وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 1709 - 2006 / 10 / 20 - 11:20
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
هنالك من يصنف الابداع ضمن نموذجين الاول مرتبط بالابداع الوراثي الذي يأتي عن طريق الوراثة ، بحيث تكون القدرات العقلية والفكرية غير مرتبطة بالتحصيل العلمي والدراسي وتراكم الخبرات والمعارف ، ومن ثم هو نتاج ملكة خارج العقل الانساني ، وذلك الابداع تؤكده" الصدفه في خلق الممكنات الابداعية لدى الانسان " وجذور هذا الرأي تعود الى افلاطون ( سيكلوجيا الابداع الفني / قاسم حسين صالح / بغداد – دار الشؤون الثقافية / 1990 / ص 9 ) اما النموذج الثاني فيؤكد ان الابداع هو حصيلة التجارب العقلية لدى الانسان من خلال الاكتساب والخبرة والملاحظة من دون اي ملكة خارجية عن العقل البشري ، والابداع ضمن هذا الرأي هي " عملية عقلية تعتمد على مجموعة من القدرات تتميز بعدد من الخصائص وهي الحساسية للمشكلات ، الطلاقة ، الاصالة ، الجدة ، الحداثة ، التفرد ،المرونة ( سيكلوجيا الابداع الفني / ص 12) .
ان الابداع في المجتمع يظهر ضمن حالة صراعية بين الكثير من القيم والافكار والمعارف ، تلك السائدة التي يحافظ عليها عادة مجموعة من القائمين على المؤسسة الاجتماعية والتربوية ، وبين اولئك الذين يملكون الاصالة و الحساسية للمشكلات الاجتماعية السائدة ولمجموعة التعثرات الحاضرة في جسد المجتمع الثقافي والتربوي ، ولكن دائما ما يعاني الابداع من عدم الظهور داخل المؤسسة التربوية لان الاخيرة غير قادرة على استيعاب الابداع الذي يؤكد التجاوز ، ومن ثم حضور الانسان داخل جدلية مستمرة من الافكار والمؤسسات والمذاهب والمدارس الفكرية كما هو حاصل لدى المجتمعات التي استطاعت ان تنجز الكثير من المدارس الفكرية المختلفة في ما بينها في القرن التاسع عشر على وجه الخصوص في الغرب الحديث .
ان المؤسسة التربوية العراقية منذ ان تحولت الى ثكنة عسكرية هي مؤسسة " حفظية " لمقررات التربية العسكرية والحزبية التي تقوم بها الدولة ، حيث تم تغييب تربية الابداع بشكل قسري من خلال موضعة الطلبة والمجتمع على حد سواء ضمن قيم ثابتة من المعرفة ، الامر الذي اسس في ما بعد تكوينات اجتماعية مهمشة وغير قادرة على تكوين حساسية حقيقية للمشكلات التي تواجهها ، الامر الذي غيب عن الذاكرة المجتمعية بشكل عام قيمة الابداع واهميته في التطور الحضاري ، وذلك الامر نشهده اليوم ايضا من عجز المؤسسة التربوية عن تكوين اجيال اجتماعية مبدعة وذلك لمجموعة عوامل لا تتعدى الظروف السياسية والامنية والاجتماعية التي يشهدها المجتمع ، كل ذلك من الممكن ان يساعد على جمود المؤسسات التربوية في العراق ، ومن ثم جعلها مصدرا دائما للتعثرات وعدم النهوض الحضاري والفكري على مختلف الاصعدة والمستويات ، فتربية الابداع تحتاج الى دولة تؤسس ثقافة القانون وتفرض اخلاقيات متسامحه مع الاخرين وخصوصا ضمن مجالات الابداع والخلق داخل اكثر مؤسساتها ، كل ذلك لم يتحقق على صعيد الواقع من حيث الحضور والانتشار .
ان عملية تربية الابداع تحتاج الى مجموعة من الخبرات والتراكمات تلك التي تؤسس لدى الطلبة مجموعة من الصفات يحددها براون لدى الباحث المبدع الذي ينبغي ان تتوفر لديه هذه الصفات ، ولكننا نحاول قدر الامكان ان ننسبها اي هذه الصفات او الخصائص الى المؤسسة التربوية بالرغم من ان الاخيرة يصعب عليها ان تتبنى الكثير منها ، خصوصا في ازمنتنا الراهنة وما يوجد فيها من جمود وتأخر كبيرين في مجال الفكر التربوي الحديث ( الابداع وتربيته / دار العلم للملايين / بيروت/ الطبعة الثانية / 1979- ص 172 )
تنمية العقل المتسائل : - وذلك من خلال وجود المؤسسة التربوية التي تساعد الطلبة على تكوين الاسئلة والسماح في كيفية طرحها من دون مواجهة قسرية لطبيعة هذه الاسئلة من قبل المعلمين ، وذلك لان طبيعة السؤال من الممكن ان تشحذ لدى الطلبة الرغبة في المعرفة اكثر فأكثر ومن ثم هنالك النزوع نحو الاكتشاف والابداع ، وان المدرسة التي تحاسب الطلبة على شكل الاسئلة هي مؤسسة غير اكتشافية الى حد بعيد .
تنمية القدرة على التحليل والجمع : - ان تنمية المواهب الابداعية داخل المؤسسة التربوية يتم من خلال تدريب الطلبة على الحفظ والفهم ومن ثم تكوين القدرة على الجمع والتحليل في مابعد ، وذلك من خلال تجاوز الاسلوب الحفظي لدى الطلبة بلا اية مقررات للفهم والاستيعاب ، فالقدرة على الحفظ والجمع يوفران لدى الطلبة الكثير من المعارف والخبرات ومن ثم القدرة على التحليل تكوين الصور والمدركات المختلفة عن جاهزية الاشكال والاطر المعرفية السائدة ، وذلك الامر يتم من خلال توافر مجموعة شروط تتمثل بحرية المؤسسة التربوية وقدرتها على توفير الاجواء الرحبة من " حرية البحث وحرية المخالفة وحرية الرأي وحرية يكون فيها التعلم مهما كالتعليم ويكون فيها الاكتشاف مهما كالانتاج " ( الابداع وتربيته / ص 174 ) .
تنمية الحدس لدى الطلبة : - من صفات الابداع الاساسية من حيث قدرته على تكوين الترابط بين الافكار وتحديده للجديد والغريب منها ، من خلال وجود الطبيعة العقلية المتسائلة والجامعة للخبرات والمعارف طيلة العمر الدراسي لدى الطلبة ، فالحدس من الممكن ان تعمل التقاليد والمؤسسات التي تحتوي مجموعة من القيم والمعارف التي لا تعمل على تكوين مدارس متسامحة ذات اجواء تغلب الابداع على الاتباع للجمود والركود التربوي والمعرفي ، خصوصا اذا توفرت هنالك الارضية الكابحة لديه من حيث وجود العقبات المتمثلة بالروتين الاداري والمنافسة على المناصب والمكتسبات ، الامر الذي يعطي صفة التعليم بعدا اجتراريا للافكار والمعارف السائدة ، ومن ثم يغيب حينئذ الابداع وحضوره داخل المؤسسة التربوية .
تنمية صفة النقد الذاتي لدى الطلبة : - ان المؤسسة التربوية التي تساعد الطلبة على طرح الاسئلة وبلورة الكثير من المعارف حول الكثير من القضايا المرتبطة بالمعرفة ومصادر البحث العلمي من اجل مساعدة الطلبة انفسهم على تكوين نقدا ذاتيا للكثير من القضايا وهذا النقد لايخص الذات الفردية فحسب بل يشمل الذات المجتمعية وما يتكون في داخلها من مؤسسات وقيم ومعارف اصيبت بالتراجع عن خلق الابداع والاكتشاف كصفة ملازمة لدى المجتمع ، فالنقد الذاتي يولد مسألة الاعتراف بأن الحقيقة غير مطلقة ومن الممكن مراجعتها ومن ثم صب جام النقد عليها وهكذا نحو حقائق جديدة تساعد الطلبة على تكوين حقول متعددة من الاكتشاف والابداع الجديدين ، والنقد الذاتي محصلة الكثير من المعارف والخبرات التي استطاع الباحث او الطالب او المبدع الحصول عليها لتكوين معرفة جديدة غير مرتبطة بمقررات الماضي الذي يحمل في كثير من الاحيان الاختلاف عن منجزات ومكتسبات الحاضر .
تنمية النزوع الى الكمال : ويتم ذلك من خلال تربية الطلبة على المثابرة وانه لاتوجد حدود تعيق او تشكل عقبة إزاء البحث او الابداع من خلال تحمل المعلمين جميع طروحات وآراء الطلبة انفسهم ، وذلك لان نزوع الطلبة الى الكمال يعني هنالك الجدية والاصالة في البحث والابداع على شرط ان لا يتحول الكمال الى مطلق قيمي تربوي يتم تأصيله وتأبيده كقيمة ثابتة في ما بعد .
تنمية النزوع الى مقاومة السلطة الخارجية : وهذه الصفة الاخيرة لايمكن ان تمارسها المؤسسة التربوية في كثير من الاحيان وذلك لصعوبات تتعلق بتكوين السلطة الخارجية وما تملكه من مقررات ثابتة تؤثر على المناخ العام المحيط بالمؤسسة التربوية ، فتحدي السلطة الخارجية يحتاج الى الشجاعة والاصرار على التغيير وان هدف التعليم ليس تقليد الاخرين وقبول فروضهم وطروحاتهم بل هو ان تجعلهم على تماس مباشر مع التغيير اي ان المعلم لايكتفي بنقل المواد والمقررات الدراسية كحاضنة لها فحسب بل يضيف اليها جميع القيم المساعدة على التغيير من تساؤل ومعرفة دائبة على الحفظ والفهم والاكتشاف ومن ثم التغيير قي ما بعد .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