أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا















المزيد.....


العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7535 - 2023 / 2 / 27 - 15:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاقتصاد والجغرافيا السياسية

فرض النظام النقدي الدولي الذي تم إنشاؤه في بريتون وودز سنة 1944 هيمنة الدولار مع إمكانية قيام المصارف المركزية بتحويل احتياطيات الدولار إلى ذهب (35 دولارًا للأونصة)، إلى غاية سنة 1971، في ذروة الحرب العدوانية على الشعب الفيتنامي، وبالتوازي مع بداية العلاقات السياسية مع الصين (دبلوماسية "كُرة المضرب)، بدأت الولايات المتحدة في تغيير القواعد الناتجة عن توازن القوى الذي خلقته الحرب العالمية الثانية، حيث أعلن الرئيس نيكسون عن إنهاء تحويل الدّولار إلى ذهب، في الخامس عشر من آب/أغسطس 1971، وهو ما سُمّي "صدمة نيكسون"، وفي العام 1974، بعد حرب السلادس من تشرين الأول/اكتوبر 1973، اتفقت الولايات المتحدة مع أُسْرة آل سعود التي تحكم أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، على بيع النفط السعودي بالدولار، حصريا، وأن يتم استثمار الفائض من الاحتياطيات السعودية من دولارات النفط (بترو دولار) في المصارف والشركات الأمريكية، وتمكنت السعودية من تعميم عملية بيع النفط بالدّولار على كامل أعضاء منظمة البلدان المُصدّرة للنفط (أوبك) ومنذ ذلك الحين، أصبحت تجارة النفط والمواد الأولية والسلع الأساسية الأخرى تتم بالدولار، ما عَزّزَ الهيمنة الأمريكية على المستوى العالمي، فضلاً عن استخدام الدّولار كعملة رئيسية للمبادلات والتحويلات المالية لنظام "مجتمع الاتصالات المالية العالمية بين المصارف "، أو ما يُعرف بنظام "سويفت"، والذي يضم إحدى عشر ألف مؤسسة مالية ومجموعة صناعية، وهو نظام يقع مقره الرسمي في بروكسل، ويُشرف مركز أمريكي يقع في فرجينيا على جمع وتخزين بيانات جميع المعاملات، ما يجعل من الولايات المتحدة مُشرفًا فعليا على التحويلات المالية العالمية، أو ما يزيد عن 45,3 مليون رسالة معاملات أو دَفْع يوميا، وتجري نسبة حوالي 42% من هذه المعاملات بالدّولار الأمريكي وقرابة 35% باليورو، عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، ولذلك فإن قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على مُستخدمي الدّولار أو مستخدمي نظام "سويفت" يعني خنقًا لاقتصاد البلد المعني بالعقوبة، وعندما بدأت الولايات المتحدة في عرقلة التجارة، أنشأت الصين نظامها الخاص للمعاملات والتبادلات المالية والتجارية، لكنه لا يزال ضعيفًا...
تمتلك الولايات المتحدة العديد من أدوات الهيمنة الأخرى، بما في ذلك مجموعة السّبع ( جي 7 )، وهي مجموعة غير رسمية تتكون من ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، كما أقرّت الولايات المتحدة قوانين، أصبحت تفوق في قُوّتها ونجاعتها القوانين والإتفاقيات الدّولية، فهي تتجاوز الحدود الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية، وتسمح بتطبيق القوانين الأمريكية على غير الأمريكيين وعلى التعاملات الإقتصادية والتجارية والمالية التي تجري خارج حدود الولايات المتحدة، بمساعدة نظام سويفت والتعامل بالدّولار، اللّذَيْن يسمحان للولايات المتحدة بمراقبة تدفقات المدفوعات العالمية، نظرًا لأن المدفوعات بالعملات الأخرى تضطر بين الحين والآخر لتبادلها بالدّولار، ضمن عمليات تجارية أخرى، وبالتالي فإن المصارف ملزمة باللّجوء إلى المركز المالي بنيويورك، ضمن المعاملات بين المصارف، وبما أن بعض القوانين الأمريكية تُطَبّق خارج الحدود الإقليمية، فإن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على المصارف غير الأمريكية بحجة انتهاك الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة ضد إيران أو كوبا أو شركة صينية أو روسية ... وبالتالي فإن الولايات المتحدة هي العمود الفقري للنظام المالي العالمي ولنظام المدفوعات المالية بين المصارف.
