أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثّاني عَشَر - 25 آذار/مارس 2023















المزيد.....



متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثّاني عَشَر - 25 آذار/مارس 2023


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7561 - 2023 / 3 / 25 - 16:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتضمّنُ هذا العدد سبع فقرات تُلخّص الأولى وضع الإقتصاد التونسي، وهو شبيه بالعديد من البلدان العربية (وغير العربية) الأخرى من حيث قلّة الإستثمار في القطاعات المنتجة، وضُعْف النمو ( والنّمو لا يعني التنمية) وتصف الفقرة بعض الوضع قُبَيْل حلول شهر رمضان الذي تتناوله الفقرة الثانية، وهو في الأصل رمز التعبّد والصيام من أجل الإحساس بجوع الفُقراء، لكنه أصبح شهر الإنفاق والغلاء وشح السلع الغذائية الأساسية، وتتناول الفقرة الثالثة بعض مظاهر احتكار الغذاء من قِبَل الشركات العابرة للقارات التي تُهيمن على تخزين وتسويق الإنتاج الغذائي وتختلق الأزمات بهدف تضخيم أرباحها... أما الفقرة الرابعة فتلقي بعض الضوء على الوضع في باكستان التي تُعاني من آثار الفيضانات والأعاصير الموسمية، وتَلَتْها مُباشرةً أزمة سيولة، حيث أصبحت الحكومة عاجزة عن تسديد أقساط الدّيون وعن تمويل توريد السلع الضرورية، وهو ما حصل في سريلانكا سنة 2022، وما يُهدّد بالحصول في بلدان عديدة مثل لبنان والأردن ومصر وتونس وغانا وغيرها، وتتناول الفقرة الخامسة الأزمة المصرفية التي كانت كامنة منذ السنة الماضية (2022) وانطلقت بانهيار مصرف وادي السيليكون الذي كان يُمَوّل نصف المُؤسسات التكنولوجية الناشئة في هذه المنطقة من ولاية كاليفورنيا، تلاه انهيار مصرف أمريكي ثاني، ثم انهيار "كريدي سويس"، ثاني أكبر مصرف في سويسرا، معقل المنظومة المصرفية الدّولية، ما يُشير إلى تحوّل في هيكلة رأس المال المالي الدّولي، لكنه تحول لا يُمكن للقوى التّقدّمية استغلاله نظرا لضُعفها الحالي، وتتناول الفقرة السادسة وضع الإقتصاد الأوروبي في ظل حرب أوكرانيا التي تُشرف الولايات المتحدة على تطوراتها وتفرض على دول وشعوب أوروبا تحمل مصاريفها ونتائجها الكارثية. أما الفقرة الأخيرة فتتناول الأرباح الضخمة التي تجنيها شركات المختبرات وصناعة العقاقير، التي تمكنت، بدعم من الحكومات والمؤسسات الدّولية، من تحويل الصحة إلى تجارة مربحة...
تونس
سجّل اقتصاد تونس نموًّا بنسبة 4,3 سنة 2021 و 2,4 سنة 2022، وفق البيانات الرّسمية، فيما يواجه المواطنون ضغوطات اقتصادية متزايدة قبيل شهر رمضان، تتمثل في الزيادات المستمرة لأسعار السلع الأساسية، ما رَفَعَ معدل التضخم السنوي إلى 10,2% خلال شهر كانون الثاني/ يناير وإلى 10,4% خلال شهر شباط/فبراير 2023، وهو أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء التي أظْهَرت ارتفاع أسعار المواد الغذائية (الخضروات والفواكه والزيوت النباتية واللحوم والبيض...)، بشكل لا يتناسب مع متوسّط الدّخل، ناهيك عن الدّخل المُتَدَنِّي أو المُنعدم، مع زيادة أسعار مجمل السلع والخدمات التي يحتاجها الإنسان يوميًّا، ويتوقع أن يَزداد الوضع سوءًا لأن الحكومة أعلنت رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية قريبًا، بالتوازي مع تراجع مستوى الإنتاج الغذائي ومجمل السلع، نظرًا لارتفاع أسعار المواد الأساسية وتراجع قيمة العملة الوطنية، وضُعف حجم الحتياطي العملات الأجنبية الضّرورية للتوريد ولتسديد حِصص الدّيُون...
قبل أسبوع واحد من بداية شهر رمضان، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنحو 16% مقارنة بالعام السابق، وكانت الزيادة قياسية في أسعار السلع الغذائية، إذ ارتفعت أسعار البيض بنسبة 32% واللحوم بنسبة 29,9% والدواجن بنسبة 25,3% والزيوت بنسبة 24,6%، فضلا عن فقدان أو ندرة بعض المواد الأساسية، حيث يتذمّر المواطنون من نقص أو غياب الحليب واللحوم الحمراء والبيض والدجاج والفواكه وغيرها من المواد الأخرى، وكانت الحكومة قد منحت شركات القطاع الخاص امتيازات ضريبية لاستيراد بعض المواد الغذائية...
تُشير كافة التوقعات إلى استمرار ارتفاع التضخم بسبب رفع الدعم بعد شهر رمضان، وفق الجدول الزمني الذي التزمت به الحكومة مع صندوق النقد الدّولي للوصول إلى "الأسعار الحقيقية" بحلول سنة 2025، وِفْقَ ما أشار له التقرير الذي صدَرَ عن وزارة المالية بعنوان: "إطار متوسط الميزانية 2023/2025" من مزيد ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يُتوقّع أن يتجاوز 12% بنهاية 2023، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 20% بنهاية العام 2023...
