أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين العقائدي والبراغماتيك














المزيد.....

بين العقائدي والبراغماتيك


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 7495 - 2023 / 1 / 18 - 17:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُشترط على الأحزاب العقائدية العاملة في الميدان السياسي أن تحتفظ دائماً ببوصلةٍ وظيفتها أن تضع صيغة التعامل مع اللحظة السياسية الراهنة في خدمة مبادئها التاريخية, وهذا ما يميزها عن الأحزاب البراغماتية, ومتى ما فقدت تلك الأحزاب هذه البوصلة الهامة فهي ربما ستفلح في إحتلال موقع لها في ميدان السياسة ولكن على حساب ميدان العقيدة والأيديولوجيا. ولربما كسبت بغياب تلك البوصلة موقعة مرحلية ولكن ذلك سيأتي في الغالب على حساب معركتها ذات البعد التاريخي الإستراتيجي المتجاوز لمحدودية أفق الهيئات والآليات البراغماتية.
والحزب العقائدي, وإن جرى تصنيفه في خانة الأحزاب السياسية, إلا أنه يظل يحتفظ بأهداف ذات طابع تاريخي تلزمه أن لا يقترف خطيئة أن يكون براغماتياً بالمعنى الذي يجعله يرتكب إثم الإنسياق الكامل وراء ما يسمى بضرورات النجاح في اللحظة الراهنة والذي قد يجعله يدخل في مساحة التناقض بين ما هو مرحلي وما هو تاريخي .
ونجد على الجهة الأخرى أن الحركة السياسية ذات الأهداف المرحلية غالباً ما تعطي لنفسها الحق في اختيار ما يخدم وصولها إلى هدفها المرحلي غير معنية أبداً بحساب قيمة التناقضات التي يؤسسها ذلك مع أهدافها التاريخية ربما لغياب تلك الأهداف أساساً.
على الجهة المقابلة فإن الفكر الأيديولوجي العقائدي يرتكب أيضاً واحداً من الأخطاء الكبيرة حينما لا يعطي إهتماماً كبيراً للعمل السياسي المعرَّف هنا بفن التعامل مع اللحظة متسبباً بتحويل تلك الأفكار إلى مقدسات لا يجوز الخروج عليها, ونائما في عسل الترف النظري إلى درجة الغيبوبة ومنساقاً بشدة لكي ينازل المخيلة الإفلاطونية على مدينتها الفاضلة.
أما البراغماتية .. فيقول عنها أشهر فلاسفتها , الأمريكي (تشارلز بيرس), هي الموقف الذي يصرف النظر عن الأشياء الأولى والمبادئ، والمقولات ويتجه إلى الوقائع والنتائج. لكن تعريفاً كهذا قد يؤدي إلى وضع مفهوم البراغماتية في مواجهة الأيديولوجية, اي أنه يتعامل مقدماً مع الفكر الأيديولوجي كحالة معطلة لحرية التحقق من الأفكار الصحيحة على ضوء التجربة والأدلة العملية وقد يُكَّفِر حتى مجرد التفكير بتغيير الإسلوب أو تعديله.
وأرى أن ذلك قد يكون معقولاً في حالة الأمم التي انجزت تكوينها وأصبحت مبادؤها الأخلاقية التاريخية الرئيسة جزء من حياتها اليومية كوقائع وممارسات بات من الصعب الخروج عليها. وأعتقد أن البراغماتية والأيديولوجية هنا لا يتناقضان من حقيقة أن البراغماتية لن تهدد باي شكل من الأشكال ثبات العقيدة التاريخية بأطرها الأخلاقية العامة لأن هذه الأخيرة قد تحولت إلى مجموعة من الحقائق الحية ولم تعد تتحرك في خانة الفكر الفلسفي التنظيري. ففي الولايات المتحدة التي تتمسك بعقيدة مواطنها تشارلز بيرس ( 1839 ـ 1914) , وكذلك في حالة أغلب الأمم الأوربية, تتحرك البراغماتية في مساحة تطوير وتعديل النظريات, التي تحولت إلى حقائق, من أجل أن تكون هذه النظريات أكثر قدرة على التناغم مع معطيات الواقع المتحرك والمتغير, اي من أجل أن لا تفقد حركيتها التي تمنحها صفة الحياة, فهي لا تلغي الفكر التنظيري المتأسس على القدرات العقلية وقد تعطيه أفضلية السبق لكنها مع ذلك لا تمنحه شهادة النجاح إلا أذا أثبتت قدرته على التعاطي مع معطيات الواقع, اي أن الحالة يمكن التعبير عنها بالتلازم ما بين النظرية والتطبيق أوما بين قاعة المحاضرات وقاعة المختبرات..
على أساس ذلك أرى أن من الخطأ وضع البراغماتية في مواجهة الأيديولوجية والقول بضرورة الأخذ بأحدهما وترك الآخر. لقد قيل أن سقوط الإتحاد السوفيتي قد وضع نهاية تاريخية لعصر الأيديولوجيات مقابل انتصار ساحق للفكر البراغماتي الذي يعطي أسبقية للتجربة على الفكرة, وهذا القول نشأ كما أعتقد من إهمال العلاقة الجدلية بين طرفي هذه الثنائية, اي البراغماتية والأيديولوجية, والإعتقاد بأن أحدهما نقيض للآخر, لكني اعتقد أن هناك ثمة خطأ في إدراك أن تعثر الأيديولوجية كان سببه الأساسي ولوجها خانة التصنيم وتحولها إلى أفكار مقدسة لا يجوز التفكير بتعديل بعضها او تغيير وتبديل البعض الآخر, ولهذا أظن أن ذلك القول لم يطلق حكمه ذاك مفترضاً أن التفكير الأيديولوجي هو خطأ من حيث الفكرة أساساً, فحتى عتاة البراغماتيين لا يخرجون على الأيديولوجية بمعنى إلتزامهم بها بعد أن صارت مجموعة من الحقائق السياسية والأخلاقية ولم يعد هناك ثمة ما يدعو إلى تغييرها بعد أن زحفت من خانة التنظير إلى خانة الوقائع.
إن أشد أخطاء الفكر الأيديولوجي وطأة هو ذلك الذي يتمشهد في غياب المرونة السياسية التي تؤهله للنزول من علياء النظرية وترفها إلى حيث معطيات اللحظة الراهنة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن كرم أهل البصرة وترحابهم بأهل الخليج في كأس الخليج
- على عنادك على عنادك / أحبهم وأحرك إفادك
- الحزن الأسود والفرح الملون
- ثقافة لحظة المغادرة وثقافة لحظة الانبهار
- ذكريات بطعم الحنظل وأخرى برائحة الشَبوّيْ .. (4)
- العلمانية وبناء الدولة الوطنية
- 14 تموز : ثورة كانت أم انقلاب (2)
- 14 تموز ثورة كانت أم إنقلاب
- بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية
- مقدمة كتاب (العلمانية وبناء الدولة الوطنية)
- السباحة عكس التيار
- صراع الأزمنة العراقية
- فن النوم على المسامير
- الطائفية في العراق والدولة العلمانية
- ميكافيلي .. الرجل المجني عليه
- (الإسلاسي) و (العُلَيْمانية) : مفهومان قيد الإنشاء
- الأقلية الأكثرية
- فكر المظلوميات من جيفرسون المؤسس إلى بوش الإبن المفلش
- عوامل ساعدت على إنتشار التشيع في العراق أثناء الحكم العثماني ...
- قاطعوا الإنتخابات ولا تكونوا كذابي زفة


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين العقائدي والبراغماتيك