على الصعيد العسكري ، تقود الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي كرس دعايته لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، وبعد انهيار جدار برلين واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لم تضع الولايات المتحدة حَدًّا لنشاط ولوجود الحلف بل على العكس من ذلك، تم تعزيز هذا التنظيم العسكري العابر للقارات، وارتفع عدد أعضائه من 16 سنة 1991 إلى 30 عضوًا سنة 2021، وتمثل عملية تعزيز وتوسيع حلف شمال الأطلسي، إحدى جذور أو أسباب الحرب الحالية في أوكرانيا، والتي بدأت إرهاصاتها قبل حوالي عشرين سنة، ثم بدأت تحضيراتها سنة 2014 ( انقلاب اليمين المتطرف على برلمان ورئيس منتخبَيْن ديمقراطيا، بدعم أمريكي/أطلسي/صهيوني) وانطلقت يوم الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022، وما الحرب العسكرية استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وترافقت هذه الحرب، منذ بدايتها باضطراب في حركة التجارة لأن الأسلحة فرضت نفسها في العلاقات الاقتصادية الدولية، من خلال التهديدات ضد الصين ومن خلال العقوبات الاقتصادية، والحظر ومحاولات الخنق، فخضعت الحرب التجارية لمنطق الحرب العسكرية، ولكنها ليست المرة الأولى التي ينتصر خلالها منطق القوة العسكرية على منطق المبادلات الإقتصادية والتجارية والمالية، فالحصار المفروض على كوبا مُستمر منذ ستة عقود، وعلى كوريا الشمالية منذ حوالي سبعة عقود، وعلى إيران منذ 45 سنة، فضلا عن حصار فنزويلا وسوريا وليبيا وما إلى ذلك، أما بالنسبة للحظر المفروض على العراق خلال تسعينيات القرن العشرين، قبل الاحتلال، فقد أودى بحياة ما بين 200 ألف و 500 ألف طفل، حسب مختلف التقديرات.
لم يقبل حُكّام الولايات المتحدة (الذين يمثلون مصالح مجمع الصناعات العسكرية والشركات العابرة للقارات) تراجعها وانحدارها البطيء والتدريجي، فهم اعتادوا على فَرْض مصالح الرأسمالية الأمريكية باستخدام منطق القوة، ويرفضون منطق المنافسة الذي قام على أساسه النظام الرأسمالي، ولا يعترفون به، وأظهرت الرأسمالية الإحتكارية الأمريكية استعدادها لسحْق أي منافس، ولو كان حليفًا مُقرّبًا، فقد دمرت الاقتصاد الياباني، بنهاية القرن العشرين، عندما بدأ يغزو السوق الأمريكية المحلية، وفرضت غرامات قياسية على المصارف والشركات الأوروبية (من أعضاء حلف شمال الأطلسي، مثل ألمانيا وفرنسا) عندما بدأت تُنافس المصارف والشركات الأمريكية، بل صرّح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب": إن ألمانيا، تمامًا مثل الصّين، مُضِرّة بمصالح الاقتصاد الأمريكي، أما الإتحاد الأوروبي فقد فشل في تحقيق مشروعه في أن يصبح قوة جيوسياسية قادرة على تأسيس جبهة أوروبية موحدة للدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضائها ضد القوى العالمية الكبرى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، ويتظاهر الطّرفان الأمريكي والأوروبي بتجاوز أو تجاهل هذه الاختلافات، باسم التضامن "الغربي" ضد روسيا أو ضدّ الصّين، لكن الخلافات بين مصالح الطرفين يمكن أن تَبْرُزَ من جديد وتظهر على السّطح، بسبب تدهور الوضع الإقتصادي، وبسبب الغطرسة الأمريكية...
بخصوص العلاقات الأمريكية الصينية، تفاقمت النزاعات التجارية خلال أزمة 2008/2009، عندما ضاعفت الولايات المتحدة حواجز الحماية، بذريعة حماية الأمن القومي، واقترحت الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي اتفاقية تسمى "شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي"، تم وصفها ب "الناتو الاقتصادي"، أي توسيع حلف شمال الأطلسي إلى المجال الإقتصادي، لمواجهة الصين التي أصبحت منافسًا جادًا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، كما اتسعت إرادة التّحرّر من الهيمنة "الغربية" إلى مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، وبعض البلدان الأخرى...
