أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الرابع - 28 كانون الثاني/يناير 2023















المزيد.....



متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الرابع - 28 كانون الثاني/يناير 2023


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تَغْلب الصبغة الإقتصادية، بمعناها الواسع، على فقرات هذا العدد الذي يتضمن فقرات عامة تتعلق بتقارير الأمم المتحدة ومنظمات "إنسانية"، عن الغذاء والفقر والهوة بين الأثرياء والفقراء، وفقرات أخرى تخص وضع بلدٍ معين، كمصر والجزائر وتونس (ذكرى الإضراب العام يوم 26/01/1978) والسعودية ونضالات شعب بيرو، أو بعنوان سويسرا دولة الفساد "الناعم"، أو منطقة مثل "المغرب العربي" وأوروبا، وفقرة عن المناورات العسكرية الأمريكية الصهيونية، ثم فقرة عن دور مُجمّع الصناعات العسكرية في الحياة السياسية الأمريكية، وأخرى عن محاولات الصين وروسيا خلق قطب رأسمالي مستقل عن الولايات المتحدة...
غذاء:
نشرت الأمم المتحدة، يوم 15 كانون الثاني/يناير 2023، تقريرًا يتوقع مُضاعفة معدلات الفقر والنقص الحاد في الغذاء في بعض البلدان وصعوبة توفير المواد الغذائية الأساسية في بعض البلدان سنة 2023، ليواجه نحو 30 مليون طفلا شبح المجاعة في ما لا يقل عن 15 دولة من بينها أفغانستان وبوركينا فاسو وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والحبشة وهايتي وكينيا ومدغشقر ومالي والنيجر ونيجيريا والصومال والسودان وجنوب السودان واليمن، فضلاً عن سوريا وبعض مناطق أخرى في إفريقيا، فيما انخفضت قيمة دخل الأُجَراء والفُقراء في جميع دول العالم بسبب ارتفاع الأسعار والتّضخّم، وخصوصًا في البلدان الفقيرة والواقعة تحت الهيمنة، حيث تراجعت معدلات النمو وارتفعت نسب الفقر، في ظل ضغوط الدّائنين لإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية...
المغرب العربي في ظل التّوسّع الصّهيوني:
كانت العلاقات متوترة بين المغرب والجزائر، منذ شن الجيش المغربي سنة 1963 هجوما عسكريا، على الجزائر (بعد سنة واحدة من استقلالها) بهدف احتلال بعض الأراضي، على خلفية تلاعب فرنسا بحدود البلدان التي استعمرتها، ثم زاد منسوب التوتر بعد مغادرة الجيش الإسباني أراضي الصحراء الغربية التي كان يحتلها، حتى سنة 1975، والإتفاق سِرًّا مع المغرب لاحتلالها، ثم قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بعد توقيع النظام المغربي اتفاقية تعاون أمني مع الكيان الصهيوني تشمل مجالات مختلفة من التعاون العسكري، بما في ذلك اللوجستيات والتدريب، وكذلك اقتناء وتحديث الأسلحة والذخيرة والمعدات، وتعزز هذا التعاون العسكري في كانون الثاني/يناير 2023 ، وأكد الجيش المغربي (بيان صحفي صادر يوم الثلاثاء 17 كانون الثاني/يناير 2023) "توسيع التعاون العسكري ليشمل المخابرات العسكرية والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، عقب اجتماع مشترك في الرباط"، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية التطبيع بين المغرب والدولة الصهيونية (نهاية 2020) تضمنت اعتراف الولايات المتحدة بـ "سيادة المغرب على الصحراء الغربية"، إثر سقوط النظام الفاشي في إسبانيا بوفاة الجنرال فرانكو، حيث كانت الصحراء الغربية مُحتلّة من قِبَل إسبانيا، وهي غنية بالفوسفات والمعادن الأخرى، وبالأسماك في مياهها على المحيط الأطلسي، وتعارض الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ( بوليساريو)، التي حاربت الاستعمار الإسباني، بدعم من الجزائر، الاتفاق السري بين المغرب وإسبانيا، وتطالب باستفتاء لتقرير حق المصير وسيادة الشعب الصحراوي.
الجزائر
أعلنت وزارة الطاقة والمناجم، يوم الخميس 15/12/2022، ارتفاع حجم صادرات الغاز الطبيعي خلال 2022، إلى رقم قياسي يُقدر بنحو 56 مليار متر مكعب، وأن اتفاقًا حصل مع الحكومة الإيطالية (التي يقودها اليمين المتطرف) لتزويدها بالغاز الطبيعي وفق عقد طويل المدى، بحسب الإذاعة الجزائرية، التي أضافت أن الطلب الدّاخلي يرتفع بنسبة 3% أو 4% سنويا خلال العشرية الماضية، لتخصّص البلاد نحو 50% من حجم الغاز الطبيعي المُسْتَخْرَج، لإنتاج الكهرباء، وأعلن ناطق باسم نفس الوزارة أن برامج الحكومة تتضمن إنجاز مشاريع الطاقات المتجددة وتصدير الكهرباء إلى أوروبا، عبر مَمَرّ بحري، مُستغلة أزمة قطاع الطاقة في أوروبا بعد حَظْر استيراد الغاز الروسي الذي كان يُلبي أكثر من 40% من حاجة دول الإتحاد الأوروبي الذي عرض على الجزائر (في تشرين الأول/اكتوبر 2022) شراكة طويلة الأمد في قطاع الغاز...
كما أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية، خلال نفس اليوم (15/12/2022)، تشكيل لجنة تنسيق مشتركة مع كوبا لمتابعة تنفيذ مشروع بناء محطة للطاقة الشمسية من قبل شركة الغاز الجزائرية (سونلغاز) بكوبا، بمناسبة زيارة وفد من وزارة الطاقة والمناجم الكوبية برئاسة نائب رئيس الوزراء ريكاردو كابريساس رويز، "لتعزيز التعاون الثنائي في مجال الطاقة والمناجم، وإمداد كوبا بالمحروقات ومساعدتها على بناء محطة للطاقة الشمسية، فيما طلبت الجزائر من الرئيس الكوبي خلال زيارته الجزائر منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، الإستفادة من الخبرة الكوبية في مجال التنقيب المنجمي واستغلال المعادن، في مقابل إلغاء كل الفوائد وتأجيل سداد ديون كوبا.