*****
رمضان، غلاء، غياب سلع غذائية أساسية...
يُعتَبَر صيام شهر رمضان أَحَدَ الأركان الخمسة للدّيانة الإسلامية، لكنه أصبح يتميز بارتفاع التكاليف المالية، بسبب ارتفاع الأسعار وجمود الرواتب وارتفاع البطالة والفقر في الوطن العربي وفي البلدان ذات الأغلبية السّكّانية المُسلمة، حيث يُكافح معظم السّكّان من أجل توفير الحاجيات الضرورية، وخصوصًا في أقطار الوطن العربي التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار السّلع الغذائية خلال شهر رمضان، فضلاً عن زيادة أسعار الطاقة والخدمات الصّحّية وغيرها، وأصبحت الجمعيات الخيرية تُطلق صيحة الفزع بسبب ارتفاع عدد الفُقراء الذين يحتاجون للغذاء وإلى الضروريات الأساسية، ولا يحدث هذا في سوريا واليمن فحسب، بل في جُلّ البلدان العربية من المغرب إلى العراق...
يستقبل ملايين المُسلمين شهر رمضان في ظل ظروف سيئة جدا سواء على مستوى فردي أو جَمْعِي، نتيجة الإحتلال والعُدْوان الخارجي، أو الإحتلال الدّاخلي الذي تُمارسه الأنظمة الحاكمة، والتّدمير، أو الفيضانات (السودان) ما يزيد من صعوبة الوصول إلى المأوى والطعام والدواء...
تزامنَ حلول شهر رمضان (23 آذار/مارس 2023) مع ارتفاع حاد في أسعار الغذاء والطاقة، خصوصًا في إفريقيا وآسيا، حيث تتواجد أغلبية المسلمين، وحيث يتواجد أغلب فُقراء العالم الذين يُعاني نحو 350 مليون شخص منهم في 79 دولة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق برنامج الغذاء العالمي، بنهاية سنة 2022، ومن المعلوم أن الفُقراء يُنفقون نسبة كبيرة من دخلهم المنخفض على الغذاء ( من بين 50% و 60% من إجمالي الدّخل) ويضطرون بفعل ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى خفض النفقات على السلع والخدمات الأخرى كالخدمات الصّحّيّة، فيما تنعدم الموارد بشكل كامل في مناطق عديدة من فلسطين وسوريا واليمن وليبيا، منذ بدأ حلف شمال الأطلسي والحُكّام العُمَلاء العرب عملية التّدمير والتّفْتِيت، ليُصبح أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، قبل الزلازل، وامتدّت الأضرار إلى البلدان المجاورة كالأردن ولبنان، وكلاهما مُثقل بالدّيون ومُهدّد من قِبَل الكيان الصهيوني، أكبر حليف للإمبريالية الأمريكية في المنطقة وربما في العالم، فقد عانى الشعب اللبناني من الإرتفاع الحاد لتكاليف المعيشة، حيث بلغت نسبة التضخم 123% بنهاية شهر كانون الثاني/يناير 2023، على أساس سنوي، ويعاني من الأزمة الإقتصادية الخانقة المتواصلة للسنة الرابعة على التوالي، مرفوقةً بأزمة سياسية واجتماعية، وتتوقع المنظمات الخيرية المَحلّيّة والأجنبية العاملة بلبنان عَجْز 80% من اللبنانيين عن مجابهة تكلفة وجبة الإفطار الرّمضانية. أما في مصر فقد بلغت تضخم أسعار المواد الغذائية نحو 62% بنهاية شهر شباط/فبراير 2023، وأصبح معظم المواطنين عاجزين عن مجابهة نفقات الغذاء والمسكن والرعاية الصّحّيّة والنّقل والطاقة وما إلى ذلك.
تُقَدَّرُ تكلفة الإنفاق اليومي لعائلة مكونة من خمسة أشخاص، خلال شهر رمضان لوجبتين ( الإفطار والسّحور) بنحو 35 دولار في دُوَيْلات الخليج والأردن ومصر والسودان، وترتفع التكلفة إلى ما بين 50 إلى 70 دولار يوميا في البلدان التي تشهد اضطرابات، إذ يحتكر تُجّار الحرب المواد الغذائية، في حين لا يتجاوز دخل الفرد في سوريا نصف دولار في اليوم ولا يتجاوز خمسة دولارات في ليبيا المنتجة للنفط، فكيف يمكن للأُسَر الفلسطينية والسورية واليمنية واللِّيبِيّة الحصول على وجبات مغذية، بعد يوم من الصّيام، ويضطر ملايين المسلمين إلى خفض الاستهلاك وشراء سلعًا غير صحية وغير مُغَذِّيَة، رغم الصَّوْم، مما قد يؤدي إلى سوء التغذية وتدهور الحالة الصحية...
*****
احتكار الحبوب - من المستفيد؟
استغلت الشركات العابرة للقارات التي تحتكر تجارة (وليس إنتاج) الغذاء وباء كورونا وتوقف حركة التجارة، سنة 2020، ثم الحرب في أوكرانيا ( 24 شباط/فبراير 2022) لرفع الأسعار، وبلغت أسعار القمح والذرة والزيوت النباتية مستويات قياسية بعد شهريْن من انطلاق الحرب، ولا تزال أسعار السلع الغذائية مرتفعة بمستويات تاريخية، بعد سنة واحدة من الحرب.