أنْهَت الحرب في أوكرانيا الحقبة التي بدأت بانهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي، وأنهت مرحلة القواعد الليبرالية الجديدة كما حددتها منظمة التجارة العالمية، لكن لم يتغير أسلوب ونمط الإنتاج، بل بقي رأس المال الإحتكاري مُهيمنًا، ولا تزال المرحلة الإمبريالية المعروفة بالعولمة الرأسمالية سائدة، تحت هيمنة الإمبريالية الأمريكية، حتى لو بدأت هذه الهيمنة تتلاشى ببطء، وتغير تكتيك الإمبريالية الأمريكية من محاولة احتواء الصين وضمّها إلى النيوليبرالية، إلى إقصائها وإنهاك الإقتصاد الصيني وكذلك الرّوسي، بوضع الحواجز بينهما وبين الاقتصاد الأوروبي.
ترأست جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، يوم الثالث عشر من نيسان/ابريل 2022، مؤتمرًا حول "مستقبل الاقتصاد العالمي والقيادة الاقتصادية الأمريكية". وقالت إن إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي تتطلب نقل أنشطة الشركات الأمريكية في الخارج إلى "الدول الصديقة"، وفي منتصف نيسان/أبريل 2022، بعد سبعة أسابيع من بدء الحرب في أوكرانيا، انضمّت إليها رئيسة المصرف المركزي الأوروبي (كريستين لاغارد، الرئيسة السابقة لصندوق النقد الدولي) وطلبت نقل أنشطة المجموعات الغربية الكبيرة وسلاسل التوريد، ولا سيما القطاعات التي تعتبر استراتيجية، إلى "الدول الحليفة" أو "الصديقة"، أي البلدان "الآمنة سياسيًا" ...
بدأت الولايات المتحدة، منذ حوالي سنتَيْن، تعلن عن تفضيلها للاتفاقيات متعددة الأطراف (بدلاً من الاتفاقيات الثنائية) وتوقيع اتفاقيات تجارية بين "الدول الصديقة"، مع بعض "الإجراءات الوقائية" والتي غالبًا ما تتعارض مع القواعد التي وضعتها منظمة التجارة العالمية، حيث تم انتهاك هذه القواعد ولم يتم احترامها بالفعل، في آذار/مارس 2022، من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية عندما ألغت شرط الدولة الأكثر تفضيلًا في علاقاتها التجارية مع روسيا، وتعكس هذه الإجراءات الصلة بين الحرب العسكرية والحرب الاقتصادية، لأن مجمل هذه القرارات تخضع للإرادة السياسية.
تتضمن خطط الهيمنة التي وضعتها الولايات المتحدة بحجة "إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي" عيوبًا عديدة (وفق المنطق الرأسمالي نفسه) ما أدّى إلى رفض عدة دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية تطبيق بعضها، كالعقوبات على روسيا، مثلاً، بل إن بعض ما يسمى بالدول "الناشئة" قد دعمت روسيا سراً، فضلا عن اجتذاب مجموعة بريكس (التي تعتبر الصين وروسيا ركائزها) العديد من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بما في ذلك تركيا والمكسيك والأرجنتين وإندونيسيا، كما ارتفع عدد الدّول التي ترغب في تجنب التجارة بالدولار وتعمل على تعزيز استخدام العملات المحلية في تجارتها ، فيما أصبحت بعض الدول الصناعية وبعض حلفاء واشنطن التقليديين مثل كوريا الجنوبية واليابان وحتى تايوان تنظر بريبة إلى "تسييس" سلاسل التوريد العالمية ومحاولة الولايات المتحدة إدخالها في صراع مفتوح مع الصين، لأن اقتصاديات الدول الآسيوية مُتشابكة مع الاقتصاد الصيني، ولا تزال هذه الدول مترددة في استخدام التدابير الاقتصادية لتحقيق أغراض جيوسياسية أمريكية، ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، عمدت عدة دول إلى زيادة احتياطياتها من العملة الصينية لأن "عَسْكَرَةَ الدّولار، وتَسْيِيسِه يزيد من مخاوف القادة السياسيين والمصارف والشركات في عدة دول ممن وثقوا في النظام النقدي العالمي، لأن رأس المال يريد الإستقرار، كشرط للإستثمار وجَنْي الفوائد.