تونس
ذكرى "الخميس الأسود" 26 كانون الثاني/يناير 1978
دعمت قيادات الإتحاد العام التونسي للشّغل الجناح الذي كان يقوده الحبيب بورقيبة بالحزب الدّستوري، ضد خصومه، وأهمهم جناح الأمين العام صالح بن يوسف، سنة 1955، وارتبطت هذه القيادات بالحزب الذي حكم البلاد من 1956 إلى 2010، ودعمت برامجه وسياساته، رغم بعض الأزمات، منها أزمة 1965 إثر الإحتجاج على تخفيض قيمة الدّينار، ونظرًا لحَظْر أحزاب وصحف المُعارضة أصبح الإتحاد العام التونسي للشغل ملاذًا لبعض فئات الأُجَراء من البرجوازية الصغيرة، منها فئة المُدَرِّسِين، حيث نفّذت نقابة مُدَرِّسي التعليم الثانوي إضرابًا في كانون الثاني/يناير 1975، لكن قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل، التي تنتمي لقيادة الحزب الحاكم، أطردت أعضاء قيادة نقابة قطاع مُدرّسي الثانوي، قبل أن تتسع رقعة نضالات الأُجَراء التي شملت قطاعات عديدة طيلة النصف الثاني من سنة 1976 وارتفعت وتيرة النضالات والإضرابات طيلة سنة 1977، كما برزت الخلافات بين الحكومة وقيادات الإتحاد إلى العَلَن، رغم توقيع "الميثاق الإجتماعي" (كانون الثاني/يناير 1977)، وشكّل تدخّل الجيش في مدينة قصر هلال (حيث تأسس الحزب الدستوري الجديدن الحاكم، سنة 1934) ضدّ العُمال المُضربين منعرجًا إذْ أصبحت الشعارات سياسية، من قبيل "الحزب (الحاكم) وُلِدَ هُنا وسوف يموت هُنا" وزادت استفزازات مليشيات الحزب الحاكم والإعتداء على النقابيين وعلى المحلاّت النقابية، خصوصًا بعد استقالة الحبيب عاشور، الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، من المكتب السياسي للحزب الدّستوري، واعتقلت الشرطة بعض القيادات النقابية، منها الأمين العام للإتحاد الجهوي بصفاقس، منذ يوم 24/01/1978، وحاصرت الشرطة يوم 25/01/1978، مقر الإتحاد العام التونسي للشغل بتونس، وبداخله أعضاء المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية، قبل بداية تنفيذ الإضراب العام، وتكرّرت استفزازات الشرطة ومليشيات الحزب الحاكم، واعتقلت الشرطة ما لا يقل عن‍‌ 120 من القيادات النقابية، ما أدّى إلى ردود فعل تمثلت في تظاهر النقابيين بالشوارع، يوم الإضراب العام (26/01/1978)، رغم إعلان حالة الطّوارئ وتدخّل الجيش وتعيين الضابط العسكري زين العابدين بن علي مُديرًا للأمن بوزارة الدّاخلية، وامتدت حالة الطوارئ إلى غاية 25 شباط/فبراير وحظر التجول إلى غاية 20 آذار/مارس 1978، وأعلنت البيانات الرسمية 52 حالة وفاة و365 إصابة يوم الإضراب العام، فيما تُشير المصادر النقابية وبعض المنظمات الخارجية إلى نحو مائتَيْ قتيل، وأدانت المحاكم ما لا يقل عن خمسمائة نقابي وتراوحت أحكام السّجن النافذ بين عشر سنوات أشغالاً شاقة وستة أشهر...
تحول الإضراب العام من حدث نقابي إلى انتفاضة شعبية ضد ارتفاع الأسعار وتدهور ظروف العيش والإستبداد السياسي، وإلى إقحام الجيش في تنفيذ حملات قمع واسعة النّطاق، بإشراف زين العابدين بن علي، وكان ذلك بمثابة تدريب على قمع انتفاضة 1983/1984 ضد ارتفاع أسعار السلع الغذائية...
ذكرى فرار بن علي
نظمت القُوى المُعارضة للرئيس قيس سعيد ( من الإخوان المسلمين والدّساترة إلى حزب العُمّال، مرورًا بالجمهوري...) مظاهرة يوم السبت 14 كانون الثاني/يناير 2023 في ذكرى رحيل زين العابدين بن علي، في نفس اليوم من سنة 2011، التي حلّت هذا العام في مناخ تدهور اقتصادي لم تشهده البلاد منذ عُقُود، تميّز بشح أو اختفاء سلع أساسية عديدة من المحلات التجارية، وبإشراف البلاد على حافة العجز عن تسديد الدّيون وتوريد الغذاء والدّواء...
اجتذب شعار مكافحة الفساد تأييدًا للرئيس قيس سعيد خلال الحملة الإنتخابية لسنة 2019، ثم في 25 تموز/يوليو 2021، من قِبَلِ العديد من الشباب والمُعطّلين عن العمل والفُقراء والأُجَراء، لكن لم يطرأ تحسّن على وضع هذه الفئات، بل ازداد الوضع الإقتصادي والإجتماعي تدهورًا، ويُمثل ارتفاع عدد المُغامرين بحياتهم عبر الهجرة غير النظامية للعديد من الفئات أو الهجرة للنظامية لحوالي عشرة آلاف سنويا، من ذوي الكفاءات من أطباء ومهندسين وباحثين وخبراء في الكمبيوتر والمعلومات والإتصالات، أحد مقاييس هذا التدهور، فضلاً عَمَّا يمكن مُلاحظته بالعَيْن المُجَرّدة من ارتفاع الأسعار وتفشِّي الفَقْر والبُؤس، مع انسداد الأفق الإقتصادي، وارتفاع عجز الميزان الجاري والميزان التجاري، وحجم الدُّيُون السِّيادية التي تُرافقها الشّروط القاسية للدّائنين، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، وانخفاض احتياطي النّقد الأجنبي الضّروري لتمويل الواردات ولسداد الدّيون التي حان أجل تسديدها، مع الإشارة أن وجود ما بين 11% و 12% من التونسيين خارج البلاد، رفع تحويلاتهم المالية بالعملات الأجنبية إلى أكثر من 8% من الناتج الوطني الخام، وليس الناتج المحلي الإجمالي، لأن هذه القيمة لم يتم إنتاجها في الدّاخل بل وَرَدَت من الخارج، في ظل انخفاض عائدات السياحة الضعيفة جدًّا والتي لا تتجاوز ثمانين دولارا، لكل أربع وعشرين ساعة، مقارنة بالمغرب أو مصر أو الأردن، حيث لا تقل عن 120 دولار، ولا تستفيد سوى وكالات السياحة الأوروبية من السياحة في تونس التي تستنزف الموارد وتُسبب التلوث وحرمان المواطنين من الشواطئ ومن إنتاج الصيد البحري...
يُعتبر الإتحاد العام التونسي للشُّغْل (اتحاد نقابات الأُجَراء) أكبر منظّمة بالبلاد، قادرة على تعديل أو قَلْبِ التّوازنات السياسية، ولعب المناضلون النقابيون ( بخلاف القيادات أحيانًا ) بمختلف قطاعات وأقاليم البلاد دورًا هامّا في الحركات الإجتماعية بالبلاد، منذ قرابة خمسة عُقُود، وتحوّلت قيادته تدريجيا من دعم الرئيس قيس سعيد، سنة 2021 إلى مُعارضته بعد أقل من سنة واحدة، بسبب تَعَمّق الأزمة الإقتصادية وتدهور مستوى معيشة الأُجَراء ومعظم فئات المواطنين...
رغم الإستقلال الشّكلي، تُعتَبَرُ تونس، مثل معظم بلدان "الجنوب" (بلدان "الأطراف" أو "المُحيط" ) خاضعة للهيمنة الخارجية، وخصوصًا للإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولذلك فإن أي قوة سياسية محلية تُراعي تبعات هذه الهيمنة التي تجسّدت في تصريحات مسؤولين رسميين أمريكيين وفرنسيين، فقد أظهرت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكن" وسفير الولايات المتحدة بتونس، أمام الكونغرس، وتصريحات وزير الحرب الأمريكي "لويد أوستن " ( آب/أغسطس 2022 ) أمام قيادة أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا)، الناقدة (ولو كان النقد مُنافقًا و"ناعمًا")، اختلافًا مع الدّعم الذي أَبْداه الرئيس الفرنسي الذي اعتبر تكتيكات قيس سعيد "خطوة مهمة في طريق الإنتقال السياسي"، ورغم اختلاف سياق التصريحات، فإن "جبهة الخلاص" (الإخوان المسلمون ومن يدعمهم) أظْهَرت تبعيتها لقوى خارجية (امبريالية) فيما عارضت منظمات سياسية واجتماعية أخرى هذا التّدخّل السّافر في الشؤون الدّاخلية... من جهة أخرى تدعم بعض القوى الإقليمية العميلة للإمبريالية الأمريكية سُلْطة قيس سعيّد، لأنها تشترك معه في الخلاف مع الإخوان المسلمين (الذين تدعمهم قَطَر وتركيا)، لأسباب مختلفة، مثل نظام مصر والسعودية والإمارات، فضلاً عن الدّعم الجزائري أو الفرنسي، لاعتبارات أخرى مُغايرة.