رغم غياب الشفافية في نشر الحسابات (الإيرادات والأرباح...) أظهرت الأرقام تحقيق أربع شركات كبرى (آرتشر دانيالز ميدلاند أو إيه دي إم، وبانغ، وكارغيل، ولويس دريفوس ) تهيمن على حوالي 85% من التجارة العالمية للحبوب، أرباحا استثنائية منذ العام 2021، بفضل زيادة الأسعار واستفحال الأزمة الغذائية، وحققت الشركة الأميركية العملاقة "كارغيل"، كبرى شركات التجارة بالمواد الغذائية في العالم، ح أفضل نتائجها منذ 157 عاما بحسب وكالة بلومبرغ، وبلغت أرباحها الصافية 6,68 مليار دولار من الأرباح الصافية خلال السنة المالية 2021/2022 ( من 1 حزيران 2021 إلى 31 أيار 2022) وكانت سنة 2022 كذلك سنة استثنائيا للشركة الأمريكية "إيه دي إم" التي بلغت أرباحها الصافية 4,34 مليار دولار، ولا تكتفي هذه الشركات بدور الوسيط، بل تملك أراضي وتبيع البذور والأسمدة للمزارعين وتشتري محاصيلهم من الحبوب ثم تنقلها في سفن وتخزنها وتعيد بيعها، ولهذه الشركات مصادرها للوصول إلى المعلومات الإستراتيجية، حول المحاصيل وحاجات العالم إلى الحبوب، ما يمنكها من الهيمنة على الأسواق.
من المفارقات كذلك ارتفاع إيرادات وأرباح قطاع السلع الفاخرة، خلال فترة أزمات الطاقة والغذاء، حيث سجّل قطاع المنتجات الفاخرة سنة 2022 (الساعات والمجوهرات والجلد والأزياء...) ازدهارًا كبيرًا بزيادة 13% عن سنة 2021، يُتَوَقّع (وفق المُؤشِّرات الحالية) أن يستمر حتى سنة 2030، رغم الاضطرابات الاقتصادية الراهنة"، ولو بوتيرة أبطأ، ويتوقع أن تبلغ إيرادات المنتجات الفاخرة هذا العام (2023) 1,6 تريليون دولارا، وفق شركة الاستشارات "باين أند كومباني"...
أدّت حرب أوكرانيا واحتكار الغذاء من قِبَلِ الشركات العابرة للقارات إلى ثالث أزمة عالمية للغذاء، خلال فترة قصيرة ( 2008 و 2011 و 2022) في الصف المقابل لسوق المنتجات الفاخرة ولشركات احتكار الغذاء، حيث لا يستفيد الذين يزرعون ولا الذين هم بحاجة إلى الغذاء من السلسلة الغذائية، بل يواجه العالم أزمة في الإمدادات الغذائية، ما رَفَعَ عدد الجياع في العالم، بسبب غلاء الأسعار واضطراب الإمدادات وشح المعروض، مما يعرض الأمن الغذائي لملايين البشر والعديد من الدّول للخطر، فقد أعلنت الأمم المتحدة ( يونيسيف - الجمعة 17 آذار/مارس 2023) أن عشرة ملايين طفل في بوركينا فاسو ومالي والنيجر بحاجة ماسة لمساعدة إنسانية، أي ضعف عددهم سنة 2020، بسبب العنف المُسلّح الذي اجتاح منطقة الصّحراء الكبرى ( السّاحل) خصوصًا منذ احتلال ليبيا وتفكيك الدّولة والبلاد، من قِبَل دول حلف شمال الأطلسي، بدعم من مَشْيَخات الخليج.
أشار تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أنّ حوالى أربعة ملايين طفل معرّضون للخطر في الدول المجاورة لبوركينا فاسو ومالي والنيجر، كما أورد التقْرير بيانات عن إغلاق أكثر من 8300 مدرسة في بوركينا فاسو، مالي والنيجر، سنة 2022، بسبب استهدافها أو بسبب نزوح الأهالي أو خوفهم من إرسال أطفالهم إلى المدارس، فيما تُهدّد المجموعات الإرهابية دولاً أخرىلا مثل بنين وساحل العاج وغانا وتوغو، غير أن منظمة "يونيسيف" لم تتمكن سوى من جمع ثُلُث احتياجاتها من المُساعدات التي تقل عن خمسمائة مليون دولارا، سنة 20232، أي حوالي 40% من المبلغ الذي ينفقه حلف شمال الأطلسي على إرسال الأسلحة والمُعِدّات إلى أوكرانيا... (بتصرّف عن وكالة الصحافة الفرنسية + ورويترز + بلومبرغ 16 و 17 و 18 آذار/مارس 2023)
*****
باكستان
أصبحت العديد من الدّول المُثْقَلَة بالدّيُون مُهدّدة بالتّوقّف عن السّداد بسبب انخفاض حجم الإيرادات، وشح احتياطي العملات الأجنبية، منها سريلانكا التي توقفت بالفعل، ولبنان وغانا وتونس ومصر وباكستان التي يُعتَبَرُ وضعها أشدّ خطورةً، خصوصًا منذ انقلاب أُسْرَة "شريف"، المقرّبة من السعودية والولايات المتحدة، على عمران خان (نيسان/ابريل 2022).