مؤتمر ميونيخ 2023
مؤتمر ميونيخ للأمن هو مؤتمر سياسي وأمني عالمي، ينعقد خلال شهر شباط من كل سنة، بمشاركة زعماء عالميين، بهدف "المساهمة في حل النزاعات بالطرق السلمية". انطلق سنة 1963 تحت عنوان "اجتماع العلوم العسكرية الدولي" ثم تم تحوير عنوانه ليصبح "ندوة دولية لمناقشة السياسات الأمنية" وهيمنت حرب أوكرانيا على جدول أعمال دورتي 2022 و 2023، وخلافًا للأهداف المُعْلَنَة لم يتم نقاش "حل النزاعات بالطرق السّلمية"، بل ركز التقرير ( 176 صفحة) الذي نُشِرَ قبل بداية المؤتمر ( يوم 13 شباط/فبراير 2023) وكذلك مداخلات زعماء أمريكا الشمالية وأوروبا وأعضاء حلف شمال الأطلسي على تهديد "الأطراف التي ترغب في تغيير النظام الحالي وتسعى إلى تقويض الوضع الراهن وتغيير النظام الدولي بطرق مختلفة"، فيما اعتبر رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، "كريستوف هيوسغن" (مستشار السياسة الخارجية السابق لأنغيلا ميركل وسفير ألمانيا السابق لدى الأمم المتحدة ) روسيا والصّين مسؤولَتَيْن بشكل مُباشر على الوضع الدّولي المُتَفَجِّر...
بلغ عدد المُشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن 2023، أكثر من 700 مسؤول بالحكومات أو بالمؤسسات الدّولية أو المجالس النيابية ومن أرباب العمل والمنظمات "غير الحكومية" الكبيرة (بالإضافة إلى ألف صحفي )، مقابل خمسمائة في السنوات السابقة، من بينهم 150 مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى، بما في ذلك 83 من وزراء الخارجية والحرب، في ظل الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة على مؤتمر ميونيخ، كما معظم المؤتمرات التي تجري وقائعها بالقارة الأوروبية، واستبعاد بعض الدّول التي تُعاديها الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا، وتتجلى هذه الهيمنة في ضخامة الوفد الأمريكي، وهو الأكبر على الإطلاق، تقوده نائبة الرئيس كامالا هاريس (المُغرقة في الصهيونية) وبمشاركة وزير الحرب "لويد أوستن"، ووزير الخارجية "أنطوني بلينكين"، ونحو ستين من أعضاء الكونغرس، كما تظهر هيمنة الولايات المتحدة في اختيار السويد وفنلندا للحصول على جائزة "إيوالد فون كليست" (مؤسس مؤتمر ميونيخ) تكريما لتقدّم هاتَيْن الدّولتَيْن اللّتَيْن كانتا تدّعِيان الحياد، لعضوية حلف شمال الأطلسي، كما تتجلى الهيمنة الأمريكية في فَرْض موضوع "آليات تقديم الأسلحة والذخائر لأوكرانيا"، وكذلك مناقشة ملف "الشراكة العابرة للمحيط الأطلسي" وتكريس رؤى الولايات المتحدة في جميع المجالات، ما يزيد من تبعية السياسات الخارجية للإتحاد الأوروبي وارتباطها بمصالح الولايات المتحدة، بدل الدّفاع عن مصالح دول الإتحاد الأوروبي، المُتَضَرِّر الأكبر من الإستراتيجية الأمريكية...