تؤكّد منشورات السفارة الأمريكية بتونس أن الولايات المتحدة "تُقدّم دعمًا سنويًّا بمعدّل مائة وتسعين مليون دولار" وهو مبلغ تافه جدًّا، تحصل مليشيات أكراد سوريا على أَضْعافِهِ سنويا، وتُشكل "المساعدات العسكرية" القسط الأكبر من هذا المبلغ الصغير، كما تَضْمَنُ الولايات المتحدة بعض القُرُوض الصغيرة التي تحتاجها الحكومة التونسية، وتدعم الإمبريالية الأنظمة السياسية والأحزاب والمنظمات "غير الحكومية"، لأنها تجني منها فوائد تفوق قيمتها حجم الدّعم المالي، وفي تونس، وجّهت الولايات المتحدة الدّعم العسكري "للحليف الإستراتيجي من خارج حلف شمال الأطلسي"، لمساعدة قوات "أفريكوم" الأمريكية على مراقبة وحراسة الحدود مع الجزائر وليبيا، وفق اتفاقية التعاون العسكري التي وقّعتها حكومة تونس سنة 2020 بواشنطن، وتولي الحكومة الأمريكية أهمية لإقصاء الصين وروسيا من تونس، ذات "الموقع الجيواستراتيجي الهام بالنسبة لأمريكا وأوروبا"، وفق وزير الحرب الأمريكي (آب/أغسطس 2022) الذي أكّدَ "الأبعاد الأمنية والإستراتيجية التي يرتكز عليها تقييم الموقف الأمريكي من الأوضاع في تونس والعلاقات معها..."، كما تعمل الحكومة الأمريكية على "تشجيع إقامة علاقات بين تونس وإسرائيل"، وفق تصريح السفير الأمريكي بتونس، أمام الكونغرس، ما أثار ردود فعل شعبية مَشْرُوعة...
بشكل عام، لم يحدث تغيير يُذْكَر، منذ انتفاضة 1010/2022، في علاقات التبعية تجاه الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما لم يحدث تغيير في بُنْية الإقتصاد وارتفع حجم الدّيون الخارجية كما زادت مظاهر الفساد والتهرب الضريبي وتهريب السّلع وارتفعت حصة الإقتصاد الموازي من حوالي 40% سنة 2010 إلى أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021، وفق تقديرات مصادر محلية وخارجية...
لا يزال الرئيس قيس سعيّد يحظى بتأييد فئات شعبية واسعة، لأن الإئتلاف الذي حكم البلاد بقيادة الإخوان المسلمين ساهم في زيادة حجم الفساد والرّشوة وتوسيع الفجوة الطّبقية وزيادة الدّيُون الخارجية، وبرزت مظاهر الثراء السّريع على قيادات وكوادر الإخوان المسلمين الذين كانوا يَدّعُون "التّقوى والوَرَع وخِشْيَة الله واليوم الآخر"، ولما حكموا البلاد اعتبروا السلطة السياسية والثروات "غنيمةً وجب اقتسامها، للتّعويض على ما فات".
يشترك حُكّام ما بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011 في التبعية للخارج والإبقاء على التحالفات الإستراتيجية لنظام بورقيبة وبن علي (شريك مميز للإتحاد الأوروبي وحليف استراتيجي" خارج حلف شمال الأطلسي للولايات المتحدة )، رغم تهديد قيس سعيد بالتوجه نحو إقامة شراكة مع الصين وروسيا، كلّما تظاهر الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة بالدّفاع عن الدّيمقراطية في تونس.
يتطلّب الوضع تركيز الدّولة اهتمامها ومواردها على بعض القطاعات الأساسية كالفلاحة والصيد البحري والصناعات التحويلية، وتبجيل الإبتكار الإقتصادي والبرامج عالية الإنتاجية، مع الإستمرار في دعم السلع الأساسية، ومجانية الصحة والتعليم، وتقديم الوجبات المجانية في المدارس، وإصلاح البنية التحتية التي تُفيد الفلاحة والصناعة والنّقل والسّكن والقطاعات التي تخلق فرص العمل، وتُفيد المواطنين العاديين وتُلَبِّي بعض طموحاتهم، وتُمَكِّن من نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما لم تُؤَدِّ انتفاضة 2010/2011 إلى إنجازه أو تحقيقه، إذ لم يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بل انخفض خلال عشر سنوات من حوالي 4345 دولارا، سنة 2010 إلى 3597 دولارا سنة 2020، سنة جائحة كوفيد-19، وفشل "العهد الجديد" (ما بعد الإنتفاضة) في تحقيق "تكافؤ الفرص"، بل تعمّقت الفجوة الطبقية، بارتفاع نِسَب البطالة والفقر، وزاد عدد الفَارِّين من الفقر نحو المجهول.
مصر- تراجُع اقتصادي واجتماعي
كانت قيمة الدولار الأمريكي تُعادل سبع جنيهات مصرية، في كانون الثاني/يناير 2011، وأصبح الدّولار يُساوي 32 جنيها مصريا يوم 11 كانون الثاني/يناير 2023، بعد الإتفاق مع صندوق النقد الدّولي على قرض جديد بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وفق تقرير أصدره الصندوق يوم الثلاثاء العاشر من كانون الثاني/يناير 2023، وأدّى انخفاض قيمة الجُنَيْه (منذ قرار "تعويمه" سنة 2016) إلى ارتفاع سعر السّلع المُستورَدَة ومنها القمح ومشتقاته واللحوم، في ظل انخفاض حجم العملات الأجنبية من عائدات السياحة وسحب المستثمرين الأجانب نحو عشرين مليار دولارا من السوق المصرية، وأظْهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (الثلاثاء 10/01/2023) إلى ارتفاع مستوى التضخم السنوي لأسعار المستهلكين خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، إلى 23,6%، وهو أعلى مستوى منذ أواخر سنة 2017، ما يؤثر بشكل كبير في الفئات الفقيرة والمتوسطة، بعد الإرتفاعات المتتالية لأسعار الخبز والحبوب ومنتجات الألبان والخضروات واللحوم، ويتوقع أن يرتفع المؤشر السنوي لأسعار المستهلكين إلى 25% خلال شهر شباط/فبراير 2023 كنتيجة مباشرة لرفع أسعار الفائدة، وتوقعات ارتفاع أسعار السلع الغذائية بحوالي 38% خلال شهر كانون الثاني/يناير 2023، في بلد يعتمد على استيراد الغذاء والعديد من السلع الأخرى بالعملات الأجنبية الشّحيحة...
يُقدّر عدد سكان مصر بنحو 104 ملايين نسمة يعيش ثُلُثُهم تحت خط الفقر، ويُكافح ثُلُثٌ آخر للإبتعاد عن خط الفقر، وفق تقديرات البنك العالمي الذي نشر سنة 2020 دراسةً أفادت بأن متوسط الأجور في مصر يبلغ 69 ألف جنيه سنويا (2300 دولار) أو أعلى قليلا من خط الفقر، ويُطالب البنك العالمي الحكومة المصرية بتلافي انعدام الأمن الغذائي لثُلُثَيْ الشعب المصري...
في جبهة الأعداء
أطلقت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بداية من يوم الإثنين 23 كانون الثاني/يناير 2023، وحتى يوم الجمعة 27 كانون الثاني/يناير 2023، مناورة عسكرية ضخمة مشتركة ( هي الرابعة، خلال أقل من ستة أشهر) تشمل ما لا يقل عن 6500 جندي أمريكي و 12 سفينة و142 طائرة من بينها قاذفات ذات قدرة نووية "لمحاكاة التهديدات والتدريب على سيناريوهات معقدة"، وفق بيان القيادة العسكرية المركزية الأمريكية التي أعلنت "إن المناورات تختبر مدى الجاهزية والتكامل بين الجيشَيْن، مع دمج أنظمة الاتصالات وتعزيز التحكم والسيطرة المشتركة، في مواجهة مجموعة كاملة من التهديدات المختلفة"، وتجدر الإشارة إلى تواجد ما لا يقل عن خمسمائة جندي أمريكي باستمرار في فلسطين المحتلة لصيانة ومراقبة مخازن الأسلحة والذّخيرة الأمريكية، خصوصًا في النّقب، جنوب فلسطين، في إطار "الإلتزام الأمريكي الثابت بأمن إسرائيل"، وهي لازمة يُؤكّدها كافة المسؤولين الأمريكيين، مدنيين وعسكريين، من الحزب الجمهوري أو الدّيمقراطي...
يُشارك الكيان الصهيوني في هذه المناورات التي تم التخطيط لها خلال مناورات شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بغواصات قادرة على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية، اشترى سبعة منها من ألمانيا بسعر مَدْعُوم، أي بنحو ثُلُثَيْ ثمنها، ليُسدّد المقيمون بألمانيا ( ألمانيون ومهاجرون ولاجئون) الثُّلُث من الضرائب، فيما يُشارك الجيش الأمريكي بطائرات بي 52 وإف-35 وإف-15 وإف-16 وإف-18، وستجري التدريبات على مساحات شاسعة على الأرض وفي البحر والجو، وتهدف الولايات المتحدة "اختبار كفاءة أعداد القوات الجاهزة للقتال في الشرق الأوسط"، وفق القيادة المركزية الأمريكية.
تجري هذه المناورات في مناخ الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا واستفزاز الصين، والقمع الصهيوني المتواصل في كافة مناطق فلسطين، والقصف الصهيوني المستمر لأراضي سوريا، والإستفزازات المتعدّدة تجاه إيران، من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي تعزز موقفه بفعل تطبيع الأنظمة العربية معه من المغرب إلى الخليج، مرورًا بالسودان ومصر والأردن وسلطة أوسلو...
اعترف الناطق باسم القيادة العسكرية المركزية الأمريكية: "إن برنامج إيران النووي أكثر تقدما الآن مما كان عليه في أي وقت مضى، وزاد التحدِّي الإيراني من خلال ضبط الجداول الزمنية لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع السلاح النووي، وزادت معارف وخبرات العُلماء، رغم اغتيال العديد منهم..." عن رويترز 23/01/2023
بيرو، مقاومة وصمود
انطلقت الإحتجاجات يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر 2022، إثر تنفيذ الإنقلاب الذي عَزَلَ (بالقوة) الرئيس المنتخب "بيدرو كاستلو"، وتنصيب "دينا بولوارتي"، وبعد ستة أسابيع، لا تزال المظاهرات متواصلة، ويتوقع وزير الداخلية "استمرار الاضطرابات التي تجتاح البلاد، رغم إعلان حالة الطّوارئ" للمطالبة باستقالة الرئيسة الإنقلابية وإطلاق سراح الرئيس المنتخب وعودته لمنصبه، واستخدمت شرطة مكافحة الشغب قنابل الغاز المسيل للدموع خلال آخر مظاهرة (عند تحيرير الخبر) بالعاصمة "ليما" يوم الاثنين 23 كانون الثاني/يناير 2023، لتفريق التظاهرات التي أودت بحياة 46 قتيلا، وفق إحصائيات وزارة الدّاخلية التي أشارت إلى ارتفاع عدد ضحايا المواطنين من السّكّان الأصليين والقادمين من الرّيف ومن مناطق سلسلة جبال الأنديز، الذين يعانون من الفقر والإقصاء وصوتوا بكثافة للرئيس "بيدرو كاستيلو" لأنه مُدرّس نقابي يعمل بمنطقة ريفية...
شملت الإحتجاجات مطالب ديمقراطية مثل عودة الرئيس المُنتخب ودستور جديد وحل الكونغرس وإجراء انتخابات جديدة، وكذلك شعارات ضدّ التفاوت الطبقي، وضد ازدراء "النُّخَب" للعاملين والفقراء والريفيين والسكان الأصليين... وتوسّعت رقعة المظاهرات منذ أسابيع لتشمل كافة مناطق البلاد، وأعلنت وزارة الدّاخلية يوم الاثنين 23 كانون الثاني/يناير 2023، إن المحتجين أغلقوا أكثر من ثمانين طريق في مناطق مختلفة من البلاد، وأعلنت السلطات إغلاق "قلعة الإنكا" في منطقة ماتشو بيتشو السياحية الشهيرة منذ يوم السبت 21 كانون الثاني/يناير 2023، كما تم إجلاء أكثر من 400 سائح علقوا هناك خلال عطلة نهاية الأسبوع...
نددت منظمات مدنية بأعلى مستويات العنف والقمع التي عرفتها البلاد منذ الثمانينات"عن وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب 24/01/2023 - بتصرف وإضافات
السعودية وكوريا الجنوبية
كان كوريا مُسْتَعْمَرَة يابانية، مثل الصين والعديد من دول آسيا، وبانهزام المحور الفاشي ( ألمانيا وإيطاليا واليابان) بنهاية الحرب العالمية الثانية كان القسم الشمالي مُحَرّرًا من قِبَل الإتحاد السوفييتي، والقسم الجنوبي من قِبَل الولايات المتحدةالتي رفضت إعادة توحيد البلاد، وتم تكريس الإنقسام بعد الحرب الكورية (1950 – 1953)، لتصبح كوريا الجنوبية قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، ولها علاقات وطيدة بالأنظمة الرجعية التي تدعمها الإمبريالية الأمريكية، ومن بينها السعودية التي تشترك معها في مكافحة الشيوعية وأي فكر تقدّمي، فضلا عن محاربة الفكر القومي العربي، بدعم عسكري ومالي أمريكي، وأقام حليفا الولايات المتحدة (كوريا الجنوبية والسعودية ) علاقات دبلوماسية سنة 1962...
استفادت الشركات الكورية من ارتفاع أسعار النفط الخام، ماجعل بعضها يتضخّم، مثل سامسونغ وهيونداي، وفي العام 1975 فازت الشركات الكورية الجنوبية بنسبة 6,8% من العقود المُدْرَجَة في ميزانية التنمية السعودية البالغة 75 مليار دولار، وبحلول العام 1978، ارتفع هذه النسبة إلى 22,9%، وخلال عشر سنوات، عملت أكثر من مائة شركة كورية و 720 ألف عامل كوري بالسعودية، بموجب عقود، وساهمت بذلك عائدات النفط السعودي في تحسين ميزان مدفوعات كوريا الجنوبية وفي خفض معدل البطالة وزيادة معدل النمو، وبحلول سنة 1981، نجحت الشركات الكورية الجنوبية في تجاوز المنافسين الأمريكيين لتصبح من رواد الأعمال في السوق السعودي، واستفادت شركة "هيونداي" من عقود إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية والاتفاقيات مع الجيش الأمريكي خلال الحرب الكورية، لتصبح قوية على المستوى العالمي، ولكن العقد الموقع سنة 1976 مع السعودية لبناء المنطقة الصناعية بميناء الجبيل، جعل منها واحدة من الشركات القوية العابرة للقارات، وهكذا، ولفترة فاقت نصف قرن، استفادت الشركات الكورية من النفط السعودي الرخيص وبنت قسمًا هامًّا من البنية التحتية السعودية. أما عن ظروف عمل العمال الكوريين في مواقع البناء السعودية (التي تديرها الشركات الكورية) فهي غير إنسانية، حيث يجب أن يستمر العمل طيلة أيام الأسبوع، ليلاً ونهارًا، بينما لا يتجاوز أجر العامل الكوري رُبُعَ أجر العامل الأمريكي، على سبيل المقارنة، إلى أن أضْرَبَ أكثر من ثلاثة آلاف عامل عن العمل، وانتخبوا نوّابًا لهم، ولما رفضت إدارة شركة هيونداي التفاوض من أجل أجور أعلى وظروف عمل أَفْضَلَ، دمروا بعض المعدات، فطوق الجيش السعودي الموقع بالرشاشات وهدد بإطلاق النار على المضربين، وبعد يومَيْنِ من المناقشات المتوترة، تمت تلبية العديد من مطالب العمال، لكن تم ترحيل العُمّال الأكثر وَعْيًا طبقيا، إلى كوريا حيث تم اعتقالهم واستجوابهم بوحشية من قبل المخابرات الكورية، وإيداعهم السّجن...