كان الوضع متفجّرًا في باكستان، خصوصًا بعد الفيضانات المدَمِّرَة سنة 2022، قبل أن يزداد الوضع سوءًا إثر زلزال 21 آذار/مارس 2023، قُبَيْل حلول شهر رمضان، في ظل وضع اقتصادي وسياسي شديد التّوتّر، بفعل عجز ميزان المدفوعات وشح النقد الأجنبي الذي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من الواردات، فضلا عن تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدّولي، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قبل أن تذْعَن الحكومة إلى الشّروط المجحفة ( تصريح رئيس الوزراء شهباز شريف، يوم الجمعة 03 شباط/فبراير 2023 )، حيث أقامت بعثة الصّندوق عشرة أيام في باكستان، بداية من يوم الثلاثاء 31 كانون الثاني/يناير 2023، لمناقشة شروط للتفاوض بشأن صرف شريحة جديدة من القرض الذي حصلت عليه الحكومة السابقة بقيمة 6,5 مليارات دولارا، سنة 2019، وهي مُعَلَّقَة منذ أَشْهُرٍ، ومليار دولار إضافي، سنة 2022، ويتهم صندوق النقد الدّولي الحكومة "بِبُطْءِ الإصلاحات الإقتصادية"، وتَمَثَّلَ إذعان الحكومة في رَفْعِ سعر الكهرباء، وزيادة سعر الغاز المسال (LPG) بنسبة 30% بعد زيادة سابقة لسعر النّفط بنسبة 16%، مع "تحرير سعر الصرف "، الذي أدى إلى انخفاض قيمة العملة الباكستانية بنسبة 14%، وخسرت الروبية الباكستانية نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في غضون أسبوع واحد، بعد إزالة الحكومة سقف الرسوم الجمركية.
لتقديم صورة أكثر وُضُوحًا عن الوضع، تجدر الإشارة إلى رفض "الدّول الصّديقة" و "الشُّركاء" تقديم المساعدة المالية التي التزموا بها، فقد سبق أن تعهّد آل سعود والصين بتقديم قرض بقيمة مليارَيْ دولار، لكل منهما، وتعهدت الإمارات بمليار دولار، لأن باكستان المثقلة بالديون على وشك التخلف عن السداد. أما بعثة صندوق النقد الدّولي فاشتَرَطَتْ خصخصة مجمل القطاعات بدْءًا بالكهرباء والطاقة بالكامل، وزيادة الأسعار وإلغاء الدعم لقطاعَيْ الزراعة والتصدير، وخفض الإنفاق، حيث تُخَصِّصُ الحكومة نسبة تتراوح ما بين 40% و 50% من الإيرادات الحكومية على مدفوعات الفائدة سنة 2023، وبلغت نسبة الدّين 70%، من الناتج المحلي الإجمالي، لتلحق باكستان بالدّول العاجزة عن سداد الدّيون (منها سريلانكا وغانا ونيجيريا ولبنان)، فيما قارب مُعدّل التّضخّم 35% في بداية سنة 2023، وقد يفوق 70% إذا ما تواصل الإنهيار، ومن مؤشِراته فقدان السندات السيادية أكثر من 60% من قيمتها وانخفاض الصادرات بنسبة 7% ، والتحويلات المالية بنسبة 11% ، والاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 59%، ويتوجب على باكستان سداد ديونًا خارجية بقيمة 73 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات (السنوات المالية 2023- 2025) ، وفقًا لآخر تقرير لصندوق النقد الدولي، في حين لم تتعدّ احتياطيات النقد الأجنبي 5 مليارات دولار، وفقًا لبيانات وزارة المالية التي أشارات إلى ارتفاع فوائد الدّيون الخارجية (ديون الحكومة والشركات) من 1,3 مليار دولارا سنة 2015 إلى 12 مليار دولارا سنة 2022، واضطرت الحكومة التي تُسَدّد أكثر من مليار دولار شهريًا بعنوان خدمة الدَّيْن ( أقساط أصل الدَّيْن والفوائد)، إلى الإقتراض، منذ سنة 2017، لتسديد الدّيْن الخارجي، أو ما يُسمَّى "إعادة تمويل الديون الخارجية" التي يُعاني منها المواطنون، جراء ارتفاع الأسعار (خاصة المواد الغذائية والطاقة والنّقل)، ما رَفَعَ نسبة التضخم السنوي إلى 27,55% في كانون الثاني/يناير 2023 وإلى 31,55% في شباط/فبراير 2023، وهو أعلى مستوى منذ أيار/مايو 1975، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الباكستاني، ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الجامح أكثر، بعد خضوع الحكومة لشروط صندوق النّقد الدّولي.
تحتاج الدّولة إلى تمويل خارجي بقيمة 11 مليار دولارا، خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي بنهاية حزيران/يونيو 2023، منها 7 مليارات دولارا لتسديد خدمة الدَّيْن الخارجي، لكن احتياطي النقد الأجنبي لا يتجاوز 2,9 مليار دولار، أو ما يُعادل عشرين يومًا من توريد السّلع الأساسية، وتُقَدَّرُ الاحتياجات المالية الخارجية للعام المالي المقبل ( من أول تموز/يوليو 2023 إلى 30 حزيران/يونيو 2024) بنحو 36 مليار دولار، من بينها قرابة 26 مليار دولار لسداد الديون الخارجية، و10 مليارات دولار للعجز التقديري في الحساب الجاري.
لم تتمكن الحكومة والمصرف المركزي من توفير العملة الأجنبية لتمويل الواردات، فتعطّلت حاويات المواد الغذائية الأساسية والمواد الخام والمعدات الطبية في الموانئ، ورفضت المصارف إصدار ضمانات جديدة للمستوردين، ما أدّى إلى تعثر صناعة المنسوجات التي تمثل نحو 60% من صادرات البلاد، وإلى نقص حاد في مخزون القمح الذي تستورد باكستان منه حوالي 7,5 ملايين طن، فارتفع سعر الطحين ( الدقيق ) وشارفت مصانع النّسيج على الإغلاق، ولَجَأ السّكان إلى مراكز الوجبات المجانية التي تُوفّرها منظمات الرعاية الاجتماعية للفُقراء...
عانت البلاد، خلال بضعة أشهر من الأزمة السياسية والفيضانات والأزمة الإقتصادية ومن التضخم وأزمة الديون الخانقة ونقص العملة الأجنبية، وجميعُها عوامل تهدد بدفع اقتصاد باكستان البالغ حجمه 348 مليار دولار إلى التخلف عن سداد الديون وإغلاق المصانع وزيادة أعداد المُعطّلين عن العمل...
تضرّرَ العُمّال والفُقراء من ارتفاع الأسعار والتّضخّم ومن مصاعب القطاع الصناعي، وإغلاق المصانع، لا سيما في قطاع النسيج وتركيب قطع السيارات، وشركات الصلب وتصنيع الأسمدة بسبب نقص في المخزون أو السيولة،، مع النّقص الحادّ في مخزون النّقد الأجنبي، حيث تم تسريح حوالي 7 ملايين عامل في مجال النسيج والصناعات التابعة له، وفق تقديرات وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، بين بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 و منتصف آذار/مارس 2023، كما يعاني المواطنون من انقطاعات التيار الكهربائي، ومن زيادة الضرائب (وهي إحدى شُروط الدّائنين) بقيمة 650 مليون دولارا إضافية، قبل منتصف السنة الحالية 2023، وساهمت هذه العوامل في ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
تتخوّف الحكومة من غضب المواطنين جراء تفاقم الصعوبات المعيشية النّاجم عن انخفاض قيمة العُملة وارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة والضرائب، والتحاق شرائح الفئات الوسطى بصفوف الفُقراء الذين قد تتجاوز نسبتهم 30% من السكان البالغ عددهم الإجمالي أكثر من 230 مليون نسمة، سنة 2019، والذين لم يعودوا قادرين على توفير الغذاء، وعلى العلاج والإنفاق على الإيجار والملبس والطاقة، واضطرت أُسَر عديدة إلى تغيير نوعية الطعام وتقليص حجمه بسبب ارتفاع أسعار الدقيق والخبز والبقول بنسبة 100%، ويُتوقع أن ترتفع نسبة التضخم إلى أكثر من 41% على أساس سنوي، بنهاية شهر آذار/مارس 2023، بفعل زيادة ضريبة الإستهلاك...
إن وضع بعض البلدان العربية مثل لبنان ومصر والأردن وتونس، وبعض بلدان إفريقيا مثل غانا ونيجيريا ليس أحسن من وضع سريلانكا أو باكستان، لذلك يُمثّل مطلب إلغاء الدّيون مطلبًا مُلِحًّا، مع إعادة توجيه الإقتصاد نحو الإستثمار في القطاعات المنتجة...
*****
أزمات مالية مُتكرّرة
تراجعت قيمة أسهم المصارف بشكل حاد في الأسواق المالية العالمية، بسبب انهيار المصرف الأمريكي سليكون فالي ( SVB ) في الولايات المتحدة الذي عزز المخاوف من إفلاس مصارف أخرى، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" التي كتبت أن حوالي 200 مؤسسة ائتمانية أمريكية أضحت مهدّدة مهدّدة بالإفلاس، إثر إفلاس مصرف وادي السيليكون، وبالفعل فقد سجلت أسهم المصرف السويسري العملاق، كريدي سويس، الذي تأسّس سنة 1856، تراجعاً قياسياً، وصل إلى 20%، وهبطت مؤشرات الأسهم في أوروبا، لتنتقل بذلك الأزمة المالية إلى أوروبا...
اختصّ كريدي سويس بإدارة الأموال وإنشاء منتجات استثمارية لزبائنه الأثرياء حول العالم، وسجّل خسائر صافية بلغت ثمانية مليارات دولارا سنة 29022، وكانت أكبر خسارة له منذ الأزمة المالية لسنة 2008، ومرّ بأزمة حادّة استمرت نحو أربع وعشرين ساعة فقط، أدت إلى انخفاض حاد في سعر سهمه وخسرت أسهم المصرف أكثر من 30% من قيمتها يوم الإربعاء 15 آذار/مارس 2023، وهو أكبر انخفاض يسجل في تاريخ البنك خلال يوم واحد، وأعلن ناطق باسم المصرف أنه سيقترض 54 مليار دولار من المصرف المركزي السويسري من أجل دعم السيولة لديه، بعدما أوقف بعض المُتعاملين مع المصرف العمليات التجارية معه بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية...
تورط مصرف "كريدي سويس" في عدد من القضايا، شملت التجسّس على موظف سابق، وإدانة جنائية بالسماح لتجار المخدرات بغسل الأموال، والتورط في قضية فساد بموزمبيق، وانتهاك رئيس مجلس الإدارة لقواعد الإغلاق خلال جائحة كوفيد – 19 وتسريب واسع لبيانات الزبائن إلى بعض وسائل الإعلام، كما تكبد المصرف خلال سنة 2022 خسائر متراكمة بلغت ذروتها في الربع الأخير من 2022 وبلغت حوالي 4,3 مليارات دولارا، واضطر إلى القيام بعملية إعادة الهيكلة بقيمة ثلاثة مليارات دولارا، وأعلن المصرف بنهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلغاء حوالي تسعة آلاف وظيفة، حتى منتصف سنة 2025، وزيادة حصة التعامل عن بُعْد...
يحتل مصرف كريدي سويس المرتبة الثانية في سويسرا من حيث الأصول، وهو أحد أهم ركائز النظام المصرفي العالمي، خلافًا لمصرف سيليكون فالي الأمريكي "أس في بي" (SVB) الذي يعتبر مصرفاً محلياً ومعظم زبائنه من الشركات الناشئة ولا يملك أي احتياطات مالية يمكن أن تساعده في أزمته الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة، ويُدير كريدي سويس رؤوس أموال وأعمال الأثرياء الذين يريدون استثمار أموالهم، كما يُدير أُصُول العديد من صناديق الثروة السيادية...
لهذه الأسباب، كانت أزمة المصرف السويسري أشدّ وطأة، فبعد التراجع الحاد وغير المسبوق في قيمة أسهم المصرف، اتصل المصرف المركزي الأوروبي بالمصارف التي يشرف عليها، وتتعامل مع كريدي سويس، لتحديد مدى الأخطار التي قد تتعرض لها، وطلبت الحكومة الفرنسية، يوم الإربعاء 15/03/2023، من السلطات السويسرية التدخل و"تسوية" المشكلة، كما تعدّدت تصريحات المسؤولين الأوروبيين الهادفة إلى طمأنة المُستثمرين...
*****
أوروبا - اقتصاد الحرب
التهمت حرب أوكرانيا مخزونات الأسلحة والذخيرة لأعضاء الناتو، الذين تجاوزت ميزانيتهم في زمن الحرب 1,2 تريليون دولار. قررت قيادة الناتو إعادة هيكلة الاقتصاد لإنتاج المزيد من العتاد والسّلاح الأكثر فَتْكًا، بأحجامٍ كافية لتدمير العالم، ففي اجتماع 14 و 15 شباط/فبراير 2023 في بروكسل (مَقَرّ الحلف)، طلبت قيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أي الولايات المتحدة، من الدول الأعضاء "التحول إلى اقتصاد الحرب"، إذ تنتقد الولايات المتحدة "الصناعات الحربية الأوروبية لأنها موجهة نحو السلم ... يجب إعادة هيكلتها وتوجيهها لتكون أكثر نجاعة خلال الحرب الحالية (أوكرانيا) والحروب القادمة"، بحسب موقع صحيفة نيويورك تايمز في 23 شباط/فبراير 2023 .
يتطلب تطبيق الأمر الأمريكي من الحكومات الأوروبية دمج آلاف الشركات المرتبطة بالصناعات العسكرية في اقتصاد الحرب، ومنحها أولوية الوصول إلى المواد الخام والمهارات والتمويل، لزيادة إنتاجها، وكان لنشر هذه المعلومات نتيجة مباشرة تمثلت في ارتفاع قيمة أسهم شركات الصناعات العسكرية في البورصات الأوروبية، غير أن تمويل اقتصاد الحرب يتطلب الكثير من المال، لذلك تُصمّم الحُكومات خططًا لجمع المزيد من المال ( في شكل رُسُوم وضرائب) من المواطنين وتصميم خطة دعائية تجعل الناس يدفعون، دون أن يتمرّدوا أو يرفضوا، رغم انخفاض القيمة الحقيقية للأجور بنحو 4%، في المتوسط، سنة 2022، في الاقتصادات الأوروبية الكبرى ، مثل ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا ...
تقوم الحكومات الأوروبية بتوزيع مليارات اليورو على الشركات، وتُطبّق برامج تحفيز (مساعدات وخفض الضرائب على أرباح الشركات)، في حين يعاني المزيد والمزيد من المواطنين من ارتفاع الأسعار والتضخم وانخفاض قيمة دخل الفقراء والأجراء والفئات الوسطى، وارتفع عدد العائلات التي تلجأ إلى المساعدات الغذائية بنسبة 30% سنة 2022، في معظم بلدان أوروبا، وسبّب الإنفاق الأوروبي على حرب أوكرانيا، تدهْوُرَ وضع عشرات الملايين من المواطنين الأوروبيين، كما سببت الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا كارثة اقتصادية في أوروبا وفي العالم، وكانت دول الاتحاد الأوروبي تشتري الغاز الروسي ذي النوعية الجيدة وبأسعار منخفضة، وأصبحت اليوم شتري الغاز الصخري الأمريكي، مرتفع السعر ورديء الجودة، وسعره أغلى بخمس مرات من سعر بيعه في الولايات المتحدة التي استفاد اقتصادها وصناعتها الحربية وشركاتها للمحروقات من الحرب.