أثارت العديد من الأطراف الأوروبية، خلال الدورة التاسعة والخمسين لمؤتمر ميونيخ 2023، تساؤلات حول مواقف حكومات الدّول الفقيرة من حرب أوكرانيا ومن روسيا، فقد تضرّرت دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادئ بشدة من آثار الحرب في أوكرانيا، حيث أشارت العديد من مداخلات هذه الدورة إلى "الإرتباط الوثيق بين الأمن العالمي والازدهار الاقتصادي وتغير المناخ والمصالح الوطنية المتضاربة"، وإلى " الشعور بأن قواعد النظام العالمي لا تطبق على الجميع على قدم المساواة... وإذا لم نعالج الاستياء الذي تشعر به بلدان في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية تجاه النظام الدولي، الذي لا يخدم مصالحها على الدوام؛ فإننا سوف نعاني في جهود كسب الأطراف ذات المواقف الحيادية كحلفاء في معركة الدفاع عن القواعد والمبادئ الأساسية"، وفق رئيس المؤتمر "كريستوف هيوسغن" الذي أشار كذلك إلى "تردد العديد من الدول غير الغنية وغير الأوروبية في دعم أوكرانيا وإدانة روسيا" ودعا إلى استخلاص الدروس قبل زيادة التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما أشار العديد من الصحافيين والباحثين إلى استخدام الصين وروسيا التعاون مع الدّول الفقيرة كجزء من تطبيقات النظام الدولي الجديد الذي تريدان إِرْساءَهُ، بالتركيز على "تأمين الفرص الاقتصادية وإعادة تشكيل قواعد التنمية لتشمل مجالات الصحة والأمن الغذائي والمناخ قبل تشكيل التحالفات السياسية" وفق وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) خلال زيارة العديد من دول إفريقيا على مرحلتَيْن بين أيار/مايو 2022 وشباط/فبراير 2023، ومن أهدافها تحضير القمة الروسية الإفريقية المُقبلة خلال شهر تموز/يوليو 2023، وهو ما يُزعج دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تستغل شركاتها ثروات إفريقيا، وترفض تغيير العلاقات الإستعمارية التقليدية التي تعتبر دول “الجنوب” مُسْتعمَرات من نوع جديد، خلافًا لروسيا والصين التي تستفيد من ثروات البلدان الفقيرة بشروط أقل إجحافًا من الشروط الأوروبية والأمريكية، وعدم التدخل في سياساتها الدّاخلية، لحد الآن.
ركز مؤتمر ميونخ للأمن التاسع والخمسون، الذي عقد في الفترة من 17 إلى 19 شباط/فبراير 2023، على ثلاثة مواضيع رئيسية: الحرب في أوكرانيا وضرورة مواجهة الصين وروسيا وأهمية الجنوب العالمي في الصراع بين القوى العظمى، وذلك، وقبل كل شيء "من أجل أمن الغرب لمواجهة المنافسة المتزايدة من الصين وروسيا"، وأعرب العديد من المتحدثين عن عدم رضاهم عن مواقف دول الجنوب فيما يتعلق بالصين وروسيا، ولخص الرئيس الفرنسي وجهة النظر الأوروبية بقوله: "إنني مندهش من مقدار فقداننا ثقة دول الجنوب ... لقد فَقَدَ الغرب دعم دول الجنوب ولم نتمكن من الرد على اتهام الكيل بمكيالين، ولا سيما اتهامنا بعدم مساعدة الدول الفقيرة" وفق برقية وكالة الصحافة الفرنسية (فرنس برس أ.ف.ب. - 18/02/2023)، ومع ذلك، وفي غياب روسيا وإيران (لم يتم استدعاؤهما)، أصبح المؤتمر – كالعادة - منصة إضافية لمهاجمة معارضي السياسات "الغربية"، وللدفاع عن العالم أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ضد النظام متعدد الأقطاب الناشئ الذي تدعو له الصين وروسيا. من جانب آخر، تعترف عدة بيانات "بالحاجة إلى تغيير نهج التعاون الإنمائي مع بلدان الجنوب، لمواجهة النفوذ المتزايد لبكين وموسكو"، لكن هذه مجرد كلمات، دون أي وعود أو أي التزامات ولا موعد نهائي لإنجاز ذلك، والواقع أنه من العسير الإنتقال من الكلام إلى الفِعْل، لأن ذلك يتطلّب الانتقال من نموذج المانح الغني والمتلقي المُتَسَوّل، إلى نموذج قائم على الشراكة والمنفعة المتبادلة، والاعتراف بضرورة أخذ مصالح وتطلعات بلدان الجنوب على محمل الجد واحترامها، وهو ما لن يحصل في المستقبل المَنْظُور، لأن دول أوروبا وأمريكا الشمالية (وكذلك أستراليا أو اليابان ...) دول إمبريالية تتميز سياستها بنهب الثروة والتدخل في الشؤون الداخلية وسياسات الدول الفقيرة، وتتميز بإشعال الحروب في البلدان التي لا تخضع لإملاءات الشركات متعددة الجنسيات، أو في الدول التي تطمح إلى الاستقلال، أو التي تُصَمّم برامج تنموية لاستغلال مواردها بنفسيها، فيتم اتهام الأنظمة الحاكمة بها بانتهاك حقوق الإنسان أو النساء أو الأطفال أو المُثُلِيِّين والأقليات الدينية أو الاثنية، وتخضع شعوبها لعقوبات شديدة وضغوط اقتصادية (بذريعة الضغط على النظام الحاكم ) ويمكن أن تصل الأعمال الانتقامية إلى أبعد من ذلك، كتنظيم الإنقلابات والإطاحة بالأنظمة أو العدوان العسكري والاحتلال.
ادعى الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، سنة 2019 ، "ملكية النفط السوري"، وأن الجيش الأمريكي (الذي يحتل شمال شرقي سوريا، في المناطق الزراعية الخصية والغنية بالنفط والغاز) لن يسمح للحكومة السورية باستغلال ثرواتها، في حين أن البلدين ليسا في حالة حرب رسميًا، ولم يتم الإعلان عن احتلال هذا الجزء من أراضي سوريا (بمعية جيوش فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها) لكنها لصوصية تتزعمها أكبر قوة عسكرية في العالم، فمن يُعاقب الولايات المتحدة أو يندّد بتصرفاتها الشبيهة بقطاع الطّرق؟
بينّت مداخلات العديد من رؤساء جمهوريات وحكومات أوروبا ومداخلة رئيسة الإتحاد الأوروبي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، اصطفاف الجميع وراء الموقف الأمريكي العدواني تجاه روسيا والصين والشعوب العربية وشعوب العالم، وأصبح هذا المؤتمر نسخة من مؤتمرات حلف شمال الأطلسي التي تهيّئ الرأي العام الأوروبي لحرب طويلة في أوكرانيا - رغم الأضرار والخسائر التي لحقت شعوب ومؤسسات أوروبا- بدليل التّركيز على زيادة الإمدادات والأسلحة النّوعية، وتكثيف الدعاية الإعلامية كجزء من المجهود الحربي، وفق الرئيس الفرنسي، فيما اعتبر "المركز الأوروبي للإستخبارات ولدراسات مكافحة الإرهاب" ( europarabct ) وهو مركز ألماني، يقع مقره في "بون"، عاصمة ألمانيا الغربية سابقًا، أن ارتفاع عدد أفراد وفد الولايات المتحدة "تأكيد على قيادتها النظام الدولي الجديد ذي القطب الواحد، بدون منازع، وإقصاء الإتحاد الأوروبي من سلطة القرار، بعد إقصاء روسيا وتوحيد أوروبا خلفها من جديد... فلم تظهر أوروبا في المؤتمر أي علامات على النأي بنفسها عن الولايات المتحدة أو التراجع عن الدعم العسكري لأوكرانيا، بل أظهر الإتحاد الأوروبي اصطفافًا غير مسبوق وراء الولايات المتحدة، ما يخدم مصالح مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية..." التي تُرسل معدّات وذخائر حربية بقيمة تفوق عشرات أضعاف ما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون أو الشعب السوري المنكوب بالحرب والزلزال أو الشعوب التي تُعاني من الحروب والكوارث الطبيعية...
هيمنت وجهة النّظر الأمريكية على المؤتمر، إذ يتوقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن حتمية "تزايد المواجهة بين الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية"، ما اعتبرته مجلة "إيكونوميست" (على موقعها الإلكتروني يوم 21/02/2023) "تجاهلاً لموقف الدّول التي يقطنها معظم سكان العالم، وتجاهلاً للفوارق في تركيز الثروة بين الجنوب والشمال، ما يزيد من عدم الثقة في سياسات الولايات المتحدة وحلفائها..."، ما يُبَرّرُ اتجاه مجموعة بريكس أو العديد من الدّول الإفريقية نحو الحفاظ على علاقات قوية مع روسيا والصّين، وعدم الإنسياق وراء مواقف الدّول الغنية المُعادية لهما، لأن الصين وروسيا تقترحان أشكالا مختلفة من العلاقات والتعاون في مجالات البنية التحتية والزراعة والطاقة والتجارة، لذا تُعتَبَرُ حرب أوكرانيا نزاعًا مُسلّحًا كغيره من الحُروب التي أشعلتها الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي في أنحاء أخرى من العالم، ويكمن الفرق في أن هذه الحرب تجري في أوروبا. أما شعوب الدّول الفقيرة فإن اهتمامها مُنْصَبٌّ على مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والبطالة والفقر وارتفاع حجم الدّيون الخارجية...

خاتمة :
استخدمت الولايات المتحدة الحرب في أوكرانيا كذريعة لتسريع تفتيت الإنتاج على المستوى العالمي، من خلال اقتراح الناتو الاقتصادي (مشروع نوقش في الولايات المتحدة منذ عام 2010) وهو مشروع موجه ضد الصين ويتضمن نقل الأنشطة إلى "الدول الصديقة "، ويستند هذا المشروع أيضًا إلى استبعاد روسيا، المنتج الرئيسي للحبوب والمحروقات (الهيدروكربونات) والمعادن النفيسة، وعلى أساس استبعاد الصين التي تعتبر "مصنع العالم"، لكن هذا المشروع الأمريكي والأوروبي القائم على العقوبات أصبح يُثير ريبةَ العديد من الدول المُسماة "ناشئة"، مما قد يُعيق تطبيقه ونجاحه.
من جهة أخرى، يزعم قادة وحُكّام الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، أنهم مُسْتاؤون وحساسون لمحنة الشعب الأوكراني، لكنهم لم يظهروا أي إحساس إنساني تجاه الشعوب الأفريقية أو الشعب الفلسطيني أو السّوري، حتى بعد الزلزال، فمنعوا عنه المساعدات الإنسانية والإغاثة طيلة أسبوع كامل،ويدّعي قادة أوروبا والولايات المتحدة الترحيب باللاجئين الأوكرانيين، فيما تعتقل سلطات بلدانهم وتُرحّل يوميا الفقراء الذين يعبرون البحار والحدود بحثًا عن عمل وحياة أفضل من بلادهم التي مزقتها الحرب والفقر ونَهْب الشركات متعددة الجنسيات أو "الغربية" لثرواتها.
إن كادحي العالم وفقراءه وشعوبه المضطهدة، كما عاملي وفقراء الدّول الرأسمالية المتطورة، يعلمون أن الرأسمالية لا تسعى سوى إلى زيادة أرباحها، وإن منطق رأس المال يتعارض مع المشاعر الإنسانية ومع مفاهيم العدل والمساواة. علاوة على ذلك ، فإن هذا النظام هو الذي يفاقم أوضاع الشعوب والعمال والفقراء، فقد أدّت التفاوتات الاقتصادية إلى زيادة الفقر، ليتعرض أكثر من 1,2 مليار شخص يعيشون في 94 دولة للحرمان المالي والغذائي وللرعاية الصحية والطاقة سنة 2022، وفق بيانات الأمم المتحدة...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبودية والعمل القسري – ثلاث نماذج لثلاث فترات تاريخية
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثامن - 25 شباط/فبراير 2023
- حروب أمريكا في القرن الحادي والعشرين
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّابع - 18 شباط/فبراير 2023
- بيرو – نموذج الهيمنة الإمبريالية في أمريكا الجنوبية
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّادس - 11 شباط/فبراير 2023
- في ذكرى ميلاد روزا باركس
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الخامس - 04 شباط/فبراير 2023
- من خلفيات حرب الناتو ضد روسيا: الإستحواذ على المعادن الثمينة
- أمريكا الجنوبية، بين الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ومحاولات ...
- راسل بانكس (Russell Banks ) 28/03/1940 – 07 كانون الثاني/ينا ...
- ليبيا زمن التقسيم والخراب
- تونس- انتخابات برسم الإفلاس
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الرابع - 28 كانون الثاني/يناي ...
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثالث - 21 كانون الثاني/يناي ...
- متابعات - نشرة أسبوعية – العدد الثاني - 14 كانون الثاني/يناي ...
- مُتابعات – نشرة أسبوعية العدد الأول 07 كانون الثاني/يناير 20 ...
- اقتصاد سياسي – مُتابعات
- المسألة القومية
- المسألة الكُرْدِيّة، قضية حق أُرِيدَ بها باطل


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا