بقلق لما نهضَ مغادراً طاولة الطعام. قالت له معتذرة: " صدّعتُ رأسك بكلامي، أليسَ صحيحاً؟ "
" لا، ليسَ كذلك "، أجابَ مشفقاً على مشاعرها فيما كان يُشعل سيجارةً. غير أنّ كلامها، جعله يفكّرُ حقاً، كيفَ ستتدبر أمرَ معيشتهم في خلال شهر رمضان. ففي غمرة الغلاء المفاجئ ( المتأثر به المغرب كباقي دول العالم )، ربما سيتبخر راتبُ تقاعد والده الراحل في غضون أسبوعين. لكنه كي يُبدد قلقَ والدته، وهما في مفتتح الشهر الكريم، أظهرَ البشاشة فيما كان يصبّ الشاي، المطيّب بأعواد النعنع الطرية. عبقُ الشاي وطعمه اللذيذ، جعلاه منفتحاً على ما سيجود به جهازُ التلفاز من برامج متنوعة، مخصصة للمناسبة السعيدة. " دوزيم "، القناة المَحليّة المُفضلة لوالدته، كانت في الأثناء تعرضُ إعلاناتٍ لا يُمكن أن تهمّ سوى أصحاب الدخل العالي. مع مرور الوقت، شعرَ بالخدر يتسلل إلى رأسه، فعمد إلى الاستلقاء على الأريكة. كان قد افاقَ باكراً هذا الصباح، مثلما هيَ عادته في أيام العمل. بيدَ أنه صممَ على مجافاة النعاس، كونه عازماً على قضاء بعض الوقت في مقهى الزنقة، المطل على الشارع العام.
ما لبثَ كمال أن رأى نفسه في ذلك الشارع، المعروف ب " حدائق الليمون "، تيمناً بأشجار الحمضيات، المغروسة بانتظام على جانبيه. بدا الشارعُ مقفراً، فتساءلَ بدهشةٍ ما إذا كانت الساعة متأخرة إلى هذا الحدّ. مع ذلك، مضى في طريقه إلى المقهى، وكان لا يغلق أبوابه حتى ساعة السحور. ثمة عند ناصية الشارع المُتصالب، مرّ بالقرب من الدكان الكبير، الذي يحملُ اسمَ صاحبه، " الحاج عبد السميع "؛ وهوَ رجلٌ عجوز نوعاً، يُقال أنه يقتفي بهيئة المشايخ لتمويه ما يقترفه من غش بحق الزبائن. واجهة الدكان، كانت مزينة كأنها إحدى صالات الأفراح، المزدهرة صيفاً. مقفراً أيضاً كان الدكان، ولاحَ صاحبه مشغولاً بتنضيد بعض الصناديق قبل موعد الإغلاق، وربما لم ينتبه لمرور الفتى على الرصيف المقابل.
" إنه في طريقه إلى نفس المقهى، أينَ موقف دراجته النارية "، قال كمال في نفسه فيما كان يدحضُ فكرةً طارئة راودته. لكن الفكرة كانت عنيدة، لا تبغي مغادرة رأسه: " طريقه يمرّ بدربٍ عتم، وهناك تفاجئه والمطوى بيدك؛ ثم تسلبه ماله! ". الفكرة كانت مغرية وطاغية، بحيث أن قدميه سارتا فعلاً بأثر التاجر العجوز. غندما غرقَ أخيراً شبحُ هذا الأخير في العتمة، تهيأ كمال للانقضاض عليه بأن خلع قميصه الخفيف وجعلَ منه لثاماً.
" ضع المالَ في يدي وتابع طريقك، لو أردتَ النجاة بروحك "، حاطبَ الرجلَ العجوز بلهجةٍ كانت غريبة على سمعه. بدَوره كان الليلُ غريباً على كمال في تلك الهنيهة، بما تفاوت فيه من النور والظلمة. كان سيُدرك هذه المفارقة المحيّرة، لو أنه رفع رأسه إلى السماء ورأى السحبَ وهيَ تمارس لعبتها المعهودة مع الكواكب والنجوم. لكنه كان مركّزاً تفكيره كليّةً بضحيته، لدرجة أنه لم ينتبه لارتجاف يده القابضة على المطوى. بدون نأمة، دسّ التاجرُ يده في جيب معطفه الداخليّ وأخرجَ حافظةً جلدية صغيرة. تناولها كمال ثم تراجع خطوةً، لكي يتحسس محتوياتها. لما اطمأنَ لوجود رزم المال، فإنه لوّح المطوى مجدداً بوجه العجوز: " هيا اذهب ولا تلتفت إلى الخلف "
" سأذهبُ، يا بني، لكنني أود أن أجزيك نصيحةً لوجه الله "، قالها العجوز ثم أضافَ بسرعة: " لن تهنأ بهذا المال، لأنك سرقته في ليلة رمضان. لقد فعلها آخرون قبلك، وعاقبهم الله بشل أيديهم ". أطلق كمال ضحكة ساخرة، وردّ بالقول: " أنتَ سرقتَ زبائنك في جميع أشهر رمضان، وقد ترك الله يدك سليمةً لكي تسلمني بها هذا المال ".
نسمة باردة، محمّلة بعطر أزهار شجيرات " حدائق الليمون "، عليها كان أن توقظه. رفعَ رأسه من على الأريكة، أينَ كان متمدداً بدون غطاء، فهرَبَ ذلك العطر. كانت أمه تنظر إليه بحنو، وهيَ في مكانها على الأريكة الأخرى، المواجهة لجهاز التلفاز. قالت له مع ابتسامة مشفقة: " حسنٌ أنك أفقتَ، وإلا لكنتَ فوّتَ موعدَ ذهابك إلى المقهى. هل ما زلتَ تفكّر بالسهر هناك؟ ". عوضاً عن إجابتها، وضعَ يده في جيب بنطاله: " ليسَ ثمة مطوى ولا حافظة نقود. كان حلماً شيطانياً، بالرغم من أنها ليلة مباركة "، فكّرَ بشعورٍ هوَ مزيج من الخيبة والإرتياح.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب الفلسطيني نهاد ابو غوش حول تداعايات العمليات العسكرية الاسرائيلية في غزة وموقف اليسار، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتب الفلسطيني ناجح شاهين حول ارهاب الدولة الاسرائيلية والاوضاع في غزة قبل وبعد 7 اكتوبر، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُعسكر المُريب
- الحسناء والإنتحار
- التاجرُ والجنيّ
- الخرابة
- السبت المستحيل
- مساء شتائي دافئ
- الوصيّ
- مفتاح الفردوس
- لعبة الموت
- نظرة جنونية
- فتاة الحديقة
- الورقة الخضراء
- منزل في الأزقة العُلوية
- المكتبة المهجورة
- الأخدود
- سفير جهنم
- شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
- غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
- المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
- العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية


المزيد.....




- الكاتبة الإيطالية رومانا روبيو: أهل غزة ليسوا مجرد أرقام وال ...
- صور/رحيل فنان مصري كبير بحادث سير وتورط فنان آخر بوفاته!
- مهندسة سعودية تنضم لمنظومة صناع المحتوى على -سناب شات-
- فيديو: مركز كينيدي يكرّم كوين لطيفة والممثل بيلي كريستال بحض ...
- مصر.. تشييع جثمان الفنان الراحل أشرف عبد الغفور بحضور عدد كب ...
- مصر.. قرار ضد المتهم بالتسبب في وفاة الفنان أشرف عبد الغفور ...
- في رسالة مفتوحة .. 1300 فنان يتهمون المؤسسات الفنية الغربية ...
- روسيا.. مهرجان -أغنية العام- الموسيقي التلفزيوني يستضيف مؤلف ...
- فيلم -كذب أبيض- لمخرجة مغربية يفوز بـ-النجمة الذهبية- في مهر ...
- -ذا ويكند- يتبرع بـ 4 ملايين وجبة طارئة لغزة!


المزيد.....

- عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء... / محمد الحنفي
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد / الحسين سليم حسن
- الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال ... / ياسر جابر الجمَّال وآخرون
- رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- زمن التعب المزمن / ياسين الغماري
- الساعاتي "صانع الزمن" / ياسين الغماري
- الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء ... / السيد حافظ
- مسرحية - زوجة الاب - / رياض ممدوح جمال
- الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأ ... / مجموعة مؤلفين عن أعمال السيد حافظ
- أنهارٌ من زنبق: النهر السادس / دلور ميقري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حدائق الليمون