قيس سعيد:زاهد و مصلح أم دكتاتور رهيب؟؟؟

حاتم بن رجيبة

الحوار المتمدن-العدد: 7565 - 2023 / 3 / 29 - 16:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لم تعرف تونس الحديثة شخصية مماثلة لقيس سعيد. لا يعلم أحد كيف ومن أين أتى ومن سوقه للإعلام ومن دفعه للبروز وصدره للجمهور!!! كان ظهوره الأول في النشرات الإخبارية المسائية، تلك النشرات التي يترقبها كل التونسيين من النخبة إلى الجهلة والعامة الأميين، من الثوري إلى المحافظ للنخاع. من تلاميذ المدارس الإبتدائية إلى طلاب الجامعات. من يظهر في تلك النشرات من ضيوف سيصبح في لحظة شخصية معلومة لكل التونسيين.

كنت أتساءل من استدعى هذا الشخص؟؟؟؟ ليس عبقريا في اختصاصه، غريب في كلامه ومضحك في عربيته الثقيلة والمصطنعة وفي نبراته المملة و المخجلة أحيانا!!! معظم مستمعيه لا يفقهون ما يقوله لأنه يتكلم الفصحى، بينما العامة سوادها لا يفهمون إلا العامية التونسية . لقب عندها بسبب نبراته المملة وعربيته الركيكة وافتقاره لكل فنون البلاغة بالرجل الآلي أو الروبوكوب!! كالآلة ثقيل وغير مرن. لا يكتسب أي كاريزما، بل هو مخيف لعصبيته وتشنجه. كيف أمكن لمثل هذه الشخصية المجهولة تماما و المضحكة والكاريكاتورية والغريبة والعنيفة والعصبية أن تنال رضا الناخب في الإنتخابات الرئاسية وأن يهزم جهابذة سياسيين لهم كل مقومات النجاح من حنكة سياسية ومعاضدة حزبية ومالية وإعلام وكاريزما و سجل نظالي؟؟؟؟

الحقيقة أن الساحة السياسية في تونس ما بعد الثورة أصبحت حلبة لكل من هب ودب من حثالة القوم، لم تعد حكرا على السياسيين والمناظلين والمفكرين والمثقفين بل اكتسحها الدخلاء من لصوص ومتحيلين ومهربين ورجال أعمال وإرهابيين ومجرمين. أصبحت تونس في يوم وليلة نسخة من بلدان أمريكا اللاتينية : مهربو المخدرات و وزعماء العصابات وأكبر السفاحين وأكثرهم سفكا للدماء وأعنفهم أمثال بابلو إسكوبار نواب في البرلمان ويتنافسون على كراسي الرئاسة و كل مناصب السلطة السياسية!!

بينما كان المهتمون بالشأن السياسي ينتظرون انتصار وجوه سياسية معروفة ومشهود لها بالنظال السياسي والخبرة والمعرفة أمثال نجيب الشابي والباجي قائد السبسي و مية الجريبي وحمة الهمامي و المنصف المرزوقي ومحمد عبو وغيرهم انتصر رعاع ولصوص وإرهابيون ونكرة الساحة السياسية أمثال محمد هشام الحامدي و الرياحي و الصافي سعيد و كل جنود الإخوان المسلمين: حمادي الجبالي و العريض و بوشلاكة ...وحديثا : قيس سعيد!!

كان مشهدا سرياليا نرى فيه نبيل القروي وسعيد في مبارزة تلفزية بعد فوزهما في الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية، كلاهما نكرة في الساحة السياسية : القروي بارون صناعة الإعلام الترفيهي والدعاية والبزنس والمال : حلاله وحرامه، لا يفقه في السياسة شيئا ولم يخض فيها أبدا ولم يدخلها إلا لمضاعفة ثرائه والسيطرة كليا على ثروات البلاد كما فعل أصهار بن علي من قبل أما سعيد فعكسه تماما : زاهد في الدنيا وملذاتها ومالها، يسبح من إخمص قدميه إلى قمة رأسه في عالم السياسة: يدرسها في الجامعات ولا يحكي إلا فيها، يستفيق على نغماتها و ينام على نشيجها . نظيف وشريف ولا تشوبه شائبة في عالم الفساد والتحيل والثراء و دنيا الأعمال والبزنس، إيديولوجي للنخاع و عنيد ومتحجر وغير مرن بالمرة من أمثال ستالين وهتلر وماوتسي تونغ وعبد الناصر و الخمير الحمر ...أي دكتاتور ومتسلط، لكنه لم يؤسس حزبا و لم يعبر عن طموحات سياسية بل عرف كمختص و خبير في الفقه الدستوري . يسعى إلى السلطة ليس للإثراء والمجد كغيره وكنبيل القروي أو للنفوذ والسلطة لأجل ذاتها مثل بن علي بل ليجسد فكره وإديولوجيته كلف ذلك ما كلف!!! مثل الخمير الحمر في كمبوديا نفذوا فكرهم رغم كل غرابته ورغم كل الخسائر: أبادوا ربع الشعب!!! حتى قيس سعيد مستعد لأن يضحي حتى بكل الشعب التونسي ويبيده تماما : المهم أن يجسد جمهوريته المثالية ، كما أراد هتلر أن يفعل حتى يجسم مثاله السياسي والإقتصادي الغريب و العجيب!!! هاهو الشعب التونسي يتضور جوعا وعطشا منذ شهور و إفلاس الدولة بات وشيكا للغاية!!

هذا هو قيس سعيد لا يلبس الحرير ولا يسبح في الذهب والجواهر ولا يملك أخصب الأراضي وأضخم القصور ولا يسعى إلى السلطة ليكسبها لإجل ذاتها بل يمشي فوق الجثث بثبات ودون وخز الضمير ليصل إلى دولته الفاضلة، السلطة من أجل تجسيد نظريته السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية !!! يحاجج على منوال كاسترو وماوتسي تونغ و كل المتعصبين : الشعب لا يموت جوعا بسبب إديولوجيا الزعيم الفاشلة والمتحجرة بل بسبب ،، الغرب،، الرأسمالي الخبيث وبسبب مؤامرة الخونة!!!
كل الدعوات للحوار و المزيد من الديمقراطية والتشاور والتصحيح يرميها على أرض الحائط وكأن تونس ملكه وكأن الشعب عبيده يفعل بهم ما شاء وأراد ، يعاملنا كالقصر وكالمعاقين. هو يعلم كل شيء ونحن وكل العالم مخطئون أو لا نفقه شيئا!!!

#حاتم_بن_رجيبة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات