أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفلسطيني والمكان في مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية للدكتور محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان















المزيد.....

الفلسطيني والمكان في مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية للدكتور محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7561 - 2023 / 3 / 25 - 22:57
المحور: الادب والفن
    


الفلسطيني والمكان في
مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية
للدكتور محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان

قبل الدخول إلى الكتاب أنوّه إلى أن أهمية أي عمل أدبي تكمن قبل كل شيء في المتعة، الإثارة، الدهشة، الفكرة التي يحملها الكتاب بصرف النظر عن الجنس الأدبي الذي جاءت به، سواء أكان قصة/ رواية/ قصيدة/ خاطرة/...، وأجزم أن هذا الكتاب يعدّ طفرة أدبية لما فيه من مشاعر إنسانية تليّن الحجر وتجعله يتكلم عن الحب الذي (راه/ لمسه) من السارد.
بداية لا بد من التوقف عند الاسم الطويل للكاتب، والذي لم يضعه بهذا الشكل دون قصد أو غاية، فهو يريد تأكيد ارتباطه بشعب، بعائلة ممتدة لها جذور اجتماعية/ سلالة، هذا بالنسبة لاسم الكاتب. أما العنوان فهو متعلق بالمكان، بطيرة حيفا تحديدا، وهنا يجتمع الإنسان والأرض من خلال الغلاف، فكيف سيكون عليه الحال عند التقائهما وبعد غياب قسريّ طويل، وطويل جدا؟.
الأرض والإنسان
وبما أن العنوان يحمل توضيحا بأنه "شهادة وجدانية" فلا بد من الحديث عن المشاعر/ الأحاسيس التي فيه: "أصبح هاجس رؤية المكان الذي أملك يسكنني، بعد طول سنين وانتظار ... كان عليّ أن أدخلها غريبا عليه أن يطرق الباب، كان الباب يبتسم قهرا ... شعرت عندما اقتربت أكثر أن كل فلسطين معتقلة، ... شعرت أنهم يعتقلون الأرض" ص6، نستنتج من خلال هذا القول أن هناك رجل/ إنسان يقوم بزيارة أسيرة/ أرض يحبها وتحبه، من هنا جاءت هذه المشاعر المتوهجة تجاه الحبيبة الأسيرة.
يتقدم الكاتب أكثر واصفا حال بقية (الأسرى) الذين وجدهم في السجن بقوله: "... بقى الكرمل يرافقني لا يريد أن ينتهي أو حتى يختفي، أحسست أن البحر حزين، وهديره تحول إلى نواح، والجبل أكثر حزنا" ص8و9، هكذا كانت بداية اللقاء بين الكاتب و(الأسرى)، لكن ما أن يتلقيا وتذهب حالة الحزن، حتى نجدهما قد انتقلا إلى حالة الفرح والبهجة، فهل هناك أجمل من لقاء الأحبّة؟: "... تراه الآن يسير في المكان، انتفضت فرحا برؤيته، وابتسم الحزن وكانت تحرير لحظة من وراء ظهر المعتدي الجبان، وأصبح البحر أكثر فرحا بلقائي، واستعاد الجبل شموخه وهيبته حين أحس بوجودي، أنا مالكه" ص9. تبادل المشاعر الإنسانية يكون عادة بين البشر، لكن أن يتم أنسنة الجبل والبحر وأن يتفاعلا بمشاعر إنسانية فهذا هو العشق/ التماهي/ الحلول ذاته.
نلاحظ أن الكاتب انتقل بحديثه من حالة (أسرى) إلى حالة أحرار، من هنا وجدنا العديد من ألفاظ الفرح حاضرة في المقطع السابق، وهذا يشير إلى أنه (حرّر) المكان من الغرباء، وهنا يقدم أكثر من الفرح بصورة تجمع الماضي بالحاضر: "بدأتُ البحث عن بيتنا، ذلك البيت الذي شهد دموع الفرح الأولى بعيون أمي ـ يوم زواجها ـ ...شعرت أنني أقترب عندما ظهرت أمامي خروبتنا الحبيبة، في تلك اللحظة أصبح لي مرافق من عائلتي ـ الخروبة" ص18و19؛ الجميل في هذا المقطع وجود حالة/ كائن جديد، الأول متعلق بالأم، والثاني متعلق بالكاتب نفسه، فكما وجدت الأم مرافق جديد لها يوم زواجها، وجد الكاتب مرافق له عندما وصل بيته، شجرة الخروبة، ونلاحظ أن هذا الجمع يجمع المؤنث والمذكر، الأم والأب، والكاتب والشجرة، وهذا ما يجعل اللقاءات تتخذ بعدا روحيا/ عاطفيا، وبعدا طبيعيا/ غريزا، لهذا لا يمكن لها أن تنتهي أو تزول.
وهنا يأخذنا الكاتب إلى حالة متقدمة أخرى، بحيث تجاوز (الأسرى) إلى الأصدقاء/ الأهل، واللآن يتقدم إلى لقاء الأزواج الذين تكون بداية لقاءاتهم فيها شيء من الخجل/ الرهبة، يصف لنا الكاتب هذا اللقاء بقوله: "أصبحت الخروبة ـ التي ما زالت جذورها ضاربة في الأرض وثابته بتاريخها كما نحن ـ دليلي وبوصلة تحركي ومعرفتي بالاتجاهات، تخيلتها تمسك بيدي وتهديني حيث أشاء أن أذهب، أحسست أنها تحدثني عن أبي وأمي وسميحة وزريفة وخليل ورومية وعيسى الذين عاشوا في هذا المكان، ... بدأت بقايا بيتنا بالظهور، هنا أبطأت المسير، شرعت أدوس في أعز الأماكن التي أملك، أخذت أخاف على الأرض من قدمي، تمنيت أن تكون هي من يدوس على قدمي لأسير، وجدت مكان البيت وبقايا حجارة، كان حزينا قبل لحظات والآن يبتسم، لمست حجارته وترابه ... قفز قلبي فرحا وحزنا عندما التقطتْ يدي غال بابنا القديم والإطار الحديدي لشبابيكه" ص19و20، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد نجدة لقاء عروس بعريسها في ليلتها الأولى، فالرهبة حاضرة من فض البكارة: "أخذت أخاف على الأرض من قدمي" وهنا يأتي دور العريس في تهدئتها من خلال: "أحسست أنها تحدثني عن أبي وأمي" ثم بعدها يأتي الملامسة الناعمة: "لمست حجارته وترابه ...قفز قلبي فرحا" وبعد أن تتم عملية الجماع: "كان حزينا قبل لحظات والآن يبتسم"، يعي الرجل والمرأة أنهما قد تخطيا حالة ماضية، حالة العزوبية وأصبحا بعد اللقاء الجسدي شيئا جديدا غير الذي كانا عليه.
بعدها ينتقل السارد إلى شكل جديد في السرد يعود فيه إلى أسرته التي تم تهجيرها غصبا من الطيرة، متحدثا عن تفاصيل المجزرة التي اقترفها المحتل بحق أسرته، ففي هذا المقطع استطاع السارد أن يتحدث عن بداية تشكيل أسرته بطريقة فنية استثنائية، فحديثه عن لقاءه بالمكان الذي جاء وكأنه لقاء عروس بعريسها، يعد مقدمة/ فاتحة/ ممهد لحديثه (الواقعي) عما جرى لتلك الأسرة في الطيرة.
الفلسطيني والمكان
كل من يقرأ الأدب الفلسطيني يجده (غارقا) في المكان، وهذا ما نجده في هذا الكتاب، وإذا عدنا إلى الاقتباسات السابقة ستجد العديد منها يؤكد حالة التماهي، لكن أهمية ما جاء في كتاب "مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية" لا تقتصر على حالة التماهي فقط، بل تتعداها إلى حالة خلق جيد، حالة ولادة: "في تلك الحظة القاسية عزلت عن عالم اليوم وسرت خارج المكان والزمان، بدأت أرى أشياء حصلت قبل أن أولد، عاد البيت كما كان، وعادت جدرانه تضم من كانت تضم قبل أعوام، ... وضجّ المكان بأصوات الأطفال، هذا هو وجه أبي وأمي ظهرا من جديد، ومياه واد قريب كانت قد جفت، بدأت بالتدفق من جديد، والآن اسمع صوته، وأوراق شجرة الخروب" ص20و21، وهنا نسأل: هل يمكننا القول أن الفضل في إيجاد هذا الكتاب يعود للمكان وليس للكاتب، أليس المكان من ولد/ أوجد النطفة في (رحم) الكاتب، وما كان دور الكاتب إلا الحفاظ على تلك النطفة وتغذيتها لتنضج وتخرج إلى الحياة بهذا الشكل الرائع؟.
وحشية الاحتلال
الجميل في الأدب انه يقدم فكرة/ موضوع قاسي بلغة هادئة وعالية؛ من المشاهد القاسية التي قدمت بصورة أدبية هذا المشهد: "...وفجأة ودون إذن أو قرع على الباب، انفجرت القذيفة في أجسادهم الناعمة، فالتهمت فرحتهم واغتالت أحلامهم، فأسقطت خليلا ابن الخمس سنوات فورا شهيدا وقبل أن يعرف أين يذهب بابتسامته، اغتالت حقه حتى في البكاء" ص 23، بهذه الصورة قدم لنا السارد مشاهد دامية للمجزرة التي اقترفها العدو بأهله.
ولم يتوقف الأمر عند هذا المشهد فهناك مشهد آخر جاء بهذه الصورة: "...مات خالد قبل أن يستلم كرة خليل الأخيرة، فقد سبقتها شظية الغريب، بقيت كرة خليل تتدحرج بينهما دون أن تجد من يلتقطها.
لماذا على خليل أن يدخل عالم هذه القذيفة وما عليها من أرقام متسلسلة وحروف ومميزات تتعلق بسعتها وعيارها وأشياء أخرى لا علاقة للطفولة بها؟" ص25، اللافت في هذا المشهد أنه يقدم فكرة في غاية القسوة، قتل أطفال يلعبون، ومن جهة أخرى نجده يركز على العقل من خلال الأسئلة التي طرحها، وبما أن الإجابة تكون بنفي علاقة الأطفال بالقذائف، فإن هذا ما يدين العدو ويكشف حقيقته المجرمة والمتوحشة.
إضافة إلى كمّ من الألم يعاني منه الفلسطيني: "الذي لم يصب من هذه العائلة الطيبة ابنتهم زريفة وأبو خليل الذي كان خارج البيت، ربما لم يصب جسد زريفة لكن روحها تمزقت ألما واعتصرت قهرا".
الأدب والمواجهة
للأدب دور في مواجهة العدو، فهو وسيلة مقاومة كحال البندقية، يؤكد الكاتب هذا الدور من خلال ما جاء في الكتاب الذي يقول فيه: "لم يكن يعلم هذا الرجل الطيب وزوجته الصابرة أن ثنائية أسميتهما (أحمد محمد سعيد السمان وآمنة حسين عمورة) لن تلتقي فقط في بطاقة دعوة زواجهما أو وثيقة عقد قرانهما عندما قرر خطبة آمنة عام 1938، بل إن اسمه واسم زوجته سيكونان معا أيضا عنوانا كبيرا لهذه الجريمة النكراء" ص28و29، هذا الكلام يتطابق مع ما جاء في فيلم "حدوتة مصرية" ليوسف شاهين، عندما أوجد مشهد الطفل الذي يضربه المعلم، فيرد عليه بقوله: "عندما أكبر سأصقعك (بألم/صفعة أد الدنيا) وهذا ما فعله "محمود السلمان في "مأساة في طيرة حيفا". إذن هذا الكتاب وسيلة مقاومة، وسيلة يرد بها الكاتب على جرائم المحتل، وجرائمه بحق الإنسان والأرض معا، لهذا أدخلنا في تفاصيل غاية في المكاشفة والعاطفة وتغوص في الألم والفقد، إبادة عائلة بمنتهى الوحشية من قبل الاحتلال.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة مع كتاب -الكتابة في الوجه والمواجهة- للكاتب فراس حج محم ...
- مناقشة رواية -ذاكرة على أجنحة حلم - نزهة الرملاوي
- -إلى حوارة- للشاعر نبيل طنوس
- الصوفية والأسطورة في -أنا صاحب البئر- عبد الله عيسى
- التنوع في -مقعد لغائب، نصوص شعرية- نبيل طنوس
- حكاية الفلسطيني في -رواية النهر.. بقمصان الشتاء- حسن حميد
- الاحتلال يحرق حوارة
- الصوفية في ومضة -زلفى- مأمون السعد
- نقد النقد في -رؤيتان نقديتان، رواية حسين مروة، رؤية غالب هلس ...
- تنوع الشكل الأدبي في مجموعة -خفايا- قصص قصيرة جدا حسين شاكر
- الفرح والوجع في قصيدة -دمعة ثانية .. إلى حلب- صلاح أبو لاوي
- سامي البيتجالي قصيدة رسم حزين
- مناقشة مجموعة من شكاوي المبدعين ميسون أسدي.
- نبش الذاكرة بكر دراج
- مجموعة -سيدة من لاباز- للكاتب منجد صالح
- بناء أمريكا في رواية -شعلة الأمومة- بس ستريترا لريش، ترجمة ح ...
- رواية حكايا ديار نداء الطوري
- ترانيم رباب (مختارات شعرية) كمال سحيم
- الوحدة في ديوان -للنخيل قمر واحد- علي البتيري
- التنوع في كتاب زقزقات نصوص شعرية ونثرية


المزيد.....




- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفلسطيني والمكان في مأساة في طيرة حيفا، شهادة وجدانية للدكتور محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان