أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - العنف العراقي ... صفة جينية متغلبة أم نتيجة لأسباب















المزيد.....

العنف العراقي ... صفة جينية متغلبة أم نتيجة لأسباب


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 7555 - 2023 / 3 / 19 - 17:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأ الحديث عن موضوعة العنف في العراق يتشكل وكأن العنف صفة جينية خاصة بالعراقيين وحدهم وليس سلوكا محكوما بقواعد بشرية عامة من شأنها أن تتراجع أو أن تتقدم بناء على تَغَيِرِ فاعلية الظرف الذي يؤسس لها, وبهذا فإن العراقيين لا يختلفون عن غيرهم من الشعوب التي مارست العنف في مراحل تاريخية متعددة وبمستويات ربما تكون قد فاقت ما يجري الآن في العراق.
ما زالت مذبحة العائلة المالكة ومقارنتها بسلوك العرب الآخرين مع ملوكهم, وخاصة موقف المصريين مع فاروق, مع حوادث سحل الجثث (نوري السعيد وعبدالإله), مضافا إلى ذلك ما جرى بعدها من أحداث مشابهة في الموصل وكركوك, مع المذابح التي إرتكبها صدام بحق مختلف القوى ومنها الكثير من قيادي حزبه, مضافاً إلى كل ذلك ما اقترفه الارهاب وفرق الأيديولوجية المسلحة من قطع الرؤوس وفرم اللحوم, ما زالت هذه الحوادث تستخدم بطرق بعيدة تماماً عن البحث السليم والصائب لتسطيح موضوعة العنف العراقي وتجريدها من البنية الأساسية التي ينطلق منها, وبما يؤسس لنظرية تؤكد على أن العنف, كما قلت, صفة جينية خاصة بالعراقيين وحدهم وليس سلوكا محكوما بقواعد وقابل للتراجع إذا ما تغيرت الظروف التي تؤسس له.
واقول قابل للتراجع ولا أقول للتلاشي انطلاقا من حقيقة أن العنف يولد مع الإنسان ولا يموت إلا بموته تماشياً, في أفضل الأحوال, مع غريزة حفظ البقاء والدفاع عن الذات, وهو يتراجع أو يتصاعد اعتمادا على الظرف والعقيدة وليس اعتمادا على الأصل والانحدار.
ولعل قسما من الباحثين في الشأن العراقي, ومنهم عرب على وجه الخصوص, كادوا أن يجعلوا موضوعة العنف موضوعة عراقية بإمتياز حتى بت تشعر وكأنهم (عرقنوه) !!!
وقد يكون لهؤلاء بعض الحق في الحديث عن العنف العراقي لو أنه اُستخدم بدلالة الوصف الفني لمستواه وشكله, غير إنهم سيخطئون بكل تأكيد إذا ما تحدثوا عنه كظاهرة متوارثة أو كصفة جينية عراقية متغلبة.
وبعيدا عن الخطأ الناتج من سطحية المعالجة فإن الحديث بها الإتجاه قد لا يخلو من سوء نية. وهنا بالذات سأدعوكم لرؤية بعض ما رأيت, ففي اليوم الأول لدخول قوات الإحتلال الأمريكي لبغداد جرى تشجيع عملية النهب التي أتت على معظم ممتلكات الدولة العراقية وبعدها صار بعض الجنود الأمريكين ينادي على العراقي ب (علي بابا) !!!!.
ولن يشفع القول إن تلك القوات لم تكن بالعدد الذي يكفي لحماية تلك المؤسسات فلقد كان بإمكان بعض الإجراءات الأمنية أن تكون رادعة, وليس معنى ذلك تبرئة العراقيين من هذا السلوك المنحرف, غير أن الأمريكين أنفسهم, وحتى قبل غيرهم من الدول الأخرى, يعلمون تماما أن غياب الأمن لا بد وأن يؤدي إلى ظاهرة من هذا النوع.
ففي عام 1978 حينما انقطع التيار الكهربائي عن نيويورك لفترة لا تتجاوز الأربعة والعشرين ساعة جرت سرقة وتخريب الكثير من حوانيت المدينة.
وفي منتصف الثماننيات وقعت لوس أنجلس في نفس المأزق, حيث تمت سرقة وتخريب الكثير من حوانيتها, وذلك بعد انفجار دورة العنف بسبب تصرف الشرطة العنصري ضد رجل أسود, كما إن مدينة نيوأورليانز لم تنجو من ذلك أيضا بعد تعرضها لكارثة الإعصار والفيضان في بداية القرن الحالي.
ذلك يؤكد على أن الأمريكيين, وهم الشعب الذي يشار له بالحضارة والتقدم, يفعلوها مثلما فعلها العراقيون, وبمهارة قد تكون أعلى !! حينما تكون هناك ظروف متشابهة أو متقاربة.
وإن بإمكان العراقيين بهذا أن يسخروا من الأمريكيين حقا وينادونهم (بوش بابا).
ولتعريب المقارنة ... علينا أن نتذكر ما حدث في مصر أثناء حكم السادات, حيث أدت التظاهرات التي خرجت احتجاجاً على رفع أسعار الخبز وبعض المواد الاستهلاكية الأخرى إلى عمليات نهب واسعة وإلى تخريب الكثير من ممتلكات الدولة بما دفع السادات نفسه لتسمية تلك الإنتفاضة ب (انتفاضة الحرامية).
ولقد حدث ذلك مع شعب يفترض إنه أقل انسياقا للعنف وأكثر ميلا للتسامح وبما يؤكد على إن قواعد اللعبة هي ذاتها, فحينما يتشابه الظرف تتشابه الظواهر, وفي المدن الثلاث .. بغداد ولوس أنجلس والقاهرة, لم يكن النهب والتخريب صفات لصوصية خالصة وإنما أيضا تعبير عن الانتقام من دولة قاسية أوسلطة ظالمة, فهما فعل سياسي عنيف عَبٌرَ عن نفسه بطريقة غرائزية, والإنسان بهذا هو واحد سواء أكان عراقياً أم أمريكياَ أم مصرياّ.
ولست الآن معنيا بالوقوف أمام تفاصيل أخرى, فهناك الكثير مما يمكن تسجيله هنا, وفي تواريخ جميع الشعوب يمكن رصد ظاهرة العنف كحالة ملازمة لظرف موضوعي, كما يمكن التأكيد على إن تلك الظاهرة, إن هي قد تراجعت هنا أوهناك, فإنها لم تفعل ذلك بسبب تبدل التركيبة الجينية لهذا الشعب أو ذاك وإنما بسبب تغير الظروف التي تطلق العنان لتلك الظاهرة وتجعل الطبع يتغلب على التطبع.
ولو حدث أن تشابه الظرف في السويد مع مثله في العراق أو مصر أو أمريكا فليس هناك ما يمنع من تفشي هذه الظاهرة وإستفحالها في شوارع ستوكهولم الوديعة والمسالمة.
ولا ضير أن نتحدث هنا عن المسألة الجينية على شرط أن لا نستعملها بمنحى عنصري.
وبعيدا عن العنف المسيس, أي ذلك الذي تستعمله السلطة أو خصومها, لحماية دولة أو للإنقلاب عليها, فإن العنف على صعيد فردي هو صفة جينية ملازمة للإنسان أيا كانت قوميته أو دينه, وهو .. بإتجاهات معينة, سلوك دفاعي لحفظ النوع إذا ما انعدمت الوسائل الأخرى, مثلما هو أيضا طريقة للتعبير عن احتجاج متفجر ومنفلت.
وإذا ما تم رفع الوسائل الحضارية التي تحجر عليه, وتدنى الظرف المحيط بشكل مشجع, فإن عودة الإنسان إلى التعبير عن مواقفه بشكل غريزي تصبح عودة طبيعية.
والإنسان بهذا هو واحد سواء كان من أهل بغداد أو واشنطن أو القاهرة أو استوكهولم.
ولي ان أروي لكم في هذا الإتجاه حادثتين, واحدة عراقية وأخرى أمريكية ....
ولأبدأ بالعراقية, وكان قد رواها لي صديقٌ عمل في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف وكيلاً لوزارة, وقد تقلد منصبه ذاك عن حق وجدارة نظراَ لخبرته وكفاءته وإنجازاته, وأيضا لشهادة الدكتوراه في إختصاصه الوظيفي وليس لأنه عضواً في حزب أو ميليشيا.
ولأن أبيه كان أحد العسكريين الذين رافقوا الملك فيصل الأول في رحلته من الحجاز إلى العراق وتقلد مواقع متقدمة في دولة فيصل وولده غازي, فقد صار صاحبي بذلك وريثا لنِعَمٍ سلوكية كان تعلمها أبوه من رفقة الملوك.
وفي فترة دراسته للحصول على شهادة الدكتوراه من أمريكا مر صاحبي ومجموعة من العراقيين الدارسين معه بظروف صعبة, فلقد قطعت عنهم مخصصات البعثة الدراسية وظلوا لحين عودتها في ظرف قاس وصعب, فكان أن عضهم الجوع وكادت مصارينهم أن تفقد الذاكرة, وفي اللحظات الأولى بعد عودة المخصصات المالية ذهب الجميع فوراً إلى أقرب مطعم, وطلبوا طعاماً يكفي لقبيلة, وأخذوا يأكلون بطريقة عميان المآتم, مستعملين أيديهم عوضاً عن الملاعق والأشواك, وتاركين لبعض الطعام والشراب أن يسقط على ثيابهم, حتى إذا ما سكنت الغريزة ورفعوا رؤوسهم عن الطعام واشتغلت أحاسيسهم الأخرى فقد رأوا إن جميع رواد المطعم من الأمريكين كانوا ينظرون إليهم بتعجب إن لم يكن بإزدراء.
في موقف آخر سوف نرى كيف إن أولئك الأمريكين ذاتهم, أصحاب أتيكيت وأدب المائدة الذين ضحكوا على أولئك العراقيين الجوعى يتحولون إلى شئ آخر تماما حينما يتغير الظرف.
إن حادثة الطائرة التي كانت تقل فريقاً أمريكياً رياضياً من الشباب الجامعيين والتي سقطت في منطقة جبلية معزولة ما زالت في الأذهان.
لقد اضطر هؤلاء بعد أن نفذت ذخيرتهم من الطعام إلى أكل جثث موتاهم !!!.
فلا فرق إذن بين عراقي أو سويدي أو أمريكي حينما يحضر ظرف العنف, فالجهاز الهظمي هو واحد من حيث التركيبة, وغريزة البقاء هي واحدة أيضا, فإذا ما ذهب العراقي إلى العنف في اليوم الأول فسوف يذهب الأمريكي له في اليوم الثاني أما السويدي فسيلتحق بهم في اليوم الثالث, وفي النهاية فإن جميعهم ذاهبون إلى العنف لا محالة.
أما توقيت الذهاب فهو أمر خاضع للمخزون الحضاري الذي يحجر على العنف والذي سينفذ عاجلا أم آجلا حينما تتعرض الذات إلى الخطر ويتقدم الفعل الغريزي بعد ذلك لتكون له الكلمة الأخيرة.
وحينما نسترجع معاناة العراقيين, على الأقل في العقود الخمسة الأخيرة, ودون أن نتوقف أمام قرون خلت حيث كان العراقيون خلالها ضحايا مفضلين لغزو الدول المجاورة, وخاصة العثمانية والفارسية, فإن معاناتهم مع الحروب الثلاثة وقسوة الحصار مضافا إليها القمع السلطوي وما تفضل به علينا الإحتلال المبجل والمقاومة التكفيرية المحترمة والميليشيات الطائفية الموقرة, هي كافية لكي تحول شعباً متحضرا من تلك الشعوب إلى قبيلة آكلة للبشر.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رفض المشكلة إلى الرفض المشكلة
- ثلاثة إسلامات .. المقدمة
- العرب الذين غزوا فارس هل كانوا بدواً حفاة
- البحث عن الهوية والذات .. قُل هكذا تحدثت البصرة.
- بين العقائدي والبراغماتيك
- عن كرم أهل البصرة وترحابهم بأهل الخليج في كأس الخليج
- على عنادك على عنادك / أحبهم وأحرك إفادك
- الحزن الأسود والفرح الملون
- ثقافة لحظة المغادرة وثقافة لحظة الانبهار
- ذكريات بطعم الحنظل وأخرى برائحة الشَبوّيْ .. (4)
- العلمانية وبناء الدولة الوطنية
- 14 تموز : ثورة كانت أم انقلاب (2)
- 14 تموز ثورة كانت أم إنقلاب
- بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية
- مقدمة كتاب (العلمانية وبناء الدولة الوطنية)
- السباحة عكس التيار
- صراع الأزمنة العراقية
- فن النوم على المسامير
- الطائفية في العراق والدولة العلمانية
- ميكافيلي .. الرجل المجني عليه


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - العنف العراقي ... صفة جينية متغلبة أم نتيجة لأسباب