على هذه الخلْفِيّة، تضخّمت شركات كوريا الجنوبية، لتصبح عابرة للقارات، سواء في ظل الحكم الدّكتاتوري العسكري أو حكم المدنيين الفاسدين، ولم تَحُل الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات ضد الفساد وعزل رئيس كوريا الجنوبية (2016/2017) دون انخراط الشركات الكورية، منذ سنة 2016، في المشروع السعودي العملاق لبناء مدينة فاخرة مستقبلية جديدة "نيوم"، كجزء من مشروع شركة الإستشارات الأمريكية "ماكنزي" (بطلب من محمد بن سلمان) المُسَمّى "رؤية 2030" ...
بمناسبة الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية، سنة 2022، وقّعت الدولتان اتفاقيات تجارية بقيمة ثلاثين مليار دولار في مجالات الدفاع والطاقة والبنية التحتية والبناء، ورغم الهُراء عن "الروابط" المزعومة "للصّداقة بين البَلَدَيْن والشَّعْبَيْن"، فإن ما يُعزّز العلاقات بينهما هو الفكر الرجعي والدّعم الأمريكي والمصلحة المشتركة في إنتاج الطاقة الرخيصة، بفضل الإستغلال المُكَثَّف للعمالة الرخيصة، وترويج المنتجات الرخيصة في السوق العالمية، وبفضل هذه العلاقات المَتِينة بين هذَيْن النّظامَيْن الفاسدَيْن، أصبح النفط السعودي، سنة 2022، يغطي أكثر من 30% من احتياجات كوريا الجنوبية.
الموقع السياسي لأوروبا في حرب أوكرانيا
لقد جمعت عملية إنزال الجيش الأمريكي في منطقة "نورماندي" (شمال غربي فرنسا) في السادس من حزيران/يونيو 1944 القوات البرية والجوية والبحرية لجيوش الحلفاء، وخصوصًا القوات الأمريكية، فيما أصبح يُعرف بأكبر قوة غزو في تاريخ البشرية، وإذا كان الفرنسيون يدّعون أن تلك العملية كانت بداية تحرير فرنسا، فإن الجنرال أيزنهاور يُصر على تسميتها ب"عملية غزو فرنسا" التي مكنت من إنهاء الحرب (مُتناسيا دور الإتحاد السوفييتي الذي حرّر أكثر من ثُلُثَيْ أراضي ومواطني أوروبا) وترسيخ الهيمنة العسكرية والإقتصادية والسياسية الأمريكية في أوروبا، على امتداد قرابة ثمانية عقود، إذ تتواجد حاليا بأراضي أوروبا ما لا يقل عن خمسين قاعدة عسكرية أمريكية، فضلا عن "المواقع" التي لا تُصنّف كقواعد، وخصوصًا بأراضي ألمانيا حيث توجَدُ 21 قاعدة عسكرية أمريكية لا تخضع للقوانين الألمانية، وبها أحدث المعدّات والأسلحة الفتّاكة، بما فيها النّوَوِيّة، وكذلك في إيطاليا، ومنها قاعدة سيغونيلا البحرية والجوية الضّخمة جنوب إيطاليا، فضلا عن القواعد في اليونان وبلغاريا ورومانيا وبولندا وفنلندا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وهولندا والبرتغال وإسبانيا، وقواعد أوروبا الشرقية والقواعد الأخرى المسجلة باسم حلف شمال الأطلسي، وأكّد اتحاد عُلماء أمريكا ( FAS ) خلال شهر كانون الثاني/يناير 2023، تعزيز الترسانة النووية الأمريكية في أوروبا، تحسُّبًا لهجوم نووي مُحتمل على روسيا، كما تحتوي مخازن السلاح الأمريكي بفلسطين المحتلة ( خصوصًا بالأراضي المُصادرة من أصحابها في النّقب، جنوب فلسطين) على مئات الآلاف من الأسلحة والعُدّة، سحبت منها أمريكا حوالي 300 ألف قذيفة أرسلتها إلى أوكرانيا...
بقيت المؤسسات الأوروبية خاضعة "للأخ الأمريكي الأكبر"، منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أعلن يعلن مجلس الاتحاد الأوروبي، مُؤَخّرًا: "إن حلف شمال الأطلسي يظل أساس دفاعنا الجماعي، فنحن ندرك قيمة وجود دفاع أوروبي قَوِي، مُتكامل ومُتفاعل مع قوات الحلف، ليُساهم في تعزيز الأمن عبر ضفّتَيْ المحيط الأطلسي".
في رومانيا ، نشر حلف شمال الأطلسي (ناتو) طائرات أواكس، المجهزة بأحدث المنشآت الإلكترونية، والتي تحلق بدون انقطاع بالقرب من المجال الجوي الروسي، وأعنت وزارة الحرب الأمريكية تركيز الفرقة 101 المحمولة جواً، في رومانيا، وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، كما يعمل يُساعد الإتحاد الأوروبي حلف ناتو على تأسيس "وحدات حربية وفريق عمل معني بالمرونة والبنية التحتية الحيوية" في أوروبا...
أما أوكرانيا فقد صبحت مختبرًا حقيقيًا لنجاعة الأسلحة في قتال حقيقي و"فرصة نادرة لدراسة تشغيل أنظمة الأسلحة الأمريكية ولتجربة معدات لم يتم استخدامها مطلقًا في صراع بين دولتين صناعيتين"، وفقًا لموقع شبكة "سي إن إن" وأثبتت بعض الأسلحة أو الطائرات بدون طيار أو الصواريخ المضادة للرادار أنها أقل فعالية في ساحة المعركة مما كان متوقعًا، كما انكبت شركات تصنيع الأسلحة والمسؤولون العسكريون الأمريكيون على دراسة متطلبات الصيانة الدّورية التي تتطلبها أنظمة معينة في ظل الاستخدام الكثيف لها، لأن أوكرانيا ليست سوى ميدان اختبار للأسلحة في ظل ظروف قتالية حقيقية، وما المواطنون والجنود الأوكرانيون سوى وقود رخيص للمدافع...
أعلن الأمين العام لحلف الناتو رفض تطبيع العلاقات مع روسيا حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا لأن هدف الناتو هو إخضاع وتركيع روسيا (مقابلة مع صحيفة "هاندلسبلات"، الأحد 15 كانون الثاني/يناير 2023) ...
في حزيران/يونيو 2022، قُدِّرَ عدد الجنود الأمريكيين بنحو 100000 جندي أمريكي في مختلف القواعد الأمريكية والأطلسية في أوروبا، وأعلنت وزارة الحرب الأمريكية "تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا ، في مواجهة التهديد الروسي" بحوالي أربعين ألف جندي أمريكي إضافي، قبل نهاية سنة 2022، بالإضافة إلى سفن حربية وطائرات إضافية، وصواريخ ذات رؤوس نووية، فضلاً عن الحجم الكبير من الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا منذ آذار/مارس 2022، ومنذ بداية سنة 2023، أرسلت الولايات المتحدة أسلحة متطورة جديدة، منها صواريخ وقذائف وطائرات أواكس (نظام الكشف والتحكم المحمول جواً) ووصلت طائرات المراقبة إلى رومانيا وبولندا ودول أوروبية أخرى ...