في أوكرانيا ، وفقًا للأرقام الرسمية - التي تَقِلُّ عن الواقع - انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 30% سنة 2022 ، وبلغت نسبة التضخم 27%، وقامت الدولة بخصخصة مؤسسات وخدمات القطاع العام، وألغت الضّوابط التي كان يفرضها قانون العمل، لكنها ترفض زيادة الضرائب على الثروة أو على أرباح الشركات أو المصارف، وارتفع حجم القروض من الولايات المتحدة وأوروبا ليبلغ ضعف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا، وارتفع حجم "المساعدات" العسكرية الأمريكية ليفوق عشرة أَضْعاف الميزانية العسكرية لأوكرانيا، وسيتعين على الأجيال القادمة من الأوكرانيين سداد الدّيون (التي سُمِّيَت "مُساعدات")، وفقًا للشروط القاسية المعتادة: التقشف وارتفاع أسعار الفائدة على القروض والخصخصة و"تحرير" الاقتصاد وتعويم العملة إلخ.
وعدتْ دول حلف شمال الأطلسي بإرسال 128 مليار دولارا لدعم أوكرانيا، سنة 2022، وبلغ حجم الدّعم الأطلسي لأوكرانيا ما يُعادل متوسّط الإنفاق السنوي الأمريكي على عملية احتلال أفغانستان، بين 2002 و 2020، أو متوسّط الإنفاق السنوي (بالأسعار الحالية) على الحرب العدوانية ضد فيتنام. أما بالنسبة لروسيا فقد أعلن رئيسها، في تشرين الأول/اكتوبر 2022، أن ميزانية الدّولة خصصت 140 مليار دولارا "للمجهود الحربي سنة 2023"، وفق معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)
لسوء الحظ، لا تُناضل سوى قلة من المناضلين الأوروبيين والأمريكيين ضد هذه الحرب أو تدعو إلى حل الناتو.
*****
الصحة تجارة مُرْبِحَة
اكتشف الدكتور فريدريك بانتينغ مع اثنين من العلماء الآخرين في جامعة تورنتو، بكندا، سنة 1921، الأنسولين، وعندما سُئل عن سبب عدم حصوله على براءة اختراع للأنسولين ولماذا باع حقوق الأنسولين مقابل دولار واحد فقط، أجاب: "الأنسولين ليس لي. إنه ينتمي إلى العالم" ، وتُشير التقديرات أن اختراع الدكتور بانتينغ أنقذ حوالي 300 مليون شخص.
اكتشف العالم الأسكتلندي "ألكسندر فليمنغ" البنسلين في مستشفى بلندن، سنة 1928، وغَيّرَ هذا الإكتشاف عالم الطب وأنقذ حياة الملايين، ولمّا سُئِلَ عن دوره ، لم يتحدث عن الثروة الشائنة التي كان يمكن أن يجنيها من خلال اكتشافه، بل قال: "أنا لم أخترع البنسلين. لقد فَعَلَتِ الطبيعةُ ذلك، واكتشفتُ ذلك بالصدفة فقط "، ورَفَضَ تحويل الإبتكار إلى مَصْدَرٍ للثراء.
اخترع الدكتور جوناس سالك لقاح شلل الأطفال في الخمسينيات من القرن العشرين وأنقذ اللّقاح ملايين الأرواح وحال دون إصابة ملايين آخرين بالشلل، ورفض الدكتور سالك تسجيل براءة اختراع مُعتبِرًا أن ذلك بمثابة "طلب الحصول على براءة اختراع للشمس"، لأن الغرض من ابتكار اللقاح هو إنقاذ الأرواح ، وليس طلب الثراء الفاحش.
تُشير هذه الأمثلة إلى أخلاق العُلماء العظام الذين اعتبروا إن هدفهم في الحياة هو تخفيف المعاناة وإنقاذ الأرواح البشرية، وليس جني المليارات لأنفُسهم، وتتعارض هذه الأخلاق العالية مع العقلية التي تقود اليوم المُديرين التنفيذيين لشركات الأدوية العابرة للقارات، والباحثين لدى شركات مثل "موديرنا" التي تقتصر الققرات الموالية على ذكرها، كنموذج وليس كحالة فريدة.
تجاهلت حكومات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ابتكار لقاحات مُضادّة لفيروس كوفيد في الصين وكوبا وروسيا، ورفضت الإعلان عن وجودها، ناهيك عن شرائها واستخدامها، وضخت مليارات الدّولارا من المال العام لفائدة الشركات العابرة للقارات لتحفيزها على ابتكار لقاح يمكن استخدامه في أوروبا وأمريكا الشمالية وفَرْضُهُ على بقية بلدان العالم...
في الولايات المتحدة، تُشير التّقديرات أن 37% من الأمريكيين غير قادرين على تسديد نفقات العلاج وعلى شراء الأدوية التي يَصِفُها لهم الأطباء، فيما أنفقت الدّولة من أموال دافعي الضّرائب الأمريكيين 12 مليار دولار على البحث والتطوير وشراء لقاح NIH-Moderna COVID.التي اشتركت مع فايزر، أكبر شركة أدوية على الإطلاق في تصنيع وتجارة لقاح تم الترويج له من قِبَل الحكومات ووسائل الإعلام، وشارك عُلماء المعاهد الوطنية للصحة والوكالات الإتحادية الأخرى مع شركة موديرنا في عمليات البحث عن لقاح كوفيد وتطويره وتوزيعه، وشارك جميعهم في ابتكار اللّقاح، بفضل المال العام وبفضل جهود الباحثين في المؤسسات الأكاديمية العمومية، وتعهدت شركة موديرنا، مقابل تلقي المال العام ومشاركة خبرات وكفاءات المعاهد العمومية بمجانية اللقاحات للغالبية العظمى من الناس في الولايات المتحدة، من خلال إنشاء برامج لمساعدة المرضى، لكن هذه البرامج سيئة التصميم، يعْسُر على المرضى الوصول إليها، لأنها تتطلب الإستجابة لنماذج مُعَقّدَة وتقديم أوراق وإثباتات عديدة والإجابة على الأسئلة الشخصية، والانتظار لساعات عديدة في الصيدلية، ما يجعل هذا اللقاح غير مُتاح وغير مجاني لجميع الأمريكيين، وما يجعل الفقراء في الولايات المتحدة والعالم يموتون لأنهم لا يمتلكون ثمن الدّواء أو اللقاح، بينما تضخ الدّولة المليارات في خزينة الشركات الرأسمالية العغابرة للقارات مثل موديرنا التي ارتفعت ثروة مديرها التنفيذي بمجرد تلقي الشركة مليارات الدولارات من الحكومة الإتحادية، لتبلغ ثروته المُعْلَنَة 4,7 مليارات دولارا، ولما تَرَك الشركة حصل على "تعويض" بقيمة قاربت المليار دولارا، وارتفعت ثروات مؤسسيها بمعدل مليارَيْ دولار لكل منهم، بفضل المال العام وبفضل جُهُود باحثي المؤسسات الصحية العمومية...
رغم الإستفادة من المال العام، قَرّرت شركة موديرنا مضاعفة سعر هذا اللقاح أربع مرات، من حوالي 35 دولارا للحقنة إلى 130 دولارا، بينما لا تتجاوز تكلفة الحقنة الواحدة 2,85 دولارا، وما شركة "موديرنا" سوى نموذج واحد من جشع شركات الأدوية التي حققت 10 شركات كبرى منها أرباحًا تزيد عن 100 مليار دولار سنة 2021 - بزيادة قدرها 137% عن سنة 2020، وحقق خمسون من كبار المديرين التنفيذيين بهذه الشّركات أكثر من 1,9 مليار دولار من إجمالي التعويضات سنة 2021 وسوف يتلقون مليارات أخرى بمجرد مغادرتهم لشركاتهم، ما يُؤَشّر على تعميق الهُوّة بين الأمريكيين الفقراء الذين يموتون لأنهم لا يستطيعون تحمل التكلفة الباهظة للأدوية الموصوفة، وهؤلاء المُديرين التنفيذيين بشركات الأدوية التي تحقق أرباحًا ضخمة، ويحصلون منها (من المال العام) على بعض المليارات من الدّولارات...
تستفيد شركات المختبرات والأدوية من أموال ضرائب المواطنين ومن إنجازات الجامعات ومراكز البحث لابتكار أو تطوير الأدوية المنقذة للحياة، ومع ذلك لا يستطيع الأُجراء والفُقراء الحصول على خدمات الرعاية الصحية وعلى الأدوية الضرورية لعلاج السرطان أو الأمراض المُزمنة أو الخطيرة.
حققت شركة موديرنا أرباحًا بقيمة 21 مليار دولار من لقاح كوفيد خلال انتشار الوباء، وأصبح أربعة من المديرين التنفيذيين والمستثمرين مجتمعين أكثر ثراءً بأكثر من 10 مليارات دولار نتيجة لاستثمارات دافعي الضرائب الهائلة في تلك الشركة، فضلا عن مساهمات علماء وباحثي مؤسسات القطاع العام...
وردت الأرقام ضمن ملاحظات "بيرني ساندرز" عضو مجلس الشيوخ الأمريكي في جلسة إحدى لجان مجلس الشيوخ بشأن تسعير الأدوية.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُخْتَبَرات وصناعة وتسويق الأدوية، قطاع رأسمالي مُرْبِح
- أزمة المنظومة المصرفية الطاهر المُعِز
- بعض -الإشتراكيين- الأمريكيين جزء من منظومة الإمبريالية
- الولايات المتحدة خَطَر على شعوب العالم
- تجارة القَتْل
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الحادي عَشَر - 18 آذار/مارس 2 ...
- بوليفيا، عوْدَة مُحْتَشمة لليسار الطاهر
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد العاشر - 11 آذار/مارس 2023
- الإمارات – دور تخريبي باليمن
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد التّاسِع - 04 آذار/مارس 2023
- حرب أوكرانيا - هل تكون مُؤشّرًا على بداية حقبة تاريخية جديدة ...
- العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا
- العبودية والعمل القسري – ثلاث نماذج لثلاث فترات تاريخية
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثامن - 25 شباط/فبراير 2023
- حروب أمريكا في القرن الحادي والعشرين
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّابع - 18 شباط/فبراير 2023
- بيرو – نموذج الهيمنة الإمبريالية في أمريكا الجنوبية
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّادس - 11 شباط/فبراير 2023
- في ذكرى ميلاد روزا باركس
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الخامس - 04 شباط/فبراير 2023


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثّاني عَشَر - 25 آذار/مارس 2023