سبق أن صَرّح اثنان من القادة الأوروبيين السابقين، أنغيلا ميركل (ألمانيا) وفرانسوا هولاند (فرنسا)، إن اتفاقيات مينسك مع روسيا، سنة 1991، والمحادثات التي تَلَتْها، كانت في الواقع مجرد وسيلة لكسب الوقت لاختيار اللحظة المناسبة لتدمير روسيا، وبعد أيام قليلة من هذه التّصريحات، زارت وزيرتا الخارجية الألمانية والفرنسية أديس أبابا، مقر الاتحاد الأفريقي بالحبشة، لمطالبة الدول الأفريقية بإدانة روسيا "المسؤولة عن زعزعة استقرار أوروبا وإفريقيا وعدة مناطق في العالم "، وزعمت الوزيرة الفرنسية خلال مؤتمر صحفي بمقر الاتحاد الإفريقي: «لدينا مصالح مشتركة. نتمنى من أصدقائنا الأفارقة دعمنا"، وأضافت زميلتها الألمانية: "يتعرّض السلام في أوروبا للهجوم، ولذا نحن بحاجة إليكم للدفاع عن السلام"، وفي الواقع ليس لدى أوروبا ( التي استعمرت إفريقيا) ما تقدمه لأفريقيا سوى نهب الثروة الأفريقية والتبادل غير المتكافئ، بينما تقدم روسيا القمح المجاني لبعض البلدان الأفريقية الفقيرة، لذا فمن المنطقي أن يرفض ممثلو إفريقيا إدانة روسيا في الأمم المتحدة.
آفاق المبادلات التجارية الدّولية بغير الدّولار
محاولات الصين وروسيا خلق قطب جديد...
لم تبدأ الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022 ، لكنها مُستمرة منذ العام 2004 لأن المعسكر الأطلسي يسعى بقيادة واشنطن إلى الحفاظ على امتياز الهيمنة الذي عَزّزَهُ انهيار الاتحاد السوفيتي، فأُتيحت للولايات المتحدة (وحلفائها "الغربيين") فرصة إحلال القوانين الأمريكية محل المعاهدات والإتفاقيات الدّولية، ففرضت عقوبات وحظرًا وتهديدات ضد الدول "المتمردة"، وضد بقية العالم، حيث يعيش 85% من سكان العالم، في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
في المُقابل، تقترح روسيا والصين وقوى أخرى استبدال هذا النظام أحادي القطب بنظام متعدد الأقطاب، في إطار المنظومة الرأسمالية.
تعمل الولايات المتحدة على إنهاك مُنافسيها وخصومها، ولو تطلّبت مصلحة الرأسمالية الأمريكية إنهاك اقتصاد "الحُلَفاء"، فقد نَهَت الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين عن استيراد المحروقات من روسيا، وعن الشراكة الإقتصادية والتجارية مع الصين، وأدّت جملة من الإجراءات الأمريكية (دون استشارة "الحُلَفَاء") إلى ارتفاع أسعار المحروقات وارتفاع سعر الفائدة على القُرُوض، فضلا عن خسارة أسواق المناطق الخاضعة للعقوبات، إلى هجرة الشركات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، لتصبح أوروبا هي الخاسر الأكبر للاستراتيجية الأمريكية، فالإتحاد الأوروبي، قد يكون عملاقًا اقتصاديا محتملاً، لكن الولايات المتحدة أفسَدت هذا المشروع الأوروبي وهذا الحُلْم، لأنها لا تحتمل أي منافسة، وسبق أن أضعفت اقتصاد اليابان، خلال العقْدَ الأخير من القرن العشرين، بدعم أوروبي.
تُخَطّط الصين للتخلص من قوة الدولار، من خلال التجارة مع اليوان (العملة الصينية)، ومن خلال توقيع اتفاقيات مع منتجي النفط الرئيسيين، مثل إيران أو السعودية، أو من خلال تنشيط مجموعة بريكس، وقد تكون هذه الديناميكية الصينية خطوة أخرى نحو نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، مما شجع المزيد من البلدان على تحدي هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها على بقية العالم، وقد يتعزّزُ هذا الاتجاه سنة 2023، ولكن هل هذا العالم متعدد الأقطاب سيمَكِّنُ من حل مشاكل الفقر والبطالة، خاصة في البلدان "النامية"؟
انحدار بطيء للقوة الأمريكية؟
لا يزال الدولار الأمريكي يُشكّل العملة الأساسية لتسوية الذمم التجارية الدولية وللتحويلات الدولية، وتظهر البيانات أن احتياطيات المصارف المركزية بالدولار الأمريكي تتقلص مع تراجع النفوذ الأمريكي في الاقتصاد العالمي حتى نهاية سنة، 2022، وفق صندوق النقد الدولي الذي سجل انخفاضًا في الموجودات المقومة بالدولار الأمريكي، منذ الربع الرابع من سنة 2020، وانخفضت حصة الدولار من 71% إلى 59% من الإحتياطيات العالمية، وهي فُرْصة استغلّتها الصين للإتفاق مع آل سعود على تسديد ثمن بعض النفط السعودي باليوان الصيني، وكان بإمكان الدول العربية أو الأفريقية استغلال هذه الفرصة لإنشاء نظام دفع بديل بعملات المنطقة، لولا تبعيتها للإمبريالية وعدم رغبتها (أو قُدْرتها) على مُخالفة الأوامر الأمريكية والأوروبية.
استهدفت العقوبات التجارية الأحادية أكثر من 24 دولة، لعدم التزامها بسياسات الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، وكان بإمكان الدول التي تعاني من الحظْر والحصار والقيود والعقوبات التجارية الأمريكية (روسيا وإيران وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية والعراق وسوريا وغيرها) أن تنظم نفسها بشكل أفضل لجعل هذه الإجراءات غير فعالة أو لجعلها ضارة باقتصاديات دول مجموعة السبع (G7) وإضعاف الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي في التجارة العالمية، أما الصين وروسيا والهند وإيران والعديد من الدول الأخرى فهي شريكة في مشروع الحزام والطريق الصيني وقد بدأت بالفعل في تعزيز التجارة وإنشاء آلية الدفع بالعملات المحلية،وسبق أن اقترحت إيران على منظمة شنغهاي للتعاون إنشاء عملة إقليمية للتجارة بين أعضاء المنظمة، من أجل الالتفاف على هيمنة الدولار الأمريكي وللتخفيف من آثار القيود التي تفرضها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها، كما تعمل إيران وروسيا على إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وهي شبكة نقل بطول سبعة آلاف ومائتَيْ كيلومتر تتألف من خطوط بحرية وطرقات بَرّيّة وسكك حديدية لنقل البضائع بين روسيا وآسيا الوسطى ومناطق بحر قزوين.
نَما حجم التجارة الثنائية بين روسيا والصين بنسبة 25% بين سَنَتَيْ 2021 و 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 200 مليار دولار سنة 2023، رغم العقوبات الغربية، وأقامت الصين وروسيا شبكة دفع بين المصارف عبر الحدود لتجاوز نظام "سويفت"، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والدولار، رغم وجود مَقَرّه الرّسمي في بروكسل، عاصمة بلجيكا، ويسْعَى هذا النظام البديل إلى استقرار العملات المحلية وزيادة حجم التجارة الثنائية أو متعددة الأطراف بين دول المنطقة، لتستَقِلّ تدريجيا عن الدولار الأمريكي، وعلى سبيل المثال، تمكنت روسيا من خفض النسبة المائوية لصادراتها المُقَوَّمَة بالدولار من 80% سنة 2013 إلى نحو 50% سنة 2022، وزادت قيمة التجارة السنوية المقومة باليوان، عبر الحدود الصينية، بما يعادل 14 مليار دولار سنة 2013 إلى 37 مليار دولار في 2018، ما زاد من حِدّة الخطاب العدواني الأمريكي ومن تعزيز اتجاهها لعسكرة العلاقات الدولية.
تسارع اتجاه خفض حجم الدّولار في التجارة الدولية، خاصة بين الأعضاء الخمسة في مجموعة "بريكس" ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) التي تمثل 41% من سكان العالم و 24% من الناتج العالمي الإجمالي و 16% من التجارة العالمية، وأنشأ أعضاء مجموعة بريكس، منذ سنة 2015، مصرف التنمية الجديد الذي يوصي باستخدام العملات الوطنية في التجارة الثنائية، وقَدّم المصرف، سنة 2020، نحو 25% من مساعداته المالية البالغة 15 مليار دولار، بالعملات المحلية، ويخطط لزيادة هذا النسبة إلى 50% في السنوات المقبلة، في إطار خطّة التقليل من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
بالنسبة لروسيا التي تستهدفها الإستفزازات العدوانية الأمريكية في القارة الأوروبية، عبر أوكرانيا، بدأت في إعادة توجيه اقتصادها من الغرب (أوروبا) إلى الشرق (الصين والهند وإيران)، وتسعى لاستغلال معادن ومحروقات سيبيريا القريبة من المحيط المُتجمّد الشّمالي الذي تحدُّهُ خمس دول هي كندا والدنمارك والنرويج وروسيا والولايات المتحدة، وفتحت روسيا أول طريق بحري عالمي جديد منذ قرن، عبر القطب الشمالي، لإنشاء ممر تجاري يربط الساحل الروسي بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتعتبر روسيا هذا الممر ممرًا مائيًا وطنيًا، لأنه جزء من صفيحة سيبيريا القارية الغنية بالمعادن والأسماك، ولذلك أصبحت الغواصات الروسية حاضرة باستمرار في تلك المنطقة التي اكتشفت بها شركة النفط الروسية "رُوسْنَفْط"، منذ العام 2007، عدة حقول نفط وغاز، وهي نفس سنة افتتاح الممر الشمالي الغربي في القطب الشمالي للملاحة لأول مرة، وكان العام 2020 عامًا قياسيًا للطريق البحري في القطب الشمالي الذي كان خاليًا تمامًا من الجليد في منتصف تموز/يوليو، ما يُنْذِرُ بكارثة بيئية، بينما تكمن الأهمية الإستراتيجية لهذا الطريق البحري الجديد في إيصال النفط الروسي عبر ممر القطب الشمالي إلى السوق الآسيوية، لتنافسَ هذه الطريق مضيق هرمز وقناة السويس.
تهتم الصين باحتياطيات المحروقات والمعادن، وبالممرات المائية الجديدة التي تقلل من وقت النقل ومن التكاليف المالية، ويعد ممر القطب الشمالي هذا مكملاً لطريق الحرير الجديد وممرًّا لمشروع النقل التجاري الدولي بين الشمال والجنوب والذي سيربط الممرات المائية والسكك الحديدية في روسيا وإيران والهند، للإلتفاف على المُخطّطات العدوانية الأمريكية التي تهدف، من خلال الحرب الجارية بالوكالة بين الناتو وروسيا، إلى تأخير المشاريع الروسية في القطب الشمالي، كما تهدف (عبر تايوان) إلى عرقلة تطور اقتصاد الصين وتأخير موعد إزاحة الولايات المتحدة من صدارة ترتيب الإقتصاد العالمي، فيما تعتبر روسيا استغلال ثروة المنطقة الممتدة بين سيبيريا والقطب الشمالي أولوية استراتيجية، وتدير شركة الأسطول النووي (أتومفلوت) الروسية المملوكة للدولة خمس كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية في القطب الشمالي، للتذكير بتصميم روسيا على المضي قدمًا في خططها الإستراتيجية لتطوير القطب الشمالي.
في الأثناء، تعاني دول الإتحاد الأوروبي من نتائج تأييدها للقرارات الأمريكية، وخصوصًا ألمانيا (أكبر اقتصاد أوروبي، كان يعتمد على الغاز الروسي) وتحاول كل دولة أوروبية توفير الطاقة من البلدان المنتجة، واستضافت ألمانيا في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 2023، رئيس الوزراء العراقي لإجراء مناقشات بشأن شحنات الغاز الطبيعي المسال (للتعويض عن فقدان الوقود الروسي) وإتمام إجراءات التوقيع على اتفاقية بين الشركة العراقية الحكومية ومجموعة سيمنز الألمانية (أكبر شركة تصنيع في أوروبا) لإعادة تأهيل وصيانة شبكة الكهرباء العراقية التي دمرها جيش الاحتلال الأمريكي، فقد فَقَدَتْ ألمانيا، منذ مقاطعة المحروقات الروسية نحو 55% من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، مما أضعف الاقتصاد الألماني ودفع الحكومة للبحث عن بدائل، ولذلك أيضًا وقّعت مَشْيَخَة "قَطَر" في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، اتفاقيتين مع شركة كونوكو فيليبس الأمريكية متعددة الجنسيات لتصدير مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عامًا على الأقل اعتبارًا من العام 2026، كما وقعت المستشار الألماني اتفاقية تعاون في مجال الطاقة مع الإمارات...
تحاول الإمبريالية الأمريكية تلافي الإنحدار (ولو بوتيرة بطيئة) من خلال عَسْكَرَةِ العلاقات الدّولية والإقتصاد والتّجارة، وتُشكّل أوكرانيا جُزْءًا من الشبكة التي نسجتها الولايات المتحدة منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، فأصبحت أوكرانيا منذ سنة 2004 معقلاً للمليشيات اليمينية المتطرفة ( ذات مرجعيّة نازيّة) وللإمبرياللية الأمريكية، وأصبحت منذ انقلاب شباط/فبراير 2014، قاعدة متقدّمة لحلف شمال الأطلسي، أي للولايات المتحدة، وللكيان الصّهيوني، وتستخدمها أمريكا كَرأس حربة لاستفزاز روسيا على حدودها، وقد يتفاقم الوضع بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، بالتزامن مع إعلان الحلف تعزيز الرّدع وزيادة عدد قواته المرابطة في أوروبا بعتادها (حوالي أربعين ألف جندي) إلى أكثر من سبعة أضعاف (ثلاثمائة ألف جندي)، لتصبح روسيا مُحاصرة من عدة جبهات، لكي يَتَيَسَّر إلحاق هزيمة ساحقة بها، وفرض الإنضباط ( أي الطاعة)على الإتحاد الأوروبي، كخطوة تسبق العدوان على الصّين، عبر تايوان...
سويسرا، دولة الفساد "النّاعم"
لاحظت منظمة "الشفافية الدّولية"، منذ سنة 2021، وكذلك في تقريرها الصادر يوم 13 كانون الثاني/يناير 2023، إن الشركات العابرة للقارات، ذات المنشأ السويسري، كثيرا ما تتورط في قضايا فساد أو غسيل أموال في الخارج، ومع ذلك، نادرًا ما تتم متابعتها ومقاضاتها في سويسرا، رغم بعض الإستثناء الذي يُؤَكّد قاعدة الإفلات من التتبع والعقوبات، ففي الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2022، قضت المحاكم السويسرية على شركة الأعمال الهندسية السويسرية - السويدية "أي بي بي" بدفع غرامة قدرها 4 ملايين فرنك سويسري (حوالي أربعة ملايين دولارا أمريكيا)، بتهم الفساد وغسيل الأموال، وإنشاء إدارة الشركة العابرة للقارات نظام للرشاوى، بهدف الحصول على تراخيص لبناء محطة طاقة تعمل بالفحم الحجري في جنوب إفريقيا.
أما آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية ( 13 كانون الثاني/يناير 2023) فيشير إنه من النادر أن تشعر الشركات المتورطة في قضايا فساد وغسيل أموال بالقلق من نظام العدالة السويسري، ولم تسجل المنظمة سوى عشر إدانات نهائية في العالم خلال عشرين عامًا، وتتطابق استنتاجات هذا التقرير مع الدراسات التي أجرتها جامعة التكنولوجيا والاقتصاد في تسوغ سنة 2012 وجامعة سانت غالن سنة 2016 والتي تُظْهِرُ أن حوالي 20% من الشركات السويسرية العاملة في الخارج – مثل معظم الشركات العابرة للقارات - مُتورّطة في قضايا متعلقة بالفساد والرشوة وغسيل الأموال، لكن لا تتم محاسبتها على أفعالها في الخارج، وعلى سبيل المثال، تم تغريم شركة السلع العملاقة غلينكور بدفع 700 مليون دولار في الولايات المتحدة بتهمة الاحتيال والفساد في البرازيل والكاميرون ونيجيريا وفنزويلا، لكن هذه الشركة متعددة الجنسيات التي توجد مقراتها في "تسوغ" بسويسرا لم تتم إدانتها أو محاكمتها في سويسرا، ما يُعْتَبَرُ تشجيعًا لها على ارتكاب مخالفات، مع التزام الحذر من الدّول الأخرى، وعدم الخوف من المحاكمة في سويسرا...
الولايات المتحدة - واجهة ديمقراطية للمُجَمّع الصناعي العسكري
يمتلك العديد من المسؤولين الأمريكيين المنتخبين، خصوصًا من نواب "الكونغرس"، حصصًا كبيرة في شركات الأسلحة التي تستفيد من عقود الدّولة الإتحادية، ما يُجسد اندماجًا بين السّلطات السياسية ومصالح شركات الصناعات العسكرية، وتغذية للنزعة العسكرية، وتجلّى ذلك خلال المناقشة في الكونغرس للميزانية والنفقات العسكرية لسنة 2023 والتي بلغت 858 مليار دولار، ليتجاوز بذلك نواب الكونغرس مبلغ 813 مليار دولارا الذي قَدّمه الرئيس جوزيف بايدن، وسِرُّ ذلك إن العديد من نواب الكونغرس هم من المساهمين في شركات الأسلحة، مثل بوينغ وجنرال دينميكس ورايثيون، وبذلك يكون النواب من أوائل المستفيدين من زيادة الإنفاق العسكري، ويمكن اعتبار هذه الحالة "تضاربًا في المصالح".
ورد في مذكّرة "التحالف البرلماني اليساري" ( نُوّاب يسار الحزب الديمقراطي ) الصادرة بنيسان/أبريل 2022 أن 284 عضوًا في الكونغرس ، أو 53% من النواب، يمتلكون أسهمًا في شركات، منها شركات الأسلحة، ونشر الاتحاد القومي لدافعي الضرائب دراسة حول التواطؤ واندماج المصالح بين النواب والمجمع الصناعي العسكري، ويتوقع أن يؤدّي اندماج المصالح إلى ارتفاع مستمر للميزانية العسكرية السنوية لتتجاوز ألف مليار دولار (تريليون دولارا)، سنة 2027، وتخلص الدراسة إلى أن أعضاء الكونغرس يستخدمون المعلومات السرية التي يمكنهم الوصول إليها للمضاربة في سوق الأوراق المالية وتطويع السياسة الأمريكية لخدمة الصناعات التي يمتلكون فيها أسهمًا، وفقًا لـ "نيويورك تايمز" بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 2022 والتي تشير إلى أن العديد من أعضاء الكونغرس (أو أحد أفراد أُسَرهم ) لديهم أسهم كبيرة في شركات السلاح التي يؤيدون زيادة عقودها الفيدرالية كل عام، وتذكر الصحيفة أسماء العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين الذين يمتلكون أسهماً تتراوح قيمتها بين 15 ألف دولارا و 200 مليون دولارا في شركات تصنيع السلاح، منها شركات هانيويل ولوكهيد مارتن وجنرال إلكتريك ورايثيون وجنرال دايناميكس، فيما يزعم موقع "businessinsider"، في أيلول/سبتمبر 2021، أن 74 عضوًا على الأقل من أعضاء الكونغرس (سنة 2021) قد حققوا أرباحًا كبيرة من الأسهم التي يمتلكونها في شركات تصنيع الأسلحة، ما يُؤَكّد أن قُوّة لوبِّي صناعة السلاح تؤدي إلى زيادة الميزانيات العسكرية.
من ناحية أخرى، تفرض الولايات المتحدة أسلحتها على جيوش حلف شمال الأطلسي، حتى لو كانت هذه الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية باهظة الثمن وليست الأفضل، وتُمثل الطائرة العسكرية من طراز F-35 (المصنعة من قبل شركة لوكهيد مارتن) نموذجًا للأعطال وتجاوز التكاليف، ومع ذلك ، يواصل الكونغرس طلب أعداد جديدة منها للجيش الأمريكي ولجيوش أعضاء الناتو، رغم تعدُّد الحوادث، بما في ذلك الذي وقع في كانون الأول/ديسمبر 2022 بإحدى قواعد القوات الجوية في تكساسن والمُوَثَّقَة بمقطع فيديو مدته 37 ثانية، متاح على الإنترنت، وهو ثالث حادث موثق ومعروف لطائرة F-35، خلال سنة واحدة، ويتوقع أن تصل تكلفة تصنيع هذه الطائرة إلى 1,7 تريليون دولار على المدى الطويل (بين عامي 2000 و 2060)، بينما يتجاوز سعر بيع طائرة واحدة حاليا 100 مليون دولار، فيما يرفض أعضاء الكونجرس تخصيص مبالغ أقل بكثير للخدمات الإجتماعية وللرعاية الصحية أو دور الحضانة أو الإسكان للأسر ذات الدخل المنخفض...
تعد طائرة F-35 مجرد مثال واحد على تواطؤ أو اندماج المصالح بين أعضاء البرلمان والشركات الخاصة، منذ ما يزيد عن ستة عقود، ما يُسَلِّط الضوء على بعض أسباب مظاهر عسكرة اقتصاد الولايات المتحدة وسياستها الخارجية ( ولئن كانت الحُروب العدوانية وعَسْكَرَة السياسات الخارجية هي إحدى سِمات الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية)، وعلى تضخّم شركات الأسلحة، وعلى سبيل المثال، تنتج شركة لوكهيد طائرات F-35 ومعها معدات تدريب للطيارين والمشرفين ونظام لوجستيات الطائرة ومعدات دعمها، مثل العربات والمنصات، كما تدير شركة لوكهيد أيضًا سلسلة التوريد وهي مسؤولة عن الكثير من عمليات صيانة الطائرات، ما يُكسب هذه الشركة الضّخمة قوة كبيرة، جعلتها شريكة في اتخاذ جميع القرارات الرئيسية، سواء كانت تقنية أو تتعلق بالجدول الزمني، أو للتعاقد مع شركات أخرى من الباطن، ووافقت الحكومة الأمريكية والنّواب على كافة المشاريع التي قدّمتها شركة لوكهيد مارتن، دون نقاش، وفقًا لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ الخامس عشر من تموز/يوليو 2022، يصف تكلفة طائرة F-35 بأنها إهدار مُستمر لموارد الحكومة الإتحادية المُتأتِّيَة من ضرائب المواطنين...
يوضح هذا المثال طبيعة النظام الأمريكي الذي يمكن وصفه بأنه "واجهة ديمقراطية" بمؤسسات لا تخضع لأي رقابة ديمقراطية من المواطنين، فالانتخابات الدورية ليست بالضّرورة علامة على الديمقراطية، طالما أن المال هو مفتاح النجاح والفَوْز بنتائجها...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثالث - 21 كانون الثاني/يناي ...
- متابعات - نشرة أسبوعية – العدد الثاني - 14 كانون الثاني/يناي ...
- مُتابعات – نشرة أسبوعية العدد الأول 07 كانون الثاني/يناير 20 ...
- اقتصاد سياسي – مُتابعات
- المسألة القومية
- المسألة الكُرْدِيّة، قضية حق أُرِيدَ بها باطل
- الذّكرى المائوية للإتحاد السّوفييتي 30 كانون الأول/ديسمبر 19 ...
- فساد عابر للقارات
- تأثير السياسة والمال في كرة القدم
- تونس على عتبات سنة 2023
- دروس اقتصادية وسياسية من مونديال قطر 2022
- الإقتصاد الرأسمالي العالمي بنهاية سنة 2022
- فصْل من برنامج -الشرق الأوسط الكبير-
- الحرب التكنولوجية
- العلاقات الصينية العربية
- غذاء -حاميها حراميها- أو خدعة -الثورة الخضراء-
- من دَواعي الحرب في أوكرانيا
- أخبار اقتصادية قصيرة
- مختصرات وأخبار اقتصادية
- الرياضة -أفيون الشعوب-؟ ملاحظات على هامش بطولة العالم لكرة ا ...


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الرابع - 28 كانون الثاني/يناير 